«كوما وايدى».. مدرسة لحفظ وتوثيق التراث عبر السينما حفصة أمبركاب.. قصة نجاح فتاة نوبية صنعت التغيير فى قريتها بالفنون
هاجر عثمان
فى جنوب مصر وبإحدى قرى النوبة بعد التهجير تُسمى «أمبركاب»، نشأت حفصة على حكايات الأم التى كانت سببًا مباشرًا فى تشكيل شغفها بعالم التراث النوبى.
«علاقتى بالتراث بدأت منذ الصغر وجاءت بطريقة غير مباشرة عبر حكايات أمى عن كل ماهو نوبى من الأزياء، الأثاث، اللغة، الملابس والعادات والتقاليد، فكانت أمى تحكى بتلقائية وكأنها تحاول الحفاظ على الإرث النوبى من خلال جيل جديد، خاصة أن قريتنا أمبركاب كانت ليست قرية نوبية خالصة يقطنها النوبيون فقط ولكن كانت تضم خليطًا سكانيًا متنوعًا تقول مُؤسِسِة مدرسة كوما وايدى للفنون والتراث حفصة أمبركاب:
«كانت حواديت أمى هى وسيلتى للاقتراب من النوبة فى قريتى أمبركاب- التى كانت أشبه بأى منطقة عشوائية فى القاهرة، حيث غابت عنها طبيعة المجتمع النوبى وحياته - هذه الحواديت كانت أصل الحكاية، وكانت سببًا فيما بعد لاختيار اسم المدرسة كوما KOMA وهى تعنى فى اللغة النوبية «حواديت»، وايدى WAIDIوتعنى بالنوبية زمان، أى حكايات من الماضى توضح حفصة فى حديثها لـ «روزاليوسف» عن أسباب تسميتها للمدرسة بكوما وايدى.
«كوما وايدى» إحدى مشروعات ريادة الأعمال الفنية والثقافية بمحافظة أسوان، تأسست المدرسة التعليمية فى عام 2020، تهتم بالحفاظ وتوثيق التراث من خلال تعليم الأطفال والمراهقين من سن 12: 18، صناعة الأفلام عبر ورش متنوعة ومتخصصة فى هذا المجال الإبداعى.
(2018 ) رحلة أسوان - القاهرة والعكس
سألنا حفصة كيف دمجت بين شغفها فى الحفاظ على التراث النوبى والسينما؟ قالت: «نجحت فى الالتحاق عام 2018 بورشة تدريبية لصناعة الأفلام بالموبايل، وعلى مدار عام من السفر للقاهرة تعلمت فى الورشة على أيدى سينمائيين كبار كل مراحل صناعة الفيلم بدءًا من كتابة السيناريو، التصوير، المونتاج، الإنتاج والإخراج».
أضافت: «شعرت بحماس شديد وكأنى عثرت على شغفى فى اللحظة التى أخرجت فيها أول فيلم «الرحلة» كان مشروع التخرج من الورشة، فيلمًا تسجيليًا تتبعت فيه رحلة فن الكف النوبى، لم يكن مجرد مشروع تخرج، ولكن الفيلم كان رحلتى أيضًا الذى صنع خطواتى القادمة، حيث النزول بكاميرا الموبايل والتفاعل مع المجتمع النوبى والتعرف عليه والاقتراب من فنونه وحياته وتوثيقها، وهو عالم شديد الصلة بما نشأت عليه فى حكايات أمى، ولكن الجديد فيه هو توثيقى وحفظى له بصريًا عبر الكاميرا وصناعة الأفلام».
«مع الثقة التى اكتسبتها من إخراج الفيلم الأول، نجحت فى إخراج فيلمى الثانى بالموبايل أيضًا واسمه حراس النيل، يرصد حياة الأطفال وعلاقتهم بالنيل فى النوبة، وفزت بالمركز الأول فى إحدى مهرجانات الأفلام المستقلة بالجامعة الأمريكية من بين 50 فيلما آخر، ورغم ضعف ميزانية الفيلم والجودة المحدودة لكاميرا الموبايل إلا أن الفيلم حاز إعجاب وتفاعل الحاضرين وفضولهم لمعرفة أكثر عن الحياة النوبية وتراثها».
الشغف والسعى كانا زاد حفصة فى رحلتها نحو تحقيق حلمها فى تأسيس مدرسة كوما وايدى التعليمية للحفاظ على التراث الثقافى من خلال تنمية المهارات الإبدعية للأطفال بمحافظة أسوان، توضح الفتاة النوبية حفصة: «استهدفت الأطفال لتعلم صناعة الأفلام بكاميرا الموبايل، وأن تكون وسيلة لتوعيتهم بالتراث الغنى للنوبة والمحافظة، خاصة لخبرتى وعملى التنموى لعدة سنوات مع الأطفال، ورغبتى فى حصولهم على هذه المعرفة السينمائية مبكرًا، عكس ما حصلت عليها فى الثلاثينيات من عمرى».
50 طفلة وطفلاً تخرجوا فى الدفعة الرابعة لمدرسة كوما وايدى لصناعة الأفلام التراثية
تُكمل: «بدأت أولى ورش مدرسة كوما وايدى للأفلام التراثية أواخر 2020، بالجهود الذاتية وعدد محدود من زملائى الداعمين للفكرة الذين تلقوا تدريبات أيضا من ورش صناعة السينما فى مهرجان أسوان لسينما المرأة، ونجحنا فى تدريب 10 أطفال على مدار أسبوعين على استخدام الموايل فى تصوير الأفلام، وتراوحت أعمارهم من 12: 15، وكان التفاعل مدهشا مع أول ورشة سواء من الأهالى أو الأطفال وحماسهم فى إخراج فيلمين بعد الورشة، منهما فيلم «أنو» شارك فى مهرجانات خارج مصر».
