بطلة مصر فى رفع الأثقال لـ«روزاليوسف» إيناس الجبالى: الرئيس عبدالفتاح السيسي أصدر قرارًا بتعيينى المدير الإدارى لنادى كفر سعد

ياسمين علاء
لم ترفع اسمها فقط فى سماء المجد؛ بل إنها رفعت راية كل فرد من قِصار القامة، ودفعتهم للتحرر من نظرة المجتمع والخروج وممارسة الحياة والاندماج. ومهدت لهم الطريق نحو التعايش والتفوق والنجاح.
هى بطلة مصر فى رفع الأثقال والمدير الإدارى لنادى كفر سعد وأول مذيعة من قِصار القامة إيناس الجبالى التى نجحت فى حصد الميداليات.
إيناس الجبالى قضت مرحلة طفولتها فى معاناة من التنمر والتهميش لقصر قامتها، حيث كانت الوحيدة من بين إخوتها قصيرة القامة حتى إنها عانت من رفض المجتمع.
وحينما خرجت لسوق العمل فوجئت أن وجودها غير مُرحب به وغير مقبول. وعندما غيرت وجهتها نحو الرياضة فوجئت أن قِصار القامة لا ينتمون بعد لقانون ذوى الهمم فى الرياضة وبإصرار منها مشت بخطوات ثابتة نحو النجاح.
«روزاليوسف» التقت ببطلتنا إيناس الجبالى لتحدثنا حول رحلتها من العمل فى رفع شكائر الخبز مع والدها إلى رفع الأثقال وحصد الميداليات.
كيف كانت بدايتك مع رياضة رفع الأثقال وما الذى دفعك للانضمام لهذا المجال؟
- بدأتُ بالتدريب عندما كنت طالبة فى معهد فنى تجارى، وخرجتُ للبحث عن عمل كان الجميع يرفض توظيفى لقصر قامتى.
فعملت مع والدى فى رفع شكائر الخبز بجانب دراستى، ودفعنى عملى مع والدى لفكرة ممارسة رياضات القوى بجانب دراستى وجعلنى أكثر ثقة أننى أستطيع.
وبدأت أبحث عن شىء مختلف لفعله بجانب دراستى فتوجهت للمشاركة فى بطولة الجامعات. ولم يكن عندى علم أن لنا رياضة خاصة بنا، حيث لم تكن قد تمت إضافة قصار القامة لقانون الرياضة المختص بذوى الإعاقة بعد، وبدأت بالمشاركة فى ألعاب القوى.
وما إن بدأت باللعب حتى حصلت على المركز الأول فيها.
وأخبرتنى لجنة التحكيم أن مستواك جيد ولا بد أن تمارسى رياضة وستتفوقين فيها.
لم يكن لديّ علم أن هناك من هم مثلى وسألت مندهشة: «هل هناك آخرون مثلى»؟ فأخبرونى أن هناك الكثير منهم ويحصدون الجوائز والميداليات لدولهم. فشعرت ببارقة أمل لأننى لم يكن لديّ الفرصة لرؤية أى من قصار القامة ولم يكن هناك توعية بوجود رياضات خاصة بذوى الإعاقة. وفى عام 2018 تمت إضافتنا رسميًا فى القانون وهنا أُتيحت لنا الفرصة بالانضمام للرياضات المختلفة مثل باقى فئات ذوى الإعاقة.
وتساءلت: هل يمكن أن أكون بطلة عالم يومًا ما؟ لا أدرى لكننى صدقت حلمى وعملت على تحقيقه وشاركت وكانت البداية فى ممارسة ألعاب القوى «لعبة الجُلة»، ولكن أثناء تدريبى أخبرنى المدرب أن أتخصص فى ممارسة رياضة رفع الأثقال وسأكون محترفة فيها.
رفع الأثقال
وبالفعل بدأت اللعب فى رفع الأثقال وحققت العديد من المراكز الرياضية. وبعد حصولى على أول جائزة لى فى ممارسة الرياضة كان الأمل حليفى فى الاستمرار.. وبدأت فى العمل على نفسى بشكل أكبر وكنت أرغب فى الوصول إلى المنتخب.
