النسوية الإسلامية ـ 102 ـ بين الإبداع والتحريم: المرأة.. والفنون الجميلة!

محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
بدأت الفنون تزدهر فى الحضارات القديمة، كالحضارة الفرعونية بالعمارة والرسم والنحت، ووقتها لم يعرف العرب من الفن إلا ما جاء لهم من مصر والشام والعراق من مفروشات وثياب تتحلى برسوم وتصاوير.
أول خطوات تأسيس الحضارة هى استقرار مجتمع من الناس فى مكان ما، مع وجود كل متطلبات الحياة واستمرارها من سكن وغذاء وأمن، وبعدها يبدأ الارتقاء بمستوى وعى وثقافة أفراد ذلك المجتمع.
والنحت هو عمل فنى مجسم ثلاثى الأبعاد، يتم إنشاؤه عن طريق تشكيل المواد الصلبة من خامات مختلفة مثل الحجر أو الجبس أو المعدن، وطرق النحت متعددة منها النحت عن طريق الحفر أو الصب أو البناء أو التركيب، ومن أنواعه النحت البارز أو الغائر والنحت المجسم.

أما التصوير فهو عملية التعبير باستخدام وضع اللون على أى سطح، ومنه التصوير الجدارى والتصوير الزيتى بألوان الزيت على القماش.
المرأة الفنانة
جاذبية سرى مواليد 1925م، حصلت على دبلوم الفنون الجميلة عام 1948؛ ودبلوم التربية الفنية عام 1949، ودراسات عليا فى التصوير من باريس، ودراسات عليا من روما فى التصوير، ودبلوم الدراسات العليا فى التصوير من لندن.
بدأت حياتها المهنية مدرسة تربية فنية بمدارس المعلمات العليا، وعملت أستاذة للتصوير سابقًا بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان حتى عام 1981م، وأستاذة التصوير السابق بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بين عامى 1981 و 1982.
استطاعت جاذبية سري، أن تقدم أعمالًا كثيرة من خلال 70 معرضًا فنيًا، ولإسهامها فى حركة الفن التشكيلى تم منحها العديد من منح الزمالة من جامعات مختلفة حول العالم من ضمنها جامعة لندن.
كما جذبت أنظار محبى الفن التشكيلى من خلال أعمالها المتميزة، ونالت العديد من الجوائز والأوسمة، ورحلت فى 2021، وتظل إبداعاتها تسهم فى ارتقاء الذوق الفني.
إنجى أفلاطون، مواليد 1926، فنانة مصرية تنتمى إلى رواد الحركة الفنية التشكيلية فى مصر والعالم العربي، وتلقت تعليمها فى مدرسة فرنسية.
بدأت طريق الإبداع الفنى قبل أن تدرس فن الرسم دراسة أكاديمية، اتخذت من السريالية منهجًا للتعبير فنيًا، فصورت كل ما خطر ببالها من أحلام وكوابيس فى لوحات، وبدأت مشوارها الفنى مع جماعة «الفن والحرية» التى ضمت بين أعضائها محمود سعيد وفؤاد كامل.
وفى عام 1951 قدمت معرضها الأول الذى غلب عليه الطابع الواقعى الاجتماعى عبرت فيه عن هيمنة الرجل على مقدرات المرأة، كما صورت الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال البريطانى فى معارك قناة السويس، ورحلت فى 1989.
التماثيل فى القرآن
جاءت كلمة التماثيل مرتين فقط فى القرآن، عندما سخر تعالى الجن للنبى سليمان يعملون له التماثيل: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِى الشَّكُورُ) سبأ 13.
وفى قول النبى ابراهيم لأبيه وقومه: (مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) الأنبياء52، وقوله لهم عن نحت تلك التماثيل وعبادتها: (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) الصافات 95.
وجاءت مرة بمعنى التماثيل المقدسة أو الأصنام والأوثان كما فى قصة ابراهيم، حيث جاءت بمعنى التماثيل: (إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِى أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) الأنبياء 52، وبمعنى الأوثان والأصنام فقد قال ابراهيم لقومه: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) العنكبوت 17.
(وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) العنكبوت 25، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّى أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلالٍ مُبِينٍ) الأنعام 74، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِى وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ) إبراهيم 35، (وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) الأنبياء 57-58.
الأمر الإلهى لنا هو باجتناب الأصنام والأوثان وكل ما يتم تقديسه: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) الحج 30، والأمر بالاجتناب يعنى بقاء الشىء وليس تدميره.
ومعنى اجتناب الأوثان أن تظل قائمة ولكن بدون قدسية، فليست المشكلة فى الأوثان فهى مجرد أحجار، المشكلة فى العقلية التى تصنع من الأحجار أصنامًا ثم تعبد ما صنعته بأيديها، ولذلك قال النبى إبراهيم عليه السلام لقومه: (أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ) الصافات 95، أى تنحتون التماثيل بأيديكم ثم تعبدونها، فكيف يصنع ذلك عاقل؟.
