فى ذكراها الـ 51.. ملحمة بطولية جسدتها عظيمات مصر فى حرب أكتوبر

نعمات مجدى
تاريخ المرأة المصرية حافل بالنضال منذ فجر التاريخ إلا ونحن نحتفل بالذكرى الـ 51 لحرب أكتوبر المجيدة لا بد أن نذكر الدور البطولى الذى قامت به المرأة المصرية بداية من كونها أم البطل وزوجة الشهيد فهى التى دفعت بالابن والزوج على خطوط الجبهة. وهى التى هجرت من وطنها بسبب الاحتلال، وهى التى شاركت فى سنوات الحصار على السويس، وكانت مثابرة ولم تهزل وتنحنى من غدر العدو، بل إنها غرست الصبر والمثابرة والتحمل فى نفوس أولادها لخلق جيل جديد قادر على العطاء ومواجهة التحديات.
«دعم المجهود الحربى»
المرأة المصرية لم تكن بمعزل عن المشاركة ضد إسرائيل فى حرب أكتوبر 1973 وما قبلها، إذ شاركت بصورة أو بأخرى خلال حرب أكتوبر وما سبقها من معارك فى حرب الاستنزاف، سواء بالدور التطوعى فى المستشفيات أو خلف الجبهة من خلال الدور الحربى العسكرى
وشاركت أيضا فى جمع التبرعات، حيث وصل عدد المتطوعات فى الهلال الأحمر إلى 5 آلاف متطوعة حتى 15 أكتوبر بحسب كتاب «100 عامٍ من العطاء الإنسانى» الصادر عن جمعية الهلال الأحمر المصرى.
وعلى سبيل المثال، تكونت العديد من اللجان النسوية للتبرع للجيش المصرى، حيث شاركت العديد من النقابات، ومن بينها لجنة نسوية تضم 60 ألف عضوة فى جمع تبرعات، وشاركن برواتبهن فى التبرع للجيش بعد نكسة 1967، فيما عرف باسم «دعم المجهود الحربى», حيث كانت تشارك من خلال مقار التنظيم النسائى والجمعيات النسائية الأهلية فى خدمة أسر الشهداء والجرحى وفى بث الحملات الإعلامية للتطوع فى التمريض والتبرع بالدم وفى تدعيم الجبهة الداخلية. كما تكونت (لجنة صديقات القلم) لترجمة كل ما يكتب عن القضية المصرية وإرساله لمختلف الاتحادات والمنظمات النسائية فى العالم لإعلام المرأة فى العالم بحقيقة ما يدور فى الشرق الأوسط.
المرأة تشارك فى الجبهة الداخلية
ورغم معاناة المرأة من تدنى الأوضاع سواء صحيا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو سياحيا وهذا لظروف البلد أثناء إعدادها للحرب ووقت الحرب ورغم ذلك كانت المرأة المصرية على أعلى مستوى فى الجبهة الداخلية فأثناء الحرب عملت بالمستشفيات من خلال الهلال الأحمر ووقفت بجانب الجنود المصابين والمعاقين تساندهم وتضمد جراحهم بالإضافة إلى أن المرأة فى موقع القيادة فى هذا الوقت وزوجات المسئولين أو الوزراء والضباط قمن بجمع التبرعات وشراء ملابس وبطاطين وجميع احتياجات الأسرة وتوزيعها على الأسر التى فقدت العائل بالاستشهاد فى الحرب أو الإصابة حتى إن معامل الدم خلال هذه الفترة فى الإسكندرية والقاهرة وأسيوط والمنصورة امتلأت بأكياس الدم من المتبرعين ولم يعد هناك إمكانية لقبول متبرعين جدد
وعندما بدأت لجان جمع تبرعات المجهود الحربى كانت أسر فقيرة كثيرة تتبرع بكل مخزونها من الأرز والقمح والذرة. وشاهد البعض سيدةً عجوزًا تتبرع «بحلة نحاس» وطفلةً تتبرع بحلق ذهب فى أذنها. وأطفالًا يتبرعون بما تضمه «الحصالة» من قروش قليلة جدًا.
كان المشهد رائعًا جدًا... الكل يريد أن يجود بأى شىء تملكه أو تطوله يده من أجل المجهود الحربى.. الشهداء الأبرار تركوا من ورائهم زوجات فى سن الشباب وأبناء فى عمر الزهور. شكرية زكى خلة مثال للزوجة الصابرة التى كافحت لتربية أولادها بعد استشهاد زوجها فى حرب أكتوبر 1973، قالت: استشهد زوجى صبحى مرزوق رزق فى 17 أكتوبر 1973 فى منطقة القنطرة شرق فى الجيش الثانى الميدانى حيث انضم إلى القوات المسلحة خلال فترة الاحتياط الخاصة وهو خريج تربية رياضية.. بعد استشهاده مضت الحياة بى أنا وأولاده مجدى وكان عمره عامين وأشرف وكان عمره عاما واحدا وهو معاق.
