(وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ): المرأة فى العبادات.. بين المقدرة والتقوى! النسوية الإسلامية 102
محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
الباحث فى أصل كلمة امرأة فى لسان العرب، يجد أن كلمة مرأة خففت على اللفظ، فألحقوا ألف الأصل فى المؤنث فقالوا امرأة، وإذا عرفوها قالوا المرأة، وهى تأنيث لكلمة المرأة.
فى لغة العرب كلمة المرأة تعنى المرأة الكاملة، وفى المعاجم العربية نجد أن المرأة مقابل الرجل، أى إنسانة مساوية له فى الخلق والخلقة، ولا فرق بينهما.
تكررت كلمة المرأة فى القرآن 24 مرة ومثلها الرجل، والآيات التى جاءت بخصوص المرأة تؤكد على تكريمها، خاصة فى الزواج والطلاق والميراث، بدليل التأكيد على حقوقها قى القرآن الكريم، لمعرفة الله تعالى بأنانية الرجل تجاه المرأة.
والمشكلة الأساسية فى تقدير مكانة المرأة فى الإسلام ترجع لتعدد آراء الفرق الإسلامية المختلفة فى تفسير القرآن، لذا فإن فهم القرآن بحاجة إلى مراجعة وقراءة من جديد وفق منهج علمى يتفق وحاجة التطور الاجتماعى، لأن الكثير من الآيات فسرت تفسيرًا أحاديًا، لإقصاء كل جديد.
إن ما ألصق بالمرأة من اتهامات غير صحيح، وأن ما أعطيت من مكانة ناقصة عن مكانة الرجل كانت أنانية ذكورية مؤيدة من الفقهاء وليس كما قال فيها القرآن الكريم.
> المرأة والعبادات:
فى الإسلام الأنثى كالذكر، لا فرق بينهما فى أداء العبادات، فالمساواة بين المرأة والرجل فى التكاليف هى الأصل، وأما ما يشذ عن هذه القاعدة من تخصيصٍ لأحدهما دون الآخر، فذلك وفقًا لاختلاف التكوين بين الجنسين، واختلاف الأدوار المنوطة بكل منهما، ومراعاة الظروف والفروق بينهما.
مساواة عادلة فى التكاليف الشرعية بين الرجال والنساء، فالمرأة كالرجل مطالبة بعبادة الله، وأداء فرائضه، واجتناب محارمه، والوقوف عند حدوده، وإقامة دينه، والدعوة إليه، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
> معنى التقوى:
تقوى الله تعالى هى جوهر الإسلام، وعلى أساسها قامت شريعة الإسلام الحقيقية المذكورة فى القرآن والتى طبقها خاتم الأنبياء محمد عليهم جميعا السلام.
الأصل لكلمة التقوى هو من الوقاية أى الحماية أو طلب الوقاية من عذاب النار يوم القيامة: (وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة 201.
وبمعنى الخشية والخوف من الله، ولكنه الخوف مع الخشوع مرتبطا بتقوى الله: (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) النور 52، فالخشية من علامات القلب الخاشع الذى يخشى الرحمن بالغيب.
وتأتى التقوى بمعنى الخوف من الله أو من عذابه فى الدنيا: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الانفال 25، أو يحذرهم من عذابه يوم الدين: (فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِى وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) التحريم 6.
ويحمل مفهوم التقوى معنى الرجاء فى الجنة والأمل فيها: (قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِى هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ) الزمر 10، وتعنى أن نعلم أن الله يراقب أعمالنا: (وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء 1.
> الأمر بالتقوى:
التقوى أساس لكل الرسالات السماوية: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) المؤمنون 52، أى أمرهم بالتمسك بالتقوى والعمل الصالح.
ولذلك فكل نبى كان يأمر قومه بالتقوى فيقول: (إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ. فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) الشعراء 107-108.
وخطاب القرآن بالتقوى ليس خاصًا فقط بالأمم السابقة، وانما مستمر حتى قيام الساعة، والنبى عليه الصلاة والسلام جاءه الأمر بالتقوى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) الاحزاب 1.
