النسوية الإسلامية تجديد الخطاب الدينى: المرأة.. بين البحث العلمى والتقدم! 114
محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
الباحثة والكاتبة فاطمة المرنيسى (1940 - 2015م)، هى عالمة اجتماع وكاتبة نسوية مغربية، لها كتُب تُرجمت إلى العديد من اللغات، تهتم فى كتاباتها بالإسلام والمرأة، وتحليل تطوُّر الفكر الإسلامى والتطورات الحديثة، ومع عملها فى الكتابة كانت تعمل فى إطار المجتمع المدنى؛ من أجل المساواة وحقوق النساء.
تلقت تعليمها الابتدائى فى أوائل المدارس العربية الخاصة بالمغرب، ثم التحقت بمدرسة ثانوية خاصة بالفتيات، ثم درست العلوم السياسية فى جامعة السوربون فى فرنسا، ثم جامعة برانديز فى أمريكا؛ حيث حصلت على شهادة الدكتوراه، وأصبحت مُدرسة فى جامعة محمد الخامس فى المغرب.
باعتبارها باحثة إسلامية، مهتمة بالإسلام ودور المرأة فيه؛ حيث قامت بتحليل التطور التاريخى للفكر الإسلامى ومظاهره الحديثة، وبصفتها عالمة اجتماع؛ قامت بالعمل الميدانى فى المغرب، من أجل تحديد المواقف السائدة تجاه المرأة والعمل، كما قامت بالبحث الاجتماعى لليونسكو ومنظمة العمل الدولية وكذلك للسُّلطات المغربية، وأصبحت ملهمة بعملها للعديد من النسويات المُسلمات، مثل من أسَّسْن حركة مساواة.
المسلمون والعلوم:
فى زمن الخلافة الأموية، من41 هـ/662م إلى 132هـ/750م، لم تكن للمسلمين حركة علمية، كانت هناك مجالس عِلْم تَروى شفهيًا تاريخ الإسلام ووقائع الفتوحات، فى الخلافة العباسية، من132 هـ/ 750م إلى 656هـ/ 1258م، تَعرّف المسلمون على المنهج العلمى الذى يعتمد على الفكر والتجربة.
ثم انفتح العرب والمسلمون على مدارس الفكر اليونانى، وتم تعريب المصادر اليونانية وقامت عليها حركة علمية ركزت على الفلسفة العقلية والطب والعلوم الطبيعية مع علوم الشرع، وأنتجت هذه الحركة العلمية علماء فى الكيمياء والفلسفة والطب، منهم جابر بن حيان، والكندى، والفارابى.
وفى الوقت الذى انتشر فيه الجهل فى العصر العثمانى، كانت أوروبا تقوم بترجمة كتب ابن سينا والخوارزمى والرازى وابن رشد وغيرهم، وتنشئ نهضتها على علمهم، ثم تقوم بالكشوف الجغرافية معتمدة على خرائط الإدريسى، ومهارة البحارة العرب مثل ابن ماجد، وتحتل العالم الجديد ثم تنتقل إلى بلاد المسلمين تحتل بلادهم.
وبدأ التفكير فى إصلاح حال المسلمين للنهضة بالتعلم من أوروبا، وهو ما فعله الوالى محمد علي ثم الخديو إسماعيل، وبدأ التحديث المدنى فى مصر وأنتج تجديد الفكر الدينى الذى قام به الإمام محمد عبده.
إصلاح الفكر:
الدعوة لتجديد الخطاب الدينى جاءت نتيجة لمرور الخطاب الدينى بأزمة عدم التجديد فى الموضوعات المطروحة، وأصبح المفهوم الشائع لمعنى تجديد الخطاب الدينى هو أن يكون الخطاب وسطيًا معتدلاً فى مواجهة التطرف.
سيظل الفكر المتطرف موجودًا ليظهر عند الصراع على الحُكم، ومواجهة الجماعات المتطرفة تتم بإصلاح الفكر الدينى لكشف أمراض المتطرفين من كراهية وتكفير وقتل، فإصلاح الفكر الدينى هو إصلاح ما تم إفساده من فكر وممارسة عملية للدين، مع توضيح الفرق بين مظاهر التدين وبين حقيقة الدين.
