الثلاثاء 5 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية .. (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا): حد الزنى.. فى القرآن! "108"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

الباحثة والكاتبة فاطمة المرنيسى،عاشت من 1940 إلى 2015 م، هى عالمة اجتماع وكاتبة نسوية مغربية، لها كتب ترجمت إلى العديد من اللغات، تهتم فى كتاباتها بالإسلام والمرأة، وتحليل تطور الفكر الإسلامى والتطورات الحديثة. 

تلقت تعليمها الابتدائى فى أوائل المدارس العربية الخاصة بالمغرب، ثم التحقت بمدرسة ثانوية خاصة بالفتيات، ثم درست العلوم السياسية فى جامعة السوربون فى فرنسا، ثم جامعة برانديز فى أمريكا، حيث حصلت على شهادة الدكتوراه.

وعادت إلى المغرب لتقوم بالتدريس فى جامعة محمد الخامس، ومع عملها فى الكتابة كانت تعمل فى إطار المجتمع المدنى، من أجل المساواة وحقوق النساء.

 حد الزنى:

قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) النور 2، فى الآية يأمر تعالى بجلد الزانية والزانى كل واحد منهما مائة جلدة، لكن حسب ما جاءت به الروايات، والتى نسبت إلى الله تعالى حكم آخر هو الرجم.

فقد أخرج الألبانى فى كتاب السلسلة الصحيحة عن أبى بن كعب: «أن سورة الأحزاب ثلاثًا وسبعين آية، لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم»، وفى رواية ابن حزم: «إذا زنى الشيخ والشيخة».

وأخرج النسائى فى السنن الكبرى بأن الرواية صحيحة، وتقول: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالًا من الله ورسوله».

وأخرج ابن حبان فى المقاصد الحسنة، وأبونعيم فى معرفة الصحابة، وقالا هما والبيهقى بأن الرواية صحيحة: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة».

أخرج ابن حجر العسقلانى فى فتح البارى عن عمر قال: «الشيخ والشيخة إذا زنيا فاجلدوهما البتة»، فالرواية المنسوبة إلى عمر فى فتح البارى تقول بالجلد، ورواية أخرى منسوبة إلى عمر تقول بالرجم فى إتحاف الخيرة المهرة للبوصيرى عن سعيد بن المسيب: «والذى نفس عمر بيده، لولا أن يقول الناس أحدث عمر فى كتاب الله لكتبتها، فإنا قد قرأنا: «الشيخ والشيخة فارجموهما البتة».

 الشيخ والشيخة:

كلمة الشيخ جذرها اللغوى هو فعل شاخ، فيقال شاخ النبات يعنى يبس جوفه، وشاخ الرجل يعنى كبر فى السن وتعدى سن الكهولة، ولا علاقة لهذه الدلالة بحالته: (هُوَ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) غافر 67.

جاء تعالى بكلمة الشيخ دلالة على آخر مرحلة من مراحل العمر، وكلمة الشيخة لم تأت فى القرآن، مع وجود وصف عجوز للتى بلغت آخر مراحل عمرها مثل السيدة سارة زوجة النبى إبراهيم: (قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِى شَيْخًا) هود 72، وصفها تعالى بالعجوز وليس بالشيخة، مع وصف زوجها بالشيخ وليس بالعجوز.

فالله تعالى وصف النبى زكريا بوهن العظم لكبره فى السن: (قَالَ رَبِّ إِنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى) مريم 4، ووصف المرأة الكبيرة فى السن بعجزها عن الولادة، ولهذا لم يصف الرجل بالعجوز ولكن وصفه بالشيخ، لأنه لا يعجز عن وضع النطفة مع كبر سنه.

ولا يوجد مؤنث لكلمة العجوز ولا مؤنث لكلمة الشيخ فى كلام للقرآن، ولكن يوجد ذلك فى كلام العرب، والذى كان يتم تدبر القرآن به، وبذلك يتضح أن كلمة شيخة ليست من الكلمات المستخدمة فى القرآن.

 الجلد أم الرجم:

وضح تعالى طريقة إثبات تهمة الزنى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) النور 4.

كما وضح تعالى طريقة إثبات الزوج تهمة الزنا على زوجه: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَن تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ) النور 6-8، فى الآية (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ)، أى الجلد، ولم يقل «ويدرأ عنها الرجم»، أى القتل.

 الفرق بين إن وإذا: 

تدل إن على وجود احتمالات وبدائل، وتدل إذا على حالة واحدة وحتمية، قال تعالى: (رَّبُكّمُ أَعلْمَ بكِمُ إِن يشَأَ يرَحمَكْمُ أَوْ إِن يشَأَ يعُذَبكْمُ وَمَآ أَرْسَلنْكَ علَيَهمِ وكَيِلًا) الإسراء 54، فى الآية (ِإن يشَأْ يرَحَمكْمُ)، ثم قال: (أَوْ إِن يشَأْ يعُذَبكْمُ)، يعنى هناك حالتان إما الرحمة أو العذاب، ولهذا قال تعالى: (إن يشَأْ)، ولم يقل «إذا شاء».

