الجمعة 18 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

بعد كتابها «مذكرات الوحدة» دينا محمد أحمد: احترفت فن الكولاج ودعمنى نفسيا

تتخفف من أعبائها وآلامها بالكتابة، وتشارك قراءها دومًا رحلاتها الشيقة، وتنقل تصوراتها عن الأشياء من حولها، تتأرجح بين المشاعر المختلفة بين الأفراح والأحزان، الأمل واليأس، الواقع والأحلام.. هى الكاتبة «دينا محمد أحمد» التى برعت فى كتابة نصوص نثرية وقصص والعديد من المقالات.. حاورتها «روزاليوسف» للتعرف أكثر على نشأتها، وحبها للكتابة فى مجالات عديدة منها الأدب والثقافة وحقوق المرأة والطفل، وكيف أثرت عليها من الناحية النفسية والدراسية، وأيضًا احترافها مؤخرًا فن الكولاج، وتأسيسها نادى العربية لتبسيط اللغة العربية وقواعد النحو، وإعداد منهج للغة العربية، وكذلك التعرف على آمالها المستقبلية.. وفيما يلى نص الحوار:



 لو تحكيلنا فى البداية عن نشأتك، وكيف اكتشفتى موهبتك؟

- بدأتُ كالأغلبية من الكُتاب.. والدى يعمل معلمًا، وحين لم يتجاوز عمرى الست سنوات كان وقتها هناك مهرجان أو حملة «القراءة للجميع»؛ لتشجيع الشباب والأطفال فى مصر على القراءة، فشجعنى ذلك على القراءة بنَهم مبكرًا، وكنت أستعير كتبًا من مكتبة المدرسة.. ونحن نقطن بقرية فى محافظة الشرقية بعيدة عن المكتبات، ولا يوجد سوى بائع واحد أو اثنين للجرائد لم أجد عندهم إلا مجلة «العربى» وهى مجلة شهرية ثقافية، فلم أتمكن من قراءة مجلات الأطفال كعلاء الدين وميكى فى صغرى؛ مما كان له تأثير لاحقًا على اهتماماتى فى الكتابة.

وتتابع: كنت طفلةً خيالها يسبح فى آفاق بعيدة، فطوال الوقت هناك عوالم وحكايات برأسى، وحين أرى أحدًا أمامى أبدأ فى تأليف قصة له حسب مظهره وحياته، إلى أن قصصت بعض الحواديت على أختى الكبيرة فاقترحت علىَّ أن أكتب قصصًا، فبدأنا بالفعل حين كنت فى الصف الثالث الابتدائى بتأليف القصص، ومن ثم تقوم أختى بدور المحرر الأدبى، والتأكد من عدم وجود أخطاء إملائية، أو ترهلات فى الصياغة، أما بداية كتابتى الفعلية ففى الصف الخامس الابتدائى.

وكانت تزامنًا مع ذلك أكتب شعرًا، ولا زلت حتى الآن أكتب قصائد نثر، تحمل صورًا ومعانى شاعرية وأغلبها تكون ذات موضوع واحد: «كنت أقرأ لشعراء كبار كأحمد شوقى وإبراهيم ناجى وحافظ إبراهيم.

وتشير إلى أن البيت الذى تربيت فيه لم يكن لديه أى تأثير بالمد الوهابى أو السلفى، أو أى من الحركات التى تنامت فى فترة التسعينيات 

 ما دور أسرتك تجاه ذلك؟ ومن أكثر الداعمين لكِ؟

- أكبر الداعمين لى أختى الكبيرة؛ حيث ساعدتنى كثيرًا فى الكتابة، وتعزيز ثقتى بنفسى.. وأول قصة كتبتها كانت عن الحيوانات، وثانى قصة اسمها «الجميلة ياسمين» عن فتاة تحب فارس شجاع ويموت، ثم بتتابع الأحداث تحب الأمير الذى سيصاب بالسحر، ومن المفترض أن تضحى بنفسها من أجله. وكنت متأثرة فى ذلك بقصة حورية البحر.

