أسامة سلامة
ماذا يحدث فى الكنيسة القبطية؟
السؤال أعلاه يتردد على ألْسِنة كل محبى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، سواء كانوا من أبنائها وتابعين لها أو من الوطنيين المصريين الغيورين على مؤسّسة دينية مهمة لها تاريخ دينى ووطنى كبير.. السؤال يعكس حالة القلق التى انتابت كل المتابعين للكنيسة وما يدور فيها، كما أنه يشير إلى خطر يهددها، فليس هناك أخطر من انقسام قادتها الدينيين الذى أصبح واضحًا وجليًا لكل المهتمين بالشأن الكنسى، وظهر ذلك منذ أيام قليلة فى مذكرة نُشرت على مواقع التواصل الاجتماعى ونُسبت إلى 17 أسقفًا قيل إنها أُرسلت للبابا تاوضروس والأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس ويعلنون فيها اعتراضهم على بعض المتحدثين فى السيمنار الذى سيعقده المجمع المقدس فى الفترة من 18 إلى 21 نوفمبر المقبل، وطالبوا بتغييرهم لأنهم حسب ما جاء فى المذكرة «نظرًا لتعاليمهم الخاطئة وانتماءاتهم المناهضة لإيمان عقائد كنيستنا»، ولمَن لا يعرف فإن المجمع المقدس هو أكبر هيئة دينية فى الكنيسة؛ حيث يضم جميع الأساقفة ويناقش خلال جلساته كل شئون الكنيسة، سواء ما يواجهها من متاعب ومخاطر أو ما يختص بالعقيدة، وبخصوص السيمنار فهو يعقد بمناسبة مرور 700 عام على مجمع نيقية الذى تم خلاله إقرار قانون الإيمان المسيحى المعترف به من كل الطوائف المسيحية فى العالم والذى صاغه العلامة القبطى المصرى البابا إثناسيوس، وقد تمّت دعوة عدد من العلمانيين للتحدث فى السيمنار، وهو أمر حدث فى سيمنارات سابقة والتى تختلف عن اجتماعات المجمع التى تقتصر على الأساقفة فقط.. المذكرة صاحبة الأزمة حظيت باهتمام كبير فى الأوساط القبطية وأثارت جدلاً كبيرًا حتى بعد بيان الأنبا روفائيل أسقف عام كنائس وسط القاهرة والذى نفى فيه توقيع الأساقفة على المذكرة معلنًا «احترامهم ومحبتهم للبابا».. ومؤكدًا «أنه ليس لديهم أى معرفة عن مصدر هذه القائمة ولا الهدف من نشرها على مواقع التواصل الاجتماعى».. ومشيرًا إلى أن «أى ملاحظات على المتكلمين فى السيمنار يرسلونها مباشرة لقداسة البابا أو عن طريق سكرتارية المجمع المقدس».. ورغم هذا؛ فإن الجدل استمر؛ خصوصًا أنه سبق بيان الأنبا روفائيل ظهور ثلاثة أساقفة فى فيديوهات هم الأنبا موسى أسقف الشباب والأنبا أبانوب الأسقف العام لكنائس المقطم والأنبا بنيامين أسقف المنوفية يؤكدون فيها تضامنهم وتأييدهم للأساقفة المعترضين على المتحدثين، وهو ما أثار تساؤلات عديدة حول موقف الثلاثة أساقفة وهل كان موقفًا خاصًا بهم فقط أمْ أنهم كانوا يمثلون مجموعة الأساقفة؟ أمْ أن هناك اتصالات جرت جعلت الأساقفة الـ17 يتراجعون عن موقفهم؟ وزاد الأمر غموضا ما نشرته مطرانية مغاغة والعدوة وتنفى فيه ما أشيع «أن الأنبا إغاثون هو مَن قام بجمع أسماء الأساقفة ورفعها على مواقع التواصل الاجتماعى»، وتساءل البعض إذا كان الأساقفة قالوا إنهم لا يعرفون مَن وراء نشر هذه المذكرة فلماذا لا يتم تقديم بلاغ للجهات الأمنية لمعرفة مَن نشرها وما غرضه ولماذا يستهدف الكنيسة ويحاول عمل انقسام فيها؟.. قد تكون الأزمة انتهت أو هدأت مؤقتًا لكن تظل هناك تساؤلات مهمة، مَن هم الشخصيات المعترض عليها فى المذكرة التى فجرت الأزمة؟ هما اثنان - رغم أن المذكرة كتبت بصيغة الجمع- الأول د .جوزيف فلتس وهو باحث فى الأبائيات والدراسات اللاهوتية، والثانى د .سينيوت دلوار شنودة أستاذ بالجامعة الأمريكية وباحث فى التاريخ الكنسى، والاثنان من تلاميذ الأب متّى المسكين وكانت لهما أنشطة عديدة سابقة فى الكنيسة، ولهما عدة مؤلفات معروفة، ولم تشمل المذكرة التى فجرت الأزمة ما هى أوجُه الاعتراض على أفكارهما؟ ولماذا هى خارجة عن الإيمان القبطى الأرثوذكسى؟، ولكن ما حدث يطرح أسئلة أخطر؛ هل انتهت الأزمة عند هذا الحد أمْ أن الاعتراض على المتحدثين فى السمينار مستمر؛ خصوصًا أن بيان الأنبا روفائيل لم يوضح هذا الأمر واكتفى بقوله «أى اعتراض نرسله للبابا مباشرة»، كما أن بيان مطرانية مغاغة والعدوة قال «إن الأنبا إغاثون يعبر عن رأيه عبر القنوات الرسمية ولذلك أرسل رسالة إلى الأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدس مثل باقى الأساقفة وذلك للتعبير عن رأيه».. ما يشير إلى وجود اعتراضات بالفعل. وفى هذه الحالة ماذا لو لم يتم تغيير المتحدثين وأصر البابا على وجودهما؟ وهل سيقاطع الأساقفة المعترضون السيمنار؟ وكيف سيكون التعامل مع البابا فى اللقاءات والاجتماعات المقبلة؟ وإذا حضروا هل سيواجهون المتحدثين المعترض عليهما ويناقشون أفكارهما؟ إذا حدث هذا فسيكون الأمر جيدًا، فالنقاش والحوار أهم وأجدى من الاعتراض، ولكن ماذا إذا وجد الأساقفة أن أفكار الاثنين لا تبتعد عن الإيمان القويم فهل سيخرجون إلى الشارع القبطى معتذرين عن اتهاماتهم غير الحقيقية؟ وعلى العكس هل لو ثبت صحة الاتهامات هل يعتذر البابا عن استضافتهما؟ وقبل ذلك هل مثل هذه السيمنارات لا يتم النقاش حول موضوعاتها وتحديد المتحدثين فيها قبل إقرارها؟ وإذا كانت هناك مشاورات فكانت مع مَن؟ أمْ أن القرار بيد البابا وحده؟ فى كل الأحوال فإن الأوضاع تفجرت فى الكنيسة منذ فترة، وما حدث مؤخرًا ليس سوى بعض من أوجه الأزمة والتى أخشى أن تزداد سوءًا إذا لم يتم التعامل معها بحكمة ونكران ذات يليق بالأساقفة، وتقديم مصلحة الكنيسة وشعبها على المصالح الخاصة الضيقة!.