المرأة الريفية «ركيزة التنمية» المستدامة وإشراقة المستقبل التحديات والحلول من أجل مستقبل أفضل للعاملات الزراعيات

هاجر عثمان
شهدت الفترة الأخيرة اهتمامًا متزايدًا بالمرأة الريفية التى تلعب دورا محوريا فى دعم الاقتصادات المحلية والعالمية، بإسهاماتها الكبيرة فى مجالات الزراعة« الإنتاج الغذائى» وبالرغم من ذلك ووفقًا لتقارير الأمم المتحدة أن قدرة النساء على الوصول إلى مجموعة من الموارد فى مجالات منها حقوق الأرض والائتمان إلى التعليم والتكنولوجيا هى أقل مقارنة مع الرجل. وإذا حظيت المرأة بنفس القدرة على الوصول إلى الموارد الإنتاجية مثل الرجل، فمن الممكن أن تزيد غلات المزارع بنسبة 20 إلى 30 فى المائة، ما يؤدى إلى إطعام ما بين 100 إلى 150 مليون شخص إضافى.
بل تُشكل نسبة النساء من ملاك الأراضى فى كل أنحاء العالمى هى أقل من 15 ٪، العاملات الزراعيات فى مصر هن أكثر المتضررات من التغيرات المناخية، التى تؤدى إلى ارتفاع فى درجات الحرارة وتغير حالة الطقس بما يؤثر على المحاصيل الزراعية وتعرض العمالة الزراعية للإصابة بأمراض مهنية جديدة.
نقابة الفلاحين لا تحتفى بالمرأة الريفية
قالت لمياء لطفى مُؤسسة مبادرة «المرأة الريفية»، أن المبادرة تأسست قبل عامين فى محافظة الشرقية وامتد نشاطها ليصل لمحافظات المنوفية، البحيرة والمنوفية، وتستهدف التمكين الاقتصادى للمرأة الريفية وبيع منتجاتها وتسويقها بالمحافظات المختلفة.
وأوضحت فى حديثها لروزاليوسف أنها استلهمت فكرة المبادرة بعد فترة الكورونا، بعدما اكتشتف أن كثيرا من النساء الريفيات لجأن للعمل فى المنازل، رغم إنهن فى الأصل يعملن فى الإنتاج الداجنى، الزراعى والغذائى، ومن ثم فكرت بضرورة عودتهن من جديد لحرفتهن الأصلية، وبدأت رحلة التواصل مع النساء الريفيات ومعرفة احتياجتهن وتدريبهن.
وأضافت: «استهدفنا العمل مع 15 سيدة ونجحنا فى تنظيم 5سيدات منهن كتعاونية أو وحدة إنتاجية واحدة، ليكون لديهن خطوط إنتاج وتم تدريبهن لفتح أسواق جديدة لمنتجاتهن، من أجل تحقيق الاستقلال المادى والاقتصادى لهن».
وأشارت أن هؤلاء السيدات تحول من نساء عاملات فى المنزل بدون أجر لسيدات لهن أجر مستقل ينفقن منه على أسرتهم، معربة أنه هدفنا فى المبادرة تنظيم النساء الريفيات فى تعاونيات أو مجموعات إنتاجية تنقذهن فى حالات الخطر والتغيرات الاقتصادية.
وتابعت مؤسسة مبادرة المرأة الريفية: «للأسف النقابات كالفلاحين والعمال الزراعيين لا تحتفى بوجود المرأة الريفية فيها، ونسبة تمثل النساء فيها لا تتجاوز %3، وعندما يُعقد اجتماعات أو لقاءات لمناقشة حقوق العاملات الزراعيات يأتى الرجال ويتحدثون عن حقوق الستات، وهذا ما نسعى لتغييره من خلال مبادرتنا المرأة الريفية هو تمكين النساء اقتصاديا وكذلك تمكينها من حقوقها فى المشاركة والتعبير عن مشكلاتها».
أكملت: «نحتاج لتعليم الستات، كيفية تمثيل أنفسهن وأن يصبحن شركاء يعبرن عن مشاكلهن، بلا شك سيحتاج ذلك وقتا طويلا ولكن نحن لدينا شغف وإيمان بقدرتنا على تنفيذه» .
برامج الدولة فى الحماية الاجتماعية واستفادة المرأة الريفية
ومن جانبه أكد الباحث والحقوقى محمد عبدالرحيم على دور المرأة الريفية المحورى فى دعم الاقتصادات المحلية والعالمية، وبإسهاماتها الكبيرة فى مجالات الزراعة، الإنتاج الغذائى، والمجتمعات الريفية. قائًلا: «مع ذلك، ورغم أهمية هذا الدور، تواجه النساء الريفيات تحديات كبيرة فيما يتعلق بالوصول إلى الحماية الاجتماعية».
