الثلاثاء 2 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

11 عامًا على ثورة التغيير إعادة بناء جسور السياسة الخارجية المصرية بعد 30 يونيو

11 عامًا مرت على ثورة الشعب المصرى للمطالبة بحريته وليكون سيد قراره، حيث كانت ثورة 30 يونيو خطًا فاصلًا بين تحقيق الحلم والوقوف أمام واقعه المرير، فبعد عام من المعاناة والظلم جاءت الثورة ضد الجماعة الإرهابية لتثبت أن الشعب المصرى القوى لن يخضع أمام أى من التحديات والأزمات، وكانت الثورة الثانية ضد ظلم الاحتلال إذا حق القول، ففى عام 1952 كانت ثورة الجيش والشعب أمام قوى الاحتلال الإنجليزى لتحقيق الاستقلال الوطنى، ثم جاءت ثورة 30 يونيو لتكمل هذا الطريق، وكان للسياسة الخارجية المصرية نهج جديد يقوم على الندية والمساواة بين جميع الدول، دون فرض سيطرة معينة أو دون التحيز لفصيل دون آخر.



 

كذلك دعم السلم والأمن العالمى واتباع الدبلوماسية التى تحافظ على حقوق بلدنا دون المساس بحقوق الآخرين، وهو الأمر الذى أكد على أهمية مصر إقليميًا ودوليًا، كما استطاعت مصر أن تنفتح بصورة أكبر فى عدة مناطق وأقاليم أخرى، من العمق الإفريقى للشرق الأسيوى لدول العالم اللاتينى والشرق الأوروبى أيضًا لدعم الصداقة وفتح آفاق جديدة للتعاون.

 المحاور الرئيسية

أسست ثورة 30 يونيو المجيدة فى 2013، للجمهورية الجديدة ومشروع بناء مصر الحديثة، وكان من أبرز ملامح تلك الجمهورية هو إعادة رسم وهندسة السياسة الخارجية وإدارة مصر لملفات وقضايا العلاقات الدولية، والتى ارتكزت على تعزيز المصالح المصرية، وتعظيم دور مصر الإقليمى، فى منطقة مضطربة وعالم يموج بالمتغيرات والاستقطاب الحاد بين الدول الكبرى، إضافة إلى الربط بين السياسة الخارجية والتنمية فى الداخل، من خلال دبلوماسية التنمية التى ارتكزت على توظيف علاقات مصر القوية مع جميع دول العالم ومصداقية السياسة الخارجية المصرية فى بناء شراكات اقتصادية واستراتيجية مع كل دول العالم والاستفادة من المزايا النسبية التى تتمتع بها الاقتصاديات العالمية سواء الدول المتقدمة أو الدول المتوسطة، وجذب الاستثمارات الأجنبية وفتح أسواق جديدة أمام السلع والمنتجات المصرية وتوطين التكنولوجيا، ولذلك أحد البنود الأساسية فى جولات الرئيس السيسى الخارجية هو الاجتماع مع كبريات الشركات العالمية وأصحاب الأعمال لعرض الفرص الاستثمارية الواعدة التى تتمتع بها مصر، خاصة فى المشروعات القومية العملاقة مثل محور التنمية فى قناة السويس والعاصمة الإدارية الجديدة وغيرهما من المشروعات العملاقة التى تنتشر فى كل ربوع البلاد، فى ظل مناخ الاستقرار السياسى والأمنى الذى تتمتع به البلاد وتحسين مناخ الاستثمار.

وشهدت السياسة الخارجية المصرية العديد من التغيرات الإيجابية على مدار العشرة أعوام الماضية، والتى جعلت مصر تتبوأ مكانة متميزة سواء على المستويين الإقليمى والإفريقى، أو على المستوى الدولى، وأيضًا على مستوى تدعيم وتقوية العلاقات الثنائية مع معظم دول العالم، ويمكن فى هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات الآتية:

أولًا: على مدار عقود كانت السياسة الخارجية المصرية ترتكز بؤرة اهتمامها على عدد معين من الدول، بينما تراجع الاهتمام بالعديد من الدول الأخرى فى العالم خاصة فى قارتى آسيا وأفريقيا وأيضًا فى قارة أمريكا الجنوبية، التى يمكن أن نصفها بالدول ذات التجارب التنموية الواعدة، أو ذات الاقتصادات المتصاعدة، وترتب على هذا التوجه والاقتصار على عدد محدود من الدول فى اهتمام السياسة الخارجية المصرية حدوث درجة من التراجع النسبى للدور المصرى على المستويين الإقليمى والدولى.

ثانيًا: عقب ثورة 30 يونيو شهدت سياسة مصر الخارجية العديد من التغيرات والتطورات، تمثلت فى الانفتاح المستمر والإيجابى على مختلف دول العالم فى الشرق والغرب، إضافة بطبيعة الحال إلى دول الاتحاد الأوروبى، والولايات المتحدة، كما اتجهت مصر إلى تعميق العلاقات بالقوى السياسية والاقتصادية المتنامية فى العالم مثل الصين، وروسيا، ودول النمور الآسيوية، وأصبح أحد الأهداف المهمة للسياسة الخارجية المصرية هو الانفتاح على التجارب الاقتصادية والتنموية المختلفة، بحيث تنعكس السياسة الخارجية النشطة على الواقع الاقتصادى والتنموى.

