مينى ألبوم يعبر عن فكرة مهمة فى إطار موسيقى: PRJKTBLUBEAM مغامرة «مروان بابلو».. ومشروع الشعاع الأزرق!

محمد شميس
ربما يشعر السادة القراء أننى منحاز إلى مغنى الراب المصرى «مروان بابلو»، وهذا صحيح، بسبب كتابتى عنه مع كل إصدار جديد يقدمه إلى الجمهور، ولكن هذا الانحياز سببه الرئيسى جودة الأعمال الغنائية التى يقدمها هذا الشاب.
وهناك أيضا سبب ربما لم أعلن عنه قبل ذلك، هو أن هذا الشاب عاد من غياهب الظلام بعد أن أعلن اعتزاله الغناء بسبب اعتقاده بأن هناك حرمانية لما يقدمه.
ومجرد عودته مرة أخرى للغناء يعد نصرًا كبيرًا ضد قوى الظلام المتشددة التى تحاول دائما قتل إبداع المجتمع، وجعله خشنًا صلبًا عاجزًا عن التخيل، فما بالكم بأن هذا الشاب العائد من الاعتزال إلا أن أصبح متصدرًا لمشهد الراب المصرى بل العربى أيضا؟!
على سطور هذه المجلة كتبت عن ألبوم (آخر قطعة فنية)، مع نهاية العام الماضى وبالتحديد فى شهر ديسمبر، وكيف استطاع «مروان بابلو»، أن يسرد بعض من تفاصيل حياته وصراعاته النفسية بعد الشهرة وتحقيق الثراء، وكيف كان الألبوم مترابطًا موسيقيا، وكذلك من حيث المواضيع، بل أيضا من حيث سرعات الأغانى.
والآن بعد مرور أشهر بسيطة، يؤكد «بابلو» نشاطه، بصدور مينى ألبوم مكون من 4 أغنيات فقط بعنوان (PRJKTBLUBEAM) ومثل كل إصدارات «بابلو» المجمعة سواء ألبومات أو مينى ألبوم، هناك فكرة عامة للعمل ككل، وتكون كل أغنيات العمل منفصلة ومستقلة فى المعنى، ولكنها متصلة مع باقى الأغانى لخدمة الرسالة العامة للعمل.
مثلا فى ألبوم (كنترول)، كان هناك تركيز من «بابلو» عن معاناته ونشأته فى عشوائيات إسكندرية وكيف صار نجمًا فى عالم الأغنية، بل هو يعتبر مؤسس موجة موسيقى الـ«trap» والتى يسير على دربها كل من هو متواجد على ساحة الراب حاليا، بعد ما أصدر أغنيته الشهيرة (فرى).
وفى ألبومه (آخر قطعة فنية) كان يتحدث عن التحولات النفسية والصراعات التى تدور بداخله، والآن فى (PRJKTBLUBEAM) فهو يقدم نفسه لنا وكأنه يغنى من المستقبل، وغير منتمن إلى الحاضر الذى نعيشه.
الخط العام للمينى ألبوم موسيقيا مبنى على موسيقى الـ«Techno» والأشكال الإلكترونية، وجميع التوزيعات الموسيقية من تنفيذ «LeCha»، فى تعاونه الأول مع «مروان بابلو»، و«بابلو» من الفنانين الذين لا يفضلون تنوع الموزعين الموسيقيين داخل العمل، إلا فى أضيق الحدود، وذلك للحفاظ على الخط العام لكل الأعمال الغنائية المقدمة داخل الألبوم، وأن يكون بينهم تناسقًا، وهذا يفسر إسناد كل أغانى المينى ألبوم لنفس الموزع.

فى أغنية (BNNIT)، نجد «مروان بابلو» يقول « قلبى مش فى باريس.. فى برلين»، فلماذا إذن «برلين» بالتحديد عن غيرها؟
كما تحدثنا فى السطور السابقة عن أن كل أغانى المينى ألبوم مبنية على موسيقى الـ«Techno»، وهذه الموسيقى تعرف باسم «صوت برلين»، حيث ظهرت بعد سقوط الجدار العازل فى عام 1989، حيث كانت تعزف هذه الإيقاعات الإلكترونية السريعة فى التيمبو بنوادى الأقبية المظلمة والمبانى المتداعية، وتعلق بها قطاعات كبيرة من جمهور الشباب داخل ألمانيا.
