شمل تحديد مسئولية الأسرة والحقوق الواجبات المتبادلة بين الزوجين «دليل الأزهر للتوعية الأسرية» حماية للأسرة من منظور إسلامى مسيحى

صبحى مجاهد
لا تزال قضية الأسرة من أهم القضايا المجتمعية فى مواجهة ارتفاع نسب الطلاق، وفى إطار مشاركته المجتمعية فى بناء أسرة متماسكة أصدر الأزهر الشريف دليلا دينيا للتوعية الأسرية شمل نصوصًا من القرآن والسنة ونصوصًا من الكتاب المقدس.. روزاليوسف تنفرد بنشر أول ملخص لدليل الأسرة إسهاما منها فى تحقيق الوعى الأسرى من منظور فكرى دينى وسطى؟
وعن أهمية دليل التوعية الأسرية أوضح د.نظير عياد مفتى الجمهورية والأمين العام السابق لمجمع البحوث الإسلامية أن تدشين هذا الدليل يتعلق بالأسرة المصرية بجناحيها الإسلامى والمسيحى، يأتى تتويجًا للجهود التى بذلت بغية الارتقاء بالمجتمع والمحافظة على تماسكه وما يتعلق به من أركان؛ وخاصة أن الأسرة ينظر إليها على أنها هى الكتلة الصلبة التى إذا انهارت انهار المجتمع، والمتأمل يجد أن الأسرة يتم استهدافها بمصطلحات هدامة ودعاوى زائفة تحت مسمى الحريات تارة والشذوذ تارة أخرى، مضيفًا أن هذا الدليل يأتى ليحافظ على الأسرة، كما يوضح الحقوق والواجبات، ويؤكد على المفهوم الصحيح للزواج والمفهوم الصحيح للأسرة (رجل وامرأة) لا رجل ورجل أو امرأة وامرأة كما يروج دعاة التحرير والشذوذ وأنصار المدنية الزائفة والحضارة الكاذبة.

أضاف عياد أن الأسرة هى الحصن المنيع لقيم المجتمع وأخلاقه، وهى حائط الصّدّ لجميع المحاولات المشبوهة التى تريد أن تنال من هذه القيم وتلك الأخلاق؛ لذا اهتمّت جميع الأديان بالأسرة، بدايةً من الزواج، والإنجاب، والتّنشئة، ومنظومة الحقوق والواجبات بين جميع أفرادها.
واستطرد قائلا: «بما أنّ الدّين هو الضامن الرئيسى لكلّ هذه الجوانب فقد اتّفقت الأديان الثلاثة الكبرى على أمورٍ مهمّةٍ، منها: أنّ الأسرة مؤسّسةٌ تخضع فى تأسيسها ووظائفها ومسئوليّاتها إلى التشريع الدّينى، وأنّ الدّين أهمّ العوامل التى تؤثّر على هويّة الأسرة، من حيث القيم والعادات والتقاليد التى تنعكس على سلوكيّات أفراد الأسرة وعلاقاتهم بعضهم البعض، وكذلك علاقاتهم بالمجتمع.
وشدد عياد على أنّ الأسرة ليست ضامنةً لاستمرار النّوع الإنسانيّ فحسب، بل ضامنةٌ لاستمرار ثقافة المجتمع وهويّته؛ حيث إنّها ملزمةٌ – وفق النّصوص الدينيّة - بتوريث القيم والمعتقدات الدينيّة وترسيخها لأفرادها، حتى يمتدّ التفاعل بهذه القيم مع المجتمع المحيط بها.
وأوضح أننا نحتاج إلى تعزيز قيم التكامل والوحدة الأسريّة التى تشكّل أساسًا قويًّا ومتينًا لبناء أسرٍ قويّةٍ ومستقرّةٍ، نستطيع من خلالها مواجهة التحديات الشاذّة والمنحرفة، والتأكيد على أهميّة الدّور المركزى والمحوريّ الذى تقوم به الأسرة فى تربية النّشء والأطفال؛ وأنّها بمثابة المدرسة الأولى التى يتلقّى فيها النّشء التربية الأوّليّة والأساسيّة التى تؤثّر على تطوّره الشخصيّ والاجتماعيّ، وتسهم فى تنميته عاطفيًّا ومعنويًّا لبناء ثقته بنفسه، وتشكيل هويّته الدينيّة والثقافيّة، مشيرًا إلى أن التّحديات الجسيمة التى تواجه الأسرة والنّشء اليوم تلزمنا بضرورة تضافر الجهود بيننا جميعًا؛ حتى نستطيع مواجهتها، والحدّ من آثارها السيّئة على الأسرة والمجتمع، ولعل هذا الدليل من أولى الخطوات التى توضح الحقوق وترشد إلى الواجبات وما يتعلق بالزواج الصحيح وحقوق كل فرد على الآخر.