عبدالرحيم انتهى من إعداد ورقة بحثية قبل أيام، تحت عنوان «آليات مواجهة استبعاد المرأة الريفية من مظلة الحماية الاجتماعية» بالتزامن مع الاحتفاء باليوم الدولى للمرأة الريفية هذا العام أوضح عبدالرحيم فى حديثه لـ«روزاليوسف» أن هناك جهودا مبذولة من الدولة فى السنوات الأخيرة على برامج الحماية الاجتماعى وتنوع أشكال الحماية الاجتماعية التى تقدِّمها وزارة التضامن الاجتماعى لتشمل المساعدات الاجتماعية، والتى تأخذ شكل معاشات شهرية مثل الضمان الاجتماعى ومعاش تكافل وكرامة، وتتوجه للأُسر الأكثر احتياجًا، يضاف إليها إما مساعدات شهرية وإما سنوية خاصة بالأطفال، من أجل ضمان استمرارهم فى التعليم، فضلاً عن استحقاقات المعاقين وغيرهم من الفئات الأكثر احتياجًا.
يُذكر أنه بلغ عدد المستفيدين من الدعم النقدى فى عام2020 بكل أشكاله 3.8 مليون أسرة وفقًا لبيان وزيرة، التضامن الاجتماعى أمام مجلس النواب فى فبراير 2021بعد نقل 1.7 مليون مستفيد من معاش الضمان الاجتماعى إلى تكافل وكرامة.
وتابع عبدالرحيم: «أن رغم هذه الجهود إلا أن برامج الحماية الاجتماعية غير موجهة للمرأة الريفية بشكل خاص، لأن العاملات الزراعيات غير مدرجات تماما على قانون العمل رقم 12 لسنة 2003، وبالتالى ليس هناك حصر كامل لأعدادهن».
وتابع: « إنه وفقا لبيانات المركز القومى للسكان فإن مـا يقـرب مــن 45 % مــن المشــتغلين غيــر الرســميين يعملــون فـى قطـاع الزراعـة حيث يعملون فى الاقتصاد غير المنظم، والغالبية يعملون بالأجر لدى آخرين، وبالنسبة للنساء الريفيات فى مصر، هناك العديد من التحديات التى تعيق مشاركتهن فى الحماية الاجتماعية والاستفادة منها».
وأكد عبدالرحيم أنه وفقًا للتقارير والدراسات حول الحماية الاجتماعية، تواجه النساء الريفيات حواجز ترتبط بالمساواة بين الجنسين مثل: عبء الرعاية غير المتكافئ حيث تتحمل النساء الريفيات فى مصر عبئاً كبيرًا من مسئوليات الرعاية الأسرية، بما فى ذلك رعاية الأطفال وكبار السن، مما يقلل من فرصهن فى المشاركة فى الأنشطة الاقتصادية والاستفادة من البرامج الاجتماعية، نقص الخدمات والبنية التحتية حيث تعانى المناطق الريفية من نقص حاد فى البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة. هذا يؤثر بشكل خاص على النساء اللواتى قد يجدن صعوبة فى الوصول إلى البرامج الاجتماعية أو مكاتب الدعم الحكومى.
كما أوضح أن الأمية تشكل أحد التحديات حيث ترتفع معدلات الأمية بين النساء الريفيات مقارنة بالرجال، مما يعوق قدرتهن على فهم حقوقهن أو كيفية التقديم على برامج الحماية الاجتماعية، بالإضافة إلى محدودية الوصول إلى المعلومات: تعانى النساء فى المناطق الريفية من نقص فى المعلومات المتعلقة ببرامج الحماية الاجتماعية والتحويلات المالية التى يمكن أن تساعدهن فى تحسين مستوى حياتهن. يؤدى ضعف الاتصال ونقص الموارد التوعوية إلى تهميش هذه الفئة.
وأكد عبدالرحيم إنه على الرغم من حصول بعض النساء على تحويلات مالية من برامج الحماية الاجتماعية مثل «تكافل وكرامة»، إلا أن الديناميكيات الأسرية فى بعض الأحيان تجعل من الصعب على النساء الاستفادة الكاملة من هذه التحويلات، حيث قد يتحكم أفراد الأسرة الذكور فى كيفية إنفاق المال.
وفى ضوء هذه التحديات السابقة يرى الباحث الحقوقى محمد عبدالرحيم أن نسبة مشاركة النساء الريفيات فى برامج الحماية الاجتماعية لا تزال منخفضة مقارنة بالرجال، بسبب هذه الحواجز الاقتصادية والاجتماعية والجندرية.
ويستعرض عبدالرحيم فى الورقة البحثية جهود الدولة المصرية فى التمكين الاقتصادى للمرأة الريفية موضحًا، إنه وفق إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء هناك 61.5 ألف مشروع متناهى الصغر تنفذه سيدات فى المناطق الريفية بتمويل 373 مليون جنيه، وتدريب 10 22.500 سيدة فى أفقر محافظات، وتدريب 9.300 سيدة فى 430 مركز أسر منتجة، بالإضافة إلى تدريب 42 رائدة ريفية على الشمول المالى كمدربات للسيدات المستفيدات من برنامج تكافل وكرامة وإقامة معارض للأسر المنتجة وصلت مبيعاتها 33 مليون جنيه.
أكد عبدالرحيم فى حديثه لروزاليوسف أنه فى ضوء هذه الأرقام فإن هناك جهودًا موجهة لدعم النساء فى المناطق الريفية، ولكنها لا تزال غير كافية بالنظر إلى التحديات التى تواجه هذه الفئة.