نجاح الورشة الأولى دفع حفصة وزملاءها للتمسك بالحلم وهو إحياء التراث النوبى وتنمية وعى الأطفال به من خلال صناعة الأفلام، تضيف: «نجحنا فى اكتساب الثقة من مؤسسات مختلفة فى دعم مشروعات ريادة الأعمال الفنية ومنها مدرسة كوما وايدى، وتلقينا منحا لاستكمال الورش وكان آخرها قبل أيام بتخريج الدفعة الرابعة من مدرسة كوما وايدى لصناعة الأفلام التراثية وتدريب 50 طفلا وطفلة من أعمار (10 – 18 سنة ) لمدة 6 شهور، وإنتاج الورشة فى النهاية فيلم «سوبك» إخراج الطفلة ريم محمد حسن، وهويتحدث عن علاقة أهالى أسوان بتماسيح النيل».
وعن شعورها بعد تخريج الدفعة الرابعة فى مدرسة كوما وايدى وورش صناعة الأفلام التراثية، تحكى حفصة: «شعور بالفخر والثقة وأن الحلم كان جديرا بالتمسك به وخروجه للنور، سعيدة بكسب ثقة شركاء النجاح وهى مؤسسات وكيانات ثقافية محلية ودولية كبيرة، فالدفعة الرابعة كانت بدعم من برنامج خارج حدود العاصمة التابع لمعهد جوتة الألمانى بالقاهرة».
تضيف: نجحنا خلال أربع دفعات فى كسب ثقة الأهالى بأسوان، الذين يتبارون فى إلحاق أبنائهم فى ورش صناعة الأفلام التراثية بمدرسة كوما وايدى، وكل عام عائلة كوما وايدى تكبر، حيث وصل عدد الأطفال المتدربين حوالى 120 طفلا وطفلة حتى الآن، فخورون بإنتاج الدفعات الأربع لأربعة أفلام (الكلمة عهد – أنو – سوبك – طعم البيوت)، ونأمل فى إخراج المزيد ونساهم فى تكوين جيل جديد من صناع الأفلام من هؤلاء الأطفال، وبالفعل منهم من يجهز نفسه للالتحاق بمعهد السينما بالقاهرة.
«ورش التراث والأفلام.. سنة أولى صناعة سينما
تُقدم مدرسة كوما وايدى مجموعة من الورش التدريبية المصممة بعناية لتزويد الأطفال بالمعرفة والمهارات اللازمة فى صناعة الأفلام، سألنا حفصة عن الورش وبرنامج الدراسة، تقول: نستهل أولى أنشطة المدرسة بورشة المساحات المفتوحة وهى جلسات يديرها كبار السن والدكاترة والباحثين فى التراث، حيث يجلسون مع الأطفال لإعطائهم معلومات قيمة حول أهمية التراث غير المادى وأهمية توثيقه، وتستهدف هذه الورشة تعزيز الوعى الثقافى لدى الأطفال وتشجيعهم على المحافظة على التراث».
تستطرد: «ما يميز مدرستنا هو اهتمامها بالتراث، هذا هدفنا الأساسى لصناعة الأفلام، وبعد حصول الأطفال على جرعة مكثفة من المعلومات التراثية، نذهب لورش صناعة الفيلم ونبدأ بورشة كتابة السيناريو وتحويل الأفكار إلى نصوص سينمائية جاهزة للتصوير، ثم ورشة تعليم أساسيات التصوير وكيفية التعامل مع الكاميرا والإضاءة، وكذلك ورشة المونتاج ثم الإخراج وتعليم الأطفال كيفية إدارة العملية الإبداعية لصناعة الفيلم، بما فى ذلك توجيه الممثلين وإعداد المشاهد».
توضح حفصة أن بعد انتهاء الأطفال من الحصول على الورش تبدأ مرحلة تنفيذ المشاريع، «تأتى مرحلة تقسيم الأطفال الى مجموعات صغيرة ويعملون على إنتاج أفلام كمشروع تخرج فى نهاية البرنامج. تُعرض هذه الأفلام فى حفل ختام المشروع، مما يتيح للأطفال الفرصة لعرض أعمالهم أمام الجمهور وتلقى التعليقات من المتخصصين».
الالتزام الشرط الوحيد للقبول فى المدرسة
«الالتزام هو الشرط الأساسى لقبول الأطفال فى المدرسة، هناك متابعة مستمرة عبر استمارات للتقييم بين المدرسة والمدربين وأولياء الأمور، خلال أشهر الدراسة، أى طفل يستطيع الانضمام والتعلم، وهى مهارات وقدرات، قد يهتم بعض الأطفال بالتصوير فقط، ولكن نجد فى آخرين موهبة كتابة السيناريو والإخراج وهذا نكتشفه خلال فترة الدارسة، نحن لا نريد فنانين جاهزين، نحن نصنع الفنانين من الورش وننمى مواهب الأطفال التى مازالت فى مرحلة الاستكشاف والتعلم» تجيب حفصة عن شروط انضمام الأطفال لمدرسة كوما وايدى للفنون والتراث.
حلم حفصة لـ«كوما وايدى»
«أحلامى كبيرة لكوما وايدى، أن تستمر مدرستنا، ونصنع تأثيرا بسيطا، لا نريد تغيير المجتمع بأكمله ولكن أن نترك بصمة فيه، وأن تنتشر فكرة المدرسة على مستوى الجمهورية بجهود شباب طموح آخر، فالفكرة ليست حكرا على حفصة أو كوما وايدى ولكن الأهم صنع التغيير ودعم جيل جديد واعٍِ بأهمية الحفاظ على تراثه، من خلال دعم مواهبه الإبداعية والفنية».