قال تعالى: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ)، البقرة 205، فمن نتائج الإفساد خراب الأرض وقتل الناس وهما نفس ما ينتج عن التطرف.
تخلف المسلمين:
هذا السؤال طرح قبل أكثر من قرن من قبَل مصلحين مسلمين أمثال محمد عبده، الكواكبى، ورشيد رضا؛ حيث وجدوا تخلف المسلمين الحضارى أمام تقدم الغرب الكافر بنظرهم، وأعادوا الأسباب بوجهة نظرهم الى أسباب عدة.
بعد مرور أكثر من قرن، وما زال المسلمون بتخلفهم، ولم يأخذوا بأسباب الحضارة الحالية؛ بدأوا يستخدمون الموبيل مثلاً، ولكن ليس لديهم أى فضل فى صناعة أى جزء منه، حتى تطبيقاته، فلغة البرمجة وضعها وكتبها غيرُهم.
المسلمون مستخدمون فقط للتقنيات الحديثة والتكنولوجيا، ولكنهم ليسوا بصُنَّاع لها، المسلمون تخلفوا لأنهم تخلوا عن العقل وعن العلم؛ حيث لم يعد العقل يشتغل فى إبداع أساليب وطرُق جديدة للحياة.
بجانب هذا كان مفهوم العِلْم مقتصرًا على العلوم الشرعية الدينية، عندما تقول العِلم فى مجتمع إسلامى يفكر الناس فى العلوم الشرعية، ولا أحد يفكر فى الرياضيات أو الفيزياء.
من القرن الرابع الهجرى فصل المسلمون بين العلوم الشرعية والعلوم العقلية، العلوم الشرعية فيها القراءات، التفسير، الفقه، وعلوم اللغة العربية، أمّا العلوم العقلية فيها الرياضيات، الطب، الإلهيات ما نسميه اليوم بالميتافيزيقا؛ لأنه محاولة للبرهنة على الحقيقة الغيبية بالجهد العقلى، اعتبر المسلمون أن العلوم الشرعية هى النافعة والعلوم الأخرى غير نافعة.
وهكذا هجر المسلمون تلك العلوم التى ستصبح هى أساس نهضة الغرب مع اختراع البارود ثم مع الاكتشافات الجغرافية فى عصر النهضة الأوروبية ثم مع النظريات العلمية فى الفلك مع كوبرنيكوس مكتشف مركزية شمس والدوران البيضاوى للكواكب، ومع جاليليو مكتشف دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس وحساب ذلك، وغيرها من الثورات العلمية فى الغرب كانت أساس نهضة جديدة وظهور طبقة وسطى ومعها ظهور الجامعة للتعليم والبحث العلمى.
بينما اعتبر العرب العلوم العقلية علومًا غير نافعة، ولذلك لم يستطع العقل البحث عن المعرفة خارج الإطار الدينى، وهكذا تخلَّف المسلمون على المستوى المعرفى والعلمى والعقلى منذ القرن الرابع الهجرى.
فى الوقت نفسه؛ العرب لم يستغنوا عن الهاتف والسيارة والحاسوب، فحدث الفصل بين التكنولوجيا الحديثة وأسُسها العلمية، فاستوردوا التكنولوجيا الحديثة ولكن من دون الفكر العلمى الذى أنتج المعرفة التى تنتج هذه المنتجات.
فى الوقت الذى أصبح فيه المعيار العالمى للإنفاق على البحث العلمى والتطور يقدر بنسبة 2 % من إجمالى الناتج القومى، جاءت أعلى نسبة خصّصتها دولة فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط للبحث العلمى كانت بنسبة 0.73 % من إجمالى الناتج القومى.
فى المقابل إسرائيل ترتيبها عالميًا 22 وتنفق 4.1 % من الناتج القومى، بقيمة 1,361 مليار دولار، مصر ترتيبها عالميًا 47 وتنفق 0.68 % من الناتج القومى، بقيمة 73.18 مليون دولار، ومجموع ما تنفقه 11 دولة عربية هو 1.600 مليار دولار، وهذه الأرقام تعكس موقعنا من التقدم.
