الأربعاء 23 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
مشاهد سياسية فى الأولمبياد

مشاهد سياسية فى الأولمبياد

حظى حفل افتتاح دورة الألعاب الأوليمبية التى تقام الآن فى باريس بمشاهدة عالية، واتفق الجميع على روعة التنظيم وجمال الفقرات المتنوعة، ولكن الأهم أن هذا الحفل والدورة بشكل عام لم تخل من مشاهد لها دلالات سياسية بعضها بشكل مباشر والأخرى ينطبق عليها القول المأثور كل لبيب بالإشارة يفهم.



1. بعد أيام قليلة من التصفيق الحاد الذى حظى به رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو من أعضاء الكونجرس الأمريكى خلال كلمته التى ألقاها أمامهم، كانت صافرات الاستهجان تطارد البعثة الإسرائيلية فى الأولمبياد وكانت البداية فى حفل الافتتاح حيث أطلق عدد غير قليل من الجماهير التى حضرته صافرات الاحتجاج عند مرور الوفد الإسرائيلى فى نهر السين الذى أقيم الحفل على مياهه وضفافه، وتكرر الأمر فى كل مباريات المتنافسين الإسرائيليين فى الألعاب المختلفة. وكان لافتا للنظر رفع العلم الفلسطينى خلال مباراة إسرائيل ومالى فى كرة القدم فى ملعب حديقة الأمراء، متصاحبة بصيحات الاحتجاجات ضد إسرائيل، وزادت الصافرات بكثافة خلال عزف النشيد الوطنى لإسرائيل، كما نال مقطع فيديو مشاهدات كبيرة ظهر خلاله شاب يتسلق صوارى أعلام الدول المشاركة فى الأولمبياد وهو ينزع العلم الإسرائيلى ويلقى به على الأرض وسط تصفيق الحضور وتشجيعهم له، هذا المشهد يوضح الفارق بين الشعوب والحكومات، فمن المؤكد أن أعضاء الكونجرس يعرفون جيدا الجرائم الإسرائيلية فى حق الفلسطينيين ويدركون أنهم يصفقون لمجرم حرب من المفترض أن يحاكم على ما اقترفته يداه هو وباقى المجرمين الإسرائيليين فى حق الأطفال والنساء والعزل، بل إن هؤلاء الأعضاء تجاهلوا ما يحدث من احتجاجات فى الجامعات الأمريكية ضد ما يحدث فى غزة وأغمضوا أعينهم عن الوقفات الاحتجاجية التى تمت أمام الكونجرس خلال زيارة نتنياهو، الرد على التصفيق جاء من العالم كله فقد كان حضور حفل الافتتاح من جنسيات عديدة، وهو ما يعطينا الأمل فى أن تقول الشعوب كلمتها وتجبر حكوماتها يوما ما على احترام حق الفلسطينيين فى إقامة دولتهم، لقد بعثت الشعوب برسالتها إلى الحكومات من خلال الأولمبياد.

2. رسالة مهمة ظهرت أيضا خلال حفل الافتتاح وكأنها رد على مواقف اليمين الفرنسى المتطرف ضد المهاجرين والمطالبين بطردهم حتى لو كانوا حاصلين على الجنسية الفرنسية، فقد كان نجم الحفل واحد الأساسيين به زين الدين زيدان نجم الكرة الفرنسية ذو الأصول الجزائرية، وكان المطربون والمطربات والراقصون معظمهم من ذوى البشرة السمراء، ما يعنى تميزهم وإلا ما وقع عليهم الاختيار للمساهمة فى حفل افتتاح أكبر تجمع رياضى فى العالم، كما أنه لم يخل فريق فرنسى ولا لعبة من مشاركة لاعبين ذوى بشرة سوداء يمثلون فرنسا وهو ما يعكس أهمية هؤلاء المهاجرين للحياة هناك، لقد أراد منظمو الحفل التأكيد على التنوع العرقى والثقافى فى فرنسا وكأنهم يقولون لليمين المتطرف لن تنتصر حتى لو كانت شعبيتك فى ازدياد، وستعلم الشعوب يوما أن التجانس العرقى هو أساس التقدم والحضارة الإنسانية، وأن فرنسا أيضا تستفيد من المهاجرين كما استفادوا هم منها.

3. ربما كانت المرة الأولى فى تاريخ الأولمبياد أن تعتذر الدولة المضيفة عن احد فقرات حفل الافتتاح، وتحذف اللجنة المنظمة للدورة الفقرة من على موقعها الرسمى، الاعتذار الفرنسى جاء بعد الاحتجاجات الواسعة فى كل دول العالم وخاصة المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية ضد فقرة تحاكى لوحة العشاء الأخير التى رسمها ليوراندو دافنشى وتمثل المسيح مع تلاميذه، ولكنها بدت وكأنها تدعم الشذوذ والمثلية بعد أن تم التلاعب فيها لتظهر الشخوص الحاضرين وكأنهم مثليين، ولهذا انفجرت معركة حولها، غضب المسيحيون والمسلمون خاصة فى الشرق من تحول اللوحة التى تمثل حدثا دينيا مسيحيا مهما إلى مجموعة شواذ، واعتبروها استهزاء بالمسيح، وأصدرت المؤسسات الدينية وعلى رأسها الكنائس المصرية الأرثوذكسية والإنجيلية والكاثوليكية ومعهم الأزهر بيانات تشجب وتستنكر ما حدث، وردت اللجنة المنظمة أن الفقرة ليس المقصود بها المسيح أو العشاء الأخير ولكنها تتضمن رمزًا لديونسيوس اله الخمر والنبيذ عند اليونانيين القدماء، ولكن المحتجين قالوا إن كل رموز اللوحة تشير إلى المسيح وليس ديونيسوس، وقال البعض أنها تحاكى لوحة مأدبة الآلهة لفان بيلجرت، وتم الرد على هذا الكلام بأن الرموز الدينية المسيحية موجودة بوضوح فى الفقرة الفنية، لقد ذهب البعض بعيدا وهم يفسرون الأمر بمؤامرة ماسونية على العالم، فى حين قال البعض أنها رسالة تهدم المقدسات، وأنها تدعم حكم الشواذ للعالم فى إطار مؤامرة كونية وقال البعض أنها رسالة تؤكد هوية فرنسا العلمانية، ولكن يبدو أن القائمين على حفل الافتتاح تناسوا أن كل دول العالم بدياناتها المختلفة موجودة فى الأولمبياد ولهذا كان الرفض من الشرق والغرب معا، ما حدث يكشف حاجتنا إلى مناقشة علمية تجيب على الأسئلة، لماذا اعتذرت فرنسا واللجنة المنظمة عن الفقرة رغم أن فرنسا رفضت من قبل الاعتذار عن الرسوم المسيئة للرسول بدعوى الدفاع عن حرية الفكر والرأى؟ ما الفارق بين الحالتين؟ وما هى حدود التعامل مع الأديان والنقاش حولها فى ضوء حرية التعبير؟ وكيف نواجه ازدراء الأديان فى الداخل والخارج دون تفرقة بين معتقد وآخر ودون التضييق على الحريات والاجتهاد وعدم استغلال هذه التهم للعسف بالمفكرين الحقيقيين؟ وأخيرا هل ما حدث مجرد صدفة وسوء تقدير أم أنها مؤامرة مقصودة بالفعل؟

رسائل مهمة ولقطات سياسية يجب ألا نغفل عنها ونعرف ما وراءها بعيدا عن الاستمتاع بالدورة الرياضية ومنافساتها الشيقة؟.