المستشار أحمد سلام لمجلة روزاليوسف: منتدى التعاون الصينى العربى كشف أهمية الدور المصرى ومحوريته على خريطة السياسة الخارجية
هدى المصرى
تعكس زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى الصين وحضوره الجلسة الافتتاحية لمنتدى التعاون الصينى العربى تلبية لدعوة الرئيس الصينى «شى جينبينج» قوة العلاقة الثنائية بين البلدين، وتؤكد مدى أهمية الدور المصرى ومحوريته على خريطة السياسة الخارجية. كما أن الزخم الذى يحظى به المنتدى فى دورته الجديدة، يرجع فى جزء منه إلى توقيته، حيث يأتى فى ظل ظروف اقليمية بالغة التعقيد مع استمرار الحرب المدمرة على غزة.
عن المنتدى وأهميته، أجرت روزاليوسف حوارًا مع المستشار أحمد سلام، وكيل الوزارة السابق للهيئة العامة للاستعلامات والمستشار الإعلامى السابق فى سفارة مصر ببكين، وإليكم نص الحوار:
ما أهمية انعقاد الدورة العاشرة للاجتماع الوزارى لمنتدى التعاون الصينى العربى فى هذا التوقيت؟
- تأتى أهمية انعقاد الدورة العاشرة للاجتماع الوزارى لمنتدى التعاون الصينى العربى، حيث يصادف هذا العام مرور عشرين عاما على إنشاء منتدى التعاون العربى الصينى، والذى تأسس فى القاهرة بتاريخ 30 يناير 2004، بعد زيارة الرئيس الصينى السابق «هو جين تاو» لمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة. والحقيقة التى يؤكدها التاريخ القديم أن التبادلات الودية بين الصين والدول العربية علاقات قديمة قدم الزمان، وقد ساهم فى هذه العلاقات طريق الحرير البحرى والبرى القديم وأدى إلى التواصل العميق بين الصين والعالم العربي.
كما تنعقد الدورة العاشرة فى ظل العديد من التغيرات على دول العالم بشكل غير مسبوق (حيث يظهر فى الافق تعدد الأقطاب). فمن ناحية، يمثل السلام والتنمية والتعاون والكسب المشترك تيارا تاريخيا مهما. ومن ناحية أخرى، تأتى تصرفات الهيمنة الأمريكية والغربية وسياسة القوة وفرض الأمر الواقع، بما فيها القتل والسلب والنهب والاستقواء على الضعفاء وكسب المصالح الأنانية والاحتيال. وخير مثال ما يحدث فى غزة من عدوان إسرائيلى غاشم وجرم على فلسطين، مما يأتى بأضرار خطيرة على العالم بأسره ،الأمر الذى يجعل للتعاون المشترك فيما بين الدول أهمية كبيرة لمواجهة هذه التحديات.
ما هى تطلعات الجانب العربى والصينى من هذه الدورة؟ بمعنى: ماذا يريد العرب من الصين.. وماذا تريد الصين من العرب؟
- الحقيقة المهمة التى تدركها الصين وتدركها الدول العربية أن الصين تحتاج إلى العرب والعرب يحتاجون إلى الصين.
فالصين تدعم بقوة الدول العربية فى تعزيز وحدتها، وحماية سيادتها ووحدة أراضيها، وتدعو إلى تحقيق السلام الشامل والعادل فى منطقة الشرق الأوسط على أساس «مبادرة السلام العربية»؛ وتدعم الصين بقوة عملية السلام فى منطقة الشرق الأوسط، والقضية العادلة للشعب الفلسطينى لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات السيادة الكاملة وعاصمتها القدس الشرقية على أساس حدود 1967.
فى ذات الوقت تدافع الدول العربية أيضا عن مصالح الصين الجوهرية، وتدعم السيادة والسلامة الإقليمية للصين، وتؤكد على مبدأ الصين الواحدة وأن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضى الصينية، ويعارض الوطن العربى فكرة المناداة بـ«استقلال تايوان»، ولا يقيم أى علاقات رسمية أو ينخرط فى أى تبادلات رسمية مع تايوان، ويدعم التنمية السلمية للعلاقات بين الجانبين عبر مضيق تايوان والقضية الكبرى للتوحيد السلمى للصين، ويعارض القوى الدينية المتطرفة، والقوى الانفصالية الوطنية، والأنشطة التى تقوم بها القوى الإرهابية المتطرفة ضد الصين.
وفى إطار تعزيز التعاون الاقتصادى والتجاري فقد وقعت الصين اتفاقيات التعاون الثنائية بشأن التعاون الاقتصادى والتجارى والفنى مع 22 دولة عربية ودول مجلس التعاون الخليجي. ومنذ تأسيس منتدى التعاون العربى الصينى، حققت الصين والدول العربية نموا ملحوظا فى حجم التجارة المباشرة إلى الدول العربية، وحجم العقود المبرمة حديثا مع الدول العربية.
