فى ختام قمة الرياض «غير العادية» توافق «عربى - إسلامى» على وقف الحرب ومحاكمة إسرائيل على جرائمها ضد الإنسانية
الرياض صبحى شبانة
لاختيار التواريخ دلالات، والتعامل مع الواقع من العبقريات، خصوصًا فى إدارة الأزمات، لذا جاء اختيار توقيت انعقاد القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية، التى انعقدت فى الرياض الأسبوع الماضى، اختيارًا ذكيًا يتزامن مع قناعة تامة فى المجتمع الدولى بضرورة التوصل إلى اتفاق ســـلام بين إسرائيل وفلسطين على أساس حل الدولتين، بما فى ذلك الولايات المتحـــدة الأمريكية التى تتهيأ إدارتها الجديدة لتسلم مقاليد الحكم فى يناير المقبل.
وكان الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب، قد وعد بأن يعمل على استتباب الأمن والسلم العالمى، وإخماد الحروب، وتهدئة الأوضاع العالمية بما فيها منطقة الشرق الأوسط التى تعانى من ويلات الاعتداءات الإسرائيلية على كل من قطاع غزة والجنوب اللبنانى.
وحملت القمة العربية - الإسلامية المشتركة غير العادية فى بيانها الختامى عدة مضامين ورسائل غاية فى الأهمية، تشير إلى أن هناك بوادر أمل (وإن كان خافتًا) لوضح حد لحالة الحرب المستمرة لأكثر من عام فى قطاع غزة، والتى اتسعت لتشمل الجنوب اللبنانى، وأن انعقاد أى قمة تجمع بين الدول العربية والإسلامية يعد مفيدًا، ويشير إلى أن مساعى تشكيل تكتل عربى وإسلامى واسع بات قابلا للتحقق بحثًا عن تحقيق الســـلام فى منطقة الشرق الأوسط، وأن قـــرارات القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية مـــن المتوقع أن تدعم إنهاء الحرب الدائرة فى قطاع غزة وعلى الأراضى اللبنانية، كمـــا أن قراراتها فى الـــدورة الأولى كانت فـــى مجملها جيدة، لكنها افتقدت الآليات المناســـبة لمتابعة ما جرى التوافق عليه، وأن نجـــاح القمـــة العربية الإســـلامية فى تحقيق أهدافها يتطلب الضغط لتنفيذ ما تم التوصل إليه.
جاءت الكلمة التى ألقاها الرئيس عبدالفتاح السيسى أمام القمة تأكيدًا على الموقف المصرى الثابت والجهود المستمرة التى تبذلها مصر من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار فى غزة ولبنان، وعلى أهمية منع تفاقم الأوضاع فى المنطقة، بالإضافة إلى التأكيد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، كما أنها جاءت انعكاسًا للرؤية المصرية الاستراتيجية التى تدرك أن أى تحرك نحو الأمن الإقليمى لن يكون ممكنًا إلا بتسوية عادلة ودائمة للقضية الفلسطينية، وأن إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، تمثل حق الشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، هى الأساس الذى يمكن أن يؤسس للسلام المستدام فى المنطقة، ويعزز من الأمن القومى العربى بشكل عام.
وأكدت كلمة الرئيس السيسى خلال القمة على أن الشرط الضرورى لتحقيق الأمن والاستقرار والانتقال من نظام إقليمى جوهره الصراع والعداء يقوم على السلام والتنمية، هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، على خطوط 4 يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، ويعكس ذلك التزام مصر العميق بالقضية الفلسطينية كمسألة مركزية فى الأمن العربى، و أن أى حلول مؤقتة أو استجابة لواقع الاحتلال لا يمكن أن تحقق استقرارًا دائمًا فى المنطقة.
من جانبه، طالب ولى العهد الســـعودى الأمير محمد بن ســـلمان الذى ترأس القمة العربية - الإسلامية المشتركة غير العادية نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز فى كلمته الافتتاحية بالوقف الفورى للعمليات العسكرية وتوفير ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين، والإفراج عن الرهائن والمحتجزين وحفظ الأرواح والأبرياء، وقال إننا على مشارف كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولى فى وضع حد للانتهاكات الصارخة للقوانين والأعراف الدولية والقانون الدولى الإنسانى وتبرهن على ازدواجية المعايير فى تطبيقها، والأمر يتطلب منا جميعًا جهدًا جماعيًا منسقًا للقيام بتحرك فعال لمواجهة هذا الوضع المؤسف، وندعو إلى العمل معًا لفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية للمرضى والمصابين فى غزة.
وقال ولى العهد السعودى، إن انعقاد القمة يأتى فى ظروف استثنائية ومؤلمة، ونؤكد إدانتنا ورفضنا لهذه الحرب الشعواء التى يتعرض لها أشقاؤنا فى فلسطين وراح ضحاياها الآلاف من المدنيين والأطفال والنساء والشيوخ، ودُمرت فيها المستشفيات ودور العبادة والبنى التحتية.
