رائدة هندسة الفلزات والسبائك لـ«روزاليوسف»: د.إيمان صلاح الدين: تحديات كبيرة تواجه مستقبل صناعة الصلب والطاقة المتجددة
نعمات مجدى
على مدار مسيرتها المهنية والتعليمية الطويلة عملت على حل العديد من المشكلات التى تواجه المصانع المصرية والحربية، مما جعلها رائدة فى مجال هندسة الفلزات والسباكة، وقدمت إسهامات متميزة فى تطوير الصناعة المصرية، لا سيما فى مجال صناعة وسباكة الصلب.
هى د.إيمان صلاح الدين المحلاوى رئيسة قسم الهندسة الميكانيكية فى الجامعة البريطانية، وفى حوار خاص «لروزاليوسف» تحدثت عن أبرز محطات حياتها العلمية وتحديات صناعة الصلب ودورها فى النهوض بالتعليم الهندسى فى مصر.
فى البداية ما الذى دفعك لاختيار مجال هندسة الفلزات والسباكة؟
- والدى الله يرحمه د. صلاح الدين المحلاوى بدأ حياته العملية بعد التخرج فى كلية الهندسة – قسم هندسة ميكانيكية جامعة عين شمس عام 1945 بالعمل فى المصانع الحربية وحصل على الدكتوراه من جامعة ليدز فى إنجلترا عام 1966 وانتقل إلى المجال الأكاديمى عام 1971 وتوفى وهو أستاذ ورئيس قسم الهندسة الميكانيكية فى كلية الهندسة فرع شبرا عام 1986.
وخالى الله يرحمه د. يوسف إسماعيل الحاصل على دكتوراه الميتالورجى من ألمانيا وكان يعمل أيضا فى المصانع الحربية وأسس مجمع الألومنيوم فى مصر فى نجع حمادى.
ومنذ أن كنت فى المرحلة الدراسية قبل الجامعية كنت أصاحب والدى فى زيارات المصانع وأتابع عمله مع الطلاب، وفى مرحلة مشاريع التخرج وأخبرته برغبتى فى دخول كلية الهندسة وشهدت مرحلة بناء مجمع الألومنيوم وأنا فى المرحلة الثانوية.
وكيف كانت تجربتك الأكاديمية المبكرة فى جامعة القاهرة؟
- التحقت بكلية الهندسة جامعة القاهرة فى عام 1976 وطلب منى والدى دخول قسم هندسة الفلزات الذى أدرك أهميته فى أثناء دراسة الدكتوراه فى إنجلترا فى مجال سباكة المعادن ويسمى هذا العلم الميتالورجى.
فى الأول كنت أريد قسم الهندسة الميكانيكية، ولكن ألحّ والدى فى تخصص الميتالورجى وقال لى إننا نفتقده بشدة فى مصر ولا يمكن تطوير الصناعة بدون هذا العلم وبالفعل وجدت أن أغلب الطلاب لا يعلمون شيئًا عن هذا التخصص وكان زملائى يستغربون لماذا التحق به.
بعد الالتحاق وجدت جوا أسريا جميلا وأحببت المبنى والقسم، ولكن حبى للتخصص جاء أكثر قوة بعد سفرى للتدريب الصيفى إلى مصانع فى إسبانيا وحضور دورة فى ألمانيا جامعة أخن ثم بالطبع بعد بدء الدكتوراه فى إنجلترا فى مجال سباكة أسطمبات التشكيل.
ما التحديات الرئيسية التى واجهتها فى تطوير صناعة الفلزات والسباكة فى مصر؟
- عدم معرفة أغلب الجهات الصناعية (وبالذات القطاع الخاص) بهذا التخصص وأساسياته العلمية وإسناد مراحل التصنيع التى تعتمد بشدة على هذا العلم إلى غير متخصصين. طبعًا الوضع كان مختلفًا فى المصانع الوطنية والحربية والمصانع الكبيرة للصلب فى مصر، حيث يوجد فهم عميق لدور مهندس الميتالورجى فى تصميم وتنفيذ عمليات الإنتاج.