وعندما سألت عن شروط الالتحاق بالمنتخب أخبرونى أننى لا بد أن أصل لرفع وزن 90 كيلو. كان عندها بإمكانى رفع وزن ٤٠ كيلو وبدأت فى العمل على ذاتى وضاعفت تمريناتى.. فكنت أتمرن مرتين يوميًا وأعمل فى النادى. استمر هذا الأمر لفترة ليست بالقليلة حوالى عامين أو ثلاثة أعوام ولم أيأس حتى تحسن مستواى وأصبح باستطاعتى رفع وزن 90 كيلو.
وعندما بدأت اللعبة كنت الفتاة الوحيدة من قصار القامة التى تخوض تجربة رفع الأثقال، وعندما ذهبت لمعسكر المنتخب كنا ٣ فقط من قصار القامة. وكنتُ الفتاة الوحيدة حيث كان يتم التصنيف على أساس ذوى إعاقة وليس قِصار قامة.
ما التحديات أو المشكلات التى واجهتك خلال رحلتك؟
- واجهتنى العديد من التحديات على المستوى الشخصى من ضمنها نظرة المجتمع. وعندما كنت أذهب للتدريب كنت أقابل العديد من الصعوبات فى المواصلات، حيث كنت أعانى من مشاكل فى صعود العربة وكنت أواجه نظرات الأشخاص.
أما على مستوى الرياضة فلم تكن الأدوات الرياضية فى الجيم تناسبنا، كانت الأحجام كبيرة لا نستطيع الوصول لها ولا اللعب والتدّرب بها؛ لكننا كنا نتحدى الصعاب، ونتحايل على الأمر ونُحضِر مساند نقف عليها لكى نمارس اللعبة.
علاوة على ما سبق فلقد عانيت من التهميش والتنمر لفترة بسبب قصر قامتى، لكن رغم التأثير السلبى لهذا الأمر على نفسيتى إلا أننى كنت دائمًا أحفز نفسى بالحديث أننى سأصل وسأكون فى مكان وأفضل. وكان والدى داعمًا أساسيًا لى فى رحلتى. فدائمًا ما كان يدفعنى للأمام ويقول لى: أنتِ من تحثين الناس على الفخر بكِ خصوصًا لأننى الوحيدة قصيرة القامة فى العائلة.
كيف أثرت تجربتك فى ممارسة الرياضة على نظام حياتك اليومى؟
- قبل أن أبدأ فى لعب الرياضة كنتُ دائمًا حزينة وغير سعيدة بسبب المصاعب التى كنت أتعرض لها لكونى من قِصار القامة، ولم أكن أشعر أننى بخير ولم أكن أحب الحياة وكانت أقل كلمة توجه لى تجعلنى أذرف الدمع. ما زاد الحمل على نفسى أكثر أننى لم أكن أرى أى شخص مشابهًا لحالتى، حيث إن جميع قِصار القامة كانوا قابعين داخل بيوتِهم ورافضين الاختلاط. ولم يكن هناك أى شىء مؤهلا لنا فى المجتمع. ففى المدرسة كان الكرسى أعلى وحتى عند شرائى للملابس لم أكن أجد ملابس مناسبة لى. فالحياة حولنا لم تكن مؤهِلة لنا وكأننا لسنا على خارطة الوجود حتى إننا لم نكن على علم أن لنا رياضة تناسبنا؛ لكن بعد أن لعبت الرياضة تغيرت كثيرًا وأصبحت أكثر ثقة فى نفسى ورضا عن نفسى وفخورة بما أحققه. وأصبحت أتعامل مع أى تنمر بشكل عادى لا يؤثر فى نفسى، حيث أصبحت أكثر تحملًا وشعرت بأهميتى فى المجتمع.

قمتِ بتقديم مؤتمر «قادرون باختلاف» أمام الرئيس.. حدثينى عن هذا اليوم؟
- تمت دعوتى لحضور المؤتمر باعتبارى بطلة الجمهورية وأول فتاة من قصار القامة تتمكن من المشاركة فى رياضة رفع الأثقال. لم أكن قد انضممت بعد لمعسكر المنتخب وهناك اختارنى القائمون على الحفل وأخبرونى أنهم يريدوننى أن أقدم الحفل أمام الرئيس عبدالفناح السيسى، وأن أعرض نموذجى على العالم أجمع، وأن بإمكاننا الاندماج فى المجتمع وعيش حياة طبيعية. شعرت بالخوف فى بداية الأمر لكننى أصررت على إثبات ذاتى. وأردت أن أغير نظرة المجتمع للأقزام. وبعد المؤتمر مباشرة تم تعيينى فى نادى كفر سعد، حيث كنت أعمل فيه بشكل تطوعى. وما إن عرف الرئيس عبدالفتاح السيسى بهذا الأمر حتى أصدر قرارًا بتعيينى فى النادى.