 

 

 

 تميزتِ فى اهتمامك بمجالات كثيرة ومنها الأدب والثقافة والفن وحقوق المرأة والطفل.. فما أكثر مجال من بينها تجدين فيه نفسك؟

- أحب كل تلك المجالات وأتذكر أن بداية كتابتى للمقالات كانت بمبادرة نسوية اسمها «سوبروومن» عام 2020، وأشعر صراحةً أن حقوق المرأة هى جزء من تكوينى، فمنذ أن كنت طفلةً، وأنا أراقب كل الممارسات ضد السيدات والفتيات، خاصةً كونى نشأت فى الريف.. لا أحب التمرد بلا سبب أو المبالغة فيه بمعنى أصح، ولكن كانت هناك أسباب عديدة لتمردى، ومنها التنميط وعدم إعطاء النساء نصيبهن من الميراث؛ فهذا لا يقبله الدين ولا المنطق، فكنت متأثرة منذ صغرى بكل ما يخص حقوق المرأة، وضرورة وجود ذمة مالية منفصلة لها، وفهمى للجانب الدينى منها نابعًا من دراستى بالأزهر، وكنت أحلم دائمًا بالعمل فى المجلس القومى للمرأة.

وبالنسبة للأدب والثقافة أو الكتابة الأدبية، فتقول: «هى جزء أصيل منى، فلا أجيد التعبير عن نفسى فى كثير من المواقف، وخصوصًا فى صغرى إلا بالكتابة؛ فالكتابة هى لسانى.. وشعرت بهذا وقت تعرضى لصعوبات اجتماعية تجاوزتها حين كبرت، ووجود therapist أو المعالج النفسى، فساعدتنى الكتابة فى ترجمة مشاعرى، وأسعفتنى فى أوقات كثيرة ليس فقط على المستوى النفسى، ولكن أيضًا على المستوى الدراسى.

وتضيف، أن كتابة القصص والحواديت عشقها، فحين كانت فى فترة الثانوية العامة، ولم يكن أحد يذهب إلى المدرسة، ووالدها قرر ألا تأخذ دروس خصوصية، فاستطاعت أن تشجع عددًا من زملائها على الإتيان إلى المدرسة على طريقة «شهرزاد»، فكانت تحكى لهم حكايات طويلة فى شكل حلقات مسلسلة، وكل يوم تتوقف عند جزء مشوق ليتحمسوا لاستكمالها. أما عن حقوق الطفل فتؤكد أن الأطفال فى مجتمعاتنا يحتاجون إلى العمل على متطلباتهم واحتياجاتهم بشكل كبير، ووالديهم بحاجة إلى المزيد من الوعى. وتستنكر أنه لا زال هناك أطفال يعملون فى سن المدرسة، وهناك طفلة تحمل طفلة مثلها (تزويج الأطفال أو الزواج القسرى).

 يعتبر كتاب «مذكرات الوحدة» من أنجح أعمالك.. فما أكثر شىء قادك لكتابة هذا العمل تحديدًا؟

- كتبت فى النبذة عن الكتاب بموقع أبجد، أنه «فى العام 2019، أنهت الفتاة التى تُدعى دينا دراستها وعادت للمنزل بعد ترحال دام لخمس سنوات، استقرت أخيرًا وهى لم تحقق حلمًا واحدًا مما حلمت، أنهت الدراسة بلا تقدير ممتاز أو تعيين فى الجامعة، لم تنشر كتابًا أو كتابين كما حلمت، لم تتزوج عن قصة حب مبهرة من رجل يفخر بها، لم تجد وظيفة أو عملًا، فقدت عمها الأحب منذ سبعة أيام، تشعر بالحزن والاغتراب والوحدة، البيت ممتلئ أب وأم وإخوة وابنة أخ صغيرة تشبهها كثيرًا تتبعها كظلها، قريتها تمتلئ بالكثير من الناس فالعائلة كبيرة وتجاور بعضها، وصفحة الفيسبوك تمتلأ بألفين من الأصدقاء، ولكنها وحدها كانت تشعر بأن حياتها توقفت!».