وأكد موقف المملكة ورفضها القاطع لاستمرار عدوان الاحتلال والتهجير القسرى لسكان غزة، وتؤكد تحميل سلطات الاحتلال مسئولية الجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطينى، وإننا على يقين بأن السبيل الوحيد لتحقيق الأمن والسلام والاستقرار فى المنطقة هو إنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
وأكد البيان الختامى للقمة العربية- الإسلامية على القرارات التى صدرت عن القمة المشتركة الأولى فى نوفمبر من العام الماضى، وتجديد التصدى للعدوان الإسرائيلى على قطاع غزة ولبنان.
كما أكد البيان العمل على إنهاء تداعيات العدوان الإسرائيلى على المدنيين، ومواصلة التحرك بالتنسيق مع المجتمع الدولى لوضع حد للانتهاكات الإسرائيلية الخطيرة للقانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى، وتعريض إسرائيل السلم والأمن الإقليميين والدوليين للخطر.
كما حذر البيان الختامى من خطورة التصعيد الذى يعصف بالمنطقة وتبعاته الإقليمية والدولية، ومن توسع رقعة العدوان الذى امتد ليشمل لبنان ومن انتهاك سيادة العراق وسوريا وإيران دونما تدابير حاسمة من الأمم المتحدة وبتخاذل من الشرعية الدولية.
من جانبه، أكد الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودى، فى المؤتمر الصحفى عقب اختتام القمة بحضور كل من الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامى حسين إبراهيم طه، والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط على أهمية الموقف العربى والإسلامى الموحد فى المساعدة على الوصول لحلول لأزمات المنطقة، مضيفًا إن هناك إجماعًا من عدد كبير من دول العالم على حل الدولتين.
وأكد بن فرحان أن هذه القمة ستجعل العالم يعرف غضبنا تجاه ما يحدث فى فلسطين، والطريق الوحيد للسلام المستدام فى المنطقة هو حل الدولتين، لافتا إلى حتمية حل الصراع الفلسطينى- الإسرائيلى والعمل على تطبيق القانون الدولى والقانون الدولى الإنسانى.
وفى السياق نفسه، جددت المملكة العربية السعودية خلال جلسة لمجلس الوزراء برئاسة الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد رئيس مجلس الوزراء، فى الرياض، الثلاثاء الماضى دعوتها دول العالم إلى الانضمام للتحالف الدولى لتنفيذ حل الدولتين الذى أطلقته اللجنة الوزارية العربية - الإسلامية برئاسة المملكة وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبى والنرويج، مؤكدة وقوفها إلى جانب الأشقاء فى فلسطين ولبنان، لتجاوز التبعات الإنسانية الكارثية جراء العدوان الإسرائيلى.
وأشاد المجلس بما توصلت إليه القمة العربية - الإسلامية فى الرياض من نتائج ستسهم فى تعزيز العمل المشترك ومواصلة التعاون مع المجتمع الدولى لوقف الحرب على قطاع غزة، وبما يحقق الأمن والاستقرار فى المنطقة.
كما رحب الوزارى السعودى بالتوقيع على وثيقة الآلية الثلاثية لدعم فلسطين بين منظمة التعاون الإسلامى وجامعة الدول العربية ومفوضية الاتحاد الأفريقى، وذلك إثر تناول مضامين القمة العربية والإسلامية غير العادية التى عقدت بالرياض، الاثنين الماضى.
ونددت القمة العربية والإسلامية التى عقدت، الأسبوع الماضى فى الرياض بـجرائم الإبادة الجماعية الإسرائيلية فى غزة. وأعلنت أن القادة قرروا حشد الدعم الدولى لتجميد مشاركة إسرائيل فى الجمعية العامة للأمم المتحدة والكيانات التابعة لها.
وقرر المشاركون فى بيانهم الختامى العمل على حشد التأييد الدولى لانضمام دولة فلسطين للأمم المتحدة عضوًا كامل العضوية. وطالبوا جميع الدول بحظر تصدير أو نقل الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل.
كما دعوا مجلس الأمن إلى اتخاذ قرار يلزم إسرائيل بوقف سياساتها غير القانونية التى تهدد الأمن والسلم فى المنطقة. واستنكر البيان الصادر عن القمة العربية - الإسلامية غير العادية بشدة العدوان الإسرائيلى المتمادى والمتواصل على لبنان، داعيًا إلى وقف فورى لإطلاق النار، واتهم الجيش الإسرائيلى بارتكاب إبادة جماعية فى غزة فى إطار حربه على حركة حماس فى القطاع، منددًا بـجرائم مروعة وصادمة بحق الفلسطينيين، مشيرًا إلى المقابر الجماعية وجريمة التعذيب والإعدام الميدانى والإخفاء القسرى والنهب والتطهير العرقى خصوصًا فى شمال القطاع.
ودعت القمة إلى توفير الدعم الكامل والحماية الدولية للشعب الفلسطينى ودولة فلسطين وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتوليها مسئولياتها بشكل فعال على كامل الأراضى الفلسطينية المحتلة بما فيها قطاع غزة وتوحيده مع الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس. وجدّدت التمسّك بـسيادة دولة فلسطين الكاملة على القدس الشرقية المحتلة، عاصمة فلسطين الأبدية، مضيفة إن المسجد الأقصى خط أحمر.
وأدانت الإجراءات العدوانية الإسرائيلية التى تستهدف المقدسات الإسلامية والمسيحية فى مدينة القدس وتغيير هويتها، وطالبت المجتمع الدولى بالضغط على إسرائيل لوقفها.