النسوية الإسلامية.. (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها): علوم القرآن.. من النزول إلى القراءة! "110"
محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
علوم القرآن هى العلوم المتعلقة بالقرآن من حيث نزوله وترتيبه، وجمعه وكتابته، وقراءته وتجويده، وعلوم التفسير ومعرفة المحكم والمتشابه، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، وإعجازه، وإعرابه ورسمه.
الباحثة والكاتبة ناهد سليم من مواليد مصر سنة 1952 م، ومقيمة فى هولندا، منذ بداية نشاطها البحثى وهى تسعى من خلال أفكارها إلى إصلاح الفكر الدينى، وإشراك المرأة فى تفسير القرآن والسنة النبوية، كما تطالب بتجديد الفكر الدينى ليناسب العصر، مما سيؤدى لتغيير عادات مثل قتل المرأة بدافع غسل العار، وأيضاً تبحث فى مسألة عدم المساواة بين الرجل والمرأة.
وأصدرت كتاب «نساء النبى» عام 2003 باللغة الهولندية، والنسخة المترجمة إلى اللغة الألمانية بعنوان «انزعوا القرآن من أيدى الرجال»، وتتناول فيه الكاتبة قضية تفسير القرآن والحديث النبوى، الذى تم حتى الآن على أيدى مفسرين رجال فقط، والذى ألحق الضرر الكبير فى مساعى المرأة نحو الحصول على حقوقها، وحرمها من الكثير منها، بسبب التفسير الرجولى الذى يخدم دائماً مصلحة الرجل، ولذلك فمن المهم أن تشارك المرأة فى تفسير القرآن والسنة النبوية، من أجل تحقيق المساواة.
النسخ:
فى علوم القرآن يأتى علم الناسخ والمنسوخ بمعنى استبدال حكم أمر الله تعالى به بحكم آخر بدلاً منه، وتم تقسيم الناسخ والمنسوخ إلى ثلاثة أقسام، الأول «ما نسخ حكمه وخطه»، مثل إنه أنزلت سورة تعدل سورة التوبة ثم نسخت، والثانى «ما نسخ خطه وبقى حكمه»، مثل إنه أنزلت آية الرجم ثم نسخ خطها وبقى حكمها.
والثالث «ما نسخ حكمه وبقى خطه»، والذى يمثل آيات كثيرة فى كتاب الله تعالى تم فهمها فهماً متناقضاً مع آيات أخرى فقيل بنسخها، والادعاء بالقسمين الأول والثانى وهما «ما نسخ خطه وحكمه» و«ما نسخ خطه وبقى حكمه» ينتج عنهما أن صحا أن القرآن حين نزل كان أكبر حجمًا من القرآن الكريم الموجودِ بين أيدينا.
كما أن الادعاء بما نسخ حكمه وبقى خطه ينتج عنه تعارض بين دلالات الألفاظ والأحكام وهذا يناقض قوله تعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) النساء 82.
النسخ تدوين الشيء عن أصل: (هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) الجاثية 29، يعنى من يكتبون يستنسخون بالتدوين أفعال الناس وهى الأصل. فقد حولوا الأصل وهو فعل الناس إلى كتابة وبذلك هم ينسخون.
وقد يكون الأصل مكتوبًا: (وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِى نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) الأعراف 154، النسخ من الألواح لنشر المعرفة فتحصل الهداية والرحمة لمن يتبعها.
بعكس المحو فهو زوال الشىء: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) الإسراء 12، أى هناك ابدال الليل بالنهار ولا يكون ذلك إلا بزوال.
والمحو مقابل الإثبات: (يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) الرعد 39، ولأن هناك ابدال كلى بين شيئين فإن المحو والإثبات زوال الشيء وإبداله بشيء آخر.
الإبدال يعنى إلغاء ما كان له غرض مؤقت، ولا يريد تعالى إثباته فى القرآن فقد تم تبديل حكم ما بحكم آخر بعد زوال أسباب استمرار الحكم السابق: (وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما يُنَزِّلُ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) النحل 101.
وفى قوله تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِى الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. لِيَجْعَلَ ما يُلْقِى الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِى شِقاقٍ بَعِيدٍ) الحج 52-53.
فى الآية وجود تمنى لرسول أو نبى، وهنا يلقى الشيطان فى تلك الأمنية، ويتم ترسيخ نتاج تلك الأمنية فى قلوب الذين فى قلوبهم مرض مع إحكام آيات الله أى لا يدخلها الباطل، يعنى نسخ الله فى قلوب الظالمين والكافرين ما أنتجه الشيطان، وذلك ليجعل ما فعله الشيطان فتنة لهم ولمن تبعهم.
