الإثنين 30 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

النسوية الإسلامية .. (إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ): القرآن الكريم.. وقواعد النحو! "105"

يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.



 

د. تحية عبدالعزيز إسماعيل، هى مؤلفة كتاب «اللغة العربية أصل اللغات»، صدر عام 1992، وطبقت فيه نظرية الأصول والفروع فى اللغة، وكانت تشغل منصب رئيس قسم اللغة والأدب الإنجليزى بكلية الآداب جامعة القاهرة.  

قام د. مصطفى محمود بعرض الكتاب فى برنامج العلم والإيمان، وجاء فيه وجود ألفاظ مشتركة بين اللغة العربية واللغات الأخرى، مثل كهفCave، قابل Able، هرعHurry، بركانVolcano، رسغ wrist، مرآهMirror، وسط Waist.

ويرجع ذلك إلى سعة اللغة العربية بالمفردات، بالإضافة للتفعيل والاشتقاق والتركيب، مثلًا فى الإنجليزية كلمةTALL وهى فى اللغة العربية تعنى طويل، لكن تخرج من الكلمة مشتقات مثل طال استطال طاول تطاول طائل طيلة طوال، بينما فى الإنجليزية لا تخرج من الكلمة مشتقات.

ونفس الملاحظة على الكلمة الإنجليزيةGOOD بمعنى جيد، نجد منها الاشتقاق جود وجودة وإجادة ويجود وجواد وغيرها من الاشتقاقات، ولا نجد ذلك فى الإنجليزية.

ونجد فى اللغة العربية أن اللفظة الواحدة تعطى أكثر من معنى بمجرد تغيير الوزن، فمثلًا قاتل وقتيل، اختلاف بالمعنى يصل إلى العكس، وهذا الايقاع الوزنى غير معروف فى اللغات الأخرى. 

القرآن الكريم والنحو

يرى البعض أن القرآن الكريم فيه أخطاء نحوية، والسبب أنهم اعتمدوا على علم النحو الذى تم تأسيسه بعد القرآن الكريم وجعلوه حكمًا على القرآن، مع أن القرآن الكريم فوق علم النحو، كما أن علم النحو فيه قواعد شاذة، ولذلك فالآيات القرآنية ليس فيها الإلتزام الشديد بقواعد النحو. 

والآيات التى تخالف النحو، منها قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) المائدة 69، كلمة (الصَّابِئُونَ) جاءت مرفوعة بالواو لأنها جمع مذكر سالم، مع أنه حسب القاعدة النحوية ينبغى أن تكون منصوبة بالياء لأنها معطوفة على أسم (إِنَّ) وهو (الَّذِينَ آَمَنُوا).

نفس الكلمة جاءت منصوبة على القاعدة فى قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة 62. 

قال تعالى: (قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمْ الْمُثْلَى) طه 63، (هَذَانِ) هنا مثنى مرفوع بالألف، ونحويًا هو إسم (إنّ) فيكون منصوبًا بالياء «إن هذين»، مما يدل على أنه حين تأسست قواعد النحو لم يتم تدبر القرآن الكريم.

اللغة واللسان

من الإعجاز القرآنى التعبير عن كلام البشر باللسان سيأتى فيما بعد خطأ أن يقال لغة، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) ابراهيم 4، أى كل رسول ينزل عليه كتاب بلسان قومه ليبين لهم ولم يقل بلغة قومه، وعن لسان القرآن الكريم قال تعالى: (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) الشعراء 195.

إن الله تعالى قد جعل من آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنة البشر: (وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) الروم 22. 

فى نفس اللسان الواحد توجد لهجات متعددة ومختلفة، ومن الصعب مع وجود تلك الاختلافات أن يوجد اتفاقً على طريقة نطق واحدة فى كل المجتمعات والشعوب، وبالتالى فلا يمكن إخضاع أى لسان إلى قاعدة جامدة. 

وبالنسبة للجزيرة العربية فقد كانت قبائلها تنطق اللغة العربية بلهجات مختلفة، ولذلك فمن الصعب أن تخضع كل القبائل وكل لهجاتها إلى قاعدة واحدة، وبالتالى ستكون هناك أغلبية وأقلية فى القواعد النحوية، فلا يمنع أن يأتى الفاعل منصوبًا فى كلام فصيح، وأن يكون اسم ليس منصوبًا، لأن القاعدة النحوية تسمح بوجود شواذ القاعدة فى النحو.

والكلمة المنطوقة تكتسب خلفية ثقافية واجتماعية، وقد تندثر أو تختلف مدلولاتها حسب الزمان والمكان، ولن يستقيم كل ذلك مع القياس السريانى الذى أخذ به أهل العراق فى العصر العباسى وقبل العصر العباسى، وطبقوه على اللغة والفقه والمنطق.

