الثلاثاء 1 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد إمبابي

دعاء أحمد منسِّقة المشاريع الثقافية بمعهد جوته الألمانى: «خارج حدود العاصمة» هدفه تحقيق اللا مركزية فى المشهد الثقافى المصرى

عندما يُقال مصر ولاّدة؛ فهو ليس مجرد كليشيه وشيفونية لمجرد التفاخر فقط؛ ولكن هذا ينطلق من واقع حقيقى، شاهدته مباشرة خلال الأيام الماضية خلال جولات فى ثلاث محافظات من أسوان ثم المنيا وأخيرًا بورسعيد، تلك المُدن التى اختارها مهرجان «خارج حدود العاصمة» الذى ينظمه معهد جوته الألمانى بالقاهرة، والذى يُعَد تتويجًا لمشروع يحمل الاسم نفسه امتد على مدار عامَىّ 2023 و2024؛ بهدف تحقيق اللا مركزية فى المشهد الثقافى المصرى ودعم التنوع الثقافى، وتشجيع التبادل الفنّى فى مختلف أنحاء الجمهورية. 



شاهدتُ خلال هذه المُدن الثلاث كنوزًا مصرية حقيقية من فنانين ومبدعين شباب وشابات وجمهور، يجمعهم الشغف والإخلاص للفن والثقافة، تفاعَلوا بقوة مع فعاليات أيام المهرجان المتنوعة بين المسرح، الرقص، الحكى، الموسيقى، الندوات والمناقشات حول التراث والتحديات التى تواجه صُناع الأفلام وفنانى المسرح فى المحافظات.

كانت أيامًا ثرية، تؤكد لنا على جمال مصر وتنوعها الثقافى والفنى، واحتياج شباب الفنانين لمجرد منصة للتعبير عن فنهم وأحلامهم، وتعطش الجمهور لفن مختلف يُعَبر عنهم ويُمثل واقعهم. 

فى آخر أيام المهرجان بمحافظة بورسعيد، قابلت مجلة «روزاليوسف» الدينامو الذى لا يهدأ، والذى يقف خلف كل هذا النشاط الثقافى والمشروع الذى استمر لعامين، هذه الفتاة الشابة الثلاثينية ابنة محافظة أسوان، دعاء أحمد، منسّقة البرنامج الثقافى «خارج القاهرة» بمعهد جوته الألمانى بالقاهرة؛ لنتعرف منها أكثر عن «خارج حدود العاصمة» وكيفية الخروج من مركزية العاصمة ودعم المشهد الثقافى فى المحافظات.

 

 تابعت نشاطك فى إدارة مهرجان «خارج حدود العاصمة».. هل تحدّثينا عن خلفيتك التعليمية والمهنية؟

- حصلت على ليسانس كلية الألسُن قسم اللغة الألمانية، وعملت كمُدرسة للغة الألمانية، ولكن كان يأثرنى حضور الفاعليات الثقافية وقراءة الأدب الألمانى، وكان معهد جوته نافذتى للتعرف على الثقافة الألمانية، ثم حصلت على الماجستير وحمَل موضوع الرسالة اهتمامى بتعليم اللغة الألمانية عن طريق الفنون وإنها ليست مجرد لغة مكونة من كلمات وأفعال ولكنها وسيلة للتواصل مع الآخر. وكان عنوان الرسالة «مسرحة النصوص الأدبية لتطوير مهارة الانعكاس».. 

وكانت نقطة التحول فى حياتى عام 2017، عندما حصلت على منحة للسفر لألمانيا لعمل تدريب فى المسرح لمدة 3 شهور، ومن هنا كانت بدايتى الحقيقية والمهنية فى عالم الثقافة، وأكتسب خبرة جيدة فى هذا الوقت، استفدت منها بعد عودتى لمصر، وحصلت على فرصة جديدة لأصبح مديرة ثقافية عام  2018: 2020 بمؤسَّسة روبرت بوش لبرنامج المديرين الثقافيين التابع لمعهد جوته بالقاهرة، خلال مشروع يضم 6 من المديرين الثقافيين؛ 3 ألمان و3 مصريين؛ للعمل مع فنانين وفاعلين ثقافيين فى كل المحافظات، وكنت مسئولة عن محافظات جنوب مصر. 

 ولكن كيف كانت تجربة المدير الثقافى القاهرى الذى يذهب برؤيته للجنوب أو المحافظات؟

- لم نفرض نظريتنا أو رؤيتنا على الفنانين والفاعلين الثقافيين بالمحافظات، ذهبنا بإذن وعقل مفتوحين جدًا لاكتشاف تجاربهم ونطوّر مشروعاتهم ونفكر فيها بشكل تشاركى، كنا ندرك تمامًا أن أى فرض لأجندة من خارج سياقها المحلى ستفشل، واكتشفنا كنوزًا حقيقية فى هذه المحافظات رغم التحديات المادية والفنية التى تواجه الفنانين خارج العاصمة. 