وجاء للذين آمنوا معه والذين آمنوا بعده: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ) التوبة 119، كما أمر تعالى المسلمين وأهل الكتاب بالتقوى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ) النساء 131.
>التقوى والدين:
يخاطب تعالى الناس ويدعوهم للتعارف كإخوة من أب واحد وأم واحدة، وأنهم متساوون، وأن أكرمهم عند الله هو أتقاهم، حتى يتحلى كل الناس بالتقوى، ليكون أتقاهم هو أكرمهم عند الله تعالى فى الحساب الإلهى يوم القيامة، ولذلك فإن الله تعالى يخاطب الناس جميعًا: (يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الحجرات 13.
فقد جاءوا من أصل واحد ولهم إله واحد خلقهم ويعلم أعمالهم: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) النساء 1.
وبذلك يكونون جميعًا إخوة متساوين وابناء آدم وحواء، وقد جعلهم شعوبا وقبائل مختلفين ليتعارفوا لا ليتقاتلوا، والأفضل منهم يوم القيامة ليس هو الأغنى أو الأقوى وانما هو أتقاهم لله تعالى.
ولأن التقوى تعامل خاص ومباشر بين الإنسان وربه فإن الله تعالى ينهى عن تزكية النفس بالتقوى، أى أن يمدح الانسان نفسه بالتقوى: (فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) النجم 32.
وكما يتقى المؤمن ربه فى العقيدة والإيمان بحيث لا يؤمن بإله غير الله، فإنه يتقى الله تعالى فى تعامله مع الناس بحيث يتمسك بالقيم الأخلاقية ولا يظلم أحد.
>التقوى والعبادات:
وعبادة الله تعالى هى وسيلة للتقوى، ومن التقوى حسن التعامل مع الناس، فالذى يصلى ويحج ويصوم ويتصدق ولكن يظلم الناس ويعتدى على حقوقهم، فلا قيمة لعبادته التى لم تنعكس خيرًا وإحسانًا فى تعامله مع الآخرين.
وقد جعل الله تعالى كل العبادات وسائل للتقوى وخاطب بذلك كل الناس (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 21.
فالصلاة هدفها اجتناب الفحشاء والمنكر والبغى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت 45.
والصوم هدفه التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة 183.
والحج رحلة للتزود بالتقوى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِى الأَلْبَابِ) البقرة 197.
ولا عبرة بالشكليات السطحية فى تأدية مناسك الحج ولكن العبرة بالايمان والتقوى: (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ) الحج 32.
وفى كل واجبات الحج لا بد من مراعاة التقوى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) البقرة 196.
فمن يعصى الله فى الحج، فإنه تعالى يتولى الانتقام منه لأنه حول التقوى فى الحج إلى عكس المراد منها: (وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) الحج 25.
> الجنة للمتقين:
أصحاب الجنة هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، أى أن الإيمان وحده لا يكفى، يجب اقتران الإيمان الصحيح بعمل صالح، فالإيمان مع العمل الصالح يؤديان للتقوى، وبالتالى لا يدخل الجنة إلا المتقون: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) مريم 63.
وفى نهاية سورة الزمر يقول تعالى عن أهل النار: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا)، وفى المقابل لم يقل تعالى «وسيق الذين آمنوا إلى الجنة»، وانما قال تعالى: (وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا) الزمر 73، بالتقوى يفوز المؤمنون بالجنة، وبدونها فهم أصحاب النار.
عن التقوى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) آل عمران 102، هذه هى الدرجة العليا للتقوى، وتوجد درجة ثانية من التقوى، لمن يتقى الله على قدر استطاعته: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) التغابن 16.
ولا يصح أن يؤدى شخص عبادة عن شخص آخر: (وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى) النجم 39-41، وسعى الانسان هو عمله فى الدنيا وهو حى، وفى مناسك الحج والعمرة يجب وجود الشخص ليشهد كل شىء بنفسه: (وَأَذِّن فِى النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ) الحج 27، و(لِيَشْهَدُوا) تعنى حاضرين شاهدين وقائمين بالمناسك بأنفسهم.