طارق الشناوي
كلمة و 1 / 2.. ذاكرة مصر مهددة بـ(الزهايمر)!
ملفات متعددة ومتراكمة تواجه وزير الثقافة الجديد دكتور أحمد هنو، وأضع على رأسها أرشيفًا سينمائيًا عصريًا.
قد يعتقد البعض أننا نتحدث عن مجرد أفلام صارت جزءًا من التاريخ، هذا الرأى يحمل فقط جزءًا من الحقيقة، يعبر فقط عن وجه واحد للصورة، الهدف الأسمى والأعمق، أن نحفظ بلدنا فى ذاكرة كل الأجيال القادمة، كتب الفراعنة تاريخهم على الحجارة، الآن التاريخ مكتوب على الشريط السينمائى!
السينما توثق للمكان والبلد واللهجة والتاريخ والجغرافيا والعادات والتقاليد، بغض النظر عما إذا كان الفيلم سياسيًا أو كوميديًا أو اجتماعيًا أو كان روائيًا أو تسجيليًا، أو حتى عظيمًا أو رديئا، السينما تمنح حياة تظل شاهدة على الأماكن والشوارع والتماثيل، كل مظاهر الحياة الأتوبيس، المترو، الترام الذي اختفى من شوارع القاهرة قبل نحو 35 عامًا هو وزميله القديم (التروللى باص) وكانا من وسائل النقل المهمة، عندما كانت السنجة تتصل بالسلك، الذي يعلو الترام أو التروللى لتمتد الشرارة الكهربائية، وتخذله السنجة فى المشوار الواحد عشرات المرات.. لن تعثر على الترام أو التروللى إلا فى أفلامنا القديمة التي صورت قبل عدة عقود من الزمان!
صورة مصر تختلف فى الأفلام على حسب زاوية الرؤية، قد ترى الأحياء الغنية وقد ترى العشوائيات.. قد ترى الشرفاء والعلماء أو الحرامية والقوادين والعاهرات.
بعض المصريين يغضبون عندما تقدم المرأة راقصة أو تصور رجلين يأكلان على عربة فول، أو عند تقديم الأحياء الفقيرة، لأنهم عندما يسافرون خارج مصر يشعرون أن زملاءهم فى العمل من أجانب أو خليجيين ترسخ فى ذهنهم أن كل المصريين كما شاهدوهم فى الفيلم، إنها بالطبع حساسية مفرطة، لابد أن نتخلص منها، علينا إدراك أن فى كل دول العالم يوجد عشوائيات وقاذورات وأعتقد أنه لا يسىء لمصر تصويرها، ولكن يسىء لمصر انتشارها بدون حل، السينما شاءت أم أبت، تقدم صورة لمصر ويعرف الناس البلد من خلال الشريط السينمائى.
بدأنا السينما مواكبين لميلاد السينما فى العالم فى القرن الماضى، وأتذكر فيلم صوره الأخوان «لوميير» لكوبري قصر النيل عند بنائه عام 1896، قدمنا فيلمًا عن نفس الكوبري بعد مرور قرن من الزمن عام 1996، صور المخرج «أحمد عاطف» حال الكوبري الآن فاكتشفنا إلى أى مدى وثقت السينما المكان، الأخوان «لوميير» حفظا لنا صورة حية للكوبري.
وفى الأفلام القديمة رأينا أن شوارع مصر هادئة ونظيفة مثل فيلم (حياة أو موت) لكمال الشيخ، جزء كبير من أحداث الفيلم تجرى فى الشارع والمذيع يحذر قائلًا: (الدواء فيه سم قاتل)، السينما أيضًا توثق للغة التخاطب، اللهجة تتغير من وقت لآخر، فى الماضى كان يقال للأم: (نينة) فهل ينادى أحد الآن أمه قائلاً: يا (نينة) مثل «عماد حمدى» أشهر من قال (نينة) فى تاريخ السينما، لا أحد يستخدم الآن جملة (صدقينى أنا بحبك يا دولت)، مع ملاحظة أن (صدقينى) كانت تنطق هكذا (صضئينى)، يتحول حرف «الدال» إلى «ضاد».
وزير الثقافة الجديد أحمد هنو، مثقل بعشرات من القضايا والملفات العاجلة، ولكنى أرى أن على رأسها، إنقاذ ذاكرة مصر البصرية والسمعية، المهددة بالزهايمر!