ونتذكر ما دوّنه التاريخ بيد المشير حسين طنطاوى القائد العام الأسبق للقوات المسلحة عن كثير من السيدات بأسمائهن ومواقفهن، ليؤرخ لأحد أدوار المرأة خلال الحرب مع إسرائيل وفى المشاركة فى حرب أكتوبر المجيدة، حيث لا تتضمن قصص السيدات أفعالا فحسب؛ بل تضحيات أيضًا.
حيث ذكر المشير طنطاوى فى كتابه، «أن قول الحكيمة إصلاح محمد أثناء حرب أكتوبر إننا لم نكن نخشى شيئا، وفى بعض الظروف حين تقل إمدادات الدم كنا نتبرع بدمائنا للجرحى»، بهذه الكلمات سرد المشير محمد حسين طنطاوى وزير الدفاع المصرى الراحل، فى مذكراته التى نشرها بعنوان «بطولات حرب أكتوبر»، ليؤرخ لأحد أدوار المرأة خلال الحرب مع إسرائيل.
وأضاف طنطاوى واصفًا ما جرى وقتها «أطباء وهيئة تمريض مستشفى السويس الأميرى الذين بقوا يذودون عن مدينتهم ويقاومون محاولات العدو الإسرائيلى لاقتحام المدينة.. رغم وجود حوالى 200 سرير فى المستشفى يخدمها طاقم من 20 طبيبًا و78 ممرضة، فقد ظلوا يعملون 24 ساعة يوميًا أثناء المعارك وما بعدها.
ووقفت الحكيمة إصلاح محمد بجوار الرجال تبنى معهم حائط الصواريخ حينما اشتركت بجانب زوجها فى إقامة القواعد، وكان نشاطها مشهودًا وجسورًا، عملت الفلاحة المصرية تحت قصف القنابل الإسرائيلية فى بناء الدشم، ولم تتراجع أو تخف، كانت قوية صامدة تعى دورها وما يقوم به أولادها وزوجها من أجل سلامة مصر.
ومن هنا كانت مشاركا أساسيا فى بناء حائط البطولات، ليس البناء المادى فحسب وإنما البطولة بكل معانيها... فهو الحائط الذى بنى بدماء آلاف من رجال وسيدات مصر عمالًا وفلاحين... هو الحائط الذى صد التخاذل أو محاولة فرض الأمر الواقع.. وهو الحائط الذى جعل طائرات الفانتوم تتساقط كما الذباب... وفى معارك الثغرة وقفت تقدم الماء والطعام للجنود،، بدون استدعاء.
مناضلات سيناء
لم تكن المرأة البدوية فى سيناء مجرد راعية للأغنام وأمًا للأولاد فحسب، بل كان فيهن المناضلات المحاربات، اللاتي وقفن كالرجال أمام آلة الحرب الإسرائيلية، فكانت البدويات يساهمن بشكل خفى فى توصيل السلاح والقنابل والمتفجرات للجنود المصريين، بل الأكثر من ذلك كن يزرعن بـنفسهن الألغام فى أراضى سيناء من أجل تدمير العدو إن حاول الاقتراب.
وكانت من ضمن شجاعة المرأة البدوية التى لم تختلط أبدًا بالرجال من قبل أمر غريب عندما أقمن معسكرا تدريبيا قبيل حرب أكتوبر المجيدة، ليتعلمن فيه كيفية إشعال فتيل القنبلة، وكيفية زرع الألغام كما تدربن على إطلاق الرصاص تحسبًا للحرب التى كانت متوقعة بين ليلة وضحاها.
كما كانت المرأة البدوية أيضًا من أهم وسائل الاتصال بين قيادات الجيش فى القاهرة وبين جنودنا البواسل فى سيناء، وتم استخدام بدويات سيناء فى توصيل الرسائل والمعلومات لجنود الجيش خلال فترة الحرب، حفاظًا على سرية المعلومات وخشية وقوعها فى يد جواسيس.
فرحانة.. شيخة مجاهدى سيناء
هناك قصص وروايات بطولية كثيرة تجسدت ملحمة عظيمات مصر فى الحرب حتى المقاومة ومنها فرحانة حسين، هذه السيدة السيناوية التى لقبت بشيخة المجاهدين فى سيناء، لدورها ضد إسرائيل خلال فترة ما بعد نكسة 1967 واحتلال سيناء وحتى تحريرها.
