هل يطفئ ترامب الحرائق المشتعلة فى قلب الشرق الأوسط؟
داليا طه
رغم أن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب سيدخل البيت الأبيض رسميًا فى العشرين من يناير المقبل، إلا أنه بدأ بالفعل إعلان رؤيته لسياسته الخارجية فى عدد من الملفات الساخنة.
وتواجه ولاية ترامب الثانية تحديات جديدة، ليس أقلها الحربان اللتان تخوضهما الولايات المتحدة بعمق فى الشرق الأوسط وأوكرانيا، وقد وعد ترامب بإنهاء الحرب فى أوكرانيا قبل أن يتولى منصبه، ولكن فى الوقت ذاته لم يقدم بعد أى خطة مفصلة، كما أن خطته لإحلال السلام فى الشرق الأوسط غامضة أيضًا. وتعد منطقة الشرق الأوسط، إحدى أهم النقاط الساخنة التى ترغب أمريكا فى الاحتفاظ بها، لأن جمرة الشرق الأوسط مهما كانت حارة ومشتعلة فى وسط اليد الأمريكية إلا أنها لن تكون قادرة على التخلص منها، ومجيء ترمب مرة أخرى يتطلب منه أن يجيب عن أسئلة سكان الشرق الأوسط وقيادته، حول كيفية تعامله مع حروب إسرائيل التى لا تزال تتسع ضد الفلسطينيين، وفى لبنان، فهل هو قادر فعليًا على إنهاء الحريق فى قلب الشرق الأوسط؟
هذه المعطيات تفرض احتمال أن تكون أول زيارة دولية لترمب إلى الشرق الأوسط، وسوف يأتى وهو محمل بالضغط الدولى والأسئلة الكبرى حول كيفية التعامل المتوقع مع حروب المنطقة، والكيفية التى سوف يطرحها لخلق عملية التوازن الاستراتيجى بين إسرائيل ودول المنطقة التى تعانى من اعتماد إسرائيل المفرط على أمريكا، سواء العسكرى أو الدبلوماسي، والذى ساهم بأن تواصل إسرائيل حربها فى المنطقة التى تعانى من تفاقم الأزمات الإنسانية فى غزة ولبنان.
وقد ألقت صحيفة الجارديان البريطانية الضوء على التحولات الداخلية والعالمية المرتقبة بعد عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، وقالت إن مؤسسة السياسة الخارجية الأمريكية من المتوقع أن تشهد واحدة من أكبر التغييرات منذ سنوات.
وأوضحت الصحيفة أن ترامب تعهد بإصلاح السياسة الأمريكية فى الخارج واستئصال ما يسمى «الدولة العميقة» من خلال طرد آلاف الموظفين الحكوميين - بما فى ذلك أولئك الذين يعملون ضمن صفوف السلك الدبلوماسى الأمريكى.
ومن المرجح أيضًا أن يدفع فوز ترامب الانتخابى إدارة بايدن إلى تسريع الجهود لدعم أوكرانيا، قبل أن يتمكن ترامب من قطع المساعدات العسكرية، وإعاقة الجهود المتواضعة بالفعل لكبح جماح بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل فى غزة ولبنان، ويؤدى إلى جهد جديد لتقليص وحرق أجزاء كبيرة من البيروقراطية الأمريكية بما فى ذلك وزارة الخارجية.
سياسة منظمة
وقال مؤيدو ترامب إنه سيكون أكثر تنظيمًا خلال ولايته الثانية، والتى غالبًا ما يطلق عليها «ترامب 2.0»، وفى اليوم التالى ليوم الانتخابات ذكرت وسائل الإعلام الأمريكية أن ترامب اختار بالفعل برايان هوك، وهو مسئول متشدد فى وزارة الخارجية خلال إدارة ترامب الأولى، لقيادة عملية انتقال الدبلوماسيين الأمريكيين.
