أسامة سلامة
الصهيونية المسيحية (2)
فى المقال السابق عرضنا من خلال كتاب «الصهيونية المسيحية» للدكتور القس رفيق إبراهيم ما هى الصهيونية المسيحية؟ ومتى بدأت وكيف انتشرت وما هى أهدافها؟ وطرحنا فى النهاية سؤالا حول هل كل الكنائس الإنجيلية تؤمن بالصهيونية المسيحية؟ يجيب القس رفيق إبراهيم: «أفكار الصهيونية المسيحية منتشرة داخل الطوائف الأمريكية الإنجيلية بنسب مختلفة خصوصا الكنائس الشعبية بالإضافة إلى العديد من الكنائس الضخمة المستقلة، بينما نجدها أقل انتشارا داخل الطوائف الإنجيلية التاريخية والتقليدية والتى تظهر احتراما أكبر لعمل الأمم المتحدة وجهود السلام ودعم حقوق الإنسان وسيادة القانون والتعاطف مع الفلسطينيين فى دعم حقوقهم»، ويضيف: من يقول إن كل الإنجيليين فى أمريكا يدعمون دولة إسرائيل هذا غير صحيح فهناك تعليم لاهوتى واضح لدى كثير من الإنجيليين لا يُخلط فيه بين النبوءات والصراع العربى الإسرائيلى، وهناك رفض منهم بشكل قاطع لعقائد المسيحية الصهيونية باعتبارها تعاليم زائفة تفسد رسالة الكتاب المقدس عن الحب والعدالة والمصالحة، ويمضى الكتاب مفندا التفسيرات التى تقدمها جماعات الصهيونية المسيحية للكتاب المقدس موضحا أنه ليس هناك ما يسمى شعب الله المختار، ويلخص الكتاب رؤية الفكر المصلح الإنجيلى للعلاقة بين إسرائيل والكنيسة فى اللاهوت المسيحى وأيضا قضية فلسطين فى عدة نقاط فيقول هذا الفكر:
1 - يبتعد كل البعد عن الترويج للصهيونية والمخططات السياسية، ويبتعد عن الأفكار اللاهوتية التى تؤيد وجود الدولة اليهودية وسيادتها بناءً على تفسيرات كتابية وتحليلات نبوية، ويرفض أيضًا معاداة السامية من منطلق التعصب العرقى والصراع الديني، بل من منطلق الحقوق للحرية لكل شعوب الأرض بناء على دعوة الإنجيل وفهم المصالحة مع النفس ومع الآخرين ومع الله.
2 - لا يتبنى لاهوت الاستبدال ولا الفصل ولا اللاهوت التدبيرى بل ينادى بفكر لاهوت العهد ومركزية المسيح وعمله الفدائى من منطلق العهد مع المسيح لأجل خلاص كل البشر وتحريرهم من قبضه الشيطان والعالم والخطية.
3 - لا يجادل فى إعادة بناء الهيكل ولا تقديم الذبيحة لأنه يعتبر أن المسيح هو أعظم ذبيحة قدمت فى الوجود ولا حاجة أخرى لأى ذبائح دموية لفداء خطايا البشر.
4 - لا يفسر النبوات من منطلق سياسى بل من منطلق فهم للسياق العام للكتاب المقدس، ويرتبط تفسير الفكر النبوى بالإعلان عن الحق ورفض الظلم وإعادة تنظيم الحياة الإنسانية فى ظل قيم ومبادئ ثابتة وفهم للخلاص الإلهى وعمل النعمة فى حياة البشر. وبناءً على ذلك يرفض إهدار الحقوق للشعب الفلسطينى وينادى بحق الشعب فى حكم عادل وشامل لحل قضيتهم.
5 - لا ينادى بملك ألفى يؤسسه المسيح من جديد بناءً على قول الرب يسوع أن مملكتى ليست من هذا العالم. فلا حاجة لتأسيس ملك أرضى يبدأ فى إسرائيل ويملك من خلالها على العالم كله فهذه أفكار قومية يهودية لا تقترب من قريب أو من بعيد بفكر المسيح المعلن فى العهد الجديد فهو يملك على القلوب ليؤسس ملكوتا أبديًا لا ينتهي، سماوى لا أرضي.