وكانت فرحانة من قبيلة الرياشات، ولها 4 أبناء، تعيش بمنزل فى الشيخ زويد بشمال سيناء، إلا أنها بعد أن انتقلت للقاهرة بسبب احتلال سيناء من جيش الاحتلال قررت الانتقام من العدو، لتنضم إلى منظمة سيناء العربية التى أنشأتها الحكومة المصرية وقامت بتدريبها العسكرى، فكانت تستغل عملها فى تجارة القماش وانتقالاتها من وإلى قلب سيناء فى زرع القنابل وتفجيرها ونقل الرسائل من وإلى رجال المقاومة.
كما نجحت فى نقل معلومات حول العدو الإسرائيلى، مثل نيته بناء مطار فى قرية الجورة بالشيخ زويد، حيث نقلت صورا ووثائق لمعسكرات بمنطقة ياميت وخريطة مطار الجورة.
وبحسب المجموعة «73 مؤرخين»، فإن لفرحانة دورا مهما مكملا لدور محاربة العدو واستنزافه قبل بداية حرب أكتوبر، لما قامت به من أعمال متميزة نالت بسببها نوط الامتياز من الطبقة الأولى من الرئيس الراحل أنور السادات بعد انتهاء الحرب.
وكان تفجير قطار للعدو فى مدينة العريش يحمل معدات وبضائع لجيش الاحتلال بجانب بعض الجنود والأسلحة، أول عملية لفرحانة، حيث زرعت القنبلة قبل قدوم القطار ليتفجر بالكامل، وأعقب ذلك عمليات أخرى طالت سيارات للجنود بصحراء سيناء.
المثير أنه لم يعرف أحد من أهل المجاهدة فرحانة حقيقة ما كانت تقوم به من جهاد ضد الاحتلال الإسرائيلى، ففى حوار لصحيفة الأهرام فى أغسطس 2011، مع ابنها شوقى سلامة، عقّب قائلًا: «كنا لا نعرف عنها شيئًا، فكنا نسكن فى إمبابة بجوار بعض أفراد أسرتنا برعايتنا ونحن صغار، ويتناوبون على إعداد الطعام لنا ظنًا منهم أن أمى تتاجر فى القماش فى سيناء، لكى تلبى احتياجاتنا بعد أن انفصلت عن والدى وأصبحت هى المسئولة عنا، ولم نعلم بما كانت تقوم به أمى من عمليات فدائية.
الست فاطوم.. جهاد رغم القصف
ومن فرحانة إلى الست فاطوم فى محافظة السويس، التى لم تكن تملك أى إمدادات غذائية فى ظل القصف والأوضاع الصعبة فى مدن القناة خلال فترة حرب الاستنزاف، ولكن هذا لم يثنها عن تقديم يد المعونة إلى رجال المقاومة بالسويس، فقررت ذبح 10 دجاجات لرجال المقاومة المصرية حسبما ذكر الكاتب الصحفى مصطفى عبيد فى كتابه «هوامش التاريخ.. حكايات منسية»
وذكر عبيد فى فصل الكفاح المسلح للمرأة المصرية، نقلا عن الشاعر الراحل عبدالرحمن الأبنودى، أن السيدة فاطوم كانت تضمد جراح المقاتلين وتنقل الذخائر رغم القصف المستعر والظروف الصعبة فى مدن القناة وخلال فترة ما قبل حرب أكتوبر.
«فلاحة فايد»
ولا تختلف قصة الست فاطوم عن السيدة المعروفة باسم «فلاحة فايد» التى كانت تقيم كذلك بمدينة فايد التابعة لمحافظة الإسماعيلية، إحدى مدن قناة السويس، إلا أنها كانت بمثابة جاسوسة ضد الاحتلال الإسرائيلى، تنقل أماكن تمركز الآليات والمجنزرات فى منطقة فايد وسرابيوم قبيل حرب أكتوبر.
ومن القصص التى رواها المشير الراحل حسين طنطاوى فى كتابه «بطولات حرب أكتوبر» عن هذه السيدة، أنها لم تكفها المخاطرة بروحها، بل أخذت ابنها معها لأماكن تمركز العدو وحملته على كتفها للتمويه، والأغرب أنها قامت بعملية الاستطلاع وطلبت قنابل أو أى سلاح يدمر دبابات العدو.
تلك السيدة العظيمة التى لقبت بـ«فلاحة فايد» طلب منها أحد الضباط أن تذهب إلى مكان تمركز آليات العدو ومجنزراته، تختبئ بين الأشجار الكثيفة فى منطقة فايد وسرابيوم، وما كان من هذه السيدة إلا أن توجهت إلى أداء المهمة.. ولكن ليس بمفردها،، بل حملت ابنها الصغير فوق كتفها لتمويه العدو.. وقامت بعملية الاستطلاع وعادت تخبر الضابط بما رأت.. لم تكتفِ بذلك بل إنها طلبت قنابل أو أى سلاح يساعدها فى تدمير دبابات العدو.. فالاستطلاع وحده لا يكفيها.