ألم يكن لكِ وظيفة خارجية بجانب تدريباتك الرياضية؟
- لم يكن مُتاحًا لنا العمل فى أى وظيفة مطلقًا. وعندما كنت أذهب للتقديم على أى وظيفة كانوا يقولون لى «مينفعش». وكانت حُجتهم الدائمة أننى قصيرة ولن أستطيع التعامل. واستمر الأمر على هذا النحو حتى أننى قلت لأحد الأشخاص رفض تشغيلى فى أحد المصانع: «فى يوم من الأيام سأكون مميزة عنكَ» وأصبحت بالفعل أكثر تميزًا عنه. ولمع اسمى على مستوى الجمهورية وعلى مستوى العالم.
كيف استطعتِ من خلال دورك التأثير فى الأشخاص الآخرين من قِصار القامة؟
- حملت على عاتقى الاهتمام بذوى الهمم من قِصار القامة وخلق نماذج ناجحة منهم. وبالفعل ساهم ظهورى على الساحة فى تغيير النظرة الموجهة للأقزام، حيث كان الكثير منهم يخشون نظرة الناس؛ لكنهم بعد ظهورى أمام الرئيس وتحقيق البطولات تشجعوا فى الظهور والخروج وممارسة حياة طبيعية عادية.
حدثينى عن دور مدربك فى حياتك المهنية.
- كابتن محمد تومة هو أول مدرب قصار قامة فى مصر، وكنت أنا أول شخص يقوم بتدريبه. عندما التقانى فى البداية لم يكن مؤمنًا بى. وكانت أولى كلماته: «دى هتلعب إيه وهتزق كام دى.. مش هينفع!» وبعد مرور العديد من التمرينات وجد أننى مستعدة ومصممة رغم الصعوبات. عندما وجد فىَّ الاستعداد بذل معى المزيد من الجهد وظل بجوارى حتى تحسن مستوايا يومًا بعد يوم حتى التحقت بمنتخب مصر.
ومنذ حصولى على أول بطولة جمهورية وحتى تأهلى لكأس العالم كان دائمًا فرحًا وفخورًا بى حتى إننى عندما ذهبت للمنتخب كان دائمًا يتحدث إلىَّ ويسألنى عن كل التفاصيل. حيث كان يسير معى على نظام طعام وتدريبات حديث، وعندما جئت للمنتخب لاحظت أن مستواى أكثر تحسنًا من زملائى لأنه قام بتأسيسى بشكل جيد جدًا.
كم عدد البطولات الدولية التى حصلتِ عليها؟
- حصلت على 4 ميداليات دولية، حصلت على الميدالية البرونزية فى بطولة إفريقيا عام 2022، ثم حصلت على الميدالية الفضية فى بطولة كأس العالم عام 2023، ثم حصلت على ميداليتين فى عام 2024 الأولى فضية فى بطولة كأس العالم فى شهر5، والتانية الذهبية فى بطولة كأس العالم شهر 10 المؤهلة لأوليمبياد باريس.
ما أهم إنجاز حققتِه حتى الآن؟
- أهم إنجاز حققته حتى الآن هو بطولة العالم الأخيرة التى جعلتنى أتأهل لباريس.
ماذا عن استعدادك لأوليمبياد باريس؟
- أسعى بكامل جهدى للحصول على ميدالية فى أوليمبياد باريس؛ ولكن هناك مصاعب تواجهنا هناك فأنا لا أنافس أشخاصًا بمثل قامتى، لكننى سأتنافس مع أشخاص من ذوى الإعاقات المختلفة وهم أشخاص عاديون أقوى وأطول وأحجامهم أكبر. والقانون سيتم تطبيقه بعد أوليمبياد باريس وهو ما سيكون ظالمًا لى بشكل كبير فى النتائج.
فاللاعبات المنافسات لى من الصين ونيجيريا أحجامهن كبيرة ولا يجوز أن يكن منافسات لى. وتم وضعى معهن حسب الوزن لأننى أزن 38 كيلو فمن المفترض أن ألعب فى ميزان 41؛ ولذلك سيكون الميزان هو الحكم ولا يتم الاحتكام لأى شىء آخر.