وفى إطار عملية التعاون الاقتصادى والتجارى بين الصين والدول العربية، تم تأسيس آلية للزيارات المتبادلة لرجال الأعمال بين جمهورية الصين الشعبية والمملكة العربية السعودية والإمارات والجزائر، كما أقامت مجالس الأعمال الثنائية مع جمهورية مصر العربية والمغرب وتونس والإمارات. ومنذ عام 2005، عُقدت العديد من الدورات لمؤتمر رجال الأعمال الصينيين والعرب؛ وتم إنشاء آليات التعاون الصناعى والتجارى المتعددة الأطراف بين المجلس الصينى لتعزيز التجارة الدولية، والاتحاد العام للغرفة العربية للزراعة والصناعة والتجارة، والاتحاد المصرفى العربى وغيرها، وتم توقيع 28 اتفاقية تعاون مع نظيرها من المؤسسات العربية لرجال الأعمال، ووكالات تعزيز التجارة والاستثمار وتطوير المؤسسات الكبيرة.
وتشير الحقائق والأرقام إلى مدى تطور العلاقات الصينية العربية. حيث بلغ حجم تجارة الصين مع الدول العربية ما يزيد عن 431 مليار دولار فى عام 2022. كما بلغ 199.9 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2023. وتبلغ استثماراتها فى المنطقة العربية نحو 200 مليار دولار، مما يمكن الصين من أن تلعب دورا مهما فى مساعدة الدول العربية على بناء قدراتها، وتوطين التكنولوجيا، وتنفيذ الخطط التنموية، وتبادل الخبرات والتكنولوجيا الصينية؛ حيث يمكن للدول العربية التى تحتاج إلى معدلات تنموية واقتصادية عاجلة وضخمة أن تكون محركا قويا للاقتصاد الصينى، وفرصة لتوطين الصناعات الصينية فى المنطقة العربية وتصنع فرص الدخول إلى الأسواق المختلفة، سواء العربية أو الإفريقية أو الأوروبية.
برأيك.. هل يمكن لبكين تقديم دور مغاير وصياغة مختلفة لحضورها فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية خلال هذه الدورة؟
- فى الحقيقة تعد منطقة الشرق الأوسط من أهم مناطق العالم التى توليها الصين اهتمامًا بالغاً وترتبط معها فى نفس الوقت بعلاقات استراتيجية وثيقة، وبؤكد ذلك ما ذكرناه فى بداية حديثنا من تجذر العلاقات الاقتصادية والتجارية والتفاهمات السياسية والمنافع المتبادلة والمصلحة المشتركة بين الصين والدول العربية.
وتحرص الصين دائمًا على تفعيل مبادئ سياستها الخارجية، حيث المنفعة المتبادلة والفوز المشترك وعدم التدخل فى الشؤون الداخلية وحل الأزمات والمشاكل السياسية بالطرق والوسائل السياسية، وذلك فى إطار توجهها لبناء ما يعرف بـ«بناء مجتمع المصير المشترك للبشرية»، ما يجعلها تسارع للتدخل فى الأزمات المختلفة، خاصة الإنسانية والصحية والاقتصادية، كما بدأت مؤخرًا فى التعاطى بإيجابية فى بعض الأزمات والقضايا السياسية والأمنية.
بدأت السياسة الخارجية للصين خلال السنوات الاخيرة فى التغيير التدريجى وبدأت الدبلوماسية الصينية تتفاعل بشكل ايجابى وواضح مع عدد من القضايا فى منطقة الشرق الأوسط.
اتسم الموقف الصينى فيما يخص القضية الفلسطينية بالقوة والثبات والدعم بشكل غير مسبوق على المستويين الحكومى والشعبى خاصة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة وما شهدته من ابادة جماعية لابناء وشياب وأطفال فلسطين، وقد دعا ( وانج يى) وزير الخارجية وعضو المكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعى الصينى خلال زيارته للقاهرة إلى عقد مؤتمر دولى للسلام أكثر شمولًا وموثوقية وفاعلية لصياغة خارطة طريق لتنفيذ حل الدولتين، من أجل تسوية الصراع الإسرائيلي-الفلسطينى، طارحًا فى الوقت ذاته مبادرة متكاملة لحل الصراع الدائر فى قطاع غزة.
وعن المصالحة الإيرانية مع السعودية فقد لعبت الدبلوماسية الصينية دورًا هاماً ونجحت الصين فى المساعدة على استعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية وساهمت فى تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى بينهما من خلال استغلال الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية المختلفة.
الخلاصة أنه بالفعل يمكن للصين تقديم دور مغاير وصياغة مختلفة لحضورها فى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية.
