تريزا سعيد.. قصة نجاح من حى جامعى القمامة بمنشية ناصر
هاجر عثمان
كما يُقال المحن كثيرًا ما تتحول لمنح لأصحابها، لإعادة اكتشاف ذاتهم وطاقاتهم وقدراتهم، هذا ما حدث مع الفتاة الثلاثينية تريزا سعيد، التى افقدتها جائحة كورونا وظيفتها الروتينية، وجعلتها تبحث عن مسار جديد وتتبع شغفها فى خدمة حى جامعى القمامة التى ولدت ونشأت فيه، وتؤسس مبادرة «مساحة أكون» لتنمية وخدمة أطفال الحى.. فلنتعرف على تجربتها..
مبادرة مساحة أكون لتنمية الأطفال.
«طفولتى لم تكن جيدة، أتذكر جيدًا الظروف التى نشأت فيها كطفلة بحى جامعى القمامة بمنشية ناصر، حيث البيوت المصنوعة من الصاج، وأطنان القمامة فى كل مكان، وغياب المياه المتدفقة من الصنابير، وكانت تشغلنى أسئلة لماذا نعيش وسط القمامة؟!» تحكى تريزا سعيد مُؤسِسِة مبادرة «مساحة أكون» لتنمية الطفل والمجتمع عن نشأتها بالحى الذى وُلدت فيه ودشنت مبادرتها التنموية لخدمته.
تضيف تريزا فى حديثها لروزاليوسف: «كان بمثابة كنز عثورى على مجلة أو كتاب من القمامة، تجذبنى صوره وألوانه وهيئة الناس فيه، كان يتكون بداخلى سؤال أكبر أين نحن من هذا العالم، كنت محظوظة رغم ذلك بالمقارنة بأقرانى الذين يتعرضرون للعنف والإساءة اللفظية، كان شعورى الدائم أن هناك عالما خارج أسوار هذا الحى وخارج هذه القمامة».
تريزا سعيد، البالغة من العمر 35 عامًا، أم لطفلين، حاصلة على ليسانس الفلسفة من كلية الآداب جامعة القاهرة، تمتلك خبرة فى العمل التنموى تتجاوز العشر سنوات، أصقلتها خلالها بالدراسة والتدريبات المستمرة، لتحصل على دبلومة المشورة النفسية، وأصبحت مدربة معتمدة من برنامج أفلاطون لتدريب الأطفال.
لم تترك أحلام الطفولة تريزا عندما تخرجت في كليتها وبدأت حياتها العملية، كانت لاتزال صورة الطفلة وغيرها من أقرانها المحرومين من اللعب والتلوين والرسم تشغل ذهنها، فانخرطت تريزا تعمل فى إحدى مؤسسات المجتمع المدنى التى تُقدم خدماتها بحى جامعى القمامة، اكتسبت الخبرة والتجربة لعدة سنوات، واقتربت من خلال مؤسستها من ظروف الأطفال بالحى والعمل معهم، ولكن جائحة كورونا تفاجئ تريزا بمفاجأة غير سارة.
الكورونا.. كمحنة ومنحة
تقول «خسرت عملى وبعدت عن عالمى المفضل وهو العمل مع الأطفال، شعرت بيأس كما لو كانت نهاية العالم، ولكن بدعم ومساعدة زوجى وعائلتى، بدلت مخاوفى وحزنى بالشغف والإصرار على البدء من جديد، وخوض التجربة بمفردى الآن معتمدة على ما حصلت عليه من خبرات ودراسة خلال السنوات الماضية، وأطلقت مبادرة «مساحة أكون» أوائل عام 2021، بإمكانيات محدودة للغاية والعمل التطوعى من الشباب والشابات الداعمات للفكرة».
وبسؤالها عن الفئة العمرية المستهدفة والأنشطة التى يُمارسها الأطفال، توضح تريزا قائلة: «نستهدف الفئة العمرية من سن 6 إلى 15 سنة، وشعار أنشطتنا إنه من حق كل طفل يعبَّر ويضحك ويتعلم، من خلال جلسات الحكى والغنا، القراءة، التمثيل والتلوين، وكلها جلسات مليئة بالبهجة والشغف والضحك».
تضيف: «نقدم بجانب جلسات الدعم النفسى للأطفال ونستمع لمشكلاتهم، فهناك بعض الأطفال المعنفين يتم تنمية مهاراتهم وتدريبهم كيفية اكتشاف الذات، معرفة حقوقهم وواجباتهم، كيفية إدارة مشاعرهم وغضبهم».
