خبراء أكدوا أن الاتفاقية غير ملزمة وهدفها غير معلوم رفض مصر والسودان ينسف شرعية اتفاقية عنتيبى
مى زكريا
ما زالت الدولة المصرية تتمسك بأهمية التفاوض والتعاون لتحقيق المصالح المشتركة بين دول حوض النيل كخطوة مهمة نحو إدارة ملف المياه، رافضة إعلان رئيس الوزراء الإثيوبى آبى أحمد، دخول اتفاقية عنتيبى حيز التنفيذ، بالرغم من رفض مصر والسودان لها.
وأكدت الدولة المصرية أن تحقيق التعاون بين الدول الـ11 المتشاركة فى مجرى النهر الذى يعيش على ضفافه 250 مليون نسمة يعد أمرا حيويا لضمان الاستفادة العادلة من هذا المورد الحيوى وعدم الاعتماد على التصرفات الأحادية من جانب بعض الدول، داعية لضرورة احترام المواثيق والاتفاقيات الدولية والحقوق التاريخية لدولتى المصب.
وزير الخارجية الدكتور بدر عبدالعاطى، ووزير الموارد المائية والرى د. هانى سويلم، أكدا، فى تصريحات سابقة، البدء فى اتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ توجيه رئيس الجمهورية بإنشاء صندوق للاستثمار فى دول حوض النيل يهدف لتحقيق التنمية على أساس المشاركة والتعاون بين مصر وأشقائها فى دول الحوض النيل، وتعزيز الاستثمار فى المشروعات التنموية ومشروعات البنية الأساسية فى دول حوض النيل، على أن يتم ذلك وفقا للمعايير الاقتصادية السليمة لتعزيز فرص نجاح تلك المشروعات وجذب التمويل الأجنبى.
دعوة إلى مراجعة الموقف
جاءت هذه التصريحات عقب يومين من صدور بيان مشترك من القاهرة والخرطوم بإعلان رفضهما الاتفاقية والدعوة لمراجعتها، مجددين التزامهما الكامل بالتعاون مع دول حوض النيل، ومؤكدين أن ما يسمى بالاتفاق الإطارى للتعاون فى حوض النيل غير ملزم لأى منهما ليس فقط لعدم انضمامها إليه وإنما أيضا لمخالفته مبادئ القانون الدولى العرفى والتعاقدى.
العودة إلى النقاش
ودعا الدكتور هانى سويلم، وزير الموارد المائية والرى، فى تصريحات سابقة، دول حوض النيل الموقعة على الاتفاقية الإطارية عنتيبى بمراجعة موقفها والعودة مرة أخرى للنقاش حول التعاون بين الدول، بما لا يحقق ضررا لأى من دول نهر النيل، مؤكدا رفض مصر والسودان لها؛ لأنها لا تتسق مع قواعد القانون الدولى ذات الصلة، لافتا إلى أن موقف مصر يتسق مع القانون الدولى واتفاقية الأنهار العابرة للحدود.
وأكد وزير الرى أن أى اتفاق خاص بشأن أى نهر لا بد أن يشمل موافقة كل الدول المشاركة فيه، خاصة أن مصر دولة تدعم التعاون والتنمية، وإن رفض مصر جاء بعد سعى إحدى الدول لجمع توقيعات دون انتهاء المناقشات إضافة إلى أن بعض البنود الموجودة فى الاتفاقية مخالفة للقانون الدولى والاتفاقيات السابقة.
رفض الإجراءات الأحادية
وأوضح وزير الرى أن مصر ترفض الإجراءات الأحادية ولا تعترف بالاتفاقيات الموقعة بشكل أحادى خاصة أن الواقع الحالى لدول حوض النيل غير جيد، إذ قُسِّم إلى ثلاثة مجموعات غير متفقين، وهى دول أعالى النيل ودول شرق النيل ودولتى المصب، وأن مصر تدعم دول حوض النيل، وساهمت كثيرا فى مشروعات تعاون ثنائية وتسعى لأن يكون حوض النيل كيانًا واحدا، مشددا على أن مصر لديها استخدامات حقيقية والمياه الحالية لا تكفى، ومن ثَم لا تسمح مصر بالتنازل عن متر واحد من مياه النيل.