ما دلالة دعوة وحضور الرئيس السيسى لمراسم الجلسة الافتتاحية للمنتدى، وعقد لقاء قمة مع الرئيس الصيني؟ وما الذى تطمح إليه مصر من هذا المنتدى فيما يخص العلاقات الثنائية وأيضا فيما يخص التطورات الإقليمية وأبرزها ملف غزة ومسألة رفح؟
- تأتى هذه الزيارة متواكبة مع احتفال الصين بالذكرى العشرين لمنتدى التعاون الصينيى العربى وفى نفس الوقت احتفال مصر والصين بمرور 10 سنوات على توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين، وانضمام مصر لمجموعة بريكس فى يناير 2024 . وايضاً الاحتفال فى نهاية هذا الشهر بالذكرى الـ68 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، حيث كانت مصر أول دولة عربية وافريقية تعترف بجمهورية الصين الشعبية.
وفيما يخص التطورات الإقليمية وأبرزها ملف غزة ومسألة رفح فى ظل ما شهدته الفترة الأخيرة من توترات فمن المتوقع أن تشمل المباحثات بين الرئيس السيسى والرئيس شى مختلف القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الحرب على غزة، وسبل استعادة الاستقرار فى المنطقة، بما يحقق تطلعات شعوبها نحو السلام والأمن والتنمية.
كما تطمح مصر إلى إقامة شراكة وتعاون استثمارى وتجارى واقتصادى كبير مع ثانى أكبر اقتصاد عالمى والدليل على ذلك أن مصر كانت سباقة بتفاعلها مع مبادرة الحزام والطريق، حيث قدمت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس للعالم كمركز لوجيستى واقتصادى يساهم بقوة وفاعلية فى تطوير حركة الملاحة الدولية، ويعزز من حرية التجارة العالمية، ويفتح آفاقاً استثمارية رحبة فى مجالات النقل والطاقة والبنية التحتية والخدمات التجارية، ليكون محور قناة السويس رابطاً تجارياً واقتصادياً وإنسانياً، يتكامل مع مبادرة «الحزام والطريق».
ولا شك أنه مع توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين مصر والصين، ظهرت فى الأفق العديد من النتائج والطاقة الإيجابية التى جلبتها الاتفاقية لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية فى مصر، فنجد أنه على المستوى الاقتصادى والاستثمارى بين مصر والصين فى إطار مبادرة الحزام والطريق،والدليل على ذلك أنه قد تركزت الاستثمارات الصينية فى مصر على المشروعات الصناعية بنسبة وصلت إلى (55 %)، وفى مجال البناء وصلت (20 %)، وفى قطاع الخدمات وصلت (19 %).
وحول أهم نماذج الشراكة المصرية الصينية فهناك المنطقة الصناعية الصينية بمنطقة خليج السويس والتى تضم شركة «تيدا « الصينية والتى تُعد مشروعاً نموذجياً للتعاون فى بناء «الحزام والطريق». وهى من أبرز المشروعات للتعاون الصينى المصرى والتى تسعى للوصول الى مشاريع باستثمارات تزيد عن 10 مليارات دولار ، وأنه من المتوقع أن يتحقق قيمة إنتاجية سنوية تبلغ 18.7 مليار وتوفر 15000 فرصة عمل، وأيضاً هناك مشروع السكة الحديدية القطار المكهرب «السلام- العاصمة الإدارية- العاشر من رمضان»، وتقوم به شركة «أفيك» الصينية بتكلفة تصل إلى 1.2 مليار دولار أمريكى تمول عبر قرض من بنك الاستيراد والتصدير الصينى يُسدد خلال 20 عاماً وتأتى الصين فى مقدمة الشركاء التجاريين لمصر عالميا، حيث بلغ حجم التبادل التجارى لعام 2022 نحو 16 مليار دولار.
فالأرقام هى التى تتحدث فقد وصل عدد الشركات الصينية المسجلة والعاملة فى مصر إلى أكثر من 1500 شركة باستثمارات تقترب من مليار دولار أمريكى، وتوفر الاستثمارات الصينية فى مصر قرابة 30 ألف فرصة عمل مباشرة لأبناء مصر. وتتوزع الاستثمارات الصينية على عدد من القطاعات منها 702 شركة فى القطاع الصناعى، و432 شركة فى القطاع الخدمى، و70 شركة فى القطاع الإنشائى، و79 شركة فى قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، و47 شركة فى القطاع الزراعى، و6 شركات بقطاع السياحة. كما أبرم البنك المركزى المصرى مع بنك الشعب (المركزي) الصينى اتفاقية لمبادلة العملات فى ديسمبر 2017 بمبلغ إجمالى 18 مليار يوان صينى مقابل ما يعادله بالجنيه المصرى ، كما وافقت الصين على برنامج لمبادلة الديون مع القاهرة للمرة الأولى فى تاريخها، وأعلنت شركات صينية ضخ استثمارات بأكثر من 15 مليار دولار فى إنتاج الوقود الأخضر والتصنيع.>