نسخ الآية لا يعنى محوها بل تدوينها بصياغة جديدة لأن المحو إزالة والنسخ تدوين وإثبات: (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) البقرة 106.
هناك آيات فى الكتب السابقة تمت إعادة صياغتها فى القرآن وتثبيتها بصيغة جديدة، وآيات تم السكوت عنها ونسيانها، والنسخ هو إعادة لصياغة آيات فى الكتب السابقة ونسيان آيات أخرى حتى تتناسب الآيات الجديدة مع تطور الإدراك الإنسانى.
أسباب النزول:
هذا العلم يبحث فى أسباب نزول الآية أو السورة ووقتها ومكانها، وفى ذلك قال الواحدى: «لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها»، وقال ابن تيمية: «معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب»، ونلاحظ أن القول بوجود أسباب لنزول الآيات يقتضى عدم نزول آية إلا بوجود سبب لنزولها ومع ذلك توجد آلاف الآيات بدون سبب نزول.
فمثلاً فى كتاب أسباب النزول لمؤلفه على بن أحمد الواحدى، جاء بسبب نزول آية واحدة من سورة الأنبياء، وآيتين من سورة طه، وسببً واحد لنـزول سور «الناس، الفلق، الإخلاص، المسد، النصر، الكافرون، الكوثر، الماعون، قريش، الفيل، التكاثر»، ثم ترك سوراً بكاملها دون وجود سبب لنزولها.
وأورد سبباً لنزول جزء من آية كما فى الحجرات12 : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، فيقول إن قوله تعالى (وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، نزل فى سلمان الفارسى.
وعن سبب نزول قوله تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِى نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَ لَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) النحل 92. وفى رواية الكلبى عن التى نقضت غزلها: «أنها امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، ولا يزال ذلك دأبها واسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة، وكانت تسمى خرقاء مكة»، فأصبحت الآية حكاية وانشغل القارئ بالاسم السداسى لأمرة مجهولة لا علاقة لها بالموضوع.
ما قيل فى أسباب النزول لم يذكره القرآن وإنما هو ظن، فأسباب النزول موضوعة فى زمن بعيد عن الجيل الأول من الصحابة، ولأنها تعتمد على النقل فلذلك توجد محاولة فى جعل أسباب النزول تتفق مع آيات القرآن.
القراءات:
فى الروايات أن القرآن الكريم له قراءات سبع أو عشر، ظهرت فى القرون اللاحقة للسلف فى زمن الدولة العباسية، وبعضها كان من وضع اللغويين مثل الكسائى، وقد تعاملوا مع لسان القرآن مثل تعاملهم مع اللغة العربية، ومن خلال القراءات أصبح للقرآن سند متناقل من الرواة.
ومن الذين قرأوا القرآن بقراءات مختلفة، ورش وقد توفى 197 هـ، عاصم بن أبى النجود الأسدى الكوفى توفى 127 هـ، أبو الحسن على بن حمزة الكسائى الكوفى 189 هـ، خلف بن هشام 229 هـ، قالون توفى عام 220 هـ، مثلاً تختلف رواية ورش عن رواية عاصم فى نطق الكلمات القرآنية من طريق التغليظ والترقيق أو زيادة الأحرف ونقصها.
لقد تم إنزال القرآن على مراحل: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) الفرقان 32، أى أنه أنزل القرآن حسب الأحداث ومتطلبات الرسالة، ولن تكون للآية عدة قراءات وهى تعرض حدث أو تأتى بتشريع.
إن للقرآن قراءة واحدة وليس قراءات، قال تعالى: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ. فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) القيامة 16-18، لم يقل تعالى «فإذا قرأناه فاتبع قراءاته»، بل (قُرْآنَهُ)، مفرد أى قراءة واحدة وقد تكررت للتأكيد، لقد قرر تعالى جمع القرآن وثبت قراءته عند النبى، لذلك ينهاه تعالى عن التعجل به حتى يتم تثبيته بالصورة التى أقرها تعالى.
كما وضح تعالى أن القرآن يتكون من آيات أى مواضيع تكون واضحة بالتدبر والترتيل: (بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِى صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ) العنكبوت 49، الذين أوتوا العلم فى كل زمن يقومون بتعليم الناس بعض ما يحتويه كتاب الله، ويكون ذلك وفق علم الله بمدى التراكم المعرفى عند الناس: (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) ص 88.