الجمعة 18 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

أول اجتماع مباشر بين وزيرى دفاع البلدين منذ 18 شهرًا هــــل يصلــــح «حوار شانغريلا» الأمنى ما أفسدته السياسة بين واشنطن وبكين

هيمنت العلاقات العاصفة بين الولايات المتحدة والصين على الدورة الـ(21) من «قمة الأمن الآسيوى» أو منتدى «حوار شانغريلا» الأمنى الذى يحضره مسئولون دفاعيون من حول العالم لكنه تحول فى السنوات الأخيرة إلى مقياس للعلاقات الصينية - الأمريكية!.. فمن الجمعة إلى الأحد الماضيين، شهد البلدان تصادمًا وتنافسًا حادًا حول رؤى الأمن العالمى فى أول اجتماع مباشر يجمع بين وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن ونظيره الصينى دونغ جون منذ 18 شهرًا.



محادثات نادرة

وعلى الرغم من سعى كلا الوزيرين إلى تحقيق الاستقرار فى العلاقات العسكرية بين بلديهما وتجنب حدوث أزمة فى آسيا، كشف الاجتماع النادر بينهما فى فندق شانغريلا الفخم بسنغافورة، عن خلافات حادة وعميقة حول تايوان والنزاع بشأن بحر الصين ومنطقة «الإندو-باسيفيك».

وقد كشفت تصريحات الوزير الصينى دونغ جون عن الغضب الصينى جراء نشر الولايات المتحدة بشكل دورى سفنًا حربية وطائرات مقاتلة فى مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبى حيث ترى بكين أن هذه الإجراءات تندرج فى إطار مساعى الولايات المتحدة المتواصلة منذ عقود لاحتوائها.

تهديدات عقابية 

وخلال الاجتماع أكد دونغ جون أن بلاده ستتحرك بحزم  وقوة  للدفاع عن وحدة أراضيها، ومنع أى محاولات لانفصال تايوان، لافتًا إلى أن «جيش التحرير الشعبى الصينى كان دائمًا قوة كبيرة وصلبة فى الدفاع عن توحيد الوطن الأم (الصين) وسيتحرك بحزم وقوة فى كل حين لمنع انفصال تايوان، وضمان عدم نجاح مثل هذه المحاولات»، محذرًا من أن كل من يجرؤ على فصل تايوان عن الصين «سيتسبب بتدمير نفسه».

قائلًا: «كل من يجرؤ على فصل تايوان عن الصين سيسحق إلى أشلاء، ويتسبب بتدمير نفسه».

للصبر الصينى حدود

وفيما يتعلق ببحر الصين الجنوبى، حذر دونغ من أن لضبط النفس الذى تمارسه بكين «حدودًا».

وقال دونغ إن «الصين حافظت على ما يكفى من ضبط النفس فى مواجهة انتهاكات الحقوق والاستفزازات، لكنَّ هناك حدودًا لذلك».

وحول المحادثات التى أجراها مع نظيره الأمريكى لويد أوستن فى شانغريلا، قال دونغ: «كنا دائمًا منفتحين على التبادلات والتعاون، لكن هذا يتطلب من الجانبين أن يلتقيا فى منتصف الطريق»، مضيفًا: «نعتقد أننا بحاجة إلى مزيد من التبادلات تحديدًا لأن هناك خلافات بين جيشينا».

استراتيجية مصيرها الفشل 

وخلال المنتدى وفى سياق القضايا الأخرى محل الخلاف بين البلدين، انتقد مسئول دفاعى صينى الاستراتيجية الأمريكية فى منطقة المحيطين الهادئ والهندى «الإندو-باسيفيك»، لافتًا إلى أنها لا تخدم سوى المصلحة الذاتية للولايات المتحدة وبأن هذه الاستراتيجية مصيرها الفشل، وقال جينغ جيان فنغ، وهو نائب رئيس هيئة الأركان المشتركة للجنة العسكرية المركزية الصينية، فى حديثه مع وسائل الإعلام خلال المنتدى إن الكلمة التى ألقاها وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن، والتى روّجت لـ«استراتيجية إندو-باسيفيك» الأمريكية، كانت خطابًا سياسيًا فقط.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة، تحت شعار تعزيز التعاون الإقليمى، تتمسك بعقلية الحرب الباردة وتنخرط فى ألعاب محصلتها صفر وتشكل «أندية» حصرية وتهدف إلى دمج التكتلات الصغيرة فيما تسمى «نسخة الناتو فى منطقة آسيا-الباسيفيك» بغية الحفاظ على الهيمنة الأمريكية.

وأكد أن التنمية المستقرة للعلاقات العسكرية بين الصين والولايات المتحدة، تخدم المصالح المشتركة للجانبين ويتطلع إليها المجتمع الدولى.