مقومات الأسرة السعيدة
ودليل الأزهر للتوعية الأسرية تناول التعريف بمفهوم الأسرة، وبيان مكانتها وأهميتها، ووظيفتها الدينية والمجتمعية، والخطوات التمهيدية لتكوينها من خلال بيان الأسس التى بها يتم اختيار الزوجين، والقيم التى تربط بينهما، وقدَّم له الدكتور طارق توفيق، نائب وزير الصحة، ببيان أهميته، وشكر القائمين على إعداد الدليل ومراجعته الدينية من الجانب الإسلامى المتمثل فى الأزهر الشريف، والجانب المسيحى المتمثل فى الكنيسة، حتى يكون نبراسًا لأفراد المجتمع المصرى أجمع.
الموضوع الأول فى دليل الأزهر للتوعية الأسرية تناول مقومات الأسرة السعيدة التى تمثل نواة المجتمع، حيث بدأ بأهداف تكوين الأسرة من منظور دينى، ومنها: (عبادة الله وحده، تهذيب الأخلاق، عمارة الأرض)؛ لقوله تعال: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ موضحًا أقوال العلماء فى اعتبار تكوين الأسرة أمر تعبدى،حيث يتعبدالمسلم ربه بإنشاء أسرة قائمة على كتاب الله وسنة نبيه، وقد مدح الكتاب المقدس هذه العلاقة فقال: «أما قرأتم أن الذى خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى؟ وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمة ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدًا واحدًا».
وحول أهداف الأسرة من منظور اجتماعى أوضح دليل الأزهر أن للأسرة دور كبير فى شيوع روح المحبة والألفة بين أفرادها وبين السر المختلفة، قال تعالى: يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا، فتقوى روابط المحبة بالمصاهرة وتزداد بالإنجاب والتكاثر، كما تحافظ الأسرة على المجتمع من الانحلال الخلقى، وما يتبعه من ضياع للأنساب.
أضاف أن هناك أهدافا لتكوين الأسرة من منظور صحى، فالزواج هو الوسيلة المشروعة للاتصال بين الرجل والمرأة، وفى الكتاب المقدس «لأنه بسبب امرأة زانية يفتقر المرء إلى رغيف خبز.. وامرأة رجل آخر تقتنص النفس الكريمة. أما الزانى بامرأة فعديم العقل المهلك نفسه هو يفعله».
مسئولية الأسرة
بينما تناول الموضوع الثانى فى دليل الأزهر مسئولية الأسرة، حيث أكد الأزهر أن الأسرة هى أعظم تدريب على تحمل المسئولية، لقوله: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِى أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأَةُ فِى بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ فِى مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
أوضح أن تحمل المسئولية الأسرية يقتضى إعداد أفرادها إعدادًا كاملًا روحيًا، وخلقيًا، واجتماعيًا، وعلميًا، واقتصاديًا، وبين كيفية هذا الإعداد مستشهدا بالكتاب والسنة، والكتاب المقدس، ومنها: قوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا (التحريم: 6)، وقوله: «احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، «، وفى الكتاب المقدس: «إن كان أحد لا يعتنى بخاصته، ولا سيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان».
