النسوية الإسلامية.. (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ): المرأة المصرية.. بين الجهاد والحرب! "107"
محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
منذ عهد الدولة الفرعونية، والمرأة فى مصر لها دورٌ مؤثرٌ فى الأسرة والمجتمع، فى السلام والحرب.. من أمثلة ذلك مشاركة المرأة المصرية فى حرب أكتوبر 1973، وبأدوار مختلفة خلال الحرب.
من الأدوار التى قامت بها المرأة فى حرب أكتوبر، دورها التطوعى فى المستشفيات، وفى حملات جمع التبرعات، كما كانت الأم للابن البطل الشهيد، والزوجة للزوج البطل الشهيد.
فقد تحملت المرأة كثيرًا أثناء الحرب، فهى التى دفعت بالابن والزوج على خطوط الجبهة، وهى التى هاجرت من بلدها بسبب الحرب، وهى التى غرست الصبر والتحمل فى نفوس أولادها لخَلق جيل جديد قادر على العطاء ومواجهة التحديات.
المرأة والتطوع:
وقد وصل عدد المتطوعات فى الهلال الأحمر إلى 5 آلاف متطوعة، كما شاركت فى جمع التبرعات، وتكوين اللجان النسوية للتبرع للجيش المصرى، من بينها لجنة نسوية تضم آلاف السيدات فى جمع التبرعات، شاركن برواتبهن فى التبرع للجيش فيما عُرف بدعم المجهود الحربى.
ودور المرأة الأكبر تَمَثل فى التطوع وحملات التبرع بالمال والدم، والعمل فى المستشفيات لرعاية جرحى الحرب من المصابين؛ لمساعدة الجيش فى عملية التسليح وإعادة البناء استعدادًا للحرب.
كما قامت المرأة بدور إعلامى من خلال دعم القضية المصرية دوليًا، مثل تشكيل لجنة تختص بترجمة ما يتعلق بالقضية المصرية وإبراز عدالتها على المستوى الدولى، وإرسال هذه الترجمات إلى الاتحادات والمنظمات النسائية العالمية.
كما تكونت مجموعة لترجمة كل ما يُكتب عن القضية المصرية وإرساله لمختلف الاتحادات والمنظمات النسائية فى العالم لإعلام المرأة فى العالم بحقيقة ما يدور فى الشرق الأوسط.
وبعض النساء شاركن فى المقاومة الشعبية بالسويس، من خلال العمل على نقل الذخيرة وعلاج الجرحى، كما شاركت المرأة فى حرب أكتوبر من خلال مقار التنظيم النسائى والجمعيات النسائية الأهلية فى خدمة أسر الشهداء والجرحى، وفى تنشيط الحملات الإعلامية للتطوع فى التمريض والتبرع بالدم.
وأثناء الحرب عملت المرأة بالمستشفيات من خلال الهلال الأحمر، كما قامت السيدات من زوجات المسئولين والوزراء والضباط، بجمع التبرعات وشراء كل احتياجات الأسرة، وتوزيعها على الأسر التى فقدت العائل بالاستشهاد فى الحرب أو الإصابة.
وأيضًا مَعامل الدم خلال هذه الفترة فى الإسكندرية والقاهرة وأسيوط والمنصورة امتلأت بأكياس الدم من المتبرعين ولم يعد هناك إمكانية لقبول متبرعين جُدد.
بدويات سيناء:
النساء البدويات فى سيناء كان منهن المناضلات، وكانت البدويات يساهمن بشكل خفى فى توصيل السلاح للجنود المصريين.
ومن شجاعة النساء البدويات عندما اشتركن فى معسكر تدريبى قبل حرب أكتوبر؛ ليتعلمن فيه طريقة إشعال فتيل القنبلة، وكيفية زرع الألغام، كما تدربن على إطلاق الرصاص تحسبًا للحرب المتوقع حدوثها. وكانت المرأة البدوية من أهم وسائل الاتصال بين قيادات الجيش فى القاهرة وبين الجنود فى سيناء، وتم استخدام بدويات سيناء فى توصيل الرسائل والمعلومات لجنود الجيش خلال فترة الحرب؛ حفاظًا على سرية المعلومات.
وكانت بدويات سيناء يتركن أطفالهن، ويذهبن للجبهة لتوزيع الخبز على جنود الجيش، ويرعين الجرحى.. وقفت المرأة إلى جانب الرجال تبنى معهم حائط الصواريخ، ولم تتراجع أو تخَف، كانت قوية تفهم دورها ودور أولادها وزوجها من أجل مصر.
ومن هنا كانت مشاركًا أساسيًا فى بناء حائط البطولات، ليس البناء المادى فقط وإنما البطولة بكل معانيها، فهو الحائط الذى بُنى بدماء آلاف من رجال وسيدات مصر عمالًا وفلاحين.