وقررت حين شعرت بتلك الوحدة، أن تنقل تجربة شديدة الذاتية فى شكل خواطر أدبية بهذا الكتاب، وأن تترك لألمها العنان: «شعرت بأننى فاقدة لكل شيء، لم يكن لدى عمل، أو قصة حب، فضلًا عن حزنى الشديد على موت عمى، وشعورى بالاغتراب وسط أهلى وأصدقائى وجميع من حولى، ولا أملك سوى الكتابة.. لم أكن أعرف حينها ما هو التشافى بالكتابة، ولا أدب الاعتراف، يومها كتبت فقط «اسمى دينا» وبدأت سلسلة من الكتابات الذاتية.. وفكرة الانطلاق من الذات ظلت تلازمنى فترة عند كتابتى للمقالات وكانت مشكلة؛ لأن المقالات تحتاج إلى الحيادية أكثر من الذاتية».

 

 

 

 منذ متى وأنتِ تستخدمين فن الكولاج؟ وكيف ساعد فى توصيل رسائلك للقراء وحب اللغة العربية أيضًا؟

- اكتشفت فن الكولاج منذ فترة قريبة، وانبهرت به جدًا، وحين قررت العمل عليه فعلت ذلك إلكترونيًا؛ لأننى فكرت فى أنه حين أفعله على الورق فلا يلزمنى بعدها.. أنا لا أحب عمومًا أى ازدحام أو فوضى، ففرحت حين احترفت هذا الفن إلكترونيًا، وساعد فى دعمى من الناحية النفسية، وتخفيف الضغط الذى علىَّ، حيث كنت أحتاج إلى عمل شىء فنى جديد لا يمثل ضغط بالنسبة لى، وبطبيعتى أنا أحب الجمال فساعدنى فى توظيف ذلك.. فالنص حين يكون فى شكل جميل يعطى جرعة مكثفة من الجمال للمتلقى، وأنا كنت أمر بمرحلة من الاحتراق النفسى، وفكرة الاستيقاظ يوميًا وفتح البرنامج لعمل عدة تصميمات، غيرت فى ذهنى نظرتى للأمور وأخرجتنى من تلك الحالة.

 على غرار ذلك تأسيسك لنادى العربية للصغار من أجل تيسير اللغة العربية.. فما هى آلية عمله ونسبة الإقبال إلى الآن؟

- أسست نادى العربية للتحدث مع الأطفال عن اللغة وأصلها وتاريخها وكل ما يخصها، وكنت أريد أن يشعروا بأنها ليست معقدة أو صعبة، مع تعريفهم بالتشكيل وأهميته، فهو يعد أزمة لأغلبهم.. وكنت أعانى فى صغرى من صعوبات فى تعلم وفهم اللغة العربية، فلم أكن أعرف التفرقة بين الفاعل والمفعول به، ولا أعرف ما هو المضاف إليه، فلم أجد من يقف ويعطينى دقيقتين من وقته لتبسيط ذلك.. وحين يسألنى أحد الطلاب كيف بدأ النحو، فتكون تلك الحصة عبارة عن حكايات لتوصيل ذلك الأمر بسهولة.

وتستطرد: «أنا أمسك بجملة معينة وأفككها، وأقول دور كل كلمة منها، وبناءً على هذا الدور يكون إعرابها كذا، وأشرح أى علامة إعراب ستأخذها.. وبدأت مؤخرًا فى عمل فيديوهات بسيطة تتحدث عن الأخطاء الشائعة فى الكتابة، وفى كتابة اللهجة العامية عبر الفيسبوك للخروج بأقل ضرر، فهناك من يكتب كلمة جدًا آخرها نون، ولفط الجلالة آخره تاء مربوطة، وهناك من يحذف الألف فى كلمة أنا، وغير ذلك.. فأخاف كثيرًا على اللغة العربية وعلى مكانتها، وأرى أن كونى عربيًّا فيجب أن أتقن لغتى، كما اكتشفت أنه لكى أتقن لغة أجنبية، ففهمى للغتى الأم يسهل ذلك كثيرًا. 

 وأخيرًا.. ما الذى تتطلعين لتحقيقه فى المستقبل؟

- أتطلع لأن أصبح شخصية مؤثرة، وأترك ورائى أثرا رائعا سواء فى قصص الأطفال أو الروايات أو نادى العربية أو فى المقالات التى أكتبها، وأريد حين يفتح أحدهم فيديو تعليمى رفعته، لا أقول أن يدعو لي؛ بل يبتسم ويسعد على الأقل، ويشعر أننى سهلت عليه معلومة، فهذا أعظم شيء فى نظرى، وأهم أثر يتركه الإنسان أن يبسط ويسهل الأمور على من بعده. 