وفى قوله تعالى: (ثُمَ إذَا شَآء أَنشرَهَ) عبس 22، فى الآية (ِإذَا شَآء)، ولم يقل «إن شاء»، وذلك لأن يوم القيامة حتمى الحدوث وليس فيه احتمالات، أى هناك حالة واحدة فقط.

وفى قوله تعالى: (فإِذآَ أُحْصِنَّ فإِنْ أَتيَنْ بفِحَشَة فعَلَيْهنِ نصِفُ ماَ علَىَ ٱلمْحُصَنتَ منِ ٱلعْذَاَبِ) النساء 25، فى الآية (فإِذَآ أُحْصِنَّ)، وليس «إن أحصن»، وذلك لأن الإحصان حلال أوجبه تعالى، وبعدها قال تعالى: (فإِنْ أَتيَنْ بفِحِشَةٍ)، ولم يقل «فإذا»، وذلك لأن الفاحشة حرام. 

وبما أن الزنى دلالة على علاقة غير شرعية، وهذا لا يقع إلا بإرادة المرأة وباختيارها، فلذلك قال تعالى: (فإِنْ أَتيَنْ بفِحِشَةٍ) ولم يقل «فإذا أتين بفاحشة»، وعليه كان يجب أن تقول رواية الرجم «إن زنيا» حسب قواعد القرآن، وليس «إذا زنيا» حسب لسان العرب.

 «فارجموهما»:

دلالة كلمة رجم فى القرآن تعنى الابعاد والطرد بوسيلة ما: (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِى مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا) الكهف 20، إما أن يبعدونهم أو يعيدونهم فى ملتهم.

كما يوجد طرد بالقوة والعنف: (قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) يس 18، ووجود العذاب يعنى أن الرجم ليس له علاقة بالقتل.

المرجوم هو المطرود بطريقة ما: (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)، أى سوف يقومون بابعاده وطرده مثلما قال أبو النبى إبراهيم: (قالَ أَراغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِى يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِى مَلِيًّا)، الرجم أولًا أى الطرد ثم يتبع ذلك الهجر، فهو توعده بالرجم أى طرده وليس قتله.

يختلف الطرد عن الرجم بالوسيلة: (قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفًا وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) هود 91، فهم يهددون شعيب بالطرد باستخدام العنف لكن الذى يمنعهم هو رد فعل أهل النبى شعيب. 

أما الرجم بالغيب يعنى أن الفرد قد أبعد استخدام العقل والمنطق فى الاستنتاج: (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِٱلْغَيْبِ) الكهف 22، فهم يقولون ما ليس لهم به علم وهم يعلمون ذلك، بمعنى أن الرجم بالغيب كلام بدون أى دليل. 

وفى قوله تعالى: (وَإِنِّى عُذْتُ بِرَبِّى وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ) الدخان 20، النبى موسى لجأ إلى الله بأن لا يستطيع فرعون وجنوده من أن يستخدموا العنف معه فى طرده. 

أما إبليس فهو رجيم أى مطرودًا باللعنة: (قالَ فَاخْرُجْ مِنْها فَإِنَّكَ رَجِيمٌ)، فالطرد من رحمة الله مع لعنته وغضبه هو الرجم لإبليس. 

وبذلك يتضح أن دلالة فعل رجم فى القرآن لا علاقة له بالقتل رميًا بالحجارة، وإنما دلالة على الطرد بأى وسيلة، فكلمة ارجموهما بمعنى اقتلوهما حسب ما جاءت به الرواية، ليست من استعمالات الكلمات فى القرآن.

 سبب الرجم:

بعد الهجرة من مكة إلى المدينة، كان النبى عليه الصلاة والسلام والمسلمون يعيشون مع أهل الكتاب، وكان النبى يحكم بالتشريعات الموجودة فى الموضوعات التى لم يكن القرآن قد نزل بحكمه فيها. 

ومن بعض هذه الأحكام ما جاء فى التوراة فى سفر التثنية الإصحاح 17-2: «إذا وجدت فى وسطك فى أحد أبوابك التى يعطيك الرب إلهك رجل أو امرأة يفعل شرا فى عينى الرب إلهك بتجاوز عهده، فاخرج ذلك الرجل أو تلك المرأة الذى فعل ذلك الأمر الشرير إلى أبوابك الرجل أو المرأة وارجمه بالحجارة حتى يموت».

ولذلك فقد يصح أن يكون النبى قد قام بالرجم، وكان هذا قبل أن ينزل تعالى حكم الجلد، ولهذا جاءت الرواية التى أخرجها البخارى فى صحيحه عن الشيبانى: «سألت عبدالله بن أبى أوفى: هل رجم رسول الله ص، قال: نعم، قلت: قبل سورة النور أم بعدها، قال: لا أدرى».

وفى قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ) النور 2، فهو هنا تعالى نسخ حكم الرجم، وأثبت حكم الجلد، وبما أنه تعالى أحكم آيات كتابه ثم فصلها، فقد فصل حكم الجلد ولا يوجد تفصيل لحكم الرجم.

فصدق الله تعالى عندما قال: (أَفلَاَ يتَدَبرّوُنَ ٱلقْرءْاَنَ أَمْ علَىَ قلُوُبٍ أَقفْالهُآَ) محمد 24.