وحث الجيشين على ضرورة تنفيذ التوافق الذى توصل إليه رئيسا البلدين، والتمسك بروح عدم الصراع وعدم المواجهة، والعمل كحجر زاوية لاستقرار العلاقات الثنائية.

وأعرب جينغ عن أمله فى أن تعمل الولايات المتحدة على مطابقة أفعالها مع أقوالها، وأن تعزز التواصل، وأن تدفع التعاون بموجب مبدأ تقدير السلام، وأن تعطى الأولوية للاستقرار، وأن تتمسك بالمصداقية لاستكشاف طريقة صحيحة للتوافق بين البلدين، بما يعود بالنفع على البلدين ويلبى التطلعات العالمية. 

جاءت تصريحات المسئول الصينى معبرة عن حالة التنافس الشديد التى تشهدها منطقة المحيطين الهادئ والهندى «الإندو-باسيفيك» بين أكبر قوتين فى العالم، حيث ترى بكين أن ما تسمى «استراتيجية إندو-باسيفيك» الأمريكية هى التى تخلق الصراع والمواجهة، وتحتوى وتُطوق الآخرين.

مسرح عمليات ذي أولوية 

على الجانب الآخر، وفى إطار سعيها للحفاظ على مكانتها فى العالم، تقوم الولايات المتحدة الأمريكية بإرساء استراتيجيات لمد نفوذها إلى العديد من المناطق المهمة بالنسبة إلى استراتيجية الأمن القومى للولايات المتحدة المرتبطة بمنطقة المحيط الهادئ-الهندى «الإندو-باسيفيك»، لمواجهة النفوذ العسكرى والاقتصادى المتسارع للصين فى جميع أنحاء المنطقة.

وهذا بدوره يفسر ما صرح به وزير الدفاع الأمريكى، لويد أوستن، خلال المنتدى، بأن الولايات المتحدة «لا يمكن أن تكون آمنة إلا إذا كانت آسيا آمنة»، وتأكيده على أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تبقى «أولوية» لواشنطن ولهذا السبب حافظت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة على وجودها فى هذه المنطقة.

وأضاف إنه على الرغم  من الصراعات  فى أوروبا والشرق الأوسط، فإن منطقة المحيطين الهندى والهادئ «تبقى مسرح عمليات ذا أولوية لنا».

ومن جهة أخرى، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) إن الوزير أوستن أثار المخاوف بشأن النشاط العسكرى للصين خلال اجتماع مع نظيره الصينى فى سنغافورة، وهو أول لقاء مباشر بينهما منذ عام 2022.

وذكر الميجر جنرال باتريك رايدر من القوات الجوية فى بيان بعد الاجتماع: «عبّر الوزير عن قلقه إزاء النشاط الاستفزازى الأخير لجيش التحرير الشعبى الصينى فى مضيق تايوان، وأكد مجددا أن جمهورية الصين الشعبية يتعين ألا تستخدم التحول السياسى فى تايوان، وهو جزء من عملية ديمقراطية روتينية طبيعية، ذريعة لاتخاذ إجراءات قسرية».

هجوم مبطن 

ورغم انعقاد الآمال على هذه المباحثات العسكرية النادرة وجهًا لوجه على هذا المستوى بين البلدين لضبط التوترات بشأن قضايا خلافية عدة أبرزها تايوان، لا سيما مع اعتزام البلدان على استئناف الحوار العسكرى بينهما خلال الأشهر المقبلة ووصف المحادثات التى جرت بينهما على هامش «منتدى شانغريلا» الدفاعى المنعقد فى سنغافورة بالإيجابية، يرى البعض أن ربط وزير الدفاع الأمريكى لويد أوستن أمن بلاده بأمن منطقة آسيا والمحيط الهادى، وتوجيهه هجومًا مبطنًا للصين بسبب نشاطها العسكرى فى مضيق تايوان بعد يوم من لقائه النادر بنظيره الصينى على هامش المنتدى، إلى جانب تأكيده على أن التزام الولايات المتحدة الدفاع عن الفلبين بموجب معاهدة الدفاع المشترك لا يزال «ثابتا»، فى وقت أصبحت فيه الاشتباكات بين السفن الصينية والفلبينية فى بحر جنوب الصين أكثر تواترًا، يثير مخاوف من اندلاع نزاع أوسع نطاقا.

وفى هذا السياق يسلط مقال نشرته مؤخرا صحيفة جلوبال تايمز الصينية الرسمية حول «حوار شانغريلا» الأمنى، للمحلل والخبير العسكرى هى لى وهو نائب الرئيس السابق لأكاديمية العلوم العسكرية لجيش التحرير الشعبى الصينى، تحت عنوان الصين والولايات المتحدة تظهران رؤيتين مختلفتين تماما للأمن العالمى - الضوء على عمق الخلافات بين الدولتين على الرغم من الرسائل المتبادلة والاتفاق على «التواصل».

