السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وداعـًا.. «نبيل» الفن: نبيل الحلفاوى .. القبطان يرسو على بـَرّ الخالدين

عينان تتحدثان بتحدٍ وملامح مصرية أصيلة وموهبة استثنائية تعتمد على التلقائية والسلاسة.. هو الأب يدعم ويشد ظهر ابنته فى (لأعلى سعر) وأصل الشهامة فى (زيزينيا) والقائد الشجاع فى (الطريق إلى إيلات) و(رأفت الهجان).. هو القبطان النبيل «نبيل الحلفاوى».



رحل «الحلفاوى» عن عالمنا منذ أيام قليلة فى هدوء كما كان يتمنى.. رحل ورحلت معه حقبة تاريخية مهمة من تاريخ الفن كتب فيها روائعه بحروف من ذهب.. تاركا بصمته الواضحة بين جيل فنى من العمالقة.. قدم معهم عددًا كبيرًا من الأعمال التى تعد من علامات الفن المصرى سواء بالمسرح أو السينما أو الدراما التليفزيونية.

لقّبه أحباؤه بـ«القبطان»، ربما لمقدرته على السفر بأحلامه وشخصياته عبر الزمان والمكان.. وربما لأنه استطاع أن يملك دفة فن الأداء التمثيلى والتى يتحكم بها بسلاسة مثل القبطان.. يرسو كل يوم على ميناء لشخصية ما.. يحبها ويتحد معها ويقدمها بإحساسه.. ثم يتركها ويبحر للبحث عن مغامرة جديدة يتحدى بها نفسه.

 ميناء الفن

لم يكن يعلم الطفل «نبيل الحلفاوى» الذى وُلد فى حى السيدة زينب فى إبريل عام 1947 أنه سيصبح من أهم نجوم الفن المصرى وأنه سيقع فى عشق التمثيل؛ وبخاصة المسرح.

فكان «نبيل» كشاب من أسرة متوسطة يتخبط بين أحلامه.. فتارة يعشق رياضة الملاكمة ويحاول احترافها مثل العالمى «محمد على كلاى».. وتارة يقرر دراسة الهندسة.. بينما كان من الصعب عليه تحديد شغفه الحقيقى فى الحياة فخضع لطلب عائلته بترك كلية الهندسة ودرس قليلاً فى كلية الصيدلة.

بدأ الأمر يزداد صعوبة وتعقيدًا مما جعله يترك كل ذلك خلفه ويحوّل أوراقه للدراسة بكلية التجارة لعله يجد هدفه واتجاهه فى الحياة.. وبالفعل وجد «نبيل» ضالته فى مسرح الجامعة ففتح عينيه على عالم آخر، عالم ملىء بالبهجة والدموع، بالأداء والإبهار.. عالم جعله يكتشف موهبته التى كان يحملها فى أعماقه.. فاتبع شغفه ووجهته الجديدة وقام بالانتقال لمعهد الفنون المسرحية ليتخرج فيه عام 1966.

منذ مشاركته الأولى فى المسرح الجامعى لفت «الحلفاوى» الأنظار بأداء يجمع ما بين التلقائية والاحترافية.. فاستطاع أن يطوع ملامحه ونظراته ولغة الجسد فى تجسيد الشخصيات التى كان يقدمها ببراعة.. مما جعله خلال سنوات قليلة يدخل لبوابة المسلسلات الدرامية من خلال مسلسل (العصابة) عام 1970 ليقدم بعدها عددًا كبيرًا من الأعمال الدرامية المميزة والتى تعتبر من علامات الدراما المصرية حتى الآن، ومنها (لا إله إلا الله، غوايش، رأفت الهجان، زيزينيا، ونوس، لأعلى سعر، القاهرة كابول) وغيرها.

وقدّم «الحلفاوى» أول أعماله فى السينما بعد 10 سنوات تقريبًا من دخوله للتليفزيون؛ حيث كان مقتصرًا عمله على المسلسلات الإذاعية والتليفزيونية والسهرات الخاصة والمسرحيات.. ثم قدم أولى تجاربه السينمائية من خلال فيلم (The death of a princess) وهو فيلم عالمى تم عرضه بالمملكة المتحدة عام 1980.. ثم قدم بعده دور «شهدى حسين» فى فيلم (وقيدت ضد مجهول) عام 1981 وقدم بعدها عددًا كبيرًا من الأفلام، منها (فقراء لا يدخلون الجنة، اغتيال مُدرسة، العميل رقم 13، الطريق إلى إيلات، الهروب إلى القمة) وغيرها.

ووصل عدد أعمال الراحل «نبيل الحلفاوى» إلى 89 عملاً ما بين الدراما والسينما والمسرح بينما اختتم أعماله المسرحية عام 2018 وكانت (اضحك لما تموت) مع صديقه الراحل «محمود الجندى»، وكانت المسرحية من تأليف «لينين الرملى» وإخراج «عصام السيد».