ومع ذلك، قال المحللون والدبلوماسيون الأمريكيون الحاليون والسابقون والمسئولون الأجانب إنه لا يزال من الصعب فصل تهديدات ترامب عن خططه الفعلية عندما يتولى السلطة فى يناير. من الواضح أن أولويته هى التخلص من العديد من السياسات التى وضعها سلفه.
وقال أحد كبار الدبلوماسيين السابقين: «أنا متشكك فى أن عملية الانتقال ستكون ذات تأثير كبير لأن الغريزة الطبيعية للفريق الجديد ستكون التخلص من كل سياسة بايدن الخارجية فى سلة المهملات».
هل تتوقف الحرب؟
ما لم تُحل حروب «إسرائيل» مع حركة حماس فى غزة وحزب الله فى لبنان بشكل تام قبل تنصيب ترامب، وهو أمر يبدو غير مرجحٍ، فستكون إحدى القضايا الأكثر إلحاحًا فى السياسة الخارجية على مكتبه هى التوترات المتصاعدة فى الشرق الأوسط. ولقد تحدث الرئيس المنتخب عن ضرورة إنهاء الحرب فى غزة، مُدعِيًا أنهُ قال لبنيامين نتنياهو: «احصل على نصرك لأن القتل يجب أن يتوقف».
من غير الواضح ما هو الدور الذى ستلعبه إدارة ترامب إن وجد، فى محاولة إنهاء هذه الحرب.
وكان ترامب قد انتقد دعوة فريق بايدن إلى وقف إطلاق النار، ووصفها بأنها مُحاولة «لربط يد إسرائيل من خلف ظهرها».
واعتبر بأن وقف إطلاق النار لن يؤدى إلا إلى منح حركة حماس الوقت لإعادة تجميع صفوفها. وخلال فترة ولايته الأولى دعم ترامب خطابيًا حل الدولتين لحل الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني، فى حين وضع إبهامه على الميزان، فمنح «إسرائيل» سلسلة من الجوائز السياسية التى طالما سعت إليها، مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وقطع التمويل عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا»، كما اعترف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية والإعلان عن أن المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية لا تنتهك القانون الدولى. وكان ترامب قد قال فى وقت سابق، إنه «حارب من أجل إسرائيل كما لم يفعل أى رئيس من قبل»، بإشارة إلى دور إدارته فى التوسط فى اتفاقيات «أبراهام»، وهى سلسلة من صفقات التطبيع بين «إسرائيل» وعدد من الدول العربية.
مع ذلك ساءت الأمور بين ترامب ونتنياهو بعد تهنئة الأخير لبايدن على فوزه فى انتخابات العام 2020 بعد يوم من إعلان النتيجة، ما أثار غضب ترامب بشدة. وكانت لهجته تجاه «إسرائيل» فى الأشهر الأخيرة انتقادية فى بعض الأحيان، حيث حذر ترامب من أن الولايات المتحِدة «تخسر حرب العلاقات العامة» فى غزة.
لأول مرة
ويتولى ترامب ولايته الثانية فى وقت تتصاعد الاشتباكات بين «إسرائيل» وحلفاء طهران فى لبنان واليمن وغيرهما فى الشرق الأوسط الواسع. وشهد هذا العام تبادل إطلاق النار المباشر بين «إسرائيل» وإيران لأول مرة، فى حين سعت إدارة بايدن إلى تهدئة التوترات، وحثت «إسرائيل» على عدم ضرب المنشآت النووية والطاقة الإيرانية فى موجة الضربات الانتقامية الأخيرة، فمن المتوقع أن يكون ترامب أقل حذرًا، وقال فى الشهر الماضى إن «إسرائيل يجب أن ترد بقوة على أى هجوم محتمل، اضرب النووى أولًا، ثم اهتم بالباقى لاحقًا».
وَكانت إدارة ترامب الأولى قد اتخذت موقفًا صارمًا تجاه إيران، فانسحبت من الاتفاق النووي، وانتهجت سياسة «الضغط الأقصى» على طهران واغتالت قائد فيلق القدس فى حرس الثورة الجنرال قاسم سليمانى فى غارة جوية فى بغداد فى العام 2020.