ولا يكفيها أيضًا أن تخدم وطنها وتخاطر بحياتها وحدها فى سبيل النصر وإنما جعلت طفلها شريكًا فى المهمة بما يتعرض له من مخاطر جمة.. وكان موعده مع البطولة.. بطولة لم يصنهعا بنفسه وإنما حملته والدته إليها... موطدة فى طفلها معانى من أرقى ما يكون.
وقال عنها البطل اللواء باقى زكى يوسف من أبطال أكتوبر وصاحب فكرة تدمير خط برليف بخراطيم المياه، فى أحد لقاءاته كانت فلاحة فايد تداوم على حمل الخبز الطازج إلى الجنود يوميًا أيام الحرب وحينما حاول أحد الضباط أن يدفعها إلى توفير الخبز قائلًا: ((العيش كتير يا أمى متجبيش تانى))، فما كان منها إلا أن قالت له إن ابنها مجند مثلهم وحينما تطعمهم فكأنما أطعمته،، لم يكن فى مرادفات تلك السيدة ابنى وابنهم بل كان جميع الجنود أبناء مصر وأبناءها.
السيدة فهمية
وتعد السيدة فهيمة هى من أبرز السيدات السيناويات، وكانت أول امرأة يتم تجنيدها من المخابرات الحربية، لرصد المواقع الإسرائيلية على الضفة الغربية وخط «بارليف»، ومعرفة نوع السلاح وعدد القوات
فوزية محمد
أما فوزية محمد فهى نموذج مشرف من المجاهدات السيناويات، كان محمد الهشة ابن عمها هو همزة الوصل بينها وبين رجال المخابرات الذين قاموا بتدريبهم وكان يعطيها الرسائل فى القاهرة وتتولى توصيلها إلى القيادات فى سيناء بطريقتها الخاصة حتى عجزت وحدات جنود التفتيش الإسرائيلية عن كشفها.
كان زوجها يشاركها أيضًا فى العمليات الفدائية ضد الجيش الإسرائيلى فكان يحمل معها الرسائل والمفرقعات ويعبران بها قناة السويس بقوارب بسيطة حتى يصلا إلى سيناء لتسليمها للمجاهدين هناك لاستخدامها فى العمليات الفدائية.
ومن العمليات الفدائية التى قامت بها هى وزوجها وشقيقها زرع عدد من الألغام فى طريق الجورة وجاءت سيارة الدورية الإسرائيلية فمرت على الألغام فانفجرت فى الحال وتحولت فى دقائق معدودة إلى حطام. بعدها قامت القوات الإسرائيلية بالقبض على زوجها وشقيقها واحتجزوهما فى إحدى الوحدات العسكرية لمدة شهرين وأذاقوهما أبشع أنواع العذاب لكنهما لم يعترفا بشىء.
أول كتيبة نسائية على يد درية شفيق
الكثير من السيدات المصريات حملن السلاح وشاركن فى حرب الفدائيين ضد قوات الاحتلال البريطانى فى منطقة القناة، ولقد تكونت أول كتيبة نسائية على يد درية شفيق وطلبت من ضباط الجيش المصرى المتقاعدين تدريب نساء الكتيبة على حمل السلاح للمشاركة فى معارك تحرير البلاد وبالفعل تم تدريب الكتيبة التى تألفت من 60 متطوعة واستمرت عملية التدريب لنحو شهرين، وصرحت الكتيبة النسائية للصحف بأنها على استعداد كامل للمشاركة فى المعارك تماما كالرجال، وكانت ملابس المتطوعات مكونة من بدلة زيتية وحذاء مستوى وجاكيت كحلى محلى بشارة بنت النيل، وقد قبض على عدد من سيدات كتائب النيل وتم تقديمهن إلى المحاكمة وكان على رأسهن مؤسسة الكتائب الدكتورة درية شفيق.
وخلال العدوان الثلاثى على مصر، تم تشكيل أيضا كتائب متطوعات جديدة، وقد بلغ عدد المتطوعات فى حرب 1956 نحو 30.000 سيدة شاركن فى أعمال التمريض والخدمة، وقام بعضهن بالمشاركة الفعلية فى أعمال القتال.
وفى حرب 1967 ثم فى حرب أكتوبر 1973 أصبحت المرأة على استعداد كامل للكفاح المسلح وشاركت نساء سيناء ومدن القناة فى نقل الأسلحة والمعلومات لرجال المقاومة.