خطوة استباقية
وحرصت الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان على عقد اجتماعات يومَى 11 و 12 أكتوبر الماضى أى قبل إعلان آبى أحمد دخول الاتفاقية حيز التنفيذ للتباحث فى عدد من القضايا ذات الصلة بمياه حوض النيل فى إطار اختصاصها بموجب اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل الموقعة بين مصر والسودان فى نوفمبر 1959 بما فى ذلك مستجدات موقف تصديقات بعض دول الحوض على مشروع الاتفاق الإطارى لدول حوض النيل.
وأكدت الهيئة على أن الجانبين بذلا جهودا مكثفة ومستمرة على مدار الأعوام السابقة لرأب الصدع الذى تسبب فيه تبنى بعض دول الحوض لمسودة غير مستوفية للتوافق لوثيقة ما يسمى «عنتيبى»، رغم عدم اتفاقها مع قواعد القانون الدولى ذات الصلة والممارسات الدولية المثلى.
سعى مصرى سودانى للتوافق
وأكدت مصر والسودان سعيهما لأن تكون الآلية التى تجمع دول حوض النيل آلية توافقية تقوم على الشمولية وتنتهج فى عملها القواعد الراسخة للتعاون المائى العابر للحدود، وفى مقدمتها مبادئ التشاور والإخطار المسبق بشأن المشروعات المستندة إلى دراسات علمية وافية للأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للمشروعات التى تُنَفَّذ، إلا أن هذه الجهود لم تجد التفاعل الإيجابى اللازم.
وأكد الجانبان التزامهما الكامل بالتعاون مع دول حوض النيل فى إطار المبادئ المتعارف عليها دوليا، والتى تحقق المنفعة للدول جميعهم دون إحداث ضرر لأى من الدول.
وأوضحت مصر والسودان، إن ما يسمى بالاتفاق الإطارى فى حوض النيل غير ملزم لأى منهما ليس فقط لعدم انضمامها إليه وإنما أيضا لمخالفته لمبادئ القانون الدولى العرفى والتعاقدى، مشددين على أن مفوضية الست دول الناشئة عن الاتفاق الإطارى غير المكتمل لا تمثل حوض النيل فى أى حال من الأحوال.
استعادة مبادرة حوض النيل
ودعت مصر والسودان دول الحوض إلى العودة لمبادرة حوض النيل وعدم اتخاذ إجراءات أحادية من شأنها المساهمة فى الانقسام بين دول المنبع ودول المصب بحوض نهر النيل، وذلك اقتناعا منهما بأن استعادة مبادرة حوض النيل لشموليتها هو الطريق الأمثل للتوافق على إطار وآلية التعاون دائمين لحوض النيل.
أسباب الخلاف
تعارض مصر والسودان اتفاقية عنتيبى، التى من شأنها الإضرار بدول المصب، وتتمسّكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التى ترفض الإضرار بها، وتقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان، وترفض أى مشروع مائى بمجرى النيل يُلحق أضرارًا بالأمن المائى.
نقاط الخلاف
تتضمن اتفاقية عنتيبى بعض البنود التى تسببت فى الخلاف بين الطرفين أبرزها المادة رقم 12 الخاصة بالإخطار المسبق، والذى طالبت فيها مصر والسودان قبل تنفيذ أى مشروعات على النيل بإخطارها مسبقا والمادة 14، والتى تنص على أن تتفق دول حوض النيل بروح التعاون على عدم التأثير الكبير فى الأمن المائى لأى دولة أخرى فى حوض النيل، حيث طالبت مصر والسودان بتعديلها لتصبح عدم التأثير بصورة كبيرة فى الأمن المائى والاستخدامات الحالية وحقوق أى دولة أخرى فى حوض النيل انطلاقا من تخوفات من الجور على حصصهما المائية الحالية التى نصت عليها الاتفاقيات التاريخية الموقعة.
