
كريمة سويدان
أنا وقـلمى.. العدالة الناقصة
قالت الوﻻيات المتحدة الأمريكية عن مذكرة محكمة العدل الدولية الخاصة باعتقال الرئيس السابق للسودان «عمر البشير» - على خلفية ارتكابه جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التى أُرتكبت أثناء نزاع دارفور عام «2003» - إنه يجب احترام قرارات المحكمة وتنفيذها.. كما قالت عن مذكرة اعتقال الرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» - على خلفية الصراع فى أوكرانيا - إنها نقطة قوية للمحكمة، وإنها ترحب بالقرار وتدعمه.. كما كانت تجربة الرئيس الصربى السابق «سلوبودان ميلوسيفيتش» تعكس دور الوﻻيات المتحدة الأمريكية فى دعم العدالة الدولية، عندما يتماشى ذلك مع مصالحها، ففى عام «1999» اتهمت المحكمة الجنائية الدولية «ميلوسيفيتش» بارتكاب جرائم تطهير عرقى وجرائم ضد الإنسانية، عندما خسر الرئيس الصربى الانتخابات الرئاسية فى أواخر سبتمبر «2000» وبعد احتجاجات واسعة النطاق تنحى عن منصبه، ووعدت الوﻻيات الأمريكية الحكومة الانتقالية الجديدة فى صربيا بتقديم مساعدات اقتصادية كبيرة لتسريع تعافيها بعد الحرب، وهذا دفع الحكومة الصربية إلى اعتقال «ميلوسيفيتش» ونقله إلى المحكمة الدولية فى يونيو «2001» وبدأت محاكمته فى فبراير «2002» لكنه توفى فى السجن عام «2006» قبل وقت قصير من محاكمته.. وعندما أصدرت ذات المحكمة مذكرة اعتقال للرئيس الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» - بشأن جرائم الإبادة والتهجير فى غزة ولبنان - سارعت برفض القرار رفضًا قاطعًا، واتهمت المحكمة بأنها ﻻ تتمتع بوﻻية قضائية، وأن التحقيق الجنائى شابته أخطاء مقلقة.. ماذا يمكن أن يقال عن هذا الموقف الغريب الذى صدر عن أكبر دولة فى العالم التى أظهرت ازدواجية ﻻفتة، وأنها أخطأت خطأً كبيرًا عندما كالت بمكيالين، وفضلت العدالة العرجاء والعدالة المسيسة المتلونة، وفضلت تطبيق العدالة الناقصة لنصرة حليفتها المحتلة، قد فقدت احترام وثقة العالم أجمع، ولمن ﻻ يعلم عن المحكمة الجنائية الدولية فهى تأسست عام «2002» كأول محكمة جنائية دولية مستقلة، قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بأكثر الجرائم الدولية خطورة التى تثير قلق المجتمع الدولى بأسره، فهى تُشكل منصة عالمية لتحقيق العدالة فى وجه الحرب والجرائم الإنسانية، وعندما تُظهر المواقف الأمريكية المتناقضة إزاء المحكمة الجنائية تداخلًا بين العدالة والمصالح السياسية بدعمها المحكمة فى قضايا مثل «بوتين» و«ميلوسيفيتش» و«البشير» واعتراضها الشديد عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، كل هذه المواقف المتناقضة قد أثارت تساؤﻻت حول استقلالية المحكمة الجنائية الدولية وقدرتها على تنفيذ قراراتها دون الخلط بين العدالة والسياسة، هذا فى ظل تأكيد وزير خارجية الاتحاد الأوروبى «جوزيبى بوريل» على أن قرارات المحكمة ليست سياسية ويجب احترامها.. وهنا يبقى السؤال: هل يمكن تحقيق العدالة الدولية فى عالم تتحكم فيه المصالح السياسية؟ الإجابة هنا تتوقف على إرادة المجتمع الدولى وقدرته على الفصل بين القانون والعدل عن السياسة.. وتحيا مصر.