 مراسى تركت بصمة

ظل القبطان «نبيل الحلفاوى» يبحر فى بحر الفن على مدار 54 عامًا استطاع من خلالها أن يضع بصمته الاستثنائية بأدوار حفرت فى ذاكرة الفن بأداء يُدَرّس لكل الأجيال القادمة ومنها دوره فى مسلسل (رأفت الهجان)؛ حيث شارك «الحلفاوى» بدور «نديم هاشم» الملقب بـ«قلب الأسد».. وقد كانت لـ«الحلفاوى» حكاية بكواليس هذا الدور؛ حيث إن المخرج الكبير «يحيى العلمى» تحدّث معه ليرشحه للقيام بدور آخر مع بداية تحضيراته للمسلسل ولكن «الحلفاوى» كان قد قرأ القصة المبنى عليها العمل بالفعل وكان معجبًا بشخصية «نديم» جدًا، فطلب من «العلمى» أن يجعله يقدم شخصية «نديم» واعتذر الأخير له مؤكدًا أن الشخصية لن تظهر سوى بالجزء الثانى للمسلسل. ومع بداية التحضيرات للجزء الثانى فوجئ «الحلفاوى» بترشيح «العلمى» للفنان الراحل «كرم مطاوع» لتقديم شخصية «قلب الأسد» والذى اعتذر بدوره بسبب انشغاله ببعض الأعمال فعاد «العلمى» مرة أخرى لـ«الحلفاوى» والذى رحّب بقبولها لأنه أحبها، مما جعله يتوحد معها ويقدمها بشكل أعجب به عشاق الدراما.

أمّا فيلم (الطريق إلى إيلات) الذى قدم من خلاله دور «العقيد محمود» فقد كشفت المخرجة «إنعام محمد على» أن «الحلفاوى» على العكس تمامًا لم يتحمس لدوره فى البداية؛ خصوصًا أنه كان منشغلا بتقديم عمل آخر فى نفس فترة تصوير الفيلم.. ولكنها ألحت عليه لأنها رأته فى هذا الدور تحديدًا وأكدت له أنه سيكون دورًا مُهمًا فى تاريخه وقد كان.. وبعد مرور 27 عامًا على الفيلم غرّد «الحلفاوى» عبر حسابه على موقع إكس مدافعًا عن فيلمه (الطريق إلى إيلات) الذى تعرّض للهجوم من بعض المتابعين الذين اتهموه بأنه لم يتم تصويره تحت إشراف القوات البحرية من الأساس؛ حيث كتب قائلاً: «الفيلم مش بس كان بإشراف من القوات البحرية.. لأ وكانوا الأبطال بييجوا يزورونا.. والمفاجأة أن البطل مصطفى طاهر الذى عالج مشكلة اللغم فى المشهد المعروف كان هو المستشار العسكرى للفيلم»..

يُذكر أن فيلم (الطريق إلى إيلات) هو السبب فى منحه لقب «القبطان»؛ وذلك نظرًا لمَحبة الجمهور له فى الفيلم.

 بَرّ النهاية

كشف الإعلامى «محمود سعد» عن معاناة الراحل «نبيل الحلفاوى» مع مرض السرطان من الدرجة الرابعة فى أيامه الأخيرة؛ حيث كان «الحلفاوى» نبيلاً بأخلاقه فلم يُرد إزعاج جمهوره، رغم أنه كان من أكثر فنانى جيله تفاعلاً مع جمهوره عبر منصات التواصل الاجتماعى.. وكانوا يلقبونه بعمدة الأهلاوية نظرًا لحماسه الشديد بتشجيع ناديه المفضل.. بينما كان يكتب آراءً متزنة وموزونة عن مختلف المشكلات والأحداث الاجتماعية والسياسية، لم يتغير رأسه يومًا وفقًا للموجة أو التيار السائد.

تمنى «الحلفاوى» أن يرحل فى صمت وبهدوء وهذا ما دفع أبناءه المخرجين «وليد وخالد» أن يتكتما تفاصيل حالته الصحية واسم المستشفى الذى قضى به آخر ساعاته.

وكما اتسمت حياته بهدوء ورحيله بهدوء، كان القبطان قد رثى نفسه بكلمات مؤثرة تم نشرها عام 2002 فى مجلة «الكواكب»؛ حيث كتب:

ف نعيى ما تكتبوش

أسامى القرايب

ف نعيى لازم تنكتب

أسامى الصحاب

وصيغة الكلام

بدون النظام

وحسب الميزان

مش حسب المحبة

حتبقى كده:

صديق كل من

السعدنى والصحن ولينين

فرغلى والدكتور أمين

سامى ومرعى وأحمد ياسين

يحيى وحمدى وعبدالله غيث

سامح وشامخ وعلوة وأديب

سيدهم وكيمو وسناء

والطاهر بهاء

أحمد وحودة وعِماد

محمد ودوحة ورِياض

أشرف وشاكر وطلعت

عزت ومدحت وبهجت

حسين وسمرة وجلجل غنيم

شريف وعادل وعز وكريم

هشام وخضر وجمال

أحمد كمال

منه حمايا ومنه صديق

محمد وفيق

وعبده كمان

قبل ما أناسبه بزمان

أسامة عكاشة ومحسن وحفـظ

هادى وصبحى ولطفى وشعب

روقة ورستم وزيـزو ودفـر

عوض وزيكا ونور الشريف

عمر وأردش وهانى مطاوع

حجازى اللى سابنا ف عز الشباب

سيد خميس وسيد حجاب

حتى ابنى وأبويا

وخالى وأخويـا

ييجوا ف نعيى ضمن الصحاب

ولجل المناسبة ولجل العادات

ماقـلتش ف نعيى

صحـابى البنـات

وبعد 77 عامًا من التجوال رسى القبطان على بَرّ الخالدين.. الذين لا يُمحوا من الذاكرة مَهما مرّت السنين.. رحل تاركا سفينته التى تركت بصمة فى كل مرسَى.. ترك الدفة ورحل مخلفًا أعمالاً تخلد اسمه إلى أبد الآبدين.