الخميس 19 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

 سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ..



هذا البيت مفتتح قصيدة قام بتأليفها أمير الشعراء أحمد شوقى عام 1926 عقب نكبة دمشق التى أحرقها الفرنسيون بسبب الثورة  ضدهم، وجعلوا من معالمها أنقاضًا، ووقتها أراد الاحتلال تقسيم سورية إلى أربع دول منفصلة هى: دمشق، حلب، جبل العلويين وجبل الدروز، واستعمل الفرنسيون فى سبيل تحقيق ذلك  العنف والبطش والوحشية، فعقدت مصر مؤتمرًا لمناصرة السوريين وألقى خلاله أحمد شوقي هذه القصيدة، والتى ندد فيها  بالاحتلال، وحيا دمشق وأشاد بجمالها  وماضيها العريق، الآن دمعنا لا يُكفكفُ على سوريا، والتقسيم الذى فشل فيه الاستعمار الفرنسى يبدو أنه سيحدث على يد أبنائها إذا لم تتعامل جميع الأطراف بحكمة ومن اجل وحدة الوطن، خاصة أن هناك أكثر من فصيل مسلح وكلها مدعومة من دول خارجية وجميعها تسعى لاقتطاع جزء من الكعكة، ورغم أن كل الفصائل تثير المخاوف إلا أن التوجس من القوات المسلحة بقيادة الجولانى زاد أكثر بعد دخولها العاصمة دمشق مقر الحكم واستيلائها على محافظات ومدن كبيرة  بدون أى مقاومة من الأسد وجيشه وأنصاره، ومهما كانت الطريقة التى يحاول بها الجولانى تقديم نفسه بها فى وسائل الإعلام الأمريكية والغربية ورسائل الطمأنة التى أرسلها إلى الطوائف وأصحاب الديانات المختلفة فى سوريا فإنها لن تزيل التخوفات منه إلا إذا تم تطبيق هذه التطمينات والوعود فعليا على أرض الواقع وأثبت بسياساته أنه يريد بالفعل مصلحة الشعب السورى ووحدة أرضها، هذا التخوف والتوجس منطقى لأن الجماعات التى سبق أن انتمى إليها الجولانى تاريخها دموى وأفعاله وأفعالها عكس كلامه ووعوده، كما أن التحليلات السياسية كلها تقول إنه مدعوم من الخارج وبقوة - وهناك إشارات عديدة على ذلك- ومعنى هذا أنه ينفذ أجندة خارجية  هدفها عودة الاستعمار مرة أخرى بشكل متخفٍ حيث تتعامل معه هذه الدول هو والفصائل المسلحة الأخرى الموجودة على الأراضى السورية كعرائس ماريونيت تقوم بتحريكها كما تشاء من أجل تحقيق خططها، ولذا على الجولانى أن يثبت بأفعاله عكس ذلك، أما فى حالة بقاء الوضع الحالى واستمرار استيلاء كل فصيل مسلح ومعهم القوات الأجنبية على جزء من الأراضى السورية فإن الوحيد الذى يدفع الثمن هو الشعب السورى، ولكن ما الذى أوصلنا إلى هذه الحالة المزرية؟ الإجابة أنها الدكتاتورية التى عاشت فيها سوريا سنوات طويلة، وكما قال ابن خلدون فى مقدمته الشهيرة الطغاة يجلبون الغزاة، وبسبب حكم الفرد تحولت الدولة إلى ميليشيات ولأن بعض الدول المتآمرة كانت لها مصالح فى وجود دكتاتور على رأس الحكم فقد حموه وساعدوه وعندما انتهت المصالح وباتت هناك مصالح غيرها وأهداف أخرى تخلت عنه وتركته عاريا دون غطاء، ولأنه كان  يخاف من الشعب فقد أحاط نفسه بعشيرته  وحكم من خلالهم بالحديد والنار وجعل باقى  الشعب عبيدا، اصطفى من عشيرته قيادات يتحكمون فى الجيش متصورا أنه يحصن نفسه من أى معارضة له فهو معه الجيش والسلاح والعتاد أمام عزل لا يريدون سوى العيش بكرامة، وعندما انهار جيش  العشيرة - حيث لم يكن له مقومات جيش دولة - لم يجد الحاكم المستبد من يحميه، هذا هو الدرس فلا حامى للأوطان إلا الشعب، والديمقراطية هى الوسيلة الوحيدة التى تجمع الشعب ولا تفرقة بين العشائر والقبائل والطوائف، وهى التى تجعل المواطن يشعر أنه فى بلده وليس غريبا داخلها، وهى التى تنمى الشعور الوطنى وتدفعه للتضحية بحياته فى سبيل وطنه لأنه يدافع عنه وليس عن الحاكم  ومصالحه ومحاسيبه، الديمقراطية تعنى الشفافية والمحاسبة وتمنع الفساد إلى حد كبير فيشعر المواطن أنه يحصل على حقه كاملا دون تفرقة بينه وبين مواطنين آخرين يتمتعون بمزايا لا يستحقونها، لقد انتهت كل التجارب الدكتاتورية نهاية أليمة ودفعت الشعوب والأوطان الثمن، وهو ما حدث أيضا فى ليبيا والسودان والعراق وكلها دول عريقة ولكن حكم الفرد وغياب المؤسسات أدى إلى تنازع الفصائل المسلحة المختلفة وأصبحت جميعها مقسمة بين ميليشيات وجيوش وعشائر وقبائل تحركها دول لها مصالح فى تقسيم دولنا العربية، ولو كانت هذه الدول تمتعت بحكم رشيد وكان لديها جيش وطنى يضم جميع أبنائه ويدافع عن ترابه، وبها مؤسسات حقيقية  لما وصلت إلى هذه الأوضاع ولفشلت كل مخططات الدول الغربية، لقد بكى أمير الشعراء منذ 98 عاما على دمشق والآن نبكى على دمشق وطرابلس والخرطوم وبغداد وغيرها من العواصم العربية، بجانب القدس وغزة وباقى المدن الفلسطينية التى تُحتل احتلالا صريحا من إسرائيل ولو كانت الدول العربية فى وضع صحيح لما استطاعت إسرائيل أن تدمر غزة وتقوم بعملية إبادة جماعية للفلسطينيين، ليس هناك سبيل لحماية الأوطان من أى مؤامرات خارجية وداخلية  سوى حكم الشعب، وأتمنى أن يعى الجولانى الدرس وأن يخلف ظنوننا ويثبت خطأ التحليلات السياسية، ويطبق الديمقراطية فعلا لا قولا حتى تعود سوريا دولة موحدة ويعود لدمشق ابتسامتها ورونقها ونكفكف دموعنا عليها.