ونجحت عام 2020 فى تولى مشروع المديرين الثقافيين الذى أصبح تحت إدارة معهد جوته مباشرة وكان تحديًا كبيرًا.

 كيف انطلق مشروع «خارج حدود العاصمة» بناءً على ما كل ذكرته؟

- نعم، صَقّلتنى هذه السنوات السابقة من العمل فى الإدارة الثقافية، حتى جاء عام 2023 - 2024، فكرنا كفريق عمل فى قسم الثقافة مع فريدريكا بيريا «مديرة قسم البرامج الثقافية المشرفة على إقليم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» وغادة الشربينى «مديرة القسم الثقافى» فى معهد جوته القاهرة، فى العمل على تطوير برنامج «خارج حدود العاصمة» الذى يستهدف التنمية الثقافية ودعم المبدعين فى مختلف المحافظات، وتحقيق اللا مركزية فى المشهد الثقافى المصرى ودعم التنوع الثقافى، وتشجيع التبادل الفنّى فى مختلف أنحاء مصر، وتمكين المديرين الثقافيين ودعم مشاريعهم المحلية ماليًا.

 كم عدد المستفيدين من المشروع؟ 

 - تَقدم لنا 400 شخص فى برنامج الإدارة الثقافية ونجحنا فى تنظيم 10 ورش فى محافظات الوجه البحرى والقبلى، سافر المدربون لهذه المحافظات بكل حماس وشغف لنقل خبراتهم من العاصمة المركز للمحافظات. وتقدم لنا فى برنامج المنح الثقافية نحو 320 استمارة، وقدم المشروع دعمًا ماليًا لـ14 مشروعًا ثقافيًا محليًا فى المحافظات، تم اختيارهم من بين 114 طلبًا وصلت للقائمة القصيرة، من خلال لجان تحكيم مستقلة لديهم خبرة فى العمل الثقافى؛ وبخاصة فى المحافظات. بينما تم تدريب 15 صحفيًا وصحفية من القاهرة والمحافظات (الأقصر- بورسعيد- الإسكندرية- أسوان- البحيرة- الفيوم ) فى برنامج الصحافة الثقافية.

 ما معايير قبول المشروع الفنّى؟

- نستهدف العمل الفنى فقط وليس التنموى، لا ندعم مشروعات مشغولات يدوية فنية، ونجح البرنامج فى دعم 14 مشروعًا فنيًا متنوعًا بين الرقص المعاصر، السينما، المسرح، الموسيقى، التراث والتصوير، فى عدة محافظات (أسوان- مطروح /سيوة- بورسعيد- المنيا- المنوفية- سوهاج- الإسماعيلية- دمياط- رشيد- أسيوط).

 من أسوان لسيوة.. ماهى التحديات التى تواجه الفنانين خارج حدود العاصمة؟

- أول تحدٍّ إنهم خارج العاصمة القاهرة المليئة بالفرص والإمكانيات، لو فنان مسرحى فى الصعيد أين هى المسارح المتاحة فى المحافظات المجهزة بالديكور والإضاءة والصوت ليقدموا أعمالهم عليها، ثانى تحدٍّ غياب المساحات الفنية والثقافية بالإضافة إلى تحديات التمويل، المنح الموجّهة لفنانين المحافظات محدودة جدًا بالمقارنة بالدعم الموجّه لفنانى القاهرة. وأخيرًا؛ التحديات الثقافية والاجتماعية التى ترفض ممارسة الفنون، وواجهنا هذا التحدى مع مشروع «ذاكرة الشاطئ» فى دمياط من معاناة فتيات ورفض عائلتهم للانضمام لعرض الرقص المعاصر. 

 وماذا عن التحديات التى واجهتك فى تنفيذ مشروع «خارج حدود العاصمة»؟

- تحديات لوجيستية من صعوبة العثور على مساحة فنية مجهزة بآلة عرض تستضيف الورش والتدريبات للفنانين، لا نفضل العمل فى الفنادق ولكن نصبو إلى المساحات الثقافية مثًلا، فضلاً عن صعوبة الانتقال بين المحافظات، لاحظنا أن المتدربين أسهل لهم الانتقال من محافظاتهم للقاهرة من الانتقال للمنصورة مثلاً لبورسعيد. 