كيف أسهمتِ فى معالجة مشكلات صناعة الصلب والسباكة فى المصانع المصرية والمصانع الحربية؟
- أتمنى أن أساهم وأقدم إضافة أشعر بها أنى قمت بواجب فى فترة حياتى. ولكن بصفة عامة الإسهام فى مجال الصناعة ليس بروشتة كما العلاج، ولكنه يأخذ مراحل فهم المشكلة وتحديد السبب بالعمل مع فريق الإنتاج والبحوث والجودة فى المصنع مع دراسة دقيقة لمظاهر المشكلة المتمثلة فى العيوب والخواص الميكانيكية والبناء المجهرى للمنتجات، ويفضل تسجيل مهندسين من الإنتاج لدراسة الماجستير والدكتوراه فى أحد المشاكل مع العمل على إيجاد حلول للمشاكل الخاصة بخطوط الإنتاج ومعاملة السبائك المستخدمة من خلال الدراسة المتعمقة والتطبيق والمتابعة وأصدار تعليمات دقيقة من قسم التخطيط لمهندسى الإنتاج تتضمن كل مرحلة ومتابعة التنفيذ.
بصفتكِ أول رئيسة لقسم الهندسة الميكانيكية فى الجامعة البريطانية فى مصر، كيف كان شعورك بتأسيس هذا القسم؟
- كنت فخورة بهذا الشرف واستفدت جدا من العمل مع الفريق البريطانى وتصميم البرنامج فى ضوء متطلبات جهات الاعتماد البريطانية. وكنت محظوظة بالتحاق مجموعة من الشباب الحاصلين على الدكتوراه للعمل فى هيئة التدريس بهذا القسم، وتخصص الهندسة الميكانيكية يتضمن فى دراسة الإنتاج دراسة المواد والسبائك وفهم تأثيرها بالإضافة إلى المعدات والطاقة والهندسة الصناعية والتحكم.
وما هى التحديات التى واجهتك خلال هذه الفترة؟
- كما ذكرت تخصص الهندسة الميكانيكية يتضمن فى دراسة الإنتاج دراسة المواد والسبائك وفهم تأثيرها بالإضافة إلى المعدات والطاقة والهندسة الصناعية والتحكم، وبالتالى كان أكبر تحد هو تصميم برنامج يتيح للطالب فرصة جيدة لدراسة جميع الأساسيات التى تتيح للطالب العمل فى أى من مجالات الهندسة الميكانيكية.
وطبعًا كانت تحديات أسرية لكون أبنائى فى سن صغيرة وتطلب العمل فترات تمتد حتى نهاية اليوم، ولكن والدتى الله يرحمها ذللت هذا التحدى.
بنشركِ لأكثر من 107 أبحاث، ما أبرز الأبحاث أو المشاريع التى تشعرين بالفخر بها؟ وكيف أثرت فى الصناعة أو التعليم؟
- فى كل مرحلة من حياتى كانت هناك دراسة مهمة فى رحلتى المهنية والبحثية. بدءا من دراسة الدكتوراه فى إنجلترا تعلمت كيف أقوم بتصنيع أسطمبات لعمليات الطرق بتطوير سبائك جديدة وكيفية تصميم السبيكة وتصميم طريقة الإنتاج بالسباكة وتحديد وأجراء الاختبارات المناسبة للتحقق من تحقيق العمليات الصناعية المطلوبة منها.
وعندما عدت إلى مصر شاركت فى مشاريع بحثية لخدمة صناعة الحديد والصلب فى مصر بإشراف أساتذتى فى الكلية أ. د. رأفت القوصى وأ. د. سعد الراجخى وأ. د. عبدالحميد حسين وبتمويل أكاديمية البحث العلمى، تعلمت تسخير العلم لحل المشاكل الصناعية وكيفية تحويل النظريات العلمية إلى واقع تطبيقى لحل المشاكل الصناعية.
وتلا هذه المشاركة فى مشاريع بحثية لتطوير مسابك شركة السكر المصرية والتى تعلمت منها تطبيق نظريات السباكة عمليا لإنتاج مسبوكات قطع غيار لصناعة مهمة وهى صناعة السكر والتى كانت تعتمد تماما على الصناعة المحلية لتصنيع المعدات الخاصة بالعملية.
