الجمعة 27 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
هل تستفيد وزارة الثقافة من تجربة بنات البرشا؟

هل تستفيد وزارة الثقافة من تجربة بنات البرشا؟

لم يسمع الكثيرون من المهتمين بالفن اسم فرقة «بانوراما البرشا» إلا منذ أيام قليلة عندما فاز فيلم «رفعت عينى للسماء» بجائزة العين الذهبية للأفلام الوثائقية فى مهرجان كان، وهو الفيلم الذى يحكى قصة فتيات هذه الفرقة التى تقدم عروضها المسرحية والاستعراضية فى قرية البرشا بالمنيا،  ورغم أن الفرقة تمارس نشاطها الفنى منذ سنوات فإن الأضواء لم تسلط عليها إلا عندما حصلت على جائزة عالمية،  وكأن الاعتراف يجب أن يأتى من الخارج أولا حتى نعرف قيمة المواهب لدينا،  ولا أدرى هل كانت وزارة الثقافة تتابع أنشطة هذه الفرقة الريفية أم أنها أيضا لم تسمع بها من قبل؟،  لقد أرسلت نيفين الكيلانى وزيرة الثقافة تهنئة لصناع الفيلم بعد إعلان فوزه بالجائزة، فهل تكتف الوزارة بالتهنئة أم تستغل الفرصة وتدرس تجربة بطلات الفيلم وتحاول تكرارها فى العديد من القرى؟،  فدعم مثل هذه المبادرات -التى نحتاج الكثير منها- واجب على الوزارة إذا أردنا نصل بالثقافة والفن إلى القرى،  وإذا كان هدفنا محاربة التطرف، ومواجهة التقاليد البالية،  ومساندة المرأة خاصة فى المجتمعات التى مازالت تنتقص من حقوقها،  حكاية هذه الفرقة لمن لا يعرفها أن فى قرية البرشا التابعة لمركز ملوى بمحافظة المنيا قررت مجموعة فتيات تحدى الظروف الاجتماعية والاقتصادية ومواجهة كل المتاعب والعادات والتقاليد المحافظة،  فشكلن فرقة مسرحية واستعراضية باسم «بانوراما البرشا» وعرضن أعمالهن فى شوارع القرية البسيطة وبأقل الإمكانيات،  قدمن فنا راقيا ومؤثرا مستوحى من الفلكلور الصعيدى وسلطن من خلاله الضوء على القضايا التى تهم بنات الصعيد مثل الزواج المبكر والختان وتعليم الفتيات والعنف الأسرى والتحرش، حلمت الفتيات أن يصبحن ممثلات ومطربات فتحدين اعتراض عائلاتهن وهى معارضة متوقعة فى بيئة صعيدية قروية تقليدية ولكن إصرارهن ونجاحهن كسر كل القيود والتابوهات فاعترفت بهن الأسر ودعمتهن وشاركهم أهل القرية الحلم،  والمدهش أنهن قمن بهذا العمل فى قرية تنتمى إلى واحدة من أكثر محافظات الجمهورية فقرا طبقا لتقرير التنمية البشرية وهى أيضا أكثر المحافظات التى شهدت حوادث فتنة طائفية فى السنوات الأخيرة،  ولكنهن استطعن التغلب على كل العقبات،  وشجع ذلك النجاح والاستمرار فى التجربة المخرج أيمن الأمير وزوجته ندى رياض على عمل فيلم عنهن، ويوثق الفيلم حكاية هؤلاء الفتيات القرويات وتجربتهن فى تأسيس الفرقة المسرحية وذلك من خلال قصص 3 فتيات يحلمن بالعمل بالفن،  ماجدة تحلم بالسفر للقاهرة لدراسة المسرح وممارسة التمثيل، وهايدى تتمنى أن تصبح راقصة باليه،  أما مونيكا فتريد أن تكون مغنية مشهورة،  ويتابع الفيلم تطور حلمهن على مدى أربع سنوات،  وبعد الانتهاء من الفيلم تم اختياره للعرض فى مسابقة الأفلام التسجيلية فى مهرجان كان متنافسا مع 22 فيلما من أنحاء العالم،  وحصد الفيلم الذى صور بالكامل فى القرية جائزة المهرجان مناصفة مع الفيلم الفرنسى «أرنست كول..لوست اند فوند»،  ليتوج كفاح هؤلاء الفتيات ويصلن إلى العالمية من خلال المحلية،  كل فتاة منهن حلمت ورفعت عينها إلى السماء فلم تخذلهن السماء،  كان حلمهن أن يتم الاعتراف بهن فى القرية فأصبحن نجمات فى مهرجان عالمى، حكايات فرقة «بانوراما البرشا» ملهمة والسؤال ماذا ستفعل وزارة الثقافة مع هذه الفرقة؟ إننى أرجو أن تتفاعل معها وزارة الثقافة وتتعامل معها بجدية، فالفن هو أحد وسائل مجابهة التطرف والتعصب، والإبداع قادر على إعادة تشكيل الوعى والارتقاء بالوجدان، هؤلاء الفتيات قمن بعمل لم تستطع معظم قصور الثقافة فى الصعيد والأقاليم القيام به، وحين أطالب بالاهتمام بهذه التجربة الرائعة فأنا لا أعنى الاستيلاء عليها، أو تكبيلها بالقيود البيروقراطية، بل تقديم يد المساعدة المالية واللوجستية وتوفير فرص الدراسات الحرة لهؤلاء الفنانات من أجل مزيد من صقل موهبتهن،  وعلى الوزارة أن تبحث عن مثلهن فى كل القرى وتشجيع الفتيات والشبان على تأسيس فرق مماثلة تقدم فنا مرتبطا بالبيئة،  لا أدرى هل قام قيادات الوزارة بزيارة قرية البرشا أم لا؟ فهى تمثل حالة خاصة فى الفن تستحق الدعم والدراسة، فقد سبق أن فاز فيلم ريش بجائزة أسبوع النقاد فى مهرجان كان عام 2021 وكانت بطلته دميانة نصار من نفس القرية وهى ممثلة هاوية لم يسبق لها الوقوف أمام الكاميرا وإن كانت شاركت فى بعض عروض فرقة بانوراما البرشا،  وبعد فوز الفيلم تم الاحتفاء بها وبفريق العمل وكلهم لم يسبق لهم التمثيل من قبل ثم تم نسيانهم وكأن شيئا لم يكن،  ولا أعرف ماذا تفعل دميانة وزملائها الآن؟ وهل مستمرون فى تقديم العروض الفنية أم لا؟ لقد أعلنت وزارة الثقافة أكثر من مرة عبر صفحتها الرسمية «أنها أعدت استراتيجية شاملة للاستفادة القصوى من منظومة القصور الثقافية وحسن إدارتها بالتعاون مع المؤسسات المعنية فى الدولة؛ لتطوير القوة الناعمة المصرية فى المجال الثقافى وترسيخ الهوية المصرية، وتطوير المحتويين الثقافى والفنى، بهدف الوصول بالرسالة الثقافية إلى القرى والنجوع والمناطق الحدودية، وإعادة تأهيل قصور الثقافة لنشر الفنون،  وتربية النشء بما يتكامل مع العملية التعليمية القائمة،  والعمل على تحصين الشباب من الأفكار المتطرفة،  فى إطار سياسة الدولة لتجفيف منابع الإرهاب»،  فهل تحققت هذه الاستراتيجية فعلا؟،  لقد حققت فرقة بانوراما البرشا هذا الأمر ببساطة ودون صراخ، فقط المطلوب دعم هذه التجارب وتكرارها فى كل القرى.>