هل عقد اليهود معاهدة سرية مع أمريكا؟

وشنجطن - من كولمبس مراسل روزاليوسف الخاص:
هذه المعاهدة السرية - أو الاتفاق السرى- الذى يذاع على صفحات «روزاليوسف» لأول مرة فى العالم والذى وقفت عليه بحكم اتصالاتى الخاصة التى يتيحها لى منصبى فى هيئة الأمم، يلقى ضوءاً ساطعاً على السياسة التى اتبعتها حكومة الولايات المتحدة تجاه قضية فلسطين، فإن لم يكن الدبلوماسيون العرب قد علموا بهذا الاتفاق من قبل، فأرجو أن أكون قد أديت بنشره واجباً نحوهم يستطيعون على ضوئه أن يهتدوا إلى سياسة محدودة وخطة حاسمة».
لم تتأرجح سياسة أمريكا نحو اليهود إلا فى فترة قصيرة، وذلك حين عدلت عن التقسيم ودعت إلى الوصاية وكان سبب عدولها هو تقارير وصلت إلى وزارة الخارجية الأمريكية تؤكد أن الدول العربية قد أجمعت رأيها على أن تقطع بترول العراق والمملكة السعودية عن أمريكا اذا أيدت التقسيم.
وقد حمل هذه التقارير إلى أمريكا اثنان من سفرائها فى الشرق الأوسط وفى العراق بالذات. وكان تقرير هذا السفير فى صورة أكيدة إلى حد أن وزير الدفاع الأمريكى أصر على أن يعلن استقالته إذا لم تتخذ أمريكا سياسة سلبية على الأقل بإزاء التقسيم.
ووجد ترومان نفسه أمام إصرار وزير الدفاع وتأييد وزير الخارجية له مضطراً إلى أن ينفض يده من سياسة فلسطين، وأن يسمح للوفد الأمريكى فى الأمم المتحدة بأن يدعو إلى الوصاية على فلسطين.
فى هذه الفترة الدقيقة صدرت عدة تصرفات من جانب العرب لا تتفق إطلاقا مع تقارير السفير الأمريكى، ومن ذلك:
(1) أن إحدى إمارات الجزيرة العربية منحت امتياز بترول جديد للولايات المتحدة، وكان هذا برضا المملكة السعودية ذاتها.. فاتخذت الدعاية اليهودية هذه الواقعة لتدلل على أن العرب لن يقطعوا البترول عن الولايات المتحدة أبدا.
(2) أصدر الملك عبد الله- تصريحا ففسره اليهود تفسيراً خاطئاً ليقنعوا أمريكا بأن الملك عبد الله يقبل التقسيم وسيرضى به فى القريب.
وصلت إلى أمريكا تقارير بأن روسيا تستغل يهود فلسطين وأنها تعد عدتها لتأييدهم إلى أبعد الحدود حتى تتخذ منهم منفذًا لها إلى الشرق الأوسط، وإلى جانب هذه التصرفات العربية، ونشط اليهود الأمريكيون للضغط على الولايات المتحدة لتذهب فى تأييد اليهود إلى أبعد ما تذهب إليه روسيا حتى تقاوم سيطرة روسيا على يهود فلسطين وتجعل من فلسطين (حماية) لها.
وعلى أساس هذه العوامل عكست أمريكا سياستها فجأة وذهبت فى تأييد اليهود إلى أبعد حد. وبعد أن دخلت الجيوش العربية فلسطين، ثم أعلنت الهدنة الأولى استغاث اليهود بالولايات المتحدة وتوسلوا بأشد أنواع الضغط المالى والسياسى حتى نمدهم بالسلاح، ولكن الحكومة الأمريكية رفضت أن تمدهم بالسلاح علناً حتى لا تعطى روسيا حق تصدير الأسلحة إلى الشرق الأوسط.
وكان لاعتراف روسيا اعترافا قانونيا «بالدولة» اليهودية دافعا لأمريكا لكى تتطرف فى تأييد اليهود حتى تحولهم عن روسيا.. وهنا بدأت المفاوضات بين الولايات المتحدة ويهود فلسطين للاتفاق على تنظيم العلاقات بينهما.
جرت هذه المفاوضات وكان هدف أمريكا فيها أن تضمن تبعية يهود فلسطين لها. وكان غرض اليهود ضمان تزويدهم بالسلاح حتى يستطيعوا أن يقاوموا العرب.
وانتهت المفاوضات إلى عقد معاهدة سرية للصداقة والتعاون Gollaboration دون أن يستعمل فيها لفظ التحالف Alliance، وذلك وعلى أساس هذه المعاهدة زود الأمريكان اليهود بأسلحة ثقيلة من بينها طائرات B2q، كذلك أباح اليهود لأمريكا أن تستغل رأس مالها بطريقة مباشرة فى القسم الذى يديرونه من فلسطين، وتم الاتفاق فعلا على أن تؤسس شركة Steel Coroforation of America وهى وهى أكبر كارتل» فى أمريكا للمصنوعات الصلبية - مصانع للصلب فى منطقة مجاورة لتل أبيب وخصص لها رأس مال قدره خمسة ملايين من الدولارات وبدأ العمل فيها فعلاً.
كل ذلك تم الاتفاق عليه بعد أن بدأت الحرب فى فلسطين وما أن استؤنف القتال بعد الهدنة حتى كان اليهود يستعملون فى فلسطين أحدث المعدات الحربية التى زودتهم بها الولايات المتحدة تطبيقا للمعاهدة السرية.
ورغم أن هذه المعاهدة السرية لا تزال قائمة، إلا أن هناك اتجاها جديدا داخل الحكومة الأمريكية يرمى إلى التخفيف من سياسة التعاون مع اليهود وذلك بعد أن اتضح أن فتح ذراعى الولايات المتحدة لليهود لم يمنعهم من الارتماء فى أحضان روسيا.