واستطرد موضحًا التحديات ويأتى على رأسها محدودية التأثير مقارنة بحجم الفئة المستهدفة، لأنه على الرغم من أن 61.5 ألف مشروع تم تمويله، إلا أن هذه الأرقام تظل ضئيلة مقارنة بعدد النساء الريفيات اللواتى يعشن فى فقر ويحتجن إلى دعم اقتصادى. فى بلد كبير مثل مصر، حيث يشكل الريف نسبة كبيرة من السكان، قد لا تكون هذه المشروعات كافية لتلبية احتياجات الملايين من النساء. بالتالى، فإن الفئة الأكبر لا تزال خارج نطاق الاستفادة.
وأردف إلى قصور التغطية فى برامج التدريب المهنى والحرفى وفقًا للأرقام السابقة ورغم أنها خطوة إيجابية الإ أنها تبدو قليلة عند النظر إلى الحجم الكبير للسكان فى هذه المناطق، فقر المحافظات الريفية وانتشار الأمية يعنى أن هذه الأرقام ليست كافية لتقديم فرصة حقيقية للتمكين الاقتصادى لفئات أوسع. بالإضافة إلى ذلك، يبقى السؤال عن مدى ملاءمة تلك التدريبات لاحتياجات سوق العمل الفعلى، وهل تم بالفعل توفير فرص عمل أو دعم للاستدامة الاقتصادية بعد انتهاء التدريب؟
ولخص عبدالرحيم أبرز التحديات التى تواجه المرأة الريفية فى الوصول إلى برامج الحماية الاجتماعية التى خلصت إليها الورقة البحثية ومنها؛ العمالة غير النظامية حيث تعمل النساء الريفيات غالبًا فى القطاع غير الرسمى، بما فى ذلك الزراعة والأعمال المنزلية. هذه الأعمال غير مشمولة بالتأمينات الاجتماعية التقليدية، مما يحرمهن من حقوق الحماية الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتأمين ضد البطالة، التعليم المحدود حيث تواجه النساء الريفيات نسبة عالية من الأمية وضعف المهارات، ما يحد من قدرتهن على فهم حقوقهن والوصول إلى الموارد والخدمات المتاحة. الأمية تضعف أيضًا من إمكانياتهن فى الانخراط فى الاقتصاد الرسمى الذى يوفر حماية أكبر.
كما لفت إلى التهميش الاجتماعى والثقافى التى تتعرض له النساء الريفيات للتمييز فى الإرث وملكية الأراضى، مما يجعلهن معتمدات على الرجال فى الأسرة اقتصاديًا، ويقلل من استقلاليتهن المالية. العادات والتقاليد فى الريف تعوق أيضًا انخراط النساء فى العمل الرسمى وتعزز دورهن التقليدى كمقدمات للرعاية داخل الأسرة.
ويقترح الباحث محمد عبدالرحيم من خلال دراسته عدة آليات لتمكين المرأة الريفية من برامج الحماية الاجتماعية منها؛ توسيع نطاق الحماية الاجتماعية للعمالة غير الرسمية وأن تشمل برامج الحماية الاجتماعية العمالة غير النظامية التى تمثل الغالبية العظمى من النساء الريفيات من خلال: إدماج النساء العاملات فى الزراعة والأعمال غير الرسمية فى التأمين الصحى والتقاعدى وتوفير دعم نقدى مباشر للنساء اللواتى يعملن فى الزراعة أو المشاريع الصغيرة.
كما أكد على ضرورة التمكين الاقتصادى والاجتماعى من خلال توفير برامج تدريبية مهنية لزيادة المهارات الإنتاجية لدى المرأة الريفية، خاصة فى القطاعات الزراعية والصناعات اليدوية، ما يسهم فى زيادة دخلها وتعزيز استقلالها الاقتصادى، بالإضافة إلى تسهيل الوصول إلى التمويل من خلال تقديم قروض صغيرة ومتناهية الصغر للنساء الريفيات لتأسيس مشروعات صغيرة تسهم فى تحسين دخلهن وإدماجهن فى الاقتصاد الرسمى.
ومن التوصيات المقترحة جاء التركيز على أهمية تحسين الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية، وأوضح عبدالرحيم قائًلا: «يجب توسيع نطاق برامج التأمين الصحى ليشمل جميع النساء الريفيات، مع التركيز على الصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، وإطلاق برامج تعليمية مستدامة لمحو الأمية، وتوفير برامج تعليمية للفتيات لضمان تحسين فرصهن فى المستقبل.
أما على مستوى تعزيز السياسات والتشريعات الوطنية، فشدد عبدالرحيم على ضرورة تبنى الدولة سياسات واضحة تهدف إلى حماية حقوق النساء الريفيات من خلال مراجعة القوانين الزراعية لضمان حقوق المرأة فى ملكية الأراضى وسن تشريعات تحمى المرأة من التمييز الاجتماعى والاقتصادى، وتضمن شمولها فى برامج الحماية الاجتماعية.