ثم مرحلة مهمة فى حياتى عند التحاقى بإعارة للجامعة البريطانية فى عام 2006 وتكليفى بإنشاء قسم الهندسة الميكانيكية وكذلك مركز للطاقة المتجددة من قبل الأستاذ فريد خميس وأ. د. أحمد حمزة. وكان تكليفى بإنشاء مركز الطاقة المتجددة مرحلة جديدة فى حياتى حيث بدأت البحث عن التطبيقات الحديثة للمواد المستخدمة فى إنتاج الطاقة وهى مجموعات من المواد تسمى حديثة نظرا لتركيبها المختلف عن السبائك التقليدية وكذلك طرق تصنيعها المختلفة تماما عن طرق التصنيع التقليدية، ولكن إيمانى أن العالم لا بد أن يوظف العلم لخدمة المجتمع والتطبيقات المطلوبة بدلا من الإصرار فى الانفراد فقط بالأبحاث التى يقوم بها بناء على احتياجات سابقة جعلنى أقبل التحدى فحضرت دورات كثيرة أونلاين لتعلم خواص وصفات المواد المستخدمة فى مجالات الطاقة الشمسية وطرق تصنيعها وأضفت إلى اهتماماتى العلمية الأبحاث فى ذلك المجال
كيف ترين دورك كعضو مؤسس فى جمعية الصلب لمنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط؟
ـ تم دعوتى للانضمام إلى مجلس إدارة فرع البحر المتوسط وشمال أفريقيا والشرق الأوسط بصفتى امرأة تعمل فى مجال الصلب ولكن حاليا أمثل دور الأكاديمية وربط الأكاديمية بالصناعة ولم يكن هذا موضوعا فى المراحل الأولى لإعلان عضوية مصر فى هذه المجموعة، بصفة عامة من الضرورى جدا للعاملين فى المجالات الأكاديمية والصناعية الاشتراك فى الجمعيات العلمية.
كيف يمكن لمصر الاستفادة بشكل أكبر من المواد المتقدمة فى مجالات الطاقة المتجددة وتخزين الطاقة؟
- نقوم بالعديد من الأبحاث فى هذا المجال وقد أنشأت مدرسة علمية لدخول الباحثين المصريين فى مجال مواد الطاقة المتجددة للتحويل والتخزين لطلاب دراسات عليا فى تلك التطبيقات أهمهما د. حنان عبدالقادر ود. هبة عبدالعاطى واللتان تمكنتا من خلالهما من بناء خبرة معرفية فى تصنيع خلية شمسية ومواد الامتصاص المستخدمة لتغطية وتكسية أنابيب الامتصاص لأشعة الطاقة الشمسية الحرارية فى محطات الطاقة الشمسية الحرارية ود. حسين بدر والذى قمنا من خلال البحث من بناء الخبرة فى تصنيع المواد المستخدمة فى تطبيقات الثرمو-اليكتريك والتى تقوم بتحويل الطاقة الحرارية المفقودة فى المعدات الكهربية إلى طاقة كهربية فى تصنيع مكثفات فائقة للطاقة.
ولكن إلى الآن ليس لدى رؤية فى مشاركة مصر فى تلك الصناعة لصعوبتها وارتفاع استثمارها وصعوبة الدخول فى سوق التنافس وكل هذا يحتاج رؤية مبنية على حقائق ولكنى كنت مهتمة أكثر بخلق كوادر علمية وإدراج الأبحاث من هذا النوع فى الجامعات المصرية علما بأن المراكز البحثية تهتم بتلك الدراسات أيضا على المستويات البحثية مثل المركز القومى للبحوث ومركز الإلكترونيات ومركز بحوث الفلزات.
وكيف تساهمين من خلال أبحاثك ومقالاتك فى نشر الوعى حول الطاقة المتجددة؟
- أحببت هذا المجال جدا لدرجة إعطاء جزء من وقتى كان يكلفنى السهر طول الليل لحضور كورسات أونلاين فى مجال الطاقة المتجددة لتنوعها وتنوع مصادرها واحتياج فهمها إلى تخصصات أخرى فى مجالات متعددة.
وقد حصلت من خلال إدارتى لمجموعة الطاقة المتجددة فى الجامعة البريطانية على عدة مشاريع مدعومة من جهات محلية ودولية فى مجال الطاقة المتقدمة وحاليا أعمل مع الفريق البحثى المتميز فى الجامعة البريطانية فى مشاريع لاستخدام الطاقة المتجددة فى الزراعة ووضع خارطة طريق لكود المبانى المصرى لتفعيل ترشيد الطاقة فى المبانى التعليمية.
وأفتخر بمجموعتنا البحثية المتميزة والتى توظف الطاقة المتجددة فى مجالات مختلفة وبالطبع الطاقة المتجددة وتطبيقاتها أساس صلب لتحقيق هدف الاستدامة 7 من أهداف الأمم المتحدة والتى تتبناها مصر فى رؤية 2030.
ماذا يعنى لك التكريم الرئاسى الذى حصلت عليه من الرئيس عبدالفتاح السيسى فى مارس 2024؟
- أسعدنى جدا تكريم الرئيس عبدالفتاح السيسى فى احتفالية المرأة المصرية والأم المثالية 2024 وإن كنت حينها أمر بفترة ألم وحزن لا يمكن وصفه بسبب ما يحدث لأشقائنا الفلسطينيين فى قطاع غزة. وسررت لوجود جهات فى مصر ترى من يقوم بعمل بصوت منخفض وبدون ضجة وفى مجال لا تهتم به الجهات الإعلامية وبالطبع تشرفت بتكريم من رئيس جمهورية بلدى مصر.