عندما تحدثنا فى هذا الأمر، قيل لنا صراحة نحن نعلم أنكم مظلومون، ولكن لم يعد هناك وقت لتغيير القوانين لأننا على وشك الدخول فى الأوليمبياد. وستكون التغييرات فى القوانين بعده. ورُغم كل ذلك فإننى أحاول الاقتراب من أرقامهم والوصول لأرقام جيدة.
كيف ستسعين لدعم قصار القامة وتشجيعهم لممارسة الرياضة؟
- لقد بدأت بالفعل فى دعم قصار القامة؛ ولكن على مستوى محافظتى دمياط، فبعد حصولى على أول بطولة جمهورية فى حياتى قمت بحصر قصار القامة فى دمياط واستخرجت عددًا كبيرًا جدًا حوالى 70 قزمًا من داخل المحافظة. وقمت بتقسيمهم لفرق ألعاب قوى وكرة قدم ورفع أثقال، ثم قمت بتسجيل أسمائهم فى اللجنة البارالمبية التابعة للنادى ومنهم أشخاص انضموا لمنتخب مصر بالفعل وحضروا بطولة إفريقيا وبطولة كأس العالم التى كانت فى شرم الشيخ. فالحلم الذى كنت أحلمه استطعت تحقيقه فى محافظتى أن يستطيع الأقزام الخروج والاندماج فى المجتمع بشكل عادى.
هل هناك مبادرات تفكرين فى العمل عليها لدعم قصار القامة على مستوى الجمهورية؟
- بدأت بذلك أيضًا فى محافظتى، فنحن نقوم بعمل حملات توعية فى للأطفال فى المدارس تدعو لخروج قصار القامة واندماجهم فى المجتمع بدون تعرضهم لأى تنمر. كما نقوم بتوجيه الأشخاص العاديين ألا يتعاملوا بتنمر مع قصار القامة.
كما نذهب لمكاتب التأهيل لتدريبهم على التعامل مع قصار القامة. ونتعاون معهم بأن نقدم لمكاتب التأهيل الأماكن التى يقيم بها قصار القامة لكى يذهبوا إليهم ويقوموا بتوعيتهم وتأهيل الأشخاص الرافضين للخروج من قِصار القامة وندربهم على كيفية التعامل مع أهلهم، كما نقوم بتدريب الأهل بالمثل على كيفية التعامل مع أطفالهم من قِصار القامة، كما أننا نستطيع أن نأخذ من مكاتب التأهيل بيانات الأشخاص ونذهب نحن إليهم لكى نقوم بتوعيتهم.
وتكمن أهمية مكاتب التأهيل فى عمل بطاقة الخدمات المتكاملة لذوى الهمم؛ فهو أكثر مكان يتجمع به ذوو الاحتياجات الخاصة. ومن خلاله يتم عمل إثبات شخصية لقصار القامة وعمل كارنيه خدمات لهم بفوائد كثيرة مُقدمة من الحكومة لكى يستطيعوال الخروج والتعايش مع المجتمع، كما نستطيع أن نأخذ منهم بيانات الأشخاص ونذهب إليهم لكى نقوم بتوعيتهم.
ما خططك فى الفترة المقبلة؟
- من خططى المقبلة أن أحصل على ميدالية أوليمبية فى أوليمبياد باريس. وأن أكسر رقمًا قياسيًا جديدًا فى رفع الأثقال باسمى، حيث إن الرقم العالمى هو وزن 104. وأن أقوم بتجهيز فريق فى النادى للاستعداد لأوليمبياد لوس أنجلوس ينافس بشراسة.
وعن قدوتها تقول إيناس إنه الكابتن الدمياطى «صبرى البرعى»، وهو بطل من ذوى الإعاقة، والفائز بالميدالية البرونزية فى أوليمبياد ريو دى جانيرو 2016.
ما الرسالة التى تودين توجيهها للأشخاص من ذوى الهمم الراغبين فى تحقيق حلم التميز؟
- أريد أن أقول لأى شخص من قِصار القامة ممن عانوا من التهميش أو التنمر أو حتى لايزالون قابعين داخل منازلهم خوفًا من نظرة المجتمع، ليس هناك مستحيل ولا يجوز أن تستمع لكلام الناس. ابدأ بنفسك وضع هدفًا فى رأسك واعمل على تحقيقه. لا تستمع لكلام أى كان. كن واثقًا فى ذاتك. وابدأ فى العمل عليها مهما كانت التحديات.