الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

عبدالكريم الكرمى سنديانة فلسطين وغصن زيتونها

مقاومة قلم..حينما تكون الحروف أقوى من الرصاص والمدافع «أحببتك أكثر».. قصيدة خلود شعب

كُلَّمَا حَارَبْتُ مِنْ أَجْلِكِ أَحْبَبْتُكِ أَكْثَرْ



أَيُّ تُرْبٍ غَيْرَ هَذَا ٱلتُّرْبِ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرْ

أَيُّ أُفْقٍ غَيْرَ هَذَا ٱلأُفْقِ فِى ٱلدُّنْيَا مُعَطَّرْ

كُلَّمَا دَافَعْتُ عَنْ أَرْضِكِ عُودُ ٱلعُمْرِ يَخْضَرْ

وَجَنَاحِى يَا فِلَسْطِينُ عَلَى ٱلقِمَّةِ يُنْشَرْ

يَا فِلَسْطِينِيَّةَ ٱلإسْمِ ٱلذِى يُوحِى وَيَسْحَرْ

تَشْهَدُ ٱلسُّمْرَةُ فِى خَدَّيْكِ أَنَّ ٱلحُسْنَ أَسْمَرْ

لَمْ أَزَلْ أَقْرَأُ فِى عَيْنَيْكِ أُنْشُودَةَ عَبْقَرْ

وَعَلَى شَطَّيْهِمَا أَمْوَاجُ عَكَّا تَتَكَسَّـرْ

مِنْ بَقَايَا دَمْعِنَا هَلْ شَجَرُ ٱللَيْمُونِ أَزْهَرْ

وَالحَوَاكِيرُ بَكَتْ مِنْ بَعْدِنَا وَٱلرَّوْضُ أَقْفَرْ

وَكُرُومُ ٱلعِنَبِ الخَمْرِيِّ شَقَّتْ أَلْفَ مِئْزَرْ

لَمْ تَعُدْ تَعْتَنِقُ ٱلسَّفْحَ عَصَافِيرُ ٱلصَّنَوْبَرْ

وَنُجُومُ ٱللَيْلَ مَا عَادَتْ عَلَى ٱلكَرْمِلِ تَسْهَرْ



يَا فِلَسْطِينُ ٱنْظُرِى شَعْبَكِ فِى أَرْوَعِ مَنْظَرْ

بِلَظَى الثَّوْرَةِ وَٱلتَشْرِيدِ لِلْعَالَـمِ يَثْأَرْ

لَمْ يُحَرَّرْ وَطَنٌ إِلاَّ إِذَا الشَّعْـبُ تَحَرَّرْ



كُلُّ إِنْسَانٍ لَهُ دَارٌ وَأَحْـلاَمٌ وَمِزْهَـرْ

وَأَنَا الحَامِـلُ تَارِيـخَ بِـلاَدِى أَتَعَثَّرْ

وَعَلَى كُلِّ طَرِيقٍ لَمْ أَزَلْ أَشْعَثَ أَغْبَرْ



كُلَّمَا رَفَّ عَلَيَّ ٱسْمُكِ كَانَ ٱلحَرْفُ أَشْعَرْ

وَحُرُوفِى تَزْرَعُ ٱلأَشْوَاقَ فِى كُلِّ مُعَسْكَرْ

وَحُرُوفِى شُعَلٌ فِى كُلِّ صَحْرَاءَ وَمَهْجَرْ

 

 

 

 هكذا أحب «أبوسلمى» وطنه، وهكذا تغنى لها، مسطرًا بقلمه رحلة كفاح شعب مؤكدا أن حبهم لأرضهم يزداد مع زيادة كفاحهم.

فيسطر «زيتونة فلسطين» فى قصيدته «أحببتك أكثر» عن حبه الأبدى لوطنه ويصف جماله وحزنه على ضياعه، داعيًا الفلسطينيين للثورة والثأر من المحتلين اليهود، مذكرًا فى الوقت ذاته العالم كله بمأساة الشعب الفلسطينى.

هكذا أعلن الشاعر الفلسطينى عبدالكريم الكرمى عن حبه الكبير لوطنه والذى بسببه عانى كثيرا على أيدى مغتصبيه، فكانت حروف أشعاره ودواوينه سلاح كبير يتناقله الأجيال ويؤجج روح المقاومة بينهم.

هو الشاعر عبدالكريم الكرمى، وكنيته أبو سلمى، ولقبه زيتونة فلسطين، هو شاعر وأديب وكاتب وسياسى فلسطينى، وُلِدَ فى مدينة طولكرم الفلسطينية عام 1909، ويُعد أحد أبرز الشعراء العرب، ويُعتبر من الشعراء الأبرز انتشارًا على المستوى العالمى والعربى والفلسطينى، وهو صاحب مكانة بارزة فى الأدب العربى شعرًا ونثرًا، وأحد أعلام الأدب العربى المعاصر، وعضو المجلس الوطنى الفلسطينى، ورئيس قسم الإعلام فى منظمة التحرير الفلسطينية، ورئيس الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، ومن مُؤسسى الاتحاد.