وقال لهم: (إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا) العنكبوت 17، أى هم الذين ينشرون أساطير على تلك الأصنام، ويصدقون الإفك وتصبح تلك الأوثان معبودة حيث تقام عليها تجارة رائجة، هى تجارة الإفك والاحتراف الديني.
ليس الرسم أو النحت حرامًا، ولكن الحرام هو تقديس الحجر، أى تقديس الأنصاب الأوثان والأصنام، وليس فى الإسلام أمر بتدمير تلك المعبودات بل الأمر باجتنابها: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ) الحج 30، والاجتناب يعنى بقاءها مع الابتعاد عن تقديسها.
والنبى إبراهيم عليه السلام قام بهدم الأصنام ليثبت لقومه أن آلهتهم لا تستطيع الدفاع عن نفسها وتحتاج لمن يحميها من الهدم.
كلمة التماثيل وردت مرتين فى القرآن، مرة بمعنى تماثيل الزينة العادية التى لا يتخذها أصحابها آلهة، ومنها التماثيل التى كانت الجن تصنعها لسليمان عليه السلام: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِى الشَّكُورُ) سبأ 13.
التماثيل والعبادة
فالعقل البشرى المجرد لا يقبل أن يصنع الإنسان تمثالًا ثم ينحنى له عابدًا، وبالتالى فان التقديس هو لأحجار التمثال، والعقل البشرى المجرد يعرف أن تلك الأحجار لا تختلف عن أى أحجار ومواد أخرى فى أى بناء.
ولكن ما الذى يجعل الإنسان يعطل عقله وينحنى أمام تلك الأحجار عابدًا؟، ذلك الإنسان قد يكون مثقفًا أو خبيرًا علميًا فى أحدث فروع التكنولوجيا، ولكنه ينسى عقله وينحنى عابدًا أمام بعض الأحجار.
ولذلك أجرى القرآن الكريم حوارًا عقليًا مع المشركين ليوقظ العقول، فإذا استيقظ العقل انفض الناس عن عبادة تلك الأحجار وانتهى تقديسها وأصبحت مجرد صخور ومجرد تماثيل.
قبل عصر الجاهلية عاشت أمم سابقة عبدت الأصنام واضطهدت الرسل فدمرهم الله تعالى، وبقيت آثارهم ومعابدهم يمر عليها أساطين قريش فى رحلتى الشتاء والصيف، أى أن الأصنام المعبودة تحولت إلى مجرد آثار صخرية مهجورة.
لم يأمر الله تعالى المسلمين بتدمير تلك الآثار لأولئك الأمم الذين أبادهم الله، بل أمر تعالى بالسير إليها والبحث فيها للعبرة.
من ضمن الفرائض التى أهملها المسلمون فريضة السير فى الأرض، وقد تكرر الأمر بهذه الفريضة مرات عديدة، وكان الهدف علميًا وتاريخيًا من ذلك السير فى الأرض.
علميًا بالبحث فى كيف بدأ الله تعالى الخلق: (أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) العنكبوت 19-20.
وتاريخيًا بالبحث فى آثار الأمم السابقة من خلال ما تركوه خلفهم للعبرة: (أَوَ لَمْ يَسِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِى الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ) غافر21.
بل إن الله تعالى أخذها حجة على الجاهليين أنهم يسيرون فى ترحالهم فى رحلتى الشتاء والصيف ويمرون على آثار السابقين من الأمم التى أهلكها تعالى دون أن يزوروها للعظة والاعتبار: (أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِى النُّهَى) طه 128.
أى أن زيارة الآثار وبحثها علميًا هي فريضة إسلامية منسية، وهذه الآثار هى معابد وتماثيل كانت معبودة ومقدسة فى عصرها ثم أصبحت مجرد آثار أو أحجار.
فالتماثيل ليست محرمة فى حد ذاتها وإنما الحرام هو عبادتها، إنها مجرد أدوات، والأدوات ليست محل تحريم أو تحليل، وإنما يقع الحلال والحرام على طريقة استعمالها، فالسكين ليست حرامًا وإنما يحرم استعمالها فى القتل بينما يجوز الدفاع بها عن النفس.
التمثال ليس حرامًا أو حلالًا فى حد ذاته وإنما يحرم أن يتم تقديسه وجعله صنمًا معبودًا، والتمثال مباح عندما يتم التعامل معه بوصفه قطعة من الفن وتعبيرًا عن الجمال.
ويبقى أن الأعمال الفنية تستخدم الأدوات الطبيعية بشكل جمالي، لتعبر عن بعض المعانى العميقة التى يريدها الفنان، وتتسم طبيعة العمل الفنى بسمات منها أن الفن تعبير عن الواقع وليس تسجيلًا له، والفن رموز مجردة ولكنها على صلة بالواقع، والفن من الناحية الوجدانية أكثر تعبيرًا عن الحقيقة من الواقع.