بعد حصدها جائزة أفضل فيلم بمهرجان «لوكارنو»: مها الحاج: طورت أحداث «ما بعد» لتواكب حرب غزة الحالية
آية رفعت
تغلب الإنسانية على أغلب أفلامها.. فما إن تشاهد فيلمًا يحمل توقيع المخرجة الفلسطينية «مها الحاج» إلا وتجد أن قضية وطنها تغلب عليه.. ربما لا تنقل مشاهد الدمار والحرب والدم، ولكنها تهتم بمشاعر الإنسان الداخلية وما يعانيه المواطن ببلدها من آثار نفسية للحرب تظل رغم مرور الزمن.
وبعد حصدها جوائز عديدة بفيلمها الروائى الأخير (حمى البحر المتوسط).. عادت «الحاج» لساحة المهرجانات مرة أخرى بفيلمها القصير (ما بعد) الذى استطاعت أن تحصد به جائزتين بمهرجان «لو كارنو السينمائى الدولى»، وهما جائزة لجنة التحكيم لأفضل فيلم قصير وجائزة لجنة التحكيم الشباب المستقلة. وفى حوارها التالى تكشف لنا «الحاج» عن تفاصيل فيلمها الجديد والكثير من أسرار السينما الفلسطينية.
> كيف جاءت لك فكرة فيلم (ما بعد) وهل هى فكرة واقعية أم من وحى خيالك؟
- القصة من واقع خيالى، ولكنها فى الوقت نفسه مرتبطة بالواقع ومستمدة منه.. فمنذ عام 2008 وقطاع غزة يتعرض لحرب وقصف، وهناك آلاف الأهالى التى فقدت أولادها بشكل أليم.. لعل هذه الأحداث بدأت تتراكم بداخلى فتم استخراج قصة فيلم (ما بعد). فبدأت بكتابة القصة رغم أننى كنت أحضر لفيلمى الروائى الثالث ولكنى تحمست لتقديم تلك الفكرة أولا ثم التفرغ لمشروعى الروائى.
> كم استغرقت من وقت لعمل وتحضير الفيلم؟
- تحضير الفيلم وفكرته واختيار أماكن التصوير وغيرها من التحضيرات استغرقت تقريبًا شهرا.. بينما تم التصوير بالكامل فى 5 أيام فقط.
>كيف كان استقبال جمهور لوكارنو للعمل عند عرضه الأول؟
- كان استقبالاً رائعًا وحافلاً، وبعد انتهاء العرض أصبحوا يتناقشون ويتحدثون معى عن تفاصيله.. وتفاعلوا بشكل كبير مع القصة وشعروا بالذهول من المأساة التى يحملها الفيلم.
> استشهدت بنهاية الفيلم بجملة «حلو وشعره كيرلى» هل قمت بتغيير الحوار ليتماشى مع الأحداث أم أن الأمر وليد الصدفة؟
- لقد كتبت الفيلم بشهر يونيو 2023 أى قبل حرب السابع من أكتوبر على قطاع غزة، لكنى أثناء العمل على تحضيره تأثرت مثل باقى الناس بالجمل التى هزت قلوبنا مثل «حلو وشعره كيرلى» و«روح الروح» وغيرها.. فقمت بإضافتها للعمل حتى يكون متماشيًا مع الوقت الحالى.. فأنا لم أرغب بتحديد تاريخ للمأساة التى يعرضها العمل حتى تكون صالحة ومعبرة عن كل وقت وكل حرب وقصف نتعرض له.
> كيف تضيف الجوائز للمبدع من وجهة نظرك وهل هى تعتبر معيارًا لنجاح العمل أم المعيار هو استقبال الجمهور؟
- الجوائز تضيف الكثير للمبدع وفريق عمل الفيلم ككل، فهى تعتبر تقديرًا كبيرًا للمجهود الذى بذلناه فى العمل كما أنها تفرق فى توزيع الفيلم فيما بعد سواء بالمهرجانات أو بدور العرض أى تفرق الكثير بمستقبل الفيلم وصناعه.. ولكن فكرة نجاح الفيلم من عدمه لا تعتمد على النجاح الجماهيرى فقط لأن هناك معايير مختلفة فمثلاً الفيلم التجارى قد يفتقد للمستوى الفنى العالى وفى نفس الوقت يحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، بينما الفيلم الفنى الذى ينجح بالمهرجانات ويشيد به الجمهور والنقاد لا ينجح فى شباك التذاكر.. هذه الأمور تعتبر نسبية وتختلف من فيلم لآخر.
>هل تتعمدين أن تقدمى أفلامك من كتاباتك الشخصية؟
- نعم فأنا أحب الاثنين معًا الكتابة والإخراج وكل الأفكار التى أتحمس لها تكون من وحى كتاباتى.. وأرى أننى أفضل من يستطيع تقديم كتاباتى على الشاشة لأننى أكون متخيلة صورتها بشكل ملائم.
>هل من الممكن أن تقدمى فيلمًا من تأليف غيرك أو العكس بمنح أحد المخرجين فيلم قمت بكتابته؟
- لا أعرف، فلم يعرض علىَّ قصة أخرى لإخراجها أو تم الاقتراح على حتى.. ربما لو وجدت قصة جيدة أقوم بإخراجها، ولكنى الآن مهتمة بكتاباتى.