وُلِدَ عبدالكريم سعيد على منصور الكرمى فى مدينة طولكرم الفلسطينية فى صيف عام 1909، تلقى تعليمه الابتدائى والإعدادى فى مدارس مدينته طولكرم، والثانوى فى مدرسة السلط الثانوية لسنة واحدة، وأنهى الثانوية العامة فى مدرسة عنبر بدمشق عام 1927، ثم عاد إلى مدينته طولكرم فى ذات العام، والتحق بمعهد الحقوق الفلسطينى، حيث تخرج وعمل فى حقلى التدريس والمحاماة فى فلسطين.

فى عام 1936 أقالته السّلطات البريطانية من التدريس، فقد نظم قصيدة نشرتها مجلة الرسالة القاهرية بعنوان (يا فلسطين) هاجم فيها السلطات البريطانية لعزمها على إنشاء قصر للمندوب السامى البريطانى على جبل المكبّر، فاستدعاه مدير التعليم البريطانى (مستر فرل)، وأبلغه قراره بفصله من العمل. 

بعد أن فقد أبو سلمى وظيفته التعليمية بالقدس، ضمّه صديقه إبراهيم طوقان إلى دار الإذاعة الفلسطينية، واستمرّ يعمل فى جهازها الإعلامى إلى أن استقال من عمله.

عمل الكرمى فى مهنة المحاماة، حيث افتتح مكتبًا له عام 1943، وبدأ عمله بالدفاع عن المناضلين العرب المتهمين فى قضايا الثورة الفلسطينية، وأصبح فى فترة قصيرة محاميًا مرموقًا فى فلسطين، وظل يعمل فى حقل المحاماة حتى عام 1948، حيث توجه إلى دمشق ومارس هناك مهنة المحاماة والتدريس، ثم عمل بوزارة الإعلام السورية وأسهم فى العديد من المؤتمرات العربية والآسيوية والإفريقية والعالمية.

شارك الكرمى فى المؤتمر العربى الفلسطينى الأول الذى عقد فى القدس بتاريخ 28 مايو 1964، والذى أعلن فيه قيام منظمة التحرير الفلسطينية، وأصبح الكرمى عضوًا فى المجلس الوطنى الفلسطينى بمنظمة التحرير الفلسطينية خلال الدورة الأولى للمجلس، كما شارك فى كل المجالس الوطنية المتعاقبة حتى رحيله.

عُيّن الكرمى مسئولًا عن التضامن الآسيوى الأفريقى فى منظمة التحرير الفلسطينية، بعد مشاركته موفدًا عن المنظمة فى أعمال المؤتمر التأسيسى لمنظمة التضامن الآسيوى الأفريقى الذى عقد بالقاهرة عام 1965، كما شارك فى مؤتمرات عديدة أهمها مؤتمر مجلس السلم العالمى، ومؤتمر اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا، وغيرها.

فى 1 ديسمبر 1978، أقامت منظمة التحرير الفلسطينية احتفالًا له فى بيروت بحضور قادة المنظمة وشعراء من عدد من الدول العربية بمناسبة تسلّمه جائزة لوتس للأدب.

انتخب عبدالكريم الكرمى رئيسًا للاتحاد العام للكتاب والصحافيين الفلسطينيين خلال المؤتمر الثالث للاتحاد فى أبريل 1980، ويعد الاتحاد أحد مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.

عاش عبدالكريم الكرمى فى أسرة اشتهرت بالعلم، فوالده هو العالم الوزير سعيد الكرمى، وإخوته هم: السياسى عبدالغنى الكرمى، والأديب أحمد شاكر الكرمى، والعالم اللغوى حسن الكرمى، والأديب محمود الكرمى. أما جده فهو الشيخ على منصور الكرمى.

رغم أن أبا سلمى قد تزوج ورزق بوحيده سعيد، إلا أنه لم ينجب سلمى أبدًا، وبذلك بقى هذا الاسم مجرد لقب شعرى رافقه طيلة رحلته الشعرية منذ أن كان على مقاعد الدراسة وحتى صار اسمه الأشهر.

كتب أبو سلمى عدة دواوين شعرية بجانب أعماله النثرية وهى ديوان «المشرد»، عام 1953، ديوان «أغنيات بلادى»، عام 1959، ديوان «أغانى الأطفال»، عام 1964، ديوان «من فلسطين ريشتى»، عام 1971 وديوان «الأعمال الكاملة»، عام 1978.

يُعرف أبى سلمى بلقبه البارز «زيتونة فلسطين»، كما يلقب بمجموعة أخرى من الألقاب، منها «شاعر فلسطين» و«سنديانة الشعر الفلسطينى».

نال عبدالكريم الكرمى مجموعة من الأوسمة والجوائز، كان من أبرزها جائزة لوتس الدولية للأدب عام 1978، وقد تسلمها من رئيس جمهورية أنغولا أغوستينيو نيتو، فى 1 يوليو 1979.