جيهان السادات
ولا يمكن أن نغفل دور جيهان السادات ونداءها على صفحات الجرائد اليومية والإذاعة والتليفزيون نحن اليوم فى حرب وهذه الحرب تحتاج إلى كل شيء فلا شيء يستهان به مهما كان صغيرا، نحن فى حاجة إلى أن تكون القلوب قلبًا واحدًا وأن تكون التضحية شعار الجميع رجالا ونساء وشبابًا وأطفالا من أجل مصر أمنا الغالية علينا.. هذه المعركة ليست معركة الرجال وحدهم ولا هى معركة العسكريين وحدهم ولا هى معركة المتطوعين وحدهم إنها شرف لكل مواطن إنها معركة كل أم تتمنى لابنها السلامة وكل زوجة تريد لرجلها الكرامة وكل أخت وكل ابنة طلبت من الله الحياة الكريمة ولا حياة بغير شرف ولا شرف بغير تضحية ولا تضحية بغير نفس راضية.
فالدور الوطنى للسيدة جيهان السادات قد بدأ منذ حرب 1967 كانت عضوا فى الهلال الأحمر ومن خلال زياراتها المتعددة للجنود والضباط على الجبهة، وخدماتها الطبية فى مستشفى هيئة قناة السويس بدأت تراودها فكرة إنشاء بيوت للجنود لقضاء فترة النقاهة، وفى 8 أغسطس 1973 وضع حجر الأساس للمشروع العظيم الوفاء والأمل لتترجم به وفاء مصر لأبنائها عما بذلوه فى سبيل خدمة الوطن وأن تكون المدينة مأوى جميلا يقضون فيه حياة سعيدة، وفى قلب الصحراء وعلى مساحة 250 فدانا أقيمت المدينة وتحتوى على مستشفى عام ومركز تأهيل ومصنع الأطراف الصناعية وفيلات سكنية، بخلاف النادى والملاعب وقرية للأطفال اليتامى الذين فقدوا أباءهم.
ودائما ما كانت السيدة جيهان السادات تتجول فى مستشفيات القاهرة لزيارة الجرحى والعمل على توفير كل سبل الراحة لهم يصاحبها ابنها جمال وكانت توزع عليهم المصاحف والهدايا، وعند الظهيرة تلتقى مع عدد من زوجات أعضاء السلك الدبلوماسى العربى والأجنبى التى أبدينا المشاركة فى خدمات المعركة إلى جانب سيدات الهلال الأحمر.
كما قامت بعدة زيارات إلى الدول الأجنبية للاستفادة من جميع أوجه المجالات الإنسانية التى تخدم المرضى والجرحى والأطفال والاتفاق على إعداد برامج تعاون بينهما لخدمة الوطن.
عائشة راتب
أخذت على عاتقها د.عائشة راتب وزيرة الشئون الاجتماعية آنذاك مسئولية توفير متطلبات المعركة عن طريق جمعية الهلال الأحمر، وأن تتولى جمعية الأسر المنتجة تنفيذ خطة عاجلة تستهدف تزويد المقاتلين وضحايا العدوان والجرحى بالمستشفيات بالبلوفرات والأغطية والبطاطين والملابس وتوفير أجهزة الراديو والتليفزيون بالمستشفيات تلبية لرغبة المصابين فى متابعة أخبار المعركة.
كما قررت أن تكون الأجهزة التابعة للوزارة بالعمل 24 ساعة يوميا لمواجهة عمليات الإغاثة الفورية للمصابين من المدنيين، وبالفعل فى غضون أيام أتمت جمعية الأسر المنتجة صنع 2500 جلابية و500 بيجامة و500 بلوفر و1000 طاقية سلمت لوزارة الشئون الاجتماعية لتوزيعها على الجنود فى المعركة.
السيدة تفيدة الأيوبى
وتأخذنا الأحلام إلى أرملة الشهيد أحمد حمدى السيدة تفيدة الأيوبى.
تلك السيدة العظيمة التى أخذت على عاتقها تربية أبناء الشهيد، روادتها فى الأحلام صورته مصابًا قبل أن تنشب معركة التحرير والانتصار، استيقظت وقد فزعا معًا عقلها وقلبها... تراه قد يصاب بمكروه؟؟ ماذا لو.... تنهمر دموعها ويشعر بها، يسأله إن كانت رأته أصيب ؟؟ وكأنه رأى ما رأته، كانت إجابتها «نعم» كان مقر خدمة الشهيد فى مدينة الإسماعيلية، وذهبت معه إلى معسكر الجلاء وبقيت هناك لمدة 4 سنوات اعتبرتها من أجمل أيام عمرها حتى بدأت حرب 1967 وفوجئت بمكالمة هاتفية منه يخبرنى فيها باندلاع الحرب، ويطلب منى أن أصطحب أبناءنا، وأن أغادر المعسكر فى الحال، وبالفعل عدت إلى القاهرة عند أسرتى». كان فى حالة نفسية سيئة جدًا عقب النكسة، رغم أنه نفذ الكثير من المهمات البطولية خلال الحرب، وكان آخر ضابط انسحب، وقبل انسحابه فجّر جميع خطوط مياه سيناء حتى لا يستفيد منها العدو، إلا أنه رأى زملاءه فى حالة مزرية، فقد تم احتلالنا بالفعل.