وأن حوار شانغريلا فى سنغافورة قد لا يعطى أى إشارة على ذوبان الجليد ​​بين الولايات المُتحدة والصين، وكما يرى المحلل العسكرى الصينى فإن الخطابات التى ألقاها وزير دفاع الولايات المتحدة لويد أوستن فى حوار شانغريلا فى العام الماضى وهذا العام تعكس بوضوح وجهة نظر الولايات المتحدة بشأن الأمن العالمى. 

إذ يقول كاتب المقال: فى العام الماضى، سلطت تصريحات وزير الدفاع الأمريكى الضوء على أن الولايات المتحدة تعمل على تعزيز شراكاتها فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ «لتعزيز السلام والازدهار فى هذه المنطقة». فكيف تحقق الولايات المتحدة ذلك؟ وقد تجسدت هذه الإجابة فى خطاب أوستن الاخير. 

ويضيف: عنوان الخطاب الذى ألقاه أوستن فى المؤتمر هو «الشراكات الاستراتيجية للولايات المتحدة فى منطقة المحيطين الهندى والهادئ»، وهو ما يعنى بشكل أساسى الاعتماد على تعزيز وتوسيع شراكات التحالف، وتعزيز AUKUS، وQuad، وغيرها من «المجموعات الصغيرة»، وتشكيل تحالف جديد فى آسيا والمحيط الهادئ ليكون نسخة على غرار حلف شمال الأطلسي»، لاحتواء وقمع الصين، منافسها الاستراتيجى الرئيسى والحقيقة هى أن هذا النهج لم يجلب السلام والأمن إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بل جلب الانقسام، بل وقد يؤدى حتى إلى الصراع والحرب. ويمكن القول إن خطابات أوستن فى هذين الحوارين تعكس بالكامل فلسفة وسياسة الأمن العالمى للولايات المتحدة. 

نظرية الطاولة والقائمة

ويضيف: ففى 17 فبراير، ألقى وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن خطابا فى مؤتمر ميونيخ للأمن، حيث اقترح «نظرية الطاولة والقائمة» الشهيرة، والتى تفسر وتؤكد أيضا مفهوم الأمن العالمى الأمريكى من منظور آخر. وذكر بلينكن أنه فى النظام الدولى، إذا لم تكن على الطاولة فى النظام الدولى، فسوف تكون على القائمة. وهذا مفهوم أمنى معيب يتسم بعقلية الحرب الباردة النموذجية والإيمان بقانون نظام الغاب.

لقد دعت الصين دائما إلى ضرورة معاملة جميع الدول ذات السيادة فى العالم على قدم المساواة واحترامها. ولا ينبغى لأى دولة أن تتدخل فى الشئون الداخلية لدولة أخرى. وتعارض الصين بشدة عقلية الحرب الباردة والمواجهة بين الكتل، بينما تدعو إلى التعايش السلمى والتعاون المربح للجانبين بين الدول. هذه هى الطريقة الوحيدة التى يمكن بها تحقيق السلام والاستقلال والهدوء. 

كما يوضح الاختلاف الصارخ فى وجهات النظر الأمنية بين الصين والولايات المتحدة وما يتوافق مع المصالح الأساسية والمخاوف الأمنية المعقولة لأغلب البلدان ويؤدى إلى السلام والاستقرار الإقليميين والعالميين. فالجواب واضح.

بايدن وترامب وجهان لعملة واحدة 

وينهى الخبير الصينى مقاله بهذه الفقرة: الفرق الأكبر بين إدارة بايدن وإدارة ترامب فى الاستراتيجية الخارجية هو أن إدارة ترامب أكدت على مبدأ «أمريكا أولا»، والانسحاب من جانب واحد من الاتفاقيات عندما لم تسر الأمور كما تريد. بينما تؤكد إدارة بايدن على المواجهة بين الكتل، مع التركيز على تعزيز وتوسيع شراكات التحالف المختلفة وحتى دفع الدول الأخرى إلى الخطوط الأمامية فى حروب بالوكالة.

ومع ذلك، سواء أكان الأمر يتعلق بمبدأ «أمريكا أولا» أو المواجهة بين الكتل، فإن الهدف هو ضمان وتعزيز موقف الهيمنة الأمريكى، لاحتواء المنافسين الاستراتيجيين أو قمعهم أو حتى هزيمتهم. والفرق الوحيد يكمن فى الاستراتيجيات والأساليب المستخدمة.