«نجحنا فى كسب ثقة مؤسسات رسمية وعقدنا بروتوكولات تعاون مع جامعات مصرية منها جامعة حلوان، حيث يأتى خريجو كلية الخدمة الاجتماعية لتنفيذ مشروع الخدمة العامة للتخرج، وانضم للمبادرة خلال الثلاث سنوات الماضية أكثر من 300 متطوع ومتطوعة، يشاركون فى الورش والأنشطة المختلفة للأطفال والتى تستهدف تطوير مهاراتهم وتنمية وعيهم».
ماذا عن التنمر الذى يتعرض له أطفال الحى بسبب بيئة العمل الخاصة بجمع القمامة، تقول تريزا» التنمر يبدأ مع كبر الأطفال فى السن وخروجهم من الحى فى المرحلة الثانوية واختلاطهم بأصدقاء آخرين، ونحاول من خلال مساحة أكون تنمية مفاهيم تتعلق بالثقة فى الذات، وأن العمل فى جمع القمامة والتدوير هو نشاط وتوجه عالمى الآن، لا يوجد فيه وصم لأحد، ونشجع الأطفال منذ الصغر على احترام قيمة العمل، وإنه لايعيب الأطفال هذه المهنة الذين نشأوا ووجدوا آباءهم يعملون بها، فهى مهنة نزيهة مثل أى مهنة أخرى لا تخالف القانون».
«ننظم بجانب الأنشطة التربوية والفنية، أيامًا ترفيهية للأطفال المتسربين من التعليم ويعملون فقط فى جمع القمامة، ونذهب بهم لمتنزهات عامة أو غيرها من الأماكن الترفيهية التى يفضلها الأطفال، وذلك يكون من خلال تعاون مساحة أكون مع جمعيات أهلية أخرى تحت مظلة التحالف الوطنى للجمعيات الأهلية».
على المصطبة
أحد البرامج التى تنظمها مبادرة مساحة أكون موجه للأمهات بحى جامعى القمامة، «نستهدف الأمهات بجلسات توعوية حول طرق التربية الإيجابية للأطفال، وننظم ورش حكى واستماع للنساء ومشاكلهن، ونتبادل الخبرات ونخوض معًا رحلة تعلم مشتركة، ونلتقى بالسيدات مرة أسبوعيًا، ومن لم تستطع الحضور، نتواصل عبر جروب نسائى عبر تطبيق الواتس أب الذى يضم 200 أم المعلومات التربوية والتوعوية حول الأسرة والأطفال «تحكى تريزا سعيد عن هدف برنامج على المصطبة»
تكمل «البرنامج هدفه من اسمه كأننا فى جلسة حكى تلقائية التى كانت تشارك فيها النساء فى الماضى، الهدف منها تنمية مهاراتهن بشكل عام سواء فى تنمية وعيهن بذاتهن أو طريقة تربية أبنائهن، كما نظمنا ورش لتعليم النساء إعادة تدوير القمامة كالأقمشة وصناعة منتجات من البيئة تحقق الاستدامة وتجلب عائدًا ماديًا لهن»
المبادرة تحولت كمؤسسة أهلية.. شعور عارم بالفخر
بعد ثلاث سنوات من العمل الجاد خلال مبادرتها «مساحة أكون» لتنمية الطفل والمجتمع، نجحت تريزا وفريق عملها فى تسجيل المبادرة كمؤسسة أهلية مشهرة بوزارة التضامن الاجتماعى، تضحك تريزا: «مشاعرى مختلطة بين الفخر والفرح، وكذلك أتذكر هذه الأيام الأولى المليئة بالبكاء والخوف من عدم استكمال الطريق، أتذكر دعم عائلتى وتبرعاتهم بكرسى أو مروحة أو علبة ألوان أثناء تجهيز المكان فى مراحله الأولى».
تستكمل سعيد حديثها : «على الرُغم من صعوبة المشوار إلا أننا نجحنا بالنهاية، فى تدريب أكثر من 450 طفلاً و200 امرأة من أمهات الحى، أصبحت مساحة أكون بمثابة عائلتهم الكبيرة الذين يتلقون فيها الدعم والترفية والرعاية».
تختتم تريزا حديثها بأحلامها لمساحة أكون تقول: «حلمى كبير للمؤسسة، رغم ما نواجهه من تحديات من توفير الإمكانيات المادية بشكل مستمر للقيام بالأنشطة أو بأعمال التدوير، ولكن نحمل إصرارًا وشغفًا لخدمة أطفال حى جامعى القمامة، ونسعى لعقد شراكات مع مؤسسات رسمية كالمجلس القومى للمرأة والطفولة والأمومة من أجل تمكين النساء وتوفير بيئة أفضل للأطفال فى ظل التحديات التى يواجهونها سواء اقتصادية أو اجتماعية».