الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

ثريا جمال: عندما يلتقى المطبخ الكورى بروح مصرية

ليست مجرد طاهية تبتكر وصفات جديدة، بل راوية حكايات تختبئ فى تفاصيل الأطباق. بأصابع مصرية ولمسات كورية، نسجت أسلوبًا يدمج بين أصالة المطبخ المصرى ورهافة المطبخ الكورى، ليصبح الطهى بالنسبة لها أكثر من مجرد إعداد للطعام، بل فنًا يعبر عن الشغف والانتماء. فى حديثها، تتجلى قدرتها على جعل الطعام وسيلة للاقتراب من الثقافات البعيدة، ولخلق لحظات عائلية نابضة بالدفء. هنا، نقترب أكثر من عالمها الذى تمزج فيه المكونات لتروى قصصًا تأسر القلب قبل الحواس.. إليكم نص الحوار:



 

كيف كانت بداية رحلتك فى عالم الطهي؟ وهل كان هناك شخص أو حدث معين ألهمكِ لتختارى هذا المجال تحديدًا؟

ـ البداية كانت هناك.. فى ركن صغير من ذكرياتى، وأنا أجلس على الأرض فى بيتنا بالإمارات، أتابع مسلسلًا كوريًا بعنوان «أغانى الشتاء».. كنت لا أزال طالبة فى الإعدادية، لم أفهم كل شىء فى القصة، لكن ما لفت انتباهى حقًا هو الطعام؛ فكان يحمل فى طياته سحرًا غريبًا بألوانه الزاهية وطريقته فى التقديم وطريقة الأبطال وهم يتناولونه، وكأنهم يحتفلون بطقوس خاصة للحياة. شعرت بشيء غريب حينها؛ انجذبت ليس فقط للمسلسل، بل لكل ما يمثله الطعام الكورى.

وتستكمل: الإلهام الحقيقى جاء من والدى، رحمه الله.. كان دائمًا يشجعنى، ويقول إن الشغف لا قيمة له إن لم يتحول إلى عمل حقيقى. وفى يوم ما، عندما عدت إلى مصر وأنا طالبة فى الثانوية، بدأت أبحث، وأفتش بين المنتجات المحلية، وأتساءل كيف يمكننى صنع أطباق كورية فى مطبخى.. خصصت من مصروفى القليل لشراء المكونات، كنت أطلبها بصعوبة عبر صديقة تسكن فى كوريا. وأجرب بلا توقف، مرة مع أسرتى، ومرة مع أصدقائى.

وعندما التحقت بالجامعة، لم تعد فقط تجربة، بل أصبحت أزور المطاعم الكورية القليلة المتاحة، أتذوق وأقارن وأتعلم. أدون ملاحظاتى بعناية، وأبحث عن الأسرار خلف كل نكهة.. وبعد التخرج، وبينما كانت أعمل فى وظيفة يومية، اقترح على والدى أن تحول كل ذلك إلى مشروع. لم تكن الفكرة سهلة، لكن والدها كان يرى فيها طاقة قادرة على البناء.

أنتِ الآن واحدة من أشهر الطهاة المتخصصين فى المطبخ الكورى فى مصر، لكن كيف كانت حياتكِ قبل هذا النجاح؟ هل واجهتِ صعوبات أو تحديات كبيرة فى بداية مشواركِ المهني؟

ـ كانت البداية شاقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. الحصول على الخامات كان تحديًا كبيرًا، فلم يكن لدى سوى مصدر أو اثنين بالكاد أستطيع الاعتماد عليهما.. وكان الأمر أكثر تعقيدًا مع إصرارى على استخدام المكونات الحلال فقط، حيث إن كثيرًا من الصوصات المتوفرة لم تكن تلائم هذا الشرط، فكان على البحث طويلًا عن البدائل المناسبة.

ثم جاءت جائحة الكورونا لتضيف عبئًا جديدًا.. كانت تلك السنة الأصعب على الإطلاق؛ المنازل أغلقت، والشوارع خلت من الحياة، وحتى مندوبو التوصيل توقفوا عن العمل.. «لم يكن هناك خيار سوى أن أقوم أنا وزوجى بكل شيء بأنفسنا، ننزل ونتحمل المخاطر ونتولى توصيل الطلبات.. لكن وسط كل تلك الصعوبات، كنت أعلم أننى أسير بخطى ثابتة نحو حلمى».