ثالثًا: تعددية محاور السياسة الخارجية المصرية وهى ظاهرة ملحوظة على مدار 10 أعوام، حيث شهدت السياسة الخارجية لمصر عدة محاور مهمة وهى:

 الاتجاه للاستقرار

1 -الأشقاء فى الشرق: عملت مصر على زيادة التعاون بين أشقائها العرب تأكيدًا على ارتباط الأمن القومى المصرى بالأمن القومى العربى، والاهتمام المكثف من جانب مصر بالملفات العربية الساخنة سواء فى فلسطين، ليبيا، أو اليمن، أو سوريا، أو العراق، وأخيرًا السودان، ودعت السياسة المصرية إلى إيجاد حلول سياسية وسلمية لهذه القضايا العربية، وعدم حدوث تدخلات إقليمية أو دولية فى الشأن العربى، كما لعبت مصر دورها المهم فى إعادة سوريا إلى محيطها العربى وإلى الجامعة العربية.

وكانت الدبلوماسية المصرية ركيزة أساسية فى جميع القضايا العربية؛ ففى ليبيا لم تأل القاهرة جهدًا لوضع نهاية للأزمة الليبية؛ حيث تؤكد مصرُ على ضرورة التوصل إلى تسوية شاملة ومستدامة للأزمة الليبية تحافظ على وحدة وسلامة الأراضى الليبية، واستعادة دور مؤسّسات الدولة الوطنية ومحاربة الإرهاب، واستضافت مصرُ فى هذا الإطار العديدَ من الاجتماعات واللقاءات بين الأطراف الليبية، فضلًا عن الحرص على المشاركة فى الفعاليات الدولية والإقليمية الخاصة بليبيا.

وفيما يخص القضية الفلسطينية؛ تؤكد مصرُ على موقفها الثابت من القضية ودعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى؛ ومع انفجار العدوان الإسرائيلى على أهالى غزة، كانت مصر هى درع بقاء القضية الفلسطينية، ورفضت جميع الضغوط الدولية التى كانت تحاول دمس قطاع غزة واحتلال أراضيه، كما قدمت مصر العديد من المساعدات الإنسانية لأهالى القطاع وعملت على إدخال الجرحى والمصابين فى المستشفيات الميدانية فى سيناء، وعمل الرئيس السيسى فى جميع المحافل الدولية للتأكيد على حق الفلسطينيين فى أراضيهم ولن يتم التنازل عن حقوق هذا الشعب.

كما ساهمت مصر فى إعادة القضية الفلسطينية إلى قلب أجندة المجتمع الدولى، وضرورة الحل السياسى لهذا الصراع عبر حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. وعلى المسار الإنسانى فإن مصر هى الداعم والسند الرئيسى للفلسطينيين فى محنتهم حيث قدمت أكثر من 87 % من المساعدات الإنسانية للقطاع. وعلى المسار الأمنى سعت إلى التوصل إلى اتفاق دائم لإطلاق النار لوقف نزيف الدم الفلسطينى، إضافة إلى كشف جرائم الاحتلال ومحاكمته على تلك الجرائم فى القضاء الدولى.

أما على مدار الأعوام الماضية فكانت مصر صاحبة العديد من المبادرات التى تدعو إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية والاعتراف بحقوق شعبها، وفى عام 2014 استضافت القاهرة مؤتمر إعادة إعمار غزة، وأطلقت المبادرة المصرية لإعادة إعمار غزة وتقديم مساعدات قيمتها 500 مليون دولار للقطاع.

وفيما يتعلق بدول الخليج العربى؛ تعمل مصر على تعزيز التعاون مع دول الخليج وتؤكد دومًا على ارتباط أمن الخليج بأمن مصر القومى.

أمّا أزمة لبنان؛ فقد شاركت مصر بفعالية فى مؤتمر دعم لبنان الذى نظمته الأمم المتحدة، كما تساند باستمرار الشعب اللبنانى لتجاوز أزمته الراهنة.

ومنذ عام 2014، تعمل مصر على توثيق علاقاتها مع الدول العربية الشقيقة؛ حيث تم تدشين آلية التعاون الثلاثى بين مصر والأردن والعراق واستضافت مصر أول اجتماع فى عام 2019.

2 - التوجه نحو الجنوب الإفريقى: وذلك لأن للقارة الإفريقية أهمية حيوية لمصر، ويرتبط الأمن القومى المصرى بالقارة الإفريقية التى ينبع منها شريان الحياة لمصر، أى نهر النيل، وترتب على ذلك الاهتمام المصرى بقارتها الإفريقية تزايد الدور المصرى فى القارة السوداء، وأصبحت مصر فى نظر دول العالم المدخل للقارة الإفريقية من مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية، ونظرًا لهذا الاهتمام المكثف من جانب مصر بإفريقيا والقضايا الإفريقية تولت رئاسة الاتحاد الإفريقى فى 10 فبراير 2019 لمدة عام.