وأصبح هناك مهرجان يعرف بـ«Loveparade» وهو مهرجان لموسيقى الرقص الإلكترونية، ويقام فى شوارع العاصمة الألمانية، وهو يتمتع بشعبية كبيرة لدرجة أن هذا المهرجان حضره أكثر من مليون شخص فى الأعوام من 1997 إلى 2000.
وهذا العام أعلنت منظمة اليونسكو أنها أضافت موسيقى الـ«Techno» فى برلين إلى قائمة التراث الثقافى غير المادى، وفى مصر أصبحت هذه الموسيقى تلقى الرواج لدى الكثيريين من الشباب، وأصبح هناك اهتمام بها وحفلات جماهيرية كبرى تقام فى مختلف المحافظات، وحتى تحت سفح الأهرامات.
ولذلك قرر «مروان بابلو» أن يقدم نفسه بشكل مغاير تمامًا عن كل المتواجدين على ساحة الراب، بمينى ألبوم كامل قائم على موسيقى الـ«Techno»، وكأنه يغنى للجمهور لأول مرة، بسبب تغيير جلده بالكامل فى هذا العمل الأخير وهذا ما تسبب فى هجوم الكثيرين من جمهور الراب على «بابلو»، لأنه لم يقدم نفسه لهم كما كان معتاد فى أعماله الماضية، ولكن هذه نتيجة التجريب.
من المؤكد أن «بابلو» لديه حسابات أخرى خارج حدود جمهور الراب، خصوصا مع انتشار موسيقى الـ«Techno» فى مصر والعالم، وهذا أن دل على شيء فهو يدل على أنه فنان على دراية بما يدور فى الأوساط الموسيقية، وأنه يريد أن يكيف نفسه مع متطلبات السوق، وليس لديه خوف من التجريب والمغامرة، وهو أمر يحسب له، فى ظل حالة الركود العامة فى الوسط الموسيقى الذى أصبح يعانى من الرتابة والملل، كما أنه أصبح من الواضح أن لديه تطلعات لتوسيع الشرائح التى تستمع إليه من خارج حدود فئة «الراب».
ويظل أفضل ما فى «مينى ألبوم»، «مروان بابلو» الأخير، هو الفيديو المصور لكليب (ديجافو)، كعادة كل الأغانى المصورة لـ«مروان بابلو»، فهو واحد من أفضل الفنانين بشكل عام فى مصر يقدم «كليبات»، وكل أعماله بها أفكار متعلقة برسالة الأغنية، وتكون مبهرة حتى لو كانت مصورة فى شوارع وعشوائيات الإسكندرية كما حدث فى (فرى)، أو على محور صفط اللبن كما كان فى أغنية (غابة).
أما فى (ديجافو) فكان هناك تصور بأن «بابلو» يغنى من المستقبل، ولأن المستقبل يتجه إلى الرقمنة، فكان من الطبيعى أن تسيطر الموسيقى الإلكترونية على كل أعمال المينى ألبوم، ولزيادة التعبير عن الفكرة فظهر «بابلو» فى «الكليب»، بسيارة تسلا، ويرتدى نظارة أبل الافتراضية، ويظهر فى الفيديو «طبق طائر».
ولكى يكون حديثنا أكثر وضوحًا، المينى ألبوم بعنوان (PRJKTBLUBEAM)، وهو اختصار لـ»project blue beam»، وهو ما يعرف فى الأوساط العربية بـ«مشروع الشعاع الأزرق»، ولذلك كان هناك استخدام لأحدث الوسائل الإلكترونية الموجودة، وكان هناك استخدام للموسيقى الإلكترونية، وكذلك كان اللون الأزرق مسيطرًا على الفيديو المصور، أو حتى فى تصميم أغلفة المينى ألبوم.
صحيح أن نظرية مشروع الشعاع الأزرق يحيط بها العديد من الشائعات تتعلق بنظريات المؤامرة وما إلى ذلك، ولكن بعيدًا عن ذلك، كل ما يهمنا هو كيف تم التعبير عن هذه الفكرة، موسيقيا وفنيا وهذا ما حققه «بابلو».
كما يجب أن نتذكر أن النوعية المستهدفة من مثل هذه الأعمال هم المراهقون فى الأساس، ولذلك كل هذه العوامل من موسيقى إلكترونية سريعة، لجدل دائر عن مفهوم «مشروع الشعاع الأزرق»، مناسب جدا لهذه الشريحة المستهدفة التى تسعى لاستكشاف نفسها، بل اكتشاف العالم أجمع!