لذلك جاء القرآن الكريم ليعبر فى الحقيقة عن اللسان العربى حين نزل به كما يستعمله العرب، أى بدون ذلك الالتزام الصارم بالقواعد النحوية.

إن القرآن الكريم هو الأقرب لطبيعة اللسان العربى لأنه لم يتقيد حرفيًا بالقواعد النحوية، وجاء يعبر عن حقيقة مفردات اللسان العربى التى تتوافق عادة مع قواعد النحو ولا يلتزم ببعض قواعد النحو، وتبقى اللغة فى القرآن مع ذلك فى قمة الفصاحة.  

قواعد النحو

قواعد النحو لا تنطبق على القرآن الكريم، فمثلًا فى قوله تعالى: (قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى)، نحويًا هذه الآية لا تتفق مع قواعد النحو لأن اسم إن مرفوع فى الآية ومن المفترض أن يكون منصوبًا. 

مثلًا الآيات الثلاث التالية تختلف فيها كلمة الصابئين، مرة (الصَّابِئِينَ) وأخرى (الصَّابِئُونَ)، رغم أن كلمة الصابئين منصوبة على القاعدة النحوية مرتين ومرفوعة مرة بعكس القاعدة.

قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) البقرة 62، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى) المائدة 69، (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى) الحج 17، كلمة صابئين معطوفة على اسم إن فى كل الآيات ومن المفترض أن تكون منصوبة دائمًا.

وترجع هذه التغيرات النحوية إلى أن النحو لم يكن له وجود عند نزول القرآن، وقد يخالف القرآن ما هو مألوف من الكلام فى لهجات العربية وفى الغالب يتطابق معها لكن الفصحى التى نعرفها هى لهجة من لهجات ذلك الزمان. اللغة سليقة وليست قواعد فالعامية اليوم سليقة وليست وفق قواعد نحوية وكذلك الذى عاش فى زمن التنزيل. 

وفى قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)، أو «إن هذين لساحران»، لا تعنى فرقًا عند السامع وقتها لأنه فهم المقصود من الجملة فى الحالتين، فالدليل هو الذى حدد المقصود والغرض من الكلام هو إبلاغ السامع أو القاريء بخبر ما. 

هذا التغير مقصود فهو يقول أن المفردات عربية، ولسان القرآن لا يعتمد على طريقة الناس بالكلام، لكنه مفهوم من قبل السامع، وقد يكون التغير النحوى له غرض ودلالة فى النص مثل الحديث عن الصابئين.

معنى الصابئين

كلمة صبأ تعنى الخروج عن فكر أو اعتقاد نشأ عليه الفرد فى قومه، وحين يفعل ذلك عن دراية فهو من الصابئين عن ملته، وقد تكررت هذه الكلمة فى ثلاث آيات ولكل منها وظيفة تعطى معلومة مختلفة فى كل آية.

فى الآية الأولى جاء الترتيب الذين أمنوا وهم اتباع رسالة القرآن ثم التوراة ثم الإنجيل ثم الصابئين: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ).

والشروط التى تنطبق على الجميع هى الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح، مع وجود الاختلافات بين هذه الملل، وأن هؤلاء لهم أجرهم وهو أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. 

ولفهم هذه الآيات يجب ملاحظو وجود مستويات فى الاعتقاد، فالذى يؤمن بالله واليوم الآخر ويعمل الصالحات فى الآيات له مستوى يختلف عن مستوى الذى يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله ولا يفرق بينهم: (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) البقرة 285. 

وعلى علماء اللغة إعادة تصحيح قواعد النحو بناء على أساليب القرآن، ومقارنتها بقواعد النحو التى وضعت فى العصر العباسى وتم توارثها كما هى دون أن نتمكن من تطويرها، ولو طبقناها على القرآن لحكمنا على عدد كبير من الآيات بأنها خطأ من الناحية اللغوية، ونكون قد حاكمنا القرآن بقواعد وضعها البشر.

القرآن الكريم ليس فيه التزام بتلك القواعد، كلمة (الْبِرّ) جاءت منصوبة مع أنها اسم ليس، وهذا خلاف القاعدة النحوية، وجاءت أيضًا منصوبة مع أنها اسم إن ويتفق هذا مع القواعد النحوية.

جاء ذلك فى آية واحدة: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) البقرة 177، وجاءت نفس الكلمة (الْبِرّ) على حسب القواعد النحوية فى نفس السورة: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ) البقرة 189.

وفى قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَّا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ. وَلَا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ) الفجر 25-26، كلمة (أَحَدٌ) هنا مفعول به يجب حسب قواعد النحو أن تكون منصوبة «أحدًا»، ولكنه هنا جاءت مرفوعة، ومن كل ما سبق لا يعتبر ذلك خطأً نحويًا، وإنما هو من مرونة القرآن فى صياغة مفردات اللسان العربى.