صاحبة مبادرة «محو الأمية الهيروغليفية» لـ«روزاليوسف»: د.هدى عبدالعزيز: الحضارة المصرية القديمة هى الأساس لكل العلوم

فاطمة الزهراء بدوى
هى شابة مصرية دفعها شغفها بالحضارة المصرية القديمة للبحث والدراسة فى هذا المجال، واستطاعت الربط بين التفكير العلمى والجمال الفنى، فرُغم كونها فنانة تشكيلية؛ فإنها لم تستطع مقاومة سحر الحضارة المصرية القديمة ودائمًا ما كانت تطاردها، ومن ثم الدراسة فى مجال المصريات والتفكير فى العمل على مبادرة للتعريف بالمبادئ الرئيسية للغة المصرية القديمة، وربطها بمناهج التعليم للأطفال فى المدراس؛ ليَخرج نشء جديد قارئ ومطلع فى تاريخ أجداده، وجعل التراث المصرى جزءًا حيويًا من تعليم الأطفال.
«روزاليوسف» أجرت حوارًا معها للتعرف على مجهوداتها بشكل أوسع لتوجيه الأطفال والكبار نحو فهم أعمق لتاريخهم وثقافتهم العريقة، ومنها المبادرات مثل «المستكشف الصغير» و«محو الأمية الهيروغليفية»، والبرامج كـ«لغتنا القديمة»، وأيضًا التعرف على خطواتها المستقبلية.. إليكم نص الحوار..
فى البداية.. لو تكلمينا عن نشأتك وكيف وجدتِ شغفك بالحضارة المصرية القديمة؟
- وُلدت بالقاهرة.. وكان بيت العائلة يمتاز بالتفوق الدراسى، وكنا لا نفكر فى شىء سوى الدراسة والمذاكرة؛ حتى إن أمّى خصصت غرفة للمذاكرة، فأحببت ذلك أنا وإخوتى وأصبحنا من الأوائل، وكان مجموعى بالصف الثانى الثانوى مرتفعًا، لكننى مرضت فى العام التالى ولم أستطع الحصول على المجموع الذى حلمت به، ودخلت كلية الفنون الجميلة بعد أن كنت أطمح فى دخولى كلية الهندسة قسم عمارة؛ لأننى كنت أحب الرسم المعمارى كثيرًا، ولأن والدى مهندس معمارى أيضًا.
وتتابع: كان والدى يحب الآثار، فكنت أجلس بجانبه وأستمتع بمشاهدة الوثائقيات بالتليفزيون وما إلى ذلك.. فدائمًا كنت أشعر برغبة فى خوض هذا المجال، وعندما دخلت فنون جميلة كنت سعيدة جدًا حين نذهب للرسم فى المتاحف.. ومن هنا بدأت أشعر برغبة حقيقية فى التعلم أكثر عن مصر القديمة؛ فطلبت من والدى أن أترك الكلية وأدرس بكلية الآثار، فرفض لأنه يرانى فنانة ومتفوفة بهذا المجال وخاف أن يضيع هذا التعب، فأنهيت دراستى الجامعية وعملت فى التدريس لمدة 15 عامًا، وحين كبر أولادى وشعرت باستقرار أسرى، فقررت أن أدرس ما أحب.
وكنت فى ذلك الفترة تقدمت لى وظيفة استشارى مناهج تعليمية، فقررت أن يصبح جزءًا من دراستى هو دراسة الحضارة المصرية القديمة، وكيفية إدخالها فى إعداد المواد التى تُدرَّس بالمدارس.
«أرى أن الحضارة المصرية القديمة هى الأساس لكل العلوم.. وبالفعل درست ذلك، وقدمت رسالتى عن كيف ندمج مناهجنا مع الحضارة المصرية القديمة، فضلًا عن تعلمى لتلك اللغة».
ومن أين جاءت فكرة مبادرة «محو الأمية الهيروغليفية»؟
- دائمًا أعتقد أن المصرى يستطيع فك شفرة الرموز على جدران المقابر المصرية القديمة والمعابد دون الحاجة إلى متخصص.. وهذا ما دفعنى للقيام بخطوات حقيقية كبيرة لتعليم الأطفال والكبار المبادئ الرئيسية فى اللغة المصرية القديمة.
