الجمعة 11 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
إنسانية ألمانيا بين لامين يامال وأطفال غزة

إنسانية ألمانيا بين لامين يامال وأطفال غزة

كان مشهدا مثيرا للدهشة عندما اضطر مدرب المنتخب الإسبانى الذى شارك فى بطولة الأمم الأوروبية منذ أيام إلى تبديل اللاعب لامين يامال وإخراجه من الملعب وعدم إكماله المباراة ليس لأسباب فنية ولا بداعى الإصابة ولكن تطبيقا للقانون الألمانى، البطولة أقيمت فى ألمانيا خلال الفترة من 14 يونيو إلى 14 يوليو والقانون هناك لا يسمح للأطفال دون سن 18 عاما، سواء كانوا أجانب أو مواطنين بالعمل بعد الساعة الثامنة مساء، وذلك من أجل حمايتهم فى مكان العمل، واللاعب الإسبانى ذو الأصول المغربية لم يتجاوز سنه السابعة عشرة ولهذا ينطبق عليه القانون.



غير أن القانون يستثنى الرياضيين ويمنحهم حق المشاركة فى المسابقات حتى الساعة الـ11 مساء، على أن يشمل ذلك التوقيت الاستحمام واللقاءات الإعلامية والواجبات الأخرى التى يؤديها الرياضى، وفى حالة مخالفة قوانين العمل على الأراضى الألمانية توقع غرامة مالية على صاحب الفعل تصل إلى 30 ألف يورو، وبسبب هذا القانون واجه المنتخب الإسبانى هذا المأزق الغريب، فى المباراة الأولى لإسبانيا ضد كرواتيا لم تظهر المشكلة لأنها انتهت قبل الحادية عشرة، وفى لقاء إيطاليا الذى أقيم فى التاسعة مساءً ظهر المشهد الذى تحدثت عنه الصحافة والإعلام فى كل العالم حين اضطر المدير الفنى للفريق إلى استبدال اللاعب الساعة10:21، وكانت المباراة فى دقيقتها 71، وفى المباراة الثالثة ضد ألبانيا والتى أقيمت فى التاسعة مساء أيضا شارك يامال فى الدقيقة 72 وكانت الساعة تشير إلى 10:22، ما يعنى أنه خالف القانون، وقررت إسبانيا دفع قيمة المخالفة إذا أصرت الحكومة الألمانية على تطبيق القانون بالفعل، ويبدو أن المنتخب الإسبانى فضل الدفع باللاعب فى باقى مباريات البطولة مهما كانت العقوبة، الواقعة تبدو طريفة وليس لها سوابق فى عالم الرياضة، ولكن النظرة الأخرى لها تكشف مدى اهتمام القانون الألمانى بحماية الأطفال وهو هدف نبيل بلا شك، ولكن هذه الروح الإنسانية لا تبصر ما يحدث لأطفال غزة على يد الجيش الإسرائيلى، الحكومة الألمانية التى انتفضت لأن لاعبا لم يكمل الـ18 عاما يلعب بعد الحادية عشرة مساء، تعامت عن قتل أطفال غزة واستهدافهم من قبل الجيش الإسرائيلى، لامين يامال يلعب فى مسابقة رسمية يشرف عليها الاتحاد الأوروبى لكرة القدم وفى أفضل ظروف ممكنة ويتمتع برعاية كبيرة من منتخبه سواء كانت رياضية أو صحية أو تعليمية حيث اصطحب معه كتبه الدراسية للمذاكرة وأداء الامتحانات التى جرت خلال البطولة الكروية، بل إن أعضاء فريقه احتفلوا بنجاحه فى المدرسة، ولكن أطفال غزة محرومون من التعليم والرياضة والطعام والشراب والدواء، الحكومة الألمانية تعاقب إسبانيا لأنها تسمح لصبى لم يكمل الـ18 عاما بأداء مهمته الرياضية بعد الحادية عشرة مساء، لكنها فى نفس الوقت لا ترى الانتهاكات والاعتداءات الغاشمة والفاجرة ضد أطفال فلسطين.

 سكت المسئولون الألمان عن الجرائم الإنسانية ضد أطفال عزل لا حول لهم ولا قوة، وتجاهلوا تقارير منظمة اليونيسيف عما يحدث لأطفال غزة والتى يكفى قراءة بعض مقتطفاتها ليدرك أى شخص لديه قدر بسيط من الإنسانية الجريمة التى ترتكبها إسرائيل، يقول أحد التقارير الصادر منذ أسابيع قليلة «يؤدى تصاعد الأعمال العدائية فى قطاع غزة إلى تأثيرات كارثية على الأطفال، إذ يموتون بمعدل مقلق، وتفيد التقارير بمقتل أكثر من 14000 طفل وفقا لتقديرات وزارة الصحة الفلسطينية، كما أن مليونا و700 ألف شخص هجروا داخليا أكثر من نصفهم أطفال، وهؤلاء لا يحصلون على ما يكفى من الماء والغذاء والوقود والدواء» ويضيف التقرير واصفا الوضع المأساوى: «هناك أكثر من 600 ألف طفل محاصرون فى رفح وحدها ليس لديهم مكان آمن يذهبون إليه، لقد دمرت منازلهم وتشتت أسرهم، آلاف الأطفال يعيشون حاليا فى مخيمات أو فى مساكن غير رسمية وغير مستقرة، وقد نزح العديد منهم عدة مرات وفقدوا منازلهم وأولياء أمورهم وأحباءهم»، ويقول تقرير آخر للمنظمة الدولية المعنية بالطفولة «وصل أطفال إلى المستشفيات مصابين بحروق شديدة وإصابات تتطلب البتر»، وتطالب المنظمة «بوصول المساعدات الإنسانية بشكل سريع وآمن ودون عوائق إلى جميع الأطفال والأسر المحتاجة داخل قطاع غزة، والإفراج الفورى والآمن وغير المشروط عن جميع الأطفال المختطفين وإنهاء أية انتهاكات جسيمة ضد الأطفال، بما فى ذلك القتل والتشويه»، كل هذا تعامت عنه الحكومة الألمانية وأيدت إسرائيل فى أفعالها الإجرامية ووقفت ضد كل من اعترض على هذه الانتهاكات الإنسانية ولكن قلبها انتفض هلعا لأن «لامين» يلعب الكرة بعد الحادية عشرة مساءً.