مع ذلك، وفى حديثه إلى الصحفيين مُؤخرًا، قال ترامب إنه سيكون مُنفتحًا على إبرام اتفاق جديد مع إيران لمنعها من تطوير سلاح نووي، «يتعين علينا إبرام اتفاق، لأن العواقب مستحيلة». وفى حين سعى ترامب إلى تقليص التدخل العسكرى الأمريكى فى العراق وأفغانستان، فإنه ليس رافضًا تمامًا لاستخدام القوة العسكرية الأمريكية فى السعى لتحقيق أهداف واضحة.
الواقع السياسى لمنطقة الشرق الأوسط يوحى أن سياسة ترمب تجاه المنطقة لن تحمل فى طياتها أى آثار بعيدة المدى أو عواقب وخيمة مقلقة، فالشرق الأوسط سيكون الخيار الأمثل للسياسة الأمريكية التى تبتعد عن أوروبا نحو الشرق، فأمريكا تدرك أن بوابتها المتاحة نحو الشرق وخاصة الصين هى هذه المنطقة التى لا تكلف أمريكا أى ثمن اقتصادى أو علاقات تجارية يمكنها تعطيل حركتها المرورية عبر بحار الشرق الأوسط المهمة، العقلية السياسية الأمريكية الحالية تبدى ميولها نحو الشرق الأوسط رغم كونها عاجزة عن حلحلة الموقف الإسرائيلى ودفعه نحو السلام، فالحقيقة المتوقعة من ترمب تقوم على أن الشرق الأوسط هو البوابة الأكثر أهمية لأمريكا فى مرحلتها القادمة؛ بل هو المساحة الوحيدة المتبقية أمام أمريكا لكى تثبت للعالم أنها قادرة على إحداث فرق فى أزمات العالم والشرق الأوسط.
وفقًا لمحللين، أبدى ترامب رغبته أكثر من مرة فى أن ينهى نتنياهو حربه على غزة قبل بدء ولاية ترامب الرئاسية فى 20 يناير2025. غير أن غرق نتنياهو فى مستنقع الحرب قد يدفع ترامب إلى محاولة تقديم دعم مضاعف وغطاء أقوى لنتنياهو لإنهاء الحرب بالسرعة الممكنة؛ وقد يستمر على ذلك بعضَ الوقت (ربما أشهرًا)؛ ولكنه إذا وجد أنه لا جدوى من الاستمرار فى الحرب، وأن المقاومة صامدة وفعالة، فإنه تجنبًا لمزيد من استنزاف الاقتصاد الأمريكي، والمزيد من الاستنزاف والإنهاك العسكرى والاقتصادى والبشرى الإسرائيلي، قد يمارس ضغطًا أكبر على نتنياهو لوقف الحرب، وهو الأمر نفسه الذى سيفعله فى الحرب الإسرائيلية على لبنان.
فى سياق متصل، رأت صحيفة واشنطن بوست أن ترامب سيدفع بمزيد من الجهود لمحاولة القضاء على حماس وتيار المقاومة ونزع أسلحة حماس فى قطاع غزة، ومنعها من حكمه بشكل مباشر أو غير مباشر، وفرض المعايير الإسرائيلية الأمريكية عليه، لما يعرف باليوم التالى للحرب فى القطاع.
وأضافت صحيفة الجارديان أن ترامب سيتناغم مع نتنياهو فى سعيه لفرض نظام أمنى جديد فى المنطقة، كما أعلن فى أكتوبر 2024، وهو ما يعنى مزيدًا من الضغوط على دول المنطقة، خصوصًا فى البيئة الاستراتيجية المحيطة بفلسطين المحتلة، للاستجابة للمعايير الإسرائيلية فى التعامل مع شعوبها؛ بما فى ذلك محاربة تيارات «الإسلام السياسي» والتيارات الداعمة للمقاومة المسلحة؛ بل ومحاربة مظاهر التدين والالتزام الإسلامي، وخنق ما تبقى من هوامش الحريات. وهذه وصفة جاهزة لصدام الحكومات مع شعوبها.