14 عامًا على المحادثات بلا جدوى
تعود اتفاقية عنتيبى لعام 2010، حيث اجتمعت ست دول من حوض نهر النيل وهى: إثيوبيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا وكينيا وبروندى، فى مدينة عنتيبى بهدف تنظيم استخدام مياه النيل وتوزيعها بين الدول الأعضاء، حيث وقعت حكومات إثيوبيا ورواندا عام 2013 ثم تنزانيا عام 2015 وأوغندا عام 2019 وبوروندى عام 2023 إلى أن صادقت دولة جنوب السودان على الاتفاقية فى أغسطس من العام الحالى.
وتنص بنود الاتفاقية على أنها تدخل حيز التنفيذ بعد 60 يوما من تصديق ثلثى دول حوض النيل البالغ عددها 11 دولة على الاتفاقية، وذلك رغم عدم التوافق بين باقى الدول، وعلى رأسها مصر والسودان لعدم الاعتراف الاتفاقية بالحصص التاريخية لهما من مياه نهر النيل.
وفى هذا الصدد، أكد الدكتور عباس شراقى خبير المياه وأستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة إن رفض مصر والسودان لاتفاقية عنتيبى من شأنه إيقاف أى قرار آخر، خاصة أن الجهات الدولية تساند الدول على التعاون والتفاوض، وليس زيادة الخلاف، ولا تساعد دولة ضد دولة أخرى وترفض دعم أى مشروع قد يسبب الإضرار ويثير المشكلات، حيث إن الجهات الدولية الممولة تضع شرط تصفية الخلافات والتوافق حتى لا تساعد طرفًا ضد طرف، مثال على ذلك عدم التدخل فى الخلافات على بناء سد النهضة ورفض الضغط على إثيوبيا لوجود مصالح مشتركة مع كل من مصر وإثيوبيا.
وحول دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، أوضح شراقى أن إعلان إثيوبيا دخول الاتفاقية حيز التنفيذ من شأنه زيادة التوتر بين دول المنبع ودول المصب، وليس فى صالح الجميع خاصة بعد أزمة سد النهضة.
وأشار إلى أنه لا بد من تدخل بعض الدول لإعادة التفاوض مجددا والوصول إلى صيغة وسطية مرضية لجميع الأطراف مثل دولة الكونغو الديمقراطية أو تنزانيا باعتبارهما من دول حوض النيل، ويتمتعان بعلاقات طيبة مع مصر وإثيوبيا وباقى الدول الموقعة على اتفاقية عنتيبى، عبر عرض مراجعة البند الذى تعترض عليه مصر والسودان للوصول إلى صيغة يوافق عليها الطرفان.
وأكد شراقى أن الخلاف على أحد البنود، والذى ينص على الاستخدام العادل والمنصف للدول من مياه النيل وهى عبارة فضفاضة، خاصة أن الاتفاقيات السابقة تعطى مصر حصتها من نهر النيل 55 ونصف مليار متر مكعب، فإذا عُدِّلت المادة بالاعتراف بالاستخدامات الحالية وفقا للاتفاقيات الدولية السابقة يكون الأمر محل تفاوض، ويمكن أن تعود مصر والسودان، وتوافق على التوقيع، ويُكَوَّن مجموعة تضم دول حوض النيل مجتمعه والقضاء على هذا التفكك والسعى للتفكير فى كيفية استخدام الموارد المائية والاستفادة منها بشكل يحقق مصالح كافة دول حوض النيل.