وكيف ترين ادعاءات وأكاذيب حملة الأفروسنتريك القائمة منذ فترة وطرُق التصدى لها؟ - مشكلة الأفروسنتريك فى أن الشعب المصرى متحمس جدًا، ويتمنى أن يتصدى ويرد على كل ذلك؛ لكنه للأسف ليس لديه الرد العلمى الكافى فيحدث مشادات، وهذا غير مقبول، ويضعف من موقف المواطن المصرى؛ لأنه يدخل فى مشاحنات فورًا.. هو يريد أن يقول «لا» لكن لا يعرف كيف يقولها وكيف يُفحم من أراد التشكيك فى حضارتنا، وهذا الأمر متروك للمتخصصين فى إعطاء ردود علمية وتوعية المواطنين، وأن تهتم البرامج بالحديث أكثر عن هذا الموضوع باستفاضة.
وترى أن لدينا نقصًا رهيبًا فى المحتوى الذى يُقدم على شاشات التليفزيون فى توعية المواطن المصرى بالحقائق وبالتاريخ نفسه.. أقوى رد هو أن نعلم؛ لأن من يعلم يُرهب الذى أمامه.. «للأسف فاهمين إن الشعب المصرى الآن بعيد عن حضارته، فقادرين يدخلوا من تلك الثغرة.. لكن حين يعلموا جيدًا أننا لدينا توعية عالية واهتمام بالتاريخ بشكل عام فستتوقف تلك الادعاءات.. لا بُدّ أن تكون جميع القنوات فى الوقت الحالى تعرض محتوى خاصًا بمصر القديمة».
وتستطرد: فى برنامج «لغتنا القديمة» كانت هناك ميزة كبيرة وقت عرضه، وهو التواصل مع الناس، فالحلقة كانت متاحة، وكان لديهم أسئلة وتعليق عن الحلقة، فكنت أتجاوب معهم؛ مما خلق حالة جيدة، وشعرت الناس بسهولة توصيل آرائهم واستفساراتهم والرد عليها فورًا، مما أكسبهم الثقة والارتباط بالبرنامج، فحين أعلنت على صفحتى بموقع التواصل الاجتماعى فيسبوك عن ندوات تخص علوم المصريات فوجئت بجمهور «لغتنا القديمة» الذين ألتقى بهم ويسألوننى، وأنهم يحضرون جميع الندوات، والأعداد كبيرة جدًا، وهذا أسعدنى للغاية.
وما الصعوبات التى واجهتك أثناء العمل على المبادرة؟
- بالتأكيد كانت هناك صعوبات كثيرة واجهتنى أثناء العمل على المناهج؛ لأنه لم يكن متوفرًا لدى أى مادة أو منهج أستخدمه ويتناسب مع الأطفال، فكان صعبًا علىَّ تبسيط أشياء غاية فى التعقيد؛ لنزع المَلل عند تدريسها.. وأيضًا لدى ماجستير آخر فى طرُق التدريس الحديثة، فساعدنى فى تبسيط المناهج الصعبة لتيسيرها على الطلاب.. وبدأت فى التجريب على الطلاب، وبمساعدة المعلمين بإعطائى مناهج كالرياضيات والعلوم واللغة العربية والإنجليزية، وأدمجها مع الحضارة المصرية القديمة.
كما أن الطلاب حين يقصون على أسرهم ما تعلموه، يجدون مقاومة من الأهل، ويرون أن الرحلات إلى الأهرامات والمتاحف وسقارة وغير ذلك من المَعالم التاريخية هى رحلات ترفيهية، وما يدرسه الطلاب هى علوم إضافية لا تنفعهم، وأن تلك اللغة من وجهة نظرهم ميتة ولا يجب دراستها، ومنهم من يرى أنها لغة الكفار.. «على إثر ذلك بدأت المدارس تنسحب للوراء؛ رغم أننى طالبت كثيرًا بتوعية الأهالى.. ما نفعله ضرورى جدًا؛ فالأولاد بدأوا فى الانفصال عن هويتهم».
وتضيف: إن ما نقدمه فرصة جيدة لمعرفة النشء بحضارتنا وآثارنا الجميلة، وزيادة معرفتهم بها، فعلى سبيل المثال سقارة ليس فقط الهرم؛ بل إن هناك مقابر تستطيع قراءتها وتعلمها، وتعلم الأدب المصرى القديم بدلًا من اهتمامنا فقط بتعلم الأدب الإنجليزى والأشعار من الثقافات الأخرى، فلماذا لم نتعلم ما يخص هويتنا فى البداية، وهى مليئة بالحِكَم والرقى وكل شىء.