فى المقابل؛ كان هناك حماس لدى المدربين من السفر لخارج القاهرة ونقل خبراتهم لفنانى المحافظات، واكتشافنا لجمال مصر البديع وتنوعها الثقافى والفنى، كل مدينة كانت أجمل من الأخرى. 

 فكرة جديدة إقامة مهرجان ثقافى فى ثلاث محافظات على التوالى.. كيف خططتم لذلك؟ 

- فكّرنا أنه من الأهمية فى ختام المشروع إبراز هذا الزخم الثقافى والفنى الرائع الذى تتمتع به كل محافظات مصر، من خلال عرض لبعض مشروعات «خارج حدود العاصمة»، واختيار 3 محافظات مثل أسوان، المنيا، بورسعيد لتمثل 3 مناطق بمصر على التوالى (الجنوب، شمال الصعيد، وجه بحرى ومدن القناة).. وهدفنا من المهرجان لفت الانتباه للسياسات الثقافية فى مصر بأن خارج القاهرة ومركزيتها هناك عالم واسع يشهد إنتاجًا فنيًا وثقافيًا غزيرًا، علينا دعم فنانيه وإبراز أصواتهم وإبداعهم لكل الجمهورية. 

 هل شهد المشروع تعاونًا مع وزارة الثقافة المصرية؟

- نعم؛ لأن معهد جوته جزء من اتحاد المعاهد الثقافية الأوروبية EUNIC، ووفرت لنا وزارة الثقافة المصرية تسهيلات كثيرة بفتح قصور الثقافة فى المحافظات لإقامة الفاعليات الفنية، وسعدنا بتقديم آخر أيام المهرجان فى قصر ثقافة بورسعيد على مسرح مكتبة مصر العامة. وأرغب فى التنوية على أهمية الدور الذى تلعبه قصور الثقافة فى المحافظات، ورغم إمكانياتها وجاهزيتها؛ فإنها للأسف غير مُستغلة بالقدر الكاف. ومن خلال مشروعنا «خارج حدود العاصمة» ندعو المسئولين عن قصور الثقافة بفتح أبوابها لشباب الفنانين والمبدعين بالمحافظات؛ لأنهم يشكون من نقص المساحات الفنية، ولتوفر لهم فرصة للتدريب والتجريب لمشاريعهم الفنية. 

 ما مستقبل المشروعات الحالية.. هل تتوقف بانتهاء برنامج «خارج حدود العاصمة»؟ 

- المشروعات لن تتوقف، كل الفنانين لديهم رؤية وخطة للاستمرار، والدليل أن جزءًا من هذه المشاريع كانت قائمة بالفعل، و«معهد جوته» أعطاهم منحة خلال هذا البرنانج لدفعهم إلى مرحلة جديدة من مشروعاتهم، وهم سيكملون الطريق. أمّا برنامج «خارج حدود العاصمة» فهو دعوة مستمرة وليس مشروعًا ويتوقف، ولكن نستكمله برؤية مختلفة، وسنعلن عن خطته الجديدة خلال الفترة المقبلة. 

 

هل هناك قصص ملهمة تتذكرينها من رحلتك خلال عاميَ المشروع؟

- نعم، كان من بين المشاريع فى أسوان مَدرسة لتعليم السينما للأطفال اسمها «كوما وايدى» للمخرجة حفصة أمبركاب، شاهدت أطفالاً فى أعمار 12 و13 سنة أحدهم مسئول عن ميزانية الفيلم، والآخر «بروديوسر» مسئول عن اللوجستيات والاتفاق مع سيارة تحمل فريق التصوير، كم كان المشهد مُلهمًا وغير متخيل كيف لأطفال فى أعمار صغيرة القيام بهذه المسئوليات بدقة وصدق؟! 

وكذلك مشروع معرض «ملوى للكتاب»، شهد إقبالاً جماهيريًا كبيرًا، رغم بُعد المدينة عن محافظة المنيا.

 أخيرًا.. كيف تنظرين كمسئولة الآن بعد نجاح مهرجان «خارج حدود العاصمة» وخروج المشاريع للنور فى 14 محافظة؟

- شعور غامر بالفخر والإنجاز، حاولنا خلال هذا البرنامج كسر العزلة الثقافية التى تعانى منها المحافظات.

بصراحة التجربة على مدار السنتين؛ كانت ملهمة وغنية جدًا، استفدت منها على المستويين المهنى والشخصى، قابلت مبدعين من خلفيات ثقافية وفنية وجغرافية متنوعة. هناك حالة ثراء حقيقى أدهشتنى فى المحافظات وأهم ما يميزها إخلاص الفنانين لتجربتهم وأحلامهم.. لدىّ حماس كبير لكل الخطوات القادمة فى «خارج حدود العاصمة».