ظهور تيارات الإسلام السياسى والتى رفعت شعار الإسلام هو الحل، بدأ مع ظهور «الإخوان المسلمون» فى مصر، مما أدى إلى فشل مشروع زعماء الإصلاح محمد عبده والأفغانى والكواكبى، الذين نبّهوا المسلمين إلى تخلفهم وأن سبب تقدم الغرب هو العقل والعلم.
شعوب العالم المتقدم عندما تصطدم بعقبة تبحث عن حلول وتمضى إلى الأمام، شعوب شمال إفريقيا والشرق الأوسط عندما تصطدم بعقبة تعود إلى الماضى لتبحث فيه عن حلول، فبقيت هذه الشعوب تعيش هذا الوهم أنها إذا عادت إلى الماضى ستتقدم!!.
الناس فى بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط أعطيت لهم صورة جميلة عن الماضى فبقوا يحلمون بالمثال، ووقعوا فى أزمة بين الحلم باستعادة الماضى وبين الحاضر فيه العالم المتقدم يسيطر بتقدمه وقوته.
التعليم الجيد:
بعض أسباب التخلف؛ يمكن علاجها بأن يكون الشعب متعلمًا، فالتعليم أساسُ تقدُّم الشعوب والأمم، فلولا التعليم الجيد لما كان لدى الغرب أسباب التقدم، فنحن نعيش بعصر العلم والتكنولوجيا، وهذه تحتاج لتعليم جيد، يتبعه تعليم عالٍ ومتخصِّص.
ولذلك أسوأ طرُق التعليم هى التى تعتمد على الحفظ دون الفهم، وأفضل طرُق التعليم هى التى تعتمد على البحث وإعمال العقل والتفكير.
ونتيجة التعليم السيئ تأتى الجامعات العربية فى أدنى مستويات الترتيب لجامعات العالم، ولذلك نحتاج لتعليم جامعى راقٍ مع بحث علمى، ثم بعثات إلى جامعات العالم للحصول على شهادات الدكتوراه، مع ترجمة كل ما توصلت إليه الدول المتقدمة من علوم.
نحتاج لعملية ترجمة لكل إنتاج الغرب والشرق من علوم وفنون، وهذا يحتاج لمترجمين متخصِّصين، ودُور نشر توفر طباعة جيدة للمترجم، وبأسعار رخيصة حتى يكون متوافرًا لأكبر طبقة ممكنة.
مع العناية بتدريس اللغات الأجنبية؛ للتواصل العلمى مع نتاجات الغرب، فالتعليم هو الطريق الأساسى نحو التقدم والحضارة، فليس بالضرورة أن نمر بالأحداث التى مرّ بها الغرب حتى نتعلم، فممكن أن نتعلم بقراءة التجربة، ومعرفة كيفية الوصول للنتائج.
وعن تجديد الخطاب الدينى يجب أن يتم مع تجديد الفكر الدينى، فالإصلاح يتطلب تهيئة الدعاة ورجال الدين ليكونوا علماء فعلًا: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ..)، فاطر 28، فالعلماء ليس بحفظهم للنص؛ بل باتساع معرفتهم وثقافتهم بالدين والدنيا، ويتم ذلك بالتحول من الاعتماد على النقل للاعتماد على العقل؛ للعمل على الفهم الصحيح للإسلام.
القرآن يعطى إشارات للبحث العلمى، فقد كان الوسيلة التى قرأها العرب المسلمون فى قلب الجزيرة العربية، وقد كانوا أكثر تخلفًا علميًا ممن حولهم من الأمم، وبعد التدوين أبدعوا فى كتابة التاريخ الإسلامى، ثم فسَّروا القرآنَ الكريم وفقًا لأدواتهم المعرفية وواقعهم المادى فأبدعوا فيما عرفوه، وعندما ورثنا منهم ما عقلوه اعتبرنا ما أصدروه لواقعهم عِلْمًا مطلقًا وتمسَّكنا بما أنتجوه لواقعهم، فماتت أفكارنا وماتت عقولنا فمتنا ونحن أحياء.
لقد انصلح حالهم عندما تعاملوا مع القرآن فقرأوه وعقلوه، ولكى ينصلح حالنا فإن القرآن موجود بيننا، فلنعيد قراءته بما لدينا من أدوات معرفة جديدة ومن علوم متاحة حتى نعيد إحياء أنفسنا من جديد.