وفى مساء يوم 13 أكتوبر هاتفها اللواء جلال سرى، رحمة الله عليه، وساعدها على التواصل مع زوجها وبالفعل باركت له على النصر، وتحدث إلى أبنائه، وهنأوهم بالنصر، وقد استشهد أثناء مشاركته جنوده فى إعادة إنشاء كوبرى لتمر عليه قوات فى مهمة ضرورية لدعم وتطوير الحرب، وخلال المهمة ظهرت مجموعة من البراطيم- وهو تعبير دارج يعنى الجزء الطافى فى البحر أو النهر، يُصنع من مواد خفيفة قابلة للطفو، يستخدم كمعدية متجهة بفعل تيار الماء إلى الجزء الذى تم إنشاؤه من الكوبرى- معرّضة هذا الجزء إلى الخطر، وبسرعة بديهة قفز الشهيد إلى ناقلة برمائية، كانت تقف على الشاطئ قرب الكوبرى، وقادها بنفسه، وسحب بها البراطيم بعيدًا عن منطقة العمل، ثم عاد إلى جنوده لاستكمال العمل رغم القصف الجوى المستمر، وقبل الانتهاء من إنشاء الكوبرى، أصيب بشظية، وهو واقف بين جنوده، وكانت هذه إصابته الوحيدة، وكان هو المصاب الوحيد بين الحاضرين واستشهد فى الحال
علية حامد الشطوى
أما السيدة علية حامد الشطوى من مناضلات بورسعيد، فكانت فى عام 1956 تدرس بالقاهرة ومع تزايد الاحتمالات بعدوان قوى الاستعمار على مصر، جاءت الأوامر بعودة الطلاب المغتربين إلى بلدانهم، ليكونوا بجوار أهليهم، عادت إلى والدها تخبره أنهم طلبوا منهم العودة والتطوع فى أى عمل، وهذا لم يحدث، لأنها كانت تود أن تشارك فى أى عمل لخدمة وطنها، تقدمت إلى مدير الصحة د.محمود حجاج وأبدت رغبتها فى التطوع، أرسلها بدوره إلى المستشفى العسكرى، توجهت إلى المقدم الطبيب قائد المستشفى، ورحبوا بها ضمن فريق العمل،
وحينما حدث إنزال فى منطقة الجميل والجبانات كانت سيارات الإسعاف تأتى بالمصابين، تتوجه وتأخذ الأسلحة وتلقيها بالسيارة لتحملها إلى المقاومين المتمركزين بين المقابر.
وفى الظهيرة بدأ العدو الضرب على المستشفى نفسه رغم أن القانون الدولى يحرم ضرب المستشفيات، كما تم قصف المستشفى ليلًا ومع أول ضوء بدأ الناس فى إخلاء المستشفى وأعطاها بطانية وخوذة، لا زالت تحتفظ بتلك الخوذة إلى اليوم، أعطاها البطانية والخوذة وقال لها كى تغادر لأن المستشفى (حاتتضرب) أما هو فلا يقوى على السير لأنه أصيب بكسر، غادرت المستشفى العسكرى وفى طريقها كما الجميع إلى المستشفى الأميرى، شاهدت رجلا وطفلا يمسكان لمبة سهارى قادمين باتجاهها، إنهما والدها وأخوها الأصغر جاء باحثين عنها بعد أن علموا أن المستشفى تم ضربها، هرعا يبحثان عن جثتها فإذ بهما يلتقيانها فى الطريق.. وكانت فرحة اللقاء.. أخذها والدها لأقرب مكان من المستشفى الأميرى بيت خالتها وشدد على ألا تنتقل ابنته من المكان..
ولكن بعد أيام علمت أن قطار حربى سينقل المصابين إلى القاهرة لتلقى العلاج هناك فى مستشفى غمرة العسكرى، ركبت القطار لتساعد فى نقل المصابين، التقت عيناها بلافتة عريضة كتب عليها: (نحن لا نسألك عن دينك أو جنسيتك أو هويتك ولكن نسألك عن مرضك)، فالطبيب طبيب إنسان مهما كان دينه أو جنسيته.