6 - ليس ضد دولة إسرائيل ولا ينادى بمعاداة لليهود فى العالم كما ادعت النازية فى الحرب العالمية الثانية لأن مصطلحات «إسرائيل» و«يهودي» والعبرية ليست متطابقة. ولا يمكننا تعريف إسرائيل بطريقة مبسطة تتجاهل معانيها المتعددة ومواقعها الاجتماعية وتنوعها فى نصوص الكتاب المقدس، حيث يرتبط معنى «إسرائيل» بمعان كثيرة فى الكتاب المقدس. لذلك ينادى الفكر الإنجيلى بأن إنشاء الدولة اليهودية وليد الأحداث التاريخية والسياسية، وليس من منطلق تحقيق الوعود الكتابية للأمة العبرية مثل تواصل الأجيال وعودة الشعب مرة أخرى ليملك من النيل للفرات ويسيطر على كل شعوب تلك الأرض. كما يدعى الكيان الصهيونى الآن، وإنما ينادى الفكر الإنجيلى بحق تقرير المصير للشعب الفلسطينى مثله مثل الشعب الإسرائيلى وباقى الشعوب.
7 - ينادى بسلام المدينة والعيش المشترك والتعاون من أجل بناء مجتمع السلام، ولا ينصر شعبا على آخر بدواع تفسيرية أو حسب أفكار لاهوتية إنما يناصر قضايا التحرر فى كل العالم، وينادى بالمساواة بين كل البشر كمبدأ كتابى مسيحى لا يتغير.
8 - يسعى إلى المصالحة مع النفس والآخرين والله، ويؤمن بالرسالة التى تغير المجتمعات إلى الأفضل وتبنى ثقافة السلام وتنزع الصراع العرقى والحروب الدموية فى المنطقة.
9 - ينادى بحل الدولتين فى إطار المرجعيات التاريخية والقواعد المنظمة للمجتمع الدولي، ويكون التحكيم بشكل عادل يضمن حقوق الجميع ويساعد على تجنب المنطقة حروبا لا تفيد أحدا.
10 - لا يجادل حول أحقية من يملك الأرض كلها. بل يسعى إلى إيجاد حل عادل لكل الأطراف فإسرائيل أصبحت أمرا واقعا كدولة لا بد أن نتعامل معه. والقضية الفلسطينية أمر حقيقى على الأرض، والحل هو فى تقسيم الأرض بما يضمن العيش المشترك من مصادر المياه والتجارة والاقتصاد وإنشاء مشروعات مشتركة تصنع سلامًا بين شعوب المنطقة فى الشرق الأوسط.
11 - ينادى بالفصل بين التفسير الرمزى للنصوص والقرينة التاريخية لهذه النبؤات وبين الأحداث السياسية والعلاقات بين الدول فالبحث أثبت أن كل التفسيرات الخاصة بالنبوءات لم تتحقق حتى الآن ونعطى مثالاً على ذلك، قالوا إن الوحش هو الاتحاد الأوربى عشر دول مثل تمثال دانيال والعشر أرجل ولكن بعد فترة انضمت دول أخرى له وصار عدده أكثر من 20 دولة. فهل ما زال هو الوحش أم ماذا؟ وهكذا كل التفسيرات النبوية الخاصة بالنصوص الرؤيوية تختلف عن الأحداث الجارية الآن ولا يتحركان فى مسار مشترك.
12 - ينادى بالعدل والحرية للشعوب فى تقرير المصير وهذا حق للشعب الفلسطينى وجب على الكنيسة أن تساعد فى تحقيقه بكل الطرق الممكنة بالفكر والعمل، وأعتقد أن هناك من المسيحيين العرب المخلصين يساهمون بشكل كبير فى ذلك وتحقيقه على أرض الواقع.
الكتاب مهم وهو امتداد لرؤية الكنائس المصرية للصهيونية المسيحية وقد سبقه دراسات متعددة أبرزها أبحاث البابا شنودة عن أن الإسرائيليين ليسوا شعب الله المختار وفلسطين ليست أرض الميعاد لليهود وكتاب الدكتور القس المفكر إكرام لمعى «الاختراق الصهيونى للمسيحية» والذى صدر فى أوائل التسعينيات، ولكن ما يميز هذا الكتاب بجانب عمق رؤيته اللاهوتية أنه صدر فى ظل الاعتداء الصهيونى الغاشم على غزة، ولذا فإنه على كل المهتمين بالقضية الفلسطينية قراءته والتعمق فى دراسات الصهيونية المسيحية لكى نعرف كيف نواجهها ونفند ادعاءاتها وتفسيراتها التى ترفضها كنائسنا المصرية والعربية جميعا.