الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

وثقت معاناتها وعبرت عن آلامها وعانقت متاعبها وعالجت مخاوفها: الرواية التاريخية النسوية.. عندما انتصرت الكتابة للمرأة العربية

بصدق تعبيرها وثقت الرواية التاريخية النسوية معاناة المرأة فى العالم العربى، وعبرت عن آلامها، وفسرت رؤيتها لمفاهيم الوطن والأمة والهوية، ودونت تاريخها، وسجلت نضالها وكفاحها، وناقشت حقوقها ودعمت قضاياها، وسردت حكاياتها، وجسدت مشاعرها وعانقت متاعبها وعالجت مخاوفها، وعندما انتصرت للمرأة العربية شغلت فكر النقاد ودفعتهم إلى اكتشاف تكوينها الأدبى، وسياقها الزمنى، وهويتها الوطنية، ولغتها السردية. 



 

ولعل من أهم الدراسات النقدية التى قدمت مؤخرًا مقاربات روائية لثلاث كاتبات عربيات هى دراسة بعنوان (الرواية التاريخية النسوية.. مقاربات لنماذج روائية) للدكتور «سيد إسماعيل ضيف الله» الذى بدأ مراحل إعدادها بتحليل الروايات التاريخية، والاطلاع على الجانب النظرى من الدراسات النسوية، واستلزم عامين لإتمامها. 

يقول لنا سيد إسماعيل ضيف الله أستاذ النقد الأدبى بمعهد النقد الفنى التابع لأكاديمية الفنون فى تصريحات خاصة لـ«روزاليوسف»: فى مطلع سبتمبر 2024 صدرت تلك الدراسة النقدية ضمن سلسلة أفق للدراسات النقدية والفكرية التى يطرحها بيت الحكمة للثقافة، واعتمدت على تحليل مصطلحات الرواية والتاريخية، والنسوية، ورصدت اختلاف النظرة الذكورية للتاريخ عن الرؤية النسوية، وأوضحت أن مقارنة مؤلفات المرأة بكتابات الرجل لا تعنى التقليل من قيمتها الأدبية، وينبغى أن يكون لديها  ثقة فيما تكتب.

وقال د.سيد إسماعيل تأخذنا سطور الرواية الأولى إلى تفسير فلسفة التحدى القائم بين الرجل والمرأة على أساس النوع البيولوجى الذى يجعل الرجل يسعى إلى تحسين جودة الحياة لكى يبرز مدى قوته ويفوز بأهدافه أو يدفع المرأة إلى العمل وتحقيق الاستقلال المادى، والاكتفاء الذاتى لكى تنافس الرجل، وتثبت أفضليتها، وهنا يتجلى تأكيدها على أهمية الوعى لدى الرجل والمرأة وضرورة اجتهاد الطرفين وفقًا لمنظومة تحددها العادات والتقاليد، والقيم الأخلاقية والعلاقات الاجتماعية لتحسين جودة الحياة من أجل إحياء مبدأ الإنسانية وليس للانتصار على الطرف الآخر.

ومن المقاربات التاريخية النسوية التى تناولتها نجد الفصل الأول يختص بتحليل رواية (سيدات القمر) للروائية العمانية «جوخة الحارثى» التى أعادت قراءة تاريخ سلطنة عمان ودول الخليج فى فترات التحرر من الاستعمار، وكشفت عن ملامح العبودية التى تركت أثرًا فى وجدان المرأة العمانية والخليجية.

ثم تنقلنا فى الفصل الثانى إلى رواية (النبيذة) للكاتبة العراقية «إنعام كجه جى» التى وثقت تاريخ العراق الحديث، وكشفت عن الأنظمة السياسية التى تسببت فى تدمير العراق، واستعرضت الصراعات الحزبية والطائفية، وآثارها على المرأة العراقية، وأوضحت حجم معاناتها ومظاهر الاستبداد والانقسام والتحولات الاجتماعية التى عاصرتها. 

 وأضاف د.سيد إسماعيل تتشابك خيوطها النقدية فى الفصل الثالث مع رواية (غيوم فرنسية) للروائية المصرية «ضحى عاصى» التى سردت تاريخ الحملة الفرنسية ومحاولاتها لإثارة الفتن بين المسلمين والأقباط، وفسرت نتائج التمسك بالآراء الدينية المتشددة على المرأة المسلمة والمسيحية، وأظهرت قوة المرأة المصرية وقدرتها على مواجهة الغيوم الفرنسية فى فترة الاحتلال. 

 ومن الملاحظ أن اختيار الدراسة للنصوص الروائية غير منفصل عن آلية التحليل المتمثلة فى الجندر وتقاطعاته مع العرق، والاستعمار، والدين، وخلال ذلك تفاوضت مع ما يطرحه النقد النسوى من إشكاليات على الناقد المتهم بالانحياز للذكورية والسلطة الأبوية، سواء من قبل نقاد عرب أو ناقدات نسويات عربيات.

وتكمن أهميتها التفسيرية فى أنها خلقت تفاوضها مع النقد النسوى على أساس الوعى بضرورة تجاوز مرحلة الاتهامات، والأهم مواجهة الفزاعات التى تقف فى وجه الناقد حين يحاول أن يمارس عقله النقدى على أرضية النقد الأدبى النسوى من أجل العثور على آلية تحليل للنصوص الأدبية تنسجم مع تقاطعات فعلية فى مجتمعاتنا العربية للهويات الجندرية والاجتماعية والدينية والوطنية. 

أما عن تطويع اللغة وتوظيفها فى النماذج الروائية التاريخية فقد لفتت إلى أن اللغة لعبت دورًا حيويًا فى تطوير زمن الرواية، وملامحها التاريخية، وعبرت عن هوية الأبطال فى البلدان العربية، وجاءت مفرداتها متآلفة وجمالياتها متناغمة ما جعلها تأسر وجدان القارئ، وتلمس مشاعره. 

 تغيير النظرة النقدية تجاه أدب المرأة

ورغم تعدد الدراسات التى أخضعت الرواية التاريخية النسوية للبحث والنقد والتفسير إلا أن دراسة «سيد إسماعيل ضيف الله» أستاذ النقد الأدبى بمعهد النقد الفنى التابع لأكاديمية الفنون نجحت فى تغيير النظرة النقدية تجاه أدب المرأة فقد كانت ترى أن المضامين التى تنتجها المرأة تختص بطبيعتها النفسية والاجتماعية، وتحاول إقناع القراء بأن الكتابة النسوية تكتفى بالبحث فى شئونها الخاصة بتربية الأطفال، واستعانت تلك الدراسة بمقاربات لنماذج روائية نسوية لكى تثبت أن مؤلفات المرأة خالفت الإطار الرومانسى التقليدى، وامتزجت بالتاريخ وأعادت إحياء شخصياته، واتسعت لتشمل قضايا الأمة، وحملت النزعة الإنسانية للتوعية بحقوق الإنسان، وتأملت الماضى وصاغت أطروحتها من الحاضر وقدمت تصوراتها عن المستقبل بمنهجية واعية.