تتحدث 7 لغات وتمتلك شركة وهمية حسنــاء إيطاليــة باعت الـ«بيچر» المفخخ لحزب الله
مرڤت الحطيم
بعد تفجيرات لبنان وسوريا وتوجيه أصابع الاتهام إلى العديد من الدول، ظهرت على الساحة سمسارة تبيع وتشترى، أستاذة فى كلية الاقتصاد وتحمل شهادة الدكتوراه من إحدى جامعات إنجلترا، وإذا كان ذلك صحيحاً، فما هى العلاقة بين الفيزياء ومجسماتها والاقتصاد؟ وهل هى مجرية أم إيطالية؟
الكثير من الأسئلة المتضاربة عن كريستيانا بارسونى أركيدياكونو، والحقيقة الواحدة الظاهرة والواضحة هى أنها كانت تدرس لأجيال بجامعة فى لندن، كما كانت تقول من خلال حسابها على لنكد الذى مسحته بعد حوادث التفجير وانكشاف اسمها المركب، ولكن كيف حدث ذلك، فهى عرابة أو سمسارة صفقة «بيجر» التى وصلت إلى حزب الله.
ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن شركة استشارية مقرها المجر تدعى «BAC Consulting التى ينسب إليها تصنيع أجهزة البيچر التى انفجرت فى لبنان، هى فى الواقع واجهة لشركة إسرائيلية وهمية، ترأسها سيدة أعمال وباحثة مجرية تدعى كريستيانا بارسونى أرسيداكونو، وكانت تزود حزب الله بالأجهزة القاتلة.
وذكرت الصحيفة أيضاً: استنادا إلى ثلاثة ضباط استخبارات مطلعين على العملية، فإن شركة «BAC» كانت تصنع أجهزة بيچر عادية لعملاء مختلفين، إلا أن الأجهزة المصممة خصيصا لحزب الله تضمنت بطاريات تحتوى على مادة متفجرة، وقد تم شحن هذه الأجهزة إلى لبنان منذ صيف 2022، مع زيادة الكميات المرسلة لاحقا.
كما تم إنشاء شركتين وهميتين على الأقل لإخفاء الهويات الحقيقية للأشخاص الذين يصنعون أجهزة الاستدعاء، وجميعهم ضباط فى الاستخبارات الإسرائيلية، بحسب التقرير الأمريكى.
ونفت كريستيانا بارسونى الرئيسة التنفيذية لشركة «BAC Consulting»، أى تورط فى تصنيع الأجهزة المتفجرة، مشيرة إلى أنها مجرد وسيط تجارى، بينما نفت الحكومة المجرية دخول هذه الأجهزة إلى البلاد من الأساس.
وتتنوع أنشطة شركة BAC المسجلة، من نشر ألعاب الكمبيوتر إلى استشارات تكنولوچيا المعلومات إلى استخراج النفط الخام.
وتم تسجيل شركة BAC كشركة ذات مسئولية محدودة فى مايو 2021، بحسب سجلاتها التى أظهرت أن رأس مالها يبلغ 7840 يورو، وحققت إيرادات بلغت 725 ألفا و768 دولارا عام 2022، أما العام 2023 فحققت 593 ألفا و972 دولارا.
من هى كريستيانا بارسونى؟
البحث عن عنوان شركة BAC للاستشارات فى بودابست قاد إلى مبنى صغير يقع فى شارع معظمه سكنى فى ضاحية نائية، ووجد اسم الشركة مكتوبا على ورقة A4 على الباب الزجاجى، فيما قال شخص فى المبنى، طلب عدم ذكر اسمه، إن الشركة مسجلة فى هذا العنوان، لكن ليس لها وجود فعلى به.
ولدت كريستيانا أرسيداكونو فى المجر، وتلقت تعليمها فى لندن، وتخصصت فى ميكانيكا الكم والعلاقات الدولية وإدارة الكوارث. وسعت للحصول على الدكتوراه حول إدارة مخاطر المناخ فى غينيا بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية. كما درست للحصول على درجة الدكتوراه فى الفيزياء بجامعة لندن بين عامى 2002 و2006، وفقا لصفحتها على موقع لينكد إن. ثم تابعت دراستها فى كلية لندن للاقتصاد وجامعة لندن للحصول على مؤهلات الدراسات العليا المختلفة بين عامى 2009 و2017.
وعملت مؤخرا مع المفوضية الأوروبية كـخبيرة تقييم ومديرة موارد المياه الجوفية لليونسكو. وساهمت فى برامج المفوضية الهيدرولوچية فى باريس، ودمجت خبرتها فى إدارة الكوارث وميكانيكا الكم مع استراتيچيات التنمية العالمية. على موقع شركتها على الإنترنت، والذى تم إغلاقه، تم وصف عملها بأنه جسر بين التكنولوچيا والابتكار من آسيا إلى أوروبا.
وكريستيانا التى تحمل الجنسيتين الإيطالية والهنغارية، تتحدث 7 لغات، وحاصلة على درجة الدكتوراه فى فيزياء الجسيمات وشقتها فى بودابست مليئة بلوحات من رسمها، وتتضمن مسيرتها المهنية أعمالا إنسانية أخذتها إلى أنحاء إفريقيا وأوروبا.