ما اللحظة التى شعرتِ فيها بالفخر الأكبر فى حياتكِ المهنية؟ وهل هناك لحظة معينة يمكن أن تقولين عنها أنها كانت نقطة التحول فى مسيرتك؟

ـ كانت تلك اللحظة أشبه بحلم حقيقى، حين وصلنى طلب السفير الكورى هونج جين ووك لمقابلة خاصة فى السفارة.. كلمات الإعجاب التى سمعتها عن تفاعلى مع الأكل الكورى كانت كفيلة بأن تجعل قلبى يفيض بالفخر. لم تكن مجرد مقابلة عابرة، بل نقطة تحول فى رحلتى، إذ إن تلك الدعوة حملت معها تحديًا جديدًا: إعداد طبق الغوجيولبان للمرة الأولى.

الغوجيولبان، هذا الطبق الملكى الذى كان يومًا ما رمزًا لترف الملوك والأمراء.. «أصبح بين يديّ، يجسد شغفى بالتفاصيل ودقة حضارة لطالما عشقتها.. كانت اللحظة أكبر من كونها تجربة طهى، فهى أشبه بمد جسر بين عالمينا، أنا والكوريين، عبر نكهات رائعة».

وفى نوفمبر 2023، تحقق حلم آخر. وهى زيارتها كوريا التى لم تكن مجرد أمنية، بل اعترافًا بجهودها حين تم اختيارها ضمن أفضل ثمانية مروجين للثقافة الكورية حول العالم.. كان ذلك الشهر حافلًا بمعانٍ تتجاوز الألقاب والإنجازات، كان تأكيدًا على أن الشغف والعمل الجاد يمكنهما حقًا أن يصلا بنا إلى ما وراء حدود الخيال.

هل تأثرتِ بأى تجربة شخصية أو ثقافية أثناء تنقلكِ بين مصر وكوريا؟ كيف ساعدتكِ هذه التجارب على تكوين شخصيتكِ الطهوية؟

كانت تجربة «أهلاً كوريا» فى المركز الثقافى الكورى أشبه برحلة استثنائية إلى قلب الثقافة الكورية على أرض مصر. كان ذلك اليوم الأول من نوعه، حيث تمت دعوتى للمشاركة للمرة الأولى، لأعيش تفاصيل مفعمة بالشغف والحماس. بين تجارب الطهى، واستكشاف العادات والتقاليد، وإبداء النصائح لتحسين الفعاليات مستقبلاً، شعرت وكأننى أضيف بصمة خاصة فى لوحة هذا الحدث.

كامرأة نجحت فى مجال يسيطر عليه الذكور غالبًا، كيف واجهتِ التحديات فى عالم الطهي؟ وهل كانت هناك لحظات شعرتِ فيها بأنكِ بحاجة لإثبات نفسكِ بشكل أكبر؟

ـ لم أشعر يومًا أننى وحدى فى رحلتى، حتى فى أصعب اللحظات كانت الدعم حاضرًا. حين كنت أتنقل لتوصيل الطلبات فى البداية، وكان زوجى بجانبى، يشارك فى هذا الكفاح وكأن الحلم حلمه أيضًا أما الآن، فقد تغير المشهد، لكن روح التعاون بقيت كما هى.

هل لديكِ حلم أو طموح ما زلتِ تطمحين لتحقيقه، سواء فى عالم الطهى أو فى حياتكِ الشخصية؟

ـ لا حدود لأحلامى ولا سقف لطموحاتى.. أرى مستقبلى يتسع بفروع مطعمى فى كل مكان، لا سيما فى المحافظات البعيدة التى طالما سألنى أهلها عن افتتاح أفرع هناك.. أتخيل نكهات أطباقى وهى تصل إلى قلوب جديدة، تحمل معها رسالة حب وثقافة. ومن كل أعماقى أطمح لزيارة كوريا مرة أخرى، لأكمل رحلتى بين أرجاء هذا البلد الذى أعشقه. جزيرة جيجو على سبيل المثال، بحكاياتها الساحرة وجمالها الأخّاذ.

أطمح أيضًا أن تتجاوز خطواتى حدود المكان، وأن أكون يومًا ما اسمًا يعرفه الجميع، فى مصر والوطن العربى، بل فى العالم أجمع.