عادت آخر النهار مع سيارات الإسعاف وكانت تناوب فى المستشفى الأميرى، تتذكر رئيسة المستشفى اليوغوسلافية (ميرى جوزيف)، شاهدت بعينيها ما كان يعانيه الأطباء وأطقم المستشفيات فى ذلك الحين، سجادة واحدة استلقى عليها 20 طبيبا بجوار بعضهم من شدة الإرهاق الذى نال منهم.
وبعد هزيمة 67 كانت مسئولة فى لجنة التهجير والإغاثة، المنوط بها تهجير أهل بورسعيد المحتمل أن تتعرض للقصف، كانت مسئولة عن جمع الناس وتسكينهم فى المدارس، أما لجنة الإيواء فكان مهمتها إيواء الناس وجلب الملابس والطعام لهم، وكانت المطاعم فى بورسعيد تتعاون معهم وتمنحهم الطعام بالمجان لتوزيعها على القادمين من بورفؤاد.
ثم تولت مسئولية لجنة التهجير فى رأس البر، التقت بالمحافظ والسكرتير وبدأت الترتيبات لاستقبال أهالى بورسعيد الذين جاءوا بأمتعتهم وكان لكل أسرة عشة معروف رقمها مسبقًا حيث يتم إبلاغ الأسرة أن مكانهم عشة رقم...، حتى انتظمت الأمور فى التهجير وعادت إلى بورسعيد.
سهير حافظ
هى أرملة الشهيد مدحت مكى الذى كان نقيبا فى سلاح المشاة بالقوات المسلحة، والذى استشهد بعد زواجهما بستة أشهر فقط، لم تتوقف حياة المرأة التى دفعت ثمن حرية الوطن بدماء زوجها، بل قررت أن تستكمل تعليمها وحصلت على بكالوريوس التجارة من جامعة القاهرة، وعملت لفترة كمعلمة، إلا أنها قررت أن يكون عملها بالهلال الأحمر المصرى، لكى تكون خير عمل لها خصوصا بعد أن استشهد زوجها فى حرب أكتوبر.
تحويل الأندية إلى مراكز إسعاف
استطاعت المرأة المصرية أن تحول الأندية فى جميع المحافظات إلى مستشفيات لاستقبال الجرحى، وقد بلغ عددها 84 ناديا حولت أنشطتها الرياضية والاجتماعية إلى أنشطة تخدم المعركة، على سبيل المثال : فى نادى الشمس تم تشكيل فرقة دفاع مدنى مدربة على أعمال الإسعاف والحريق ومراقبة الغارات والإنقاذ من بين عضوات النادى ومن المواطنين لخدمة حى مصر الجديدة، وتم إنشاء أربع مراكز لإسعاف الطوارئ بالنادى وانشاء مستشفى كامل يضم 50 سريرا وغرفة عمليات جراحية، كما أنشئت دار للنقاهة تضم 50 سريرًا آخر.
أيضا نادى الجزيرة تحول إلى خليه لتدريب الفتيات على ضرب النار وتم تحويل وحدات خلع الملابس الملحقة بحمام النادى الرئيسى لتكون هى المستشفى وجهزت بكل وسائل الإقامة والتغذية والممرضات والمتطوعات، وفى فريق النادى للرماية تم إعدادهم ليكونوا رماة فى حاله قيام العدو بمحاولة إنزال جوى، كذلك تم تجنيد كل الطبيبات والصيدليات العضوات فى النادى وعددهم 350 طبيبة ليكن على استعداد لتلبية أى طلبات عاجلة فى حالات الطوارئ مجهزات بسيارات إسعاف جاهزة للقيام بالإسعافات الأولية فى أى مكان من منطقة الزمالك وأبو العلا وإمبابة. وطلب مجلس إدارة نادى هليوبوليس من أعضائه التطوع إجباريًا من سن 18 لـ 25 سنة فى الدفاع الشعبى أولاد وفتيات وبقية الأعضاء التبرع بالدم، كما تقدم ما يقرب من 500 فتاة من الكشافة للخدمة فى المستشفيات خاصة القصر العينى والعجوزة والدمرداش خلال أيام عيد الفطر لتنظيم زيارة المواطنين لمرضاهم.
المرأة فى المحافظات
اشتعل حماس المرأة فى كل أنحاء الجمهورية، لا توجد محافظة من محافظات مصر إلا وخرجت المرأة معلنة الجهاد من أجل النصر،
ففى محافظة الشرقية، أعلنت اللجنة النسائية عن قبولها خطابات الأهل والأصدقاء وتوصيلها إلى أبطالنا المقاتلين على الجبهة باعتبار الشرقية أقرب نقطة لمدن القناة.