>ما سبب عودتك لتقديم الأفلام القصيرة؟
- هناك البعض ممن يعتبر أن الفيلم القصير هو عبارة عن الأساس الذى يبدأ به مشواره الفنى وأنه عبارة عن فحص للموهبة وإثباتها ويعتبرونه مرحلة أولية وتنتهى بتقديم أول فيلم روائى طويل، ولكنى لا أنظر للفيلم القصير هكذا فأنا أراه نوعًا فنيًا مهمًا، ويعتبر تحديًا لكيفية تقديم فكرتك فى فترة ما بين من ٥ إلى 40 دقيقة فقط. وعندما قمت بتقديمه بعد عملين روائيين لى لم أعتبره تراجعًا فقصة فيلم (ما بعد) لا تتحمل مناقشتها سوى من خلال فيلم قصير ولو فعلت غير ذلك أضطر لضم أحداث وحشو زائف لن يفيد القصة بشىء. وأنا أرفض التقيد بالقوانين فأتمنى أن أظل أقدم أفلامًا قصيرة بين أعمالى الطويلة أيضًا.
>ما المحطات المقبلة لعرض فيلم (ما بعد)؟
- هناك جولة طويلة من المهرجانات العالمية التى يتم الاتفاق معها حاليًا.. ففى البداية سوف يشهد عرضه الأول بأحد مهرجانات الوطن العربى ثم تستمر جولته قليلاً قبل طرحه بدور العرض.
>كيف يستقبل الجمهور الدولى القضايا الفلسطينية التى تطرحها السينما؟
- يستقبلها بشكل أفضل مما توقعت.. فأنا كنت ذاهبة للعروض العالمية لا أعرف كيف سيتم استقبال هذه القضية هل بالدفاع عنها أم بمهاجمتها أم ببرود.. ولكنى وجدت حبًا ودعمًا هائلين وتعاطفًا كبيرًا. والعروض الدولية تختلف عن العربية، حيث إن الأخيرة تشهد تفاعلاً كبيرًا من الجمهور العربى والذى يشعر بالقضية وعايش بها وينتمى لها.
>قدمتِ فيلمًا عن الاكتئاب وهو (حمى البحر المتوسط)..وآخر عن العزلة ورفض الواقع فى (ما بعد) فهل تحاولين تقديم أبعاد نفسية بأعمالك؟
- أعتقد أن كلامك صحيح.. ولكنه ليس بالشكل المقصود، فقصة العمل هى التى تفرض الأمر فى النهاية.. فأنا عندما أكتب أتعايش مع الشخصيات وأتأثر بها وأشعر بوحدتها وأبعادها النفسية. ففى النهاية أنا أعبر عن المحيط الذى أعيشه فى بلد تعيش تحت الاحتلال منذ أكثر من 70 عامًا، فمن الطبيعى أن الجوانب الإنسانية تحمل أبعادًا نفسية كثيرة.
> ألم تفكرى بتقديم عمل بعيدًا عن القضايا الفلسطينية؟
- لم أفكر حتى الآن فربما أجد قصة رومانسية قد تدور أحداثها باليونان مثلاً.. ولكنى حتى الآن أعمل بالروح والخيال الذى نعيش به داخل الواقع الذى نعانيه والألم الذى يشغل بالى ويبكينى وهو القضية الفلسطينية.
>هل أنت راضية عن المكانة التى وصل إليها الفيلم الفلسطينى دوليًا؟
- بالنسبة للجودة فالأفلام الفلسطينية أصبحت جودتها عالية جدًا ولها حضور بكل المهرجانات الدولية تقريبًا. فنجد التمثيل الفلسطينى متواجدًا عالميًا بشكل كبير بغض النظر عن موضوعه أو اسم المبدع الذى يقدمه.. ولكن المشكلة التى تقابل الفيلم الفلسطينى هو عرضه بداخل البلد نفسه، فالجمهور الفلسطينى لا تسنح له الفرصة بمشاهدة الأفلام التى يتم إنتاجها، لأنه لا توجد لدينا لا سينمات ولا شركات توزيع.. وكل العروض التى تقام تكون غالبًا فى قاعات أو مسارح يقوم المخرج والمنتج بتأجيرها وعرض الفيلم لأشخاص قلائل.
>لماذا توجد سنوات تبعد بين العمل والآخر؟
- يا ليتنى أستطيع تقديم فيلم كل عام، ولكن المشكلة ليست فى قلة القصص بقدر ما هى مشكلة تمويل. فنحن البلد الوحيد تقريبًا بالوطن العربى الذى لا يوجد به صندوق لدعم السينما فنضطر إلى اللجوء للمهرجانات العربية والدولية للحصول على تمويل مناسب.
> ما مشروعاتك الفنية المقبلة؟
- أنتظر بدء تصوير فيلمى الروائى الثالث (بيت وبيت) والذى من المقرر البدء فيه مع مطلع عام 2025 بعد انتهاء فترة البحث عن الدعم لإنتاجه.. وتدور أحداث العمل حول عودة الفلسطينى لبيته الكبير، بينما أقوم حاليًا بكتابة فيلم روائى آخر لايزال فى مرحلة الكتابة الأولى.
>هل فكرت فى كيفية تناول مأساة غزة الحالية فى أعمالك المقبلة؟
- أعتقد أننى سأقدمها بشكل إنسانى ولن يختلف كثيرًا عن فيلم (ما بعد) فأنا لست ضد مبدأ تناول الحرب من خلال عرض الدمار والدم، ولكنى لا أفضله فى أعمالى وأهتم بالجانب الإنسانى أكثر والحالة النفسية التى تخلفها الحرب. فعندما تنتهى الحرب الحالية ويعاد تعمير المدينة وتزول آثار الخراب ستظل الآثار النفسية للفقد موجودة ومحفورة ومؤثرة على أجيال وأجيال.