ربع تون.. «روكسى».. تجسيد حقيقى لـ«ثورية» أمير عيد ضد ثوابت المجتمع المحافظ!
محمد شميس
أعتبر نفسى واحدًا من ضمن الشاهدين على مشوار «كايروكى»، لقد حضرت بدايتهم فى ساقية الصاوى قبل ثورة يناير، عندما كان يطمح الفريق لتحقيق شهرة مقبولة، ولم يكن وقتها المسرح ممتلئًا عن آخره بالجمهور مثلما يحدث حاليًا.
كانت الإشكالية لدى الجماهير وقتها فى التوليفة الغنائية المطروحة عليهم من مجموعة من الشباب قرروا أن يتخصصوا فى موسيقى الـ«rock»، وهنا لم تكن الأزمة فى التناول الموسيقى كتوزيع للأغنيات، لأن الـ«rock» كان دائمًا متواجدًا على الساحة فى أغنيات النجوم الكبار مثل «عمرو دياب ومحمد منير»، ولكن الإشكالية كانت فى الحالة الغنائية الغربية والمواضيع المطروحة والتى كانت تعتبر «ثورية» فى وقتها، ولذلك كانت هناك محاولات من الفريق للتعبير عن أصالتهم ومصريتهم بغناء أشعار «أحمد فؤاد نجم، والأبنودى»، وبعض أغنيات «عدوية»، أو عن طريق صناعة أغانٍ نقدية اجتماعية مثلما فعلوا فى (إخناتون)، والتى تحكى عن بعث الملك المصرى من جديد ليسير فى شوارع القاهرة حاليًا ويبدأ الفريق فى التطرق إلى سلبيات الشارع المصرى.
حتى جاءت ثورة يناير وكانت (صوت الحرية) واحدة من أشهر الأغانى وقتها، وصارت شعبية الفريق فى ازدياد، خصوصًا أنهم قاموا بعدة حفلات شعبية مجانية من قلب ميدان التحرير وقت فترة الاعتصام لخلع الرئيس السابق «مبارك»، حتى بدى أن هناك عهدًا ضمنيًا بين الفريق وبين الثوار وقتها، وهذا العهد يضمن لهم شعبية ثابتة لن تتغير فى وقتها، واستثمر الفريق هذا العهد فى صناعة أغانى تتحدث عن أحلام ثوار يناير مثلما حدث فى أغنيات ألبومهم (مطلوب زعيم).
بعد الثورة أصبح «أمير عيد» وفريق «كايروكى» نجوم الحملات الإعلانية الكبرى، ويُعتبرون من مؤسسى ما يطلق عليه «أغانى التنمية البشرية»، وهى النوعية التى يتحدث فيها المغنى بلسان البطل الخارق «السوبر هيرو» الذى سينتصر على الجميع ليحقق حلمه فى النهاية.
وهذا عكس ما حدث فى آخر أعمال «أمير عيد»، أغنية (روكسى) والتى ظهر فيها بشخصية البطل الرمادى، بل المنكسر والمهزوم، الذى لا يخجل من الحديث عن نقاط ضعفه، مثل أنه غير قادر على التزامات الارتباط بالشريك وتحمل المسؤولية، وفى المقابل يريد كل مشاعر الحب، لا يستطيع مواجهة العالم الواقعى فيهرب منه بشرب الخمر والتخفى فى ظلمات «البارات»، وأنه شخص غير اجتماعى ليس لديه أصدقاء.
وكما ظهر فى الفيديو المصور للعمل، كان هناك محادثة بينه وبين الطبيب النفسى الذى تم تقديمه بشكل إيجابى غير نمطى كما هو السائد فى الأعمال الفنية، وإخباره بمشاكل بطل الأغنية الذى دخل فى مشاريع حب ولم يكن الدافع المشاعر، وأنه يدعى الثقافة الفنية مثل حبه للوحة الموناليزا رغم أنه لا يفهم معناها! وأن مبادئه متجزأة وغير مكتملة.
ثم يتودد إلى فتاة جالسة فى «البار» ويطلب منها أن تشاركه احتياجاته دون أن يكشف لها عن هويته، ويطلب مشاركتها مشاعرها حتى وإن لم تكن حقيقية، وأن تشكله كما تريد مثل المانيكان، وأنه سيرضى بأى نوع من الاهتمام بدلًا من أن يظل وحيدًا بائسًا، وهذه الصورة الرمادية عن البطل تختلف كليًا عن نوعية أغانى «السوبر هيرو» التى يعتبر الفريق من مؤسسيها كما تحدثنا.
روعة (روكسى) فى كونها تجعلنا نتعاطف مع كل هذه المشاكل التى يعانى منها البطل، لأنها تقدم الضعف الإنسانى كشىء طبيعى ولا يجوز أن نخجل منه، وأن النفس البشرية أعقد مما نتصور، والصور المثالية عن الحياة والقيم والأخلاق بمفهومها الشعبى وما إلى ذلك من المفاهيم غير الموجودة سوى فى خيالات المؤلفين والفنانين!
ثورية (روكسى) تكمن فى الاصطدام أيضًا مع القيم الزائفة لدى المجتمع الذى يدعى أنه محافظ، وينشغل بالحكم على أفعال الآخرين من منطلق متأسلم، يتمسك بظواهر الأشياء ويبتعد عن الجوهر، والجميل أن «أمير عيد» يصطدم مع هذه المظاهر التى تبدو محافظة وهو فى أوج مراحل شعبيته، ويصور أغانيه فى «البار» وهو يمسك بكأس الخمر، ويقدم فى أغانيه الأخيرة شخصيات متسامحة مع حقيقة الضعف الإنسانى، كما فعل قبل ذلك وقدم حبيبته فى أغنية (جيمس دين)، كفتاة لها ماض ولا يخجل هو من ماضيها، بعكس الممارسات الشعبية الذكورية الشائعة فى مجتمعنا، ولذلك أصف مثل هذه الأعمال الغنائية بـ«الثورية»!>