وبيّن الخبير المائى أن هذه الاتفاقية أبرمت بين دول حوض النيل دول المنابع فقط، ووضعوا بنود هذه الاتفاقية مع تجاهل رفض دول المصب ممثلة فى مصر والسودان ورفضهما التوقيع عليها.
وأوضح «شراقي» أن هذه الاتفاقية غير ملزمة لمصر والسودان لأنها ليست لها علاقة بالقوانين الدولية، لافتا إلى أن الهدف منها غير معلوم، خاصة أن دول المنبع لا تنتظر دخول الاتفاقية حيز التنفيذ لتحقيق أهداف بعينها، خاصة أن إثيوبيا استطاعت الفترة الماضية إكمال بناء سد النهضة بشكل نهائى، رغم فشل المفاوضات الخاصة به.
وأشار شراقى إلى أن اتفاقية عنتيبى لن تعطى لدول المنبع أكثر مما تنفذه حاليا ولم تعط لهم الشرعية إذا تم الإعلان عن إقامة أى سد أو أى مشروع مائى جديد دون التوافق عليه لأنه أمر غاية فى الصعوبة، خاصة أن المؤسسات الدولية مثل البنك الدولى أو الاتحاد الأوروبى ترفض المساعدة المادية فى هذه المشروعات إذا كان المشروع يسبب الضرر لدول على حساب دول أخرى.
ومن جانبه، أوضح الدكتور محمد محمود مهران أستاذ القانون الدولى والأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، أن القوانين الدولية، خاصة اتفاقية الأمم المتحدة للاستخدامات غير الملاحية للمجارى المائية الدولية لعام 1997، تؤسس لمبادئ جوهرية فى إدارة الأنهار الدولية، مشيرًا إلى أن هذه المبادئ تشمل الاستخدام المنصف والمعقول للمياه، وعدم إلحاق ضرر جسيم بالدول الأخرى، والتعاون والتشاور المسبق بين الدول المتشاطئة.
وأضاف مهران أن التجارب الدولية الناجحة فى إدارة الأحواض المائية المشتركة مثل نهرى الزمبيزى والسنغال تؤكد أن أى اتفاقية فعالة يجب أن تحظى بموافقة جميع الدول المتشاطئة، مؤكدًا أنه لا يمكن لمجموعة من الدول أن تفرض اتفاقية على دول أخرى فى الحوض.
وحذر طهران من أن الاتفاقية تشكل تهديدًا مباشرًا للحقوق التاريخية لمصر والسودان فى مياه النيل، موضحا أنها تتجاهل اتفاقيات 1929 و1959 التى تضمن لمصر 55.5 مليار متر مكعب سنويًا وللسودان 18.5 مليار متر مكعب، معتبرا أن محاولة إعادة توزيع الحصص المائية دون موافقة دولتى المصب تخالف مبادئ القانون الدولى الراسخة.
وأضاف أنه يمكن الاستفادة من الآليات الدولية المتاحة مثل مجلس الأمن الدولى، والرأى الاستشارى لمحكمة العدل الدولية، وتحركات المبعوث الأممى للمياه، فضلا عن المنظمات الإقليمية مثل الاتحاد الإفريقى، والجمعية العامة للأمم المتحدة خاصة إذا كانت هناك إدارة سياسية حقيقية لحل الأزمة، مؤكدا أن المجتمع الدولى عليه دور كبير فى مثل هذه النزاعات.
وشدد مهران على أهمية اتباع استراتيجية متكاملة تجمع بين المسارات القانونية والدبلوماسية، مؤكدا أنه يجب على مصر والسودان الاستمرار فى التأكيد على حقوقهما القانونية والتاريخية، مع العمل على بناء تحالفات دولية داعمة لموقفهما، لافتا إلى أن الحل المستدام يجب أن يحترم حقوق جميع دول الحوض، ويضمن التنمية المشتركة، لكن ليس على حساب الحقوق المكتسبة لدولتى المصب.