كما نال وسام الثورة الفلسطينية عام 1980، وهو أعلى وسام فلسطينى حينها، حيث منحه رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات الوسام فى مطلع ديسمبر 1980، خلال إحياء ذكرى مرور أربعين يومًا على رحيله.

كما نال وسام القدس للثقافة والفنون والآداب، عام 1990، من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، فى يناير 1990، ووسام الثقافة والعلوم والفنون الفلسطينى بدرجة الإبداع، عام 2015، حيث منحه الرئيس الفلسطينى محمود عباس الوسام بتاريخ 14 سبتمبر 2015، وذلك «تقديرًا لمكانته ودوره الفاعل فى حركة الشعر الفلسطينى، ودفاعه عن وطنه وشعبه بالكلمة الصادقة والموقف الشجاع»، وقد تسلمت عائلته الوسام فى 22 أغسطس 2016، خلال احتفال ثقافى دولى حضره أدباء وشعراء دوليين.

أصيب عبدالكريم الكرمى بوعكة صحية خلال تواجده فى العاصمة الروسية موسكو حيث كان فيها للمشاركة بأحد مؤتمرات منظمة التضامن، ونقل على إثرها إلى المستشفى هناك، وأجريت له عملية جراحية لكن حالته الصحية تدهورت، وقد بذل الأطباء الروس بما فيهم ابنه الطبيب سعيد أقصى جهودهم لإنقاذ حياته، وبعد أن يَئِسوا من شفائه جرى نقله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد سبعة أيام هناك من محاولات إنقاذ حياته توفى، في11 أكتوبر 1980 فى مستشفى جامعة جورج واشنطن فى العاصمة واشنطن، إثر إصابته بإنتان الدم الحاد، ودُفِن فى مقبرة الشهداء فى دمشق بجنازة رسمية وشعبية كبيرة.

ويحظى أبو سلمى بمكانة خاصة فى قلوب الفلسطينيين فقال محمود درويش عنه: «أنت الجذع الذى نبتت عليه قصائدنا».

وخلال احتفال تكريمى كبير له فى بيروت، فى 1 ديسمبر 1978، بمناسبة فوزه بجائزة لوتس، قال ياسر عرفات وهو يعانق أبا سلمى: «أخى وأستاذى ومعلمى أبو سلمى، يوم تكريمك هذا إنما هو تكريم لفلسطين من خلالك، فلسطين الخندق الأمامى للأمة العربية».

كما قال رئيس جمهورية أنغولا أغوستينيو نيتو خلال تسلميه جائزة لوتس للكرمى: «الشاعر الفلسطينى أبو سلمى قد عاش من أجل قضية شعبه ووطنه، وكرّس شعره صوتًا صافيًا ومخلصًا لقضايا وطنه المعذب فلسطين. وأنا أقول فى النهاية، إنه رغم التزامه بقضيته، إلا أنه لم ينس المرأة، فأحبها وتغزّل بها، وكتب الكثير من القصائد فى وصفها، حتى إنه لقب باسم إحداهن».

فى 11 أكتوبر 2021، حيث الذكرى الـ41 عامًا على رحيله، أصدر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين بيانًا جاء فيه: «ليس للعبارات مهما تزخرفت، أن تنقش نبضات تعرشت على جدران الشوق إليه، وهو الشاعر، والثائر، والبديع عالى المقام، فى وطن لا يزال يشرب من نهر شعره معانى الصمود والصبر والبقاء، فأبو سلمى لم يكن عابر حياة، ولا قاطع زمن، ولا سهمًا خاطفًا ينساه البصر، بل كان جيلًا مقيمًا، وجبلًا أشمًّا، ومدارًا لا ينقطع فى مجرة المخلصين، ولئن كثرت سنوات الفراق، وابتعدت أرقام السنين عن عيشه البديع، يبقى الثابت يقينًا فى سجل الفاعلين، ومليك احترام من عرفوه، وتعلموا منه، ووصلت إليهم أنواره فى لجة الظلمة المدلهمة».

وفى ذكرى رحيله الـ42، استذكر الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الكرمى فى بيان صدر عنه بهذا الخصوص جاء فيه: «يا أبا سلمى، والبلاد تشتاق إليك، نرد إليها اليوم قصائدك قناديل تشغل العتمة انزياحًا لفضاء أوسع نعيشه. تمر سنوات رحيلك ولن يغرينا النسيان بغفوة لتجاهلك، وكيف يكون، وأنت الجذع الجسر، والأساس الحصين، ونحن على ما تركت لنا من كلمة وعبارة ولغة، نواصل دربك، ونتشفع فيك لكل صاحب رسالة يكتب عن حلمك وأمنياتك، وصوتك لا يزال يغزل لنا درعنا الأقوى فى قلعة شموخك».

إنه سنديانة فلسطين وغصن زيتونها فهو رحل بجسده ولكن باق بروحه وبحروف قصائده فى قلوب أبناء وطنه حيث كانت كلماته وقودا لمقاومة شعب أثبت صموده على مدى عقود كثيرة ولازلت دماؤه تروى أرض بلاده حتى الآن.