وبعد الكشف عن أن شركة «بي. إيه. سى كونسالتينج» للاستشارات التى تشغل كريستيانا منصب الرئيسة التنفيذية والمالكة لها، وهى التى لديها رخصة تصميم أجهزة «البيچر» من شركة التصنيع الأساسية التايوانية «جولد أبوللو»، قالت المرأة لقناة «إن. بى. سى نيوز»، إنها لم تصنع تلك الأجهزة وإنها مجرد وسيطة مضيفة «أعتقد أنكم فهمتم الأمر على نحو خاطئ».
أما والدة المجرية كريستيانا الرئيسة التنفيذية لشركة «إيه بى سى» التى باعت أجهزة «البيچر» إلى لبنان، فقالت إن ابنتها تخضع لحماية المخابرات المجرية بسبب تلقيها تهديدات.
وذكرت بياتركس بارسونى أرسيدياكونو، والدة كريستيانا، أن ابنتها تلقت تهديدات بعد انفجار أجهزة البيچر في لبنان، وأن المخابرات المجرية نقلت ابنتها بعد التفجيرات إلى مكان آمن، وأوصت السلطات المجرية ابنتها بعدم التحدث إلى الرأى العام.. وأوضحت الوالدة أن ابنتها لم يكن لها دور فى تفجير أجهزة النداء، وأنها كانت مجرد وسيط، وأن الأجهزة لم تصنع فى المجر أو تمر منها.
وفى محاولة لكشف الغموض عن المرأة، كان لا بد من سؤال معارف لها وزملاء سابقين فى العمل وأسفرت اللقاءات عن رسم صورة لامرأة على قدر باهر من الذكاء لكن مسيرتها المهنية متقطعة ودائمة التحول بسلسلة من الوظائف القصيرة الأمد التى لم تستقر فيها أبدا، رغم أنها ملأت سيرتها الذاتية بأعمال على مر السنين دون فترات توقف.
متدربة فى الوكالة الذرية
وتشير السيرة الذاتية لها إلى عملها فى وظيفة مديرة مشاريع فى الوكالة الدولية للطاقة الذرية فى 2008 و2009 وتنظيمها مؤتمرا للأبحاث النووية. وقالت الوكالة إن سجلاتها تشير إلى أن كريستيانا أرسيدياكو تدربت هناك 8 أشهر. ووصفت نفسها فى إحدى سيرها الذاتية بأنها عضوة مجلس إدارة فى معهد إيرث تشايلد ، وهو مؤسسة خيرية تعليمية وبيئية فى نيويورك، لكن مؤسسة المعهد دونا جودمان قالت إن بارسونى أرسيدياكو لم يكن لها أى دور هناك على الإطلاق. وفى تصريحها لقناة «إن بى سى» الأمريكية، أقرت كريستيانا بأنها عملت لدى شركة «بى إيه سى» المجرية التى تبين أنها باعت أجهزة الاتصالات المتفجرة فى لبنان، ومنذ ذلك الوقت لم تظهر كريستيانا علنا مرة أخرى، ويقول جيرانها إنهم لم يروها كما بقيت رسائل تطلب منها التعليق دون رد، حتى شقتها في ببودابست أُغلقت.
كما عينها كيليان كلاينشميت، وهو مدير سابق مخضرم فى مجال الإغاثة الإنسانية فى الأمم المتحدة فى 2019 لإدارة برنامج ممول من هولندا لمدة ستة أشهر لتدريب الليبيين فى تونس على مجالات مثل الزراعة المائية وتكنولوچيا المعلومات وتنمية الأعمال، لكنه وصفها بأنها مديرة متنمرة، وقال إنه استغنى عنها قبل انتهاء عقدها.
وقال كلاينشميت أن كريستيانا.. أعتقد أنها كانت أحد أكبر أخطاء حياتى الأمر ببساطة كان بغيضا على المستوى الشخصى ثم فى وقت من الأوقات قلت كفى. ربما كان يجب أن أفعل ذلك بسرعة أكبر. قلت هذا يكفى واستغنيت عن خدماتها قبل شهر من انتهاء عقدها.
وفى العقد الأول من القرن الحالى حصلت كريستيانا على درجة الدكتوراه فى الفيزياء من جامعة كوليدچ لندن ولا تزال أطروحتها عن «البوزيترونات» متاحة على موقع الجامعة، لكن يبدو أنها غادرت الجامعة دون أن تواصل مسيرتها العلمية.
وذكر أكوش توروك، وهو عالم فيزياء متقاعد كان أحد أساتذتها فى جامعة كوليدچ لندن ونشر أبحاثا معها فى ذلك الوقت: «على حد علمى لم تشرع فى أى عمل علمى منذ ذلك الوقت».
الاستخبارات الأمريكية قالت إن إسرائيل صنعت البيچر من خلال شركة وهمية بالمجر بعد تخطيط لـ15 عاما و هو نفس التوقيت تقريبا الذى عملت فيه كريستيانا فى وكالة الطاقة الذرية لعدة شهور من 2008 وحتى 2009 وتعلمت ما يكفى ليساعدها فى تفخيخ الأجهزة.