3 - التوجه إلى الشرق الأدنى: وكانت قارة آسيا إحدى اهتمامات السياسة الخارجية المصرية على مدار الأعوام الماضية، وتوطدت أشكال التعاون المصرى الآسيوى فى مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، وفى مجال الاستثمار والتبادل التجارى، والسياحة، والاستفادة من تجارب الدول الآسيوية فى مجال التنمية، كما كانت لقاءات القادة فى مصر ودول الشرق الآسيوى الصين والهند واليابان ودول النمور الآسيوية ذات أهمية كبرى أدت إلى تعميق الصداقة والتعاون بين الأطراف فى عدة محاور آساسية.

4 - الغرب ودعم العلاقات: وفيما يخص العلاقات المصرية مع الجانب الغربى فقد شهدت العام الماضى تحديدًا تعاونًا قويًا بين مصر والجانب الغربى خاصة بعد أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، وحاولت الدبلوماسية المصرية أن تلعب دورًا فى رأب الصراع الدائر بين موسكو وكييف وحلفائهما للتوصل لحل أزمة الحرب والنأى بأرواح الملايين من الضحايا.

وفيما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة، شهدت السنوات الماضية زخمًا كبيرًا فى العلاقات بين القاهرة وواشنطن فى المجالات، وتم استئناف الحوار والتعاون الاستراتيچى مع الولايات المتحدة فى عام 2015. 

كما شهدت السنوات الماضية أيضًا تكثيفًا للزيارات التبادلية مع كندا والدول اللاتينية لتطوير العلاقات الثنائية بمختلف المجالات، بالإضافة إلى دخول اتفاقية التجارة الحُرة المُوَقّعة بين مصر وتجمع دول الميركسور حيز التنفيذ منذ سبتمبر 2017.

 البريكس:

رغم حداثة عهد تكتل بريكس وصغر عدد أعضائه (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) ثم انضمام أعضاء جدد للتكتل من ضمنها مصر، مقارنة بنظرائه من التكتلات الاقتصادية كالاتحاد الأوروبى والآسيان، فإن بريكس أصبح اليوم أحد أهم التكتلات الاقتصادية فى العالم؛ نظرًا للثقل الاقتصادى لدوله فى ظل ما تتمتع به من إمكانات بشرية وصناعية وزراعية، بما جعل قراراته محط اهتمام وتأثير عالميين.

وعلى مدى العقد الماضى، تطورت مجموعة «بريكس» إلى شراكة استراتيجية متعددة التخصصات تقوم على ثلاث «ركائز» رئيسية - السياسة والأمن، والاقتصاد والتمويل، والثقافة والعلاقات الإنسانية، وتُبنى العلاقات بين شركاء «بريكس» على أساس المساواة والاحترام المتبادل، فضلًا عن مبادئ الانفتاح والبراغماتية والتضامن وعدم التوجيه ضد الأطراف الثالثة.

وبالنظر إلى الثقل التجارى العالمى لتكتل البريكس فى عام 2022، وجد أن الصين تتصدر دول العالم بحصة تصديرية تبلغ نحو 15 % من إجمالى الصادرات العالمية، وتأتى فى المرتبة الثانية من حيث الاستيراد بحصة عالمية تجاوزت 11%، ولم يقتصر الثقل على الصين وحسب، فهناك روسيا -الثانية عالميًّا فى تصدير الوقود- تأتى فى الترتيب 15 عالميًّا من حيث الصادرات، فيما تحتل الهند المرتبة 21 على مستوى التصدير عالميًّا والـ 17 عالميًّا من حيث الاستيراد.

دبلوماسية القمة

شهدت السياسة الخارجية المصرية فى السنوات الأخيرة نشاطًا مكثفًا على مستوى دبلوماسية القمة، أى دبلوماسية القادة والزعماء، من خلال لقاءات متعددة للسيد الرئيس مع معظم قادة ورؤساء العالم، سواء فى القاهرة أو خارجها، ويتم التوصل خلالها إلى تفاهمات حول القضايا المختلفة وتوقيع بروتوكولات للتعاون الثنائى علاوة على التوافق حول القضايا ذات الاهتمام المشترك.

ونتيجة لهذه المحاور المتعددة للسياسة الخارجية المصرية فقد اتسمت هذه السياسة عقب 30 يونيو بالتوازن والاستقلالية والمرونة، واستطاعت مصر الحصول على عضوية مؤقتة لمدة عامين فى مجلس الأمن، وذلك فى عامى 2016 و2017، ما زاد من ثقلها فى عملية صنع القرار على المستوى الدولى، ونتوقع استمرارية التزايد فى أهمية الدور السياسى المصرى إقليميًا ودوليًا فى المستقبل.