مفهوم «الجهاد»:
من المصطلحات التى تم فهمها بشكل غير صحيح مصطلح «الجهاد»، فالجهاد فعل إنسانى واعٍ لا يقوم إلا بطرفين، ويكون الطرف فيه فردًا أو جماعة؛ حيث يبذل كل طرف وسعه فى مغالبة صاحبه، وهو مصدر من الفعل الرباعى جاهَد، وليس من جهد، أى أن الألف فيه أصلية إن سقطت اختلف المعنى، وتحول الجهاد إلى جهد عند أهل اللغة، وتحول إلى قتال فى سبيل الله عند أهل الفقه، ويعنى قتال الكفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله.
والجهاد فى التنزيل الحكيم معناه المشقة لذا هو تكليف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِى سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)، المائدة 35، والتكاليف وفق الاستطاعة (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا)، الأعراف 42، والجهاد قد يكون معنويًا، فيدخل ضمنه جهاد النفس، أى تدريبها على التحكم بالغرائز والشهوات، أو الجهاد السلمى لنصرة قضية ما، وقد يكون ماديًا فيصبح قتالًا، والقتال هو من أكثر أنواع الجهاد ثقلًا على النفس البشرية: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ)، البقرة 216، و«كُره» بضم الكاف من الكراهية، فهو أكره الحلول فى تسوية النزاعات، ولا يُلجأ إليه إلا اضطرارًا، وباعتباره نوعًا من الجهاد فهو تكليف أيضًا.
مفهوم «القتال»:
بقراءة آيات القتال نجد أنه يكون دفاعًا عن النفس: (وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)، البقرة 190، أو لدفع ظلم مثل الإخراج من الديار: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)، الحج 39 -40.
أو لإعلاء كلمة الله فى الأرض بتقرير الحرية، أو محاربة الطغيان بكل أنواعه سواء كان مستعمرًا داخليًا أمْ خارجيًا: (الَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، النساء 76.
وعبارة (فِى سَبِيلِ اللّهِ)، وردت فى مواضع عدة من القرآن واقترنت حينًا بالجهاد: (وَالْمُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ)، النساء 95، وحينًا بالهجرة: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ)، الحج 58، وحينًا بالإنفاق: (وَأَنفِقُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ)، البقرة 195، وحينًا بالقتال: (وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ)، البقرة 190.
والمعنى ضمن طريق الله ومنهجه، وليس من أجل الله وتقربًا له؛ لأن الله تعالى ليس بحاجة لمَن يقاتل من أجله، فالجهاد فى سبيل الله هو للدفاع عن الحرية الإنسانية، من خلال عقيدة فردية يُعبر من خلالها الإنسان عن التزامه بحريته، وحرصه على الدفاع عنها، وعلى الدفاع عن حريات الآخرين المخالفين له، فى حال تعرضها للانتهاك والتعدى من قبل الطغيان، وبهذا المعنى يكون القتال فى سبيل الله.
وهناك نوع آخر من القتال المشروع وهو الدفاع عن الأرض والبلاد، فهو قتال مشروع لكنه ليس فى سبيل الله، ودفاع الإنسان عن وطنه هو دفاع عن نفسه وأسرته وأهله: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، الممتحنة 9، فإن كان هذا الاحتلال يمنع الحريات فقتاله بالنسبة للمؤمنين هو فى سبيل الله.
وللقتال قواعد، فأنت تقاتل مَن يقاتلك: (وَقَاتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ)، وإن طلب الطرف الآخر وقف القتال فعليك ذلك: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، الأنفال 61.
كما أن كل آيات القتال التى وُردت فى التنزيل الحكيم لتغطية أحداث جرت فى عصر النبوة مثل غزوة بدر وأحد والخندق وتبوك وفتح مكة وخيبر هى قصص محمدى، كقصص نوح وإبراهيم وموسى، تؤخذ منه العبر لا الأحكام، وبالتالى فإن آية السيف: (فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، التوبة 5، تدخل ضمن سياق الحديث عن غزوة تبوك وضمن أحداث تاريخية معينة، أمّا أن يُتكأ عليها بالقول أنها نسخت كل آيات العفو والصفح؛ فهذا خطأ بحق الإسلام ورسالة القرآن: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، النحل 125، عدا عمّا تحمله فكرة وجود ناسخ ومنسوخ ضمن آيات التنزيل الحكيم من إجحاف أيضًا بحق كتاب الله كله.
ومن الخطأ الخلط بين مفهوم الإرهاب والإرعاب: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ)، الأنفال 60؛ لإعداد العدة لإرهاب العدو وترعيبه، مما استدعى تسمية الجماعات الإسلامية التى تمارس العنف «الجماعات الإرهابية»، مع أن الأصح هو تسميتها «الجماعات الإرعابية»؛ لأن الإرهاب فى سياق الآية هو من «الهيبة»، فإذا أرادت الدولة أن تكون مهابة عليها أن تستعد عسكريًا، أمّا الإرعاب فهو زرع الرعب فى قلوب الناس والمجتمع، وهو ما تفعله الأنظمة القمعية أو داعش.
ما أريد قوله إن القتال وفق التنزيل الحكيم هو آخر الحلول، ولرفع الظلم لا للظلم، ولإقامة دولة تحترم معتقدات الناس وتدافعهم لا لإكراههم على دين معين.