وتؤكد على ضرورة توعية المعلمين؛ حيث إن هناك معلمين كانوا يتعاملون مع الأمر على أنه تضييع وقت.. وهناك ضرورة مُلحة لتغيير المناهج وجعلها ممتعة للطلاب، فهم يدرسون مثلًا الدراسات الاجتماعية؛ لكن يندر أن نجد طالبًا يخرج من المدرسة وهو يعى أى شىء عن تاريخه.. فنحن بحاجة إلى إعادة النظر بالمناهج، ولدينا كم كبير من خريجى كلية الآثار فى انتظار فرصة عمل حقيقية، ولديهم مرجعية وعلم واسع، فدعوهم يوصّلون المعلومة.. كما إن البرنامج نفسه محدد، ويخص اللغة المصرية القديمة فقط لا غير، ومدته عشر دقائق، فأنا مع التجربة أصبح لدى رؤية مختلفة عن احتياجات المواطن المصرى.

حدِّثينا أكثر عن مساهماتك فى مساعدة الأطفال على اكتشاف هويتهم المصرية. - من ضمن المبادرات التى عملت عليها هى مبادرة «المكتشف الصغير»، وكانت بدخولى إلى جميع المدارس وتعليم الأطفال اللغة المصرية القديمة والخط الهيروغليفى، وأعرّفهم على سبيل المثال أنه لا يوجد شىء اسمه اللغة الهيروغليفية؛ ولكن اسمه الخط الهيروغليفى.. ووجدت تشجيعًا فى المدارس ورغبة من الأطفال فى التعرف على هويتهم.. ما ساهم فى تدعيم المبادرة وجعلها تكبر بعض الأحداث، من بينها «موكب المومياوات»؛ فانتشرت المبادرة بشكل أوسع.
وتستكمل: حين كنت فى حالة استياء من بعض الأهالى بخصوص رد فعلهم تجاه ما ندرسه، عملت برنامج «لغتنا القديمة» الذى كان فرصة عظيمة، فهو برنامج مجانى يصل إلى المواطنين بجميع أعمارهم ومستوياتهم الاجتماعية والثقافية.. وطبعًا وجوده على القناة المصرية الأولى وdmc زاد من توصيله إلى الناس ورفع وعيهم، وكانت تجربة جيدة.
وقدمت الموسم الأول والثانى، وبعدهما اعتذرت عن البرنامج، قائلة: أنتظر صراحةً فرصة ثانية لبرنامج آخر يكن فيه مساحة أكبر، ولا يكون مختصًا فقط باللغة المصرية القديمة؛ بل باللغة والتاريخ والأدب، فأتمنى تقديم شىء شامل أكثر؛ ليصل إلى قاعدة أكبر.. تود الناس أن تتعلم اللغة المصرية القديمة ليس مجرد لغة؛ بل أن يشعروا بأنها ما زالت باقية فى لغتنا، فأحب دائمًا أن أنشر على صفحتى الشخصية كلمات وتعبيرات ما زلنا نستخدمها بنفس النطق ونفس المعنى، كما أن هناك محافظات أسماؤها اليوم بنفس الاسم، فهذه أشياء تُشعر الناس أنها مرتبطة باللغة المصرية القديمة وهى لا تدرى.
وأخيرًا.. ما هى خُططك المستقبلية فيما يخص تعليم أصول ومبادئ اللغة المصرية القديمة؟
- أتمنى بعد التجربتين التعليمية والإعلامية أن أقدم شيئًا جديدًا.. وأن يكون هناك تعاون مع وزارة التربية والتعليم، والتعاون مع قنوات مختلفة، فلدىَّ أفكار كثيرة جدًا نستطيع أن نساعد بها المواطن المصرى.. لا أركز على المنصات أو كل ما له رسوم اشتراك، فأنا أريد أن يقدم كل شىء بشكل مجانى؛ حتى يصل لجميع الناس.

وتحلم بأن يستطيع كل مصرى فك شفرة بعض الرموز، وتعتبر أن ذلك حق أصيل لكل المصريين باختلاف أعمارهم وثقافاتهم؛ حيث إن اللغة القديمة تظل لغة اندثرت منذ زمن طويل وإعادة التحدث بها ليس سهلًا، كما أن نصوص المعابد والجداريات محدودة ومكررة، ولذلك فأى شخص يستطيع ببعض من المعرفة فك رموز معظم المَعالم الأثرية المصرية القديمة.