وفى محافظة أسيوط، نظمت السيدة ليلى عبدالمنعم عضو المجلس الشعبى مجموعات من أعضاء التنظيم النسائى لرعاية أسر المقاتلين تم الإشراف على أعمال التمريض والإسعاف، وفى محافظة الإسكندرية علقت لافتات على أفران الإسكندرية تقول «سنخبز الكعك بعد النصر».
أما سيدات محافظة الفيوم فاجتمعن وقدمن نداء إلى المرأة العاملة والطالبة والفلاحة وست البيت يقول النداء: «أن كل حفنة من الدقيق تستقطعينها من الرغيف لتصنيع كعك العيد يعتبر خروجا على ما يجب أن يكون عليه دور المرأة فى الجبهة الداخلية خلال المعركة وما يجب أن يسير عليه هذا الخط من ترتيب الأولويات وأن المعركة طويلة ومطلوب منك أن تقتصدى فى الكماليات من أجل الأيام المقبلة»، وبدأت قوافل الثقافة الجماهيرية تجوب المحافظات للتوعية بوسائل الدفاع المدنى إلى جانب إقامة الندوات لترشيد الاستهلاك.
طالبات الجامعة
وشارك ما يقرب من ثلاثة آلاف طالبة من جامعة القاهرة وعين شمس فى تكوين جمعية أصدقاء الجرحى مهمتها المساعدة فى أعمال التمريض وتلبية وتحقيق طلباتهم، أيضا طالبات الجامعة الأمريكية فى القاهرة طلبنا بإغلاق الجامعة وتحويل جهود الطلبة لصالح المعركة وتكوين لجنة تشرف على تدريب الطالبات على أعمال الإسعاف وتوزيعهن على المستشفيات.
كما اجتمع مجلس إدارة المعهد العالى للتربية الرياضية للمعلمات بالزمالك وقرر إهداء كمية من الأغطية والبطاطين لتكون فى خدمة المعركة وتطوع كل الفتيات للدفاع المدنى والمقاومة الشعبية.
وقدم طالبات وخريجات مدرسة القلب المقدس 163 ملاية سرير و39 قطعة تريكو من إنتاج المدرسة إلى نادى سيدات القاهرة هدية إلى الجنود الأبطال، وقررت عميدة معهد الباليه أن تقدم فتيات المعهد على مسرح جامعة القاهرة عرضا باسم الوطن ويخصص دخله للمعركة ويستمر العرض باستمرار المعركة.
ومن جهته قال محارب رائد على مطر أحد أبطال حرب أكتوبر المجيدة وعضو حزب حماة الوطن أن المرأة المصرية لم تكن بمعزل عن المشاركة ضد إسرائيل فى حرب أكتوبر وما قبلها، إذ شاركت بصورة أو بأخرى خلال حرب أكتوبر وما سبقها من معارك فى حرب الاستنزاف، وقد شاركت كذلك فى جمع التبرعات، من خلال تطوعها فى مستشفى الهلال الأحمر، حيث تكونت العديد من اللجان النسوية للتبرع للجيش المصرى، وقد وشاركن برواتبهن فى التبرع للجيش بالمال والدم والعمل فى المستشفيات لرعاية جرحى حرب أكتوبر، وهذا ما يؤكد دور المرأة الذى برز بشكل كبير على مر العصور خلال الحروب المختلفة التى مرت على مصر.
التوعية
ويضيف كان للمرأة دور توعوى كبير فى حرب أكتوبر المجيدة عبر دعم القضية المصرية دوليا من خلال لجنة صديقات القلم التى تناولت إبراز عدالة القضية المصرية على المستوى العالمى.
بينما يرى اللواء دكتور محمود ضياء استشارى الدفاع والأمن القومى، أن الغالبية العظمى للسيدات فى حرب أكتوبر كان بعضهن يعملن على تطبيب الجرحى وطهى وجبات الطعام وتوزيعها على المستشفيات بالتعاون مع الهلال الأحمر، وبعض السيدات كانت تتواجد على جبهة القتال وخاصة فى حرب الاستنزاف لتوزيع هدايا للجنود لرفع معنوياتهم وشد أزر المقاتلين.
وأضاف كما كانت المرأة تحافظ على المواد الغذائية من خلال دورها الاقتصادى فى التوفير حتى يتسنى إرسال المؤنة للمقاتلين على جبهة القتال، فكانت السيدات يكتفين بتوظيف ما هو متوافر لديهن من مواد غذائية كنوع من عدم الضغط على السلع الاستهلاكية الرئيسية فى الدولة فى هذا الوقت بهدف توفيرها للجنود.
المرأة أيضا فى حرب أكتوبر 1973 كانت تشارك بتوفير الملابس خاصة من كانت تملك منهن مشغلًا للملابس، وكانت أغلب هذه الملابس يتم توجيهها للمرضى فى المستشفيات.