ربع تون.. عن أوجه الشبه بين عبدالفتاح مصطفى ومجدى النجار!

محمد شميس
فى ظل حالة الركود الغنائى التى يمر بها الوسط الفنى هذه الأيام، وصدور العديد من الأغانى التى لا تستحق أن يتم مناقشتها فى هذه المساحة المخصصة لمراجعة الأعمال الغنائية، وعندما كنت أتصفح كتاب (المنسى فى الغناء العربي) للكاتب «زياد عساف»، وجدت مقالًا عن الكاتب «عبدالفتاح مصطفى»، وعندما قرأته وعدت إلى سماع أغانيه، جاء فى مخيلتى كاتب غنائى آخر عاصرته وتأثرت بأعماله، هو «مجدى النجار»، فما الذى يجمع بين هذا الثنائى ؟!
> التربية فى المناطق الشعبية
الكاتب «عبدالفتاح مصطفى»، ولد فى حى الجمالية بالقاهرة، وعاش فيها، واختلط بالناس وبمشاكلهم وهمومهم، وكذلك «مجدى النجار» الذى عاش فى حى إمبابة، وهو أيضًا من الأحياء الشعبية الفقيرة.
وأيضًا للمفارقة العجيبة، أن الكاتب «عبدالفتاح مصطفى» عمل كمأمور للضرائب، وهذه المهنة يخاف منها البعض لأنها تصطدم مع كافة طوائف المجتمع، ونفس الأمر مع الكاتب «مجدى النجار» الذى عمل كضابط شرطة، وهذه المهنة يخاف منها البعض أيضًا، ولكن بالنظر للأعمال الفنية لهذا الثنائى سنجد أن وظائفهما واختلاطهما مع مختلف الأطياف فى المجتمع ساعدهما فى تقديم مواضيع تمس قلوب الجماهير بشكل مباشر.
> النزعة الصوفية
عندما قدم «عبدالفتاح مصطفى» لأم كلثوم هذه الكلمات: «أقولك إيه عن الشوق يا حبيبي.. أقولك إيه؟ ومن غيرك دارى بي.. ليالى فى هواك أسهر وأفكر.. ومهما قلت لك فى حب.. ح أقولك أكتر».
فردت عليه أم كلثوم بمزاحها وخفة دمها: «باين إنك عايش قصة حب.. ح أقول لزوجتك».
ليرد عليها عبدالفتاح قائلًا: «هذه الكلمات ليست فى حب سيدة، لكنها فى حب الله».
هذا الرد يؤكد نظرة التصوف لهذا الكاتب الذى صنع أنجح الأعمال الغنائية الدينية، فهو الذى كتب أغانى (مولاى إنى ببابك) لـ«النقشبندي»، و(تم البدر بدري) لـ«شريفة فاضل»، وكلمات أغانى فيلم (الشيماء)، وكذلك مجموعة الابتهالات الدينية التى قدمها العندليب «عبدالحليم حافظ» ومن أشهرها (أنا من تراب، ع التوتة والساقية، يا سامع دعايا).
أما الكاتب «مجدى النجار» فكان متصوفًا، وهو أيضًا الذى كتب (أسماء الله الحسنى) والتى لحنها وغناها «عمرو دياب»، حيث كان يقوم «النجار» بكتابة وصف كل اسم من أسماء الله فى أبيات شعرية، ويقوم الهضبة بتلحينها وغنائها، وله العديد من القصائد الدينية التى قدمها بصوته فى التجمعات الصوفية، ومنتشر بعض منها على موقع «يوتيوب».
>الحس الوطنى
الكاتب «عبدالفتاح مصطفى»، كان له العديد من الأغنيات الوطنية، خاصة فى مرحلة ثورة يوليو 1952، حيث كتب لـ«أم كلثوم»، (منصورة يا ثورة أحرار، الزعيم والثورة، يا صوت بلدنا، ياسلام على الأمة، يا حبنا الكبير، إنا فدائيون، طوف وشوف)، وهو أيضًا الذى كتب (أمجاد يا عرب أمجاد) لـ«كارم محمود»، وكتب لـ «شادية»، (مصر نعمة ربنا)، وأيضًا (عيد العبور) لـ«شريفة فاضل».
أما «مجدى النجار» فكتب لـ«عمرو دياب»، (مصر قالت)، بعد ثورة يناير 2011، كما كتب العديد من الأغانى «الوطنية»، غير المعلنة بشكل واضح، حيث يعتقد الكثيرون انها أغانى عاطفية، ولكنها كتبت فى الأساس بحس وطنى مثل (ميال، ومتخافيش)، وغيرهما، وقد صرح بنفسه عن فلسفته فى كتابة هذه النوعية من الأعمال مع «عمرو دياب» كى تحقق المعنى العاطفى والوطنى فى الوقت ذاته.
> عدم التقليل من المرأة
كتب «عبدالفتاح مصطفى» العديد من الأغانى التى تتحدث عن كرامة المرأة وتعاملها بمنطق «الند» فى العلاقة، مثل (لسه فاكر، ليلى ونهارى)، لـ«أم كلثوم»، وبنفس المنطق كان يكتب «مجدى النجار» ويعد المثال الأبرز على ذلك هو أغنية (مبقاش أنا)، لـ«أصالة»، ولكن مفهوم الندية عند «النجار» كان المقصود به هو كرامة المرأة فى العلاقة العاطفية وليس التجاوز فى حق الرجل والتعالى عليه حيث رفض التعامل مع «شيرين عبدالوهاب» بسبب (أخيرًا اتجرأت وهعلى صوتى عليك)، لأن الحياء من صفات جمال المرأة فى اعتقاده، ورفض التعاون مع «تامر حسني» بعد ما قدم عددًا من الأغانى العاطفية والتى تنظر إلى المرأة بمفهوم جنسى غرائزى يصطدم مع أفكاره ككاتب متصوف.
وفى النهاية.. هذا المقال ليس مقارنة بين اثنين من عمالقة الكتابة الغنائية، ولكنه محاولة للتعمق فى أعمالهما، ورسالة لصناع الأغنية الحاليين، عن كيفية صناعة الأغانى وفق منظور فكرى ومنهج حقيقى نابع من ثقافة الصانع الذى يحمل همًا حقيقيًا للتعبير عنه!>