كيف تشعرين بخصوص تكريمك فى مؤتمر التعليم العالى فى أفريقيا، ضمن 17 شخصية مؤثرة على مستوى القارة؟
- شعرت بفخر وسعادة كون اسمى يذكر إلى جانب رئيسة جمهورية أفريقية ورؤساء جامعات. وأدين لمنظمة روفورم الأفريقية لإتاحة فرصة رائعة لى للمشاركة فى دعم الجامعات الأفريقية من خلال كتابة مقترحات بحثية لتمويل سفر الطلاب الأفارقة بين الجامعات الأفريقية ووضع آليات للعملية وتحديد الموضوعات المهمة لتحقيق أعلى استفادة من منح الاتحاد الأوروبى.
كيف ترين مكانة المرأة فى مجال الهندسة بشكل عام؟
- حققت العديد من المهندسات تميزًا وتفوقًا فى مجال الهندسة فى مصر وحتى فى تخصصات صعبة مثل التعدين والأفران والسباكة والمواقع.
وهل واجهتِ تحديات خاصة كونكِ امرأة فى مجال يغلب عليه الرجال؟
- بالطبع فى أوائل أى نزول ميدانى يتم اختبارات بسيطة من العمال لشخصية الخبير وبالذات عندما تكون امرأة لجس ألمامها بالعمليات الصناعية والأعمال على الأرض التى يقوم بها العمال، ولكن التواضع وإبداء التقدير والتفهم لكل شخص فى المنظومة يذيب الثلوج.
ما أبرز التحديات التى تواجهها صناعة الصلب اليوم؟ وكيف يمكن مواجهتها؟
- أهم التحديات هى الاستثمارات العالية المطلوبة لدخول مصر فى صناعة الصلب السبائكى وصلب العدة والتى تتطلب خطوط إنتاج وتكنولوجيات متقدمة. فمصر تقوم فقط بصناعة الصلب منخفض الكربون الإنشائى بينما الصلب السبائكى اللازم لقطع الغيار وأدوات القطع والاسطمبات يتم استيراده.
كيف يمكن للصناعة المصرية تعزيز قدرتها التنافسية على المستوى العالمى؟
- أولا رفع المرتبات لجذب أفضل المهندسين، ثانيا الأخذ بالعلم والتعاون مع الجهات الأكاديمية والبحثية وعدم التكبر، ثالثا اتباع صارم وحقيقى لمتطلبات وآليات الجودة، رابعا التعليم المستمر للعاملين فى الصناعة والإثابة عليه وإلزام جميع المهندسين سنويا بتقديم ما يفيد حضروهم دورات فى مجالات تخصصاتهم وعملهم أو قاموا بنشردراسات، ثم وضع تقييم واقعى للأداء والإنتاجية واقتصاديات العمليات الصناعية. . وعلى المستوى العام لا بد من توافر مستلزمات الإنتاج من خامات ومواد مضافة ومواد تزليق وتشحيم.. إلخ.
مع الاهتمام بثقافة فتح مصانع متخصصة لتوفير قطع الغيار لتجنب إهدار أموال الوطن ووضع أسس وقواعد للصناعات المغذية وقطع الغيار.
وأخيرًا رؤية استراتيجية بالتعاون مع الغرف الصناعية لخارطة التصنيع بناء على الاحتياج والسوق المحلية والإقليمية وعدم الانجرار إلى صناعات مكلفة لا نستطيع المنافسة فيها فى السوق والمجال الإقليمى والعمل على توفير الاستثمار للصناعات الاستراتيجية التى تتطلب دعم الدولة.
وأخيرًا كيف تقيمين مستوى التعليم الهندسى فى مصر اليوم؟ وما الذى يمكن تحسينه لتطوير الكوادر الهندسية؟
- التعليم الهندسى فى مصر فى رأيى إلى الآن مازال بخير ولكن التحدى هو فى الاستمرارية وجذب الطلاب إليه مع ظهور ثقافة العزوف عن مواجهة الصعاب والكسل.
وهنا يأتى دور مؤسسات التعليم ووجوب دمجها فى المنظومة وعدم الانفراد لجهة واحدة فالمجلس الأعلى للجامعات – القطاع الهندسى لا بد أن يعمل بصدر رحب مع جهات الاعتماد والنقابة والجمعيات العلمية الهندسية. التنوع يفيد والانفراد يضر.