أما الموضوع الثالث الذى تناوله الدليل فهو حقوق الزوجين، حيث أكد أن للمرأة حقوق تتمتع بها، ويجب على الرجل أن يلتزم بهذه الحقوق، وعليها واجبات تجاه الرجل عليها أن تؤديها، وكذلك الرجل سواء بسواء، ومن الحقوق المشتركة (عدم إفشاء أسرار الحياة الزوجية، المعاشرة بالمعروف، المودة والرحمة) لقوله تعالى: هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ، (البقرة: 187)، وقوله: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْأَمَانَةِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِى إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»، ومن الكتاب المقدس: «ليوف الرجل المرأة حقها الواجب، وكذلك المرأة أيضا الرجل. ليس للمرأة تسلط على جسدها، بل للرجل، وكذلك الرجل أيضًا ليس له تسلط على جسده بل للمرأة»
أضاف أن من حقوق الزوجة: (حق المهر، والنفقة، وحق اختيار الزوج) لقوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، (ومن الكتاب المقدس: (وإن خطبها لابنه فبحسب حق البنات يفعل».. لافتا إلى أن ومن حقوق الزوج: (الطاعة فى غير معصية الله، القوامة والاحترام، المحافظة على عِرضه وشرفه)، لقوله: « إِذَا صَلَّتِ الْمَرْأَةُ خُمُسَهَا، وَصَامَتْ شَهْرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرْجَهَا، وَأَطَاعَتْ بَعْلَهَا، دخلت من أى أبواب الجنة شاءت»، ومن الكتاب المقدس: «لا يسلب أحدكم الآخر إلا أن يكون على موافقة، إلى حين لكى تتفرغوا للصوم والصلاة»..
حقوق الأبناء
بينما تناول الدليل فى الموضوع الرابع حقوق الأبناء، موضحًا أن مولود اليوم هو رجل المستقبل وأمل الوالدين وذخر الأمة، والطفل امتداد لحياة الإنسان على الأرض، وبين حقوق الأبناء ومنها: (حسن اختيار أمه وأبيه، رعاية أمه فى حملها نفسيًا وجسديًا، تحريم قتله بالاجهاض واحترام حياته، وحسن تسميته، النفقة، الرعاية الطبية، ختان الذكور)؛ لقوله: «تَخَيَّرُوا لِنُطَفِكُمْ وَانْكِحُوا الْأَكْفَاءَ وَأَنْكِحُوا إِلَيْهِمْ» (ابن ماجه: (1968)، وفى الكتاب المقدس: «امرأة فاضلة من يجدها؟ لأن ثمنها يفوق اللآلئ» (سفر الأمثال لسليمان الحكيم الإصحاح الواحد والثلاثون، آية 10).
كما خصص الدليل الموضوع الخامس للحديث عن التربية الإيجابية، وأوضح أنها التربية الواعية الوسطية التى لا إفراط فيها ولا تفريط، بل التوازن بين العواطف والعقلانية فى هدوء، وتتمثل فى تنمية مهارات الطفل المختلفة من خلال الأسرة والمجتمع وفق القيم والمبادئ الدينية، ومن أسس التربية الايجابية: (الاحترام، تحمل المسئولية، التشجيع، استقلال شخصيته، الحزم، الانتماء، التعاون)، قال تعالى: وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِى الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ.. وفى الكتاب المقدس : «أَيُّهَا الأَوْلَادُ، أَطِيعُوا وَالِدِيكُمْ فِى الرَّبِّ؛ لأَنَّ هذَا حَقٌّ»، وفيه: «أَيُّهَا الآبَاءُ، لَا تُغِيظُوا أَوْلَادَكُمْ؛ لِئَلَّا يَفْشَلُوا».
واختتم الأزهر الدليل بالحديث عن بعض القضايا المجتمعية، حيث تطرق الدليل فى هذا الموضوع لبعض القضايا المجتمعة التى تؤثر فى الأسرة وهى: (محو الأمية، تعليم ذوى الهمم حقٌّ تكفله الرِّسالات السماوية، حق المرأة فى التعليم، المرأة فى العصر الحديث، حق المرأة فى العمل)، واستدل على أهمية هذه القضايا من الكتاب والسنة والكتاب المقدس، لافتا إلى قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذى خلق)، وقوله: «طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»، وإشارة الكتاب المقدس إلى العلم؛ حيث قال: «أَعْطِ حَكِيمًا فَيَكُونَ أَوْفَرَ حِكْمَةً، عَلِّمْ صِدِّيقًا فَيَزْدَادَ عِلْمًا».
وكانت خاتمة الدليل بعض الرسائل الإيجابية فى التربية، منها: (استمع أكثر للطفل بدلا من إعطائه محاضرة عن المشكلة أو الخطأ).