الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

هل تعرف نجيب محفوظ فعلاً؟

ربما تستنكر سؤالى، أو تعتبره سؤالًا ساذجًا. فمن منا لا يعرف أديب نوبل. وصاحب الجدل الأشهر فى تاريخ الرواية العربية والمصرية حول «أولاد حارتنا». 



لكننى ما زلت متمسكًا بسؤالى؛ فمعرفة الاسم كـ«رمز» فى تاريخنا لا يعنى أبدًا أننا نعرفه فعلًا. المعرفة يا صديقى القارئ تعنى أنك دخلت عالمه. ربما أصلًا كان يقصد أديبنا الكبير بجملته- التى صارت مثلًا- أن «آفة حارتنا النسيان» ذلك النوع من النسيان: معرفة الاسم ولكن جهل المعنى. وهذا أقسى ما يمكن أن يحدث لكاتب!

ستفاجأ إذا كتبت اسم نجيب محفوظ على جوجل أن تجد فى نتائج البحث: «هل يجوز قراءة رواية أولاد حارتنا؟!».. هذا السؤال «الجريمة» ينقلنا لسؤال آخر: هل يعرف «جيل زد» نجيب محفوظ؟

ولأن قوانين الدنيا تقول أن «من يكتب لا يموت»؛ نتابع فى الصفحات التالية حلم جيل استمر لـ10 سنوات بأن تظل الحكايات المحفوظية حية وقادرة على إثارة فضول جيل جديد والأجيال من بعده. الآن تحقق حلمهم. فما كواليس إصدار «اللص والكلاب» فى شكل جديد وطريقة مختلفة. هذا ما سنعرفه: 

 

«اللص والكلاب» أول الأعمال المصورة لأديب نوبل: نجيب محفوظ بــالكوميكس!

 

أى اقتراب من المشروع الروائى للأديب العالمى نجيب محفوظ يثير الجدل؛ بين متحمس للتجديد والتفكير بشكل مختلف، وآخر يريد أن يجعل من هذا الإرث الكبير منطقة ممنوع الاقتراب منها أو التصوير. لكن هناك من قرر «الاقتراب والتصوير». 

هذا ما حدث تمامًا بمجرد الإعلان عن مشروع الروايات المصورة لمحفوظ.. ولأننا نريد لهذا الجدل أن يكون صحيًا؛ قررنا الاقتراب أكثر لنتعرف على طبيعة المشروع وكواليسه.

كانت الانطلاقة لهذا المشروع من خلال رواية (أولاد حارتنا) التى تأثر بها الفنان «ميجو» وقدمها كأول رواية مصورة على صفحات مجلة (توك توك) 2014 وتمت إعادة نشرها فى أخبار الأدب وكانت إضافة لسوق القصص المصورة. ثم طرحت فكرة إعادة تقديم نجيب محفوظ بشكل مختلف من خلال قالب فنى جديد وهو القصص المصورة تحت شعار (نجيب محفوظ كما لم تره من قبل) ويعد هذا المشروع مرحلة جديدة ومهمة فى تاريخ فن القصص المصورة. بغرض الاستفادة من أعمال الكاتب الكبير من جانب وتسويقها بشكل مختلف من جانب آخر. حيث تم تصميم الشخصيات بنفس روح الستينيات وذلك من خلال الملابس وتسريحات الشعر أيضًا البيوت وموديلات العربيات، وتم الالتزام بروح الشخصيات الموجودة فى الرواية.

وخلال الأيام القليلة الماضية تابعنا إطلاق مشروع نجيب محفوظ المصوَّر، والذى يهدف إلى تحويل أعمال الكاتب الكبير إلى روايات كوميكس (قصص مصوَّرة)؛ حيث بدأ المشروع مع رواية (اللص والكلاب) لتتحوَّل إلى رواية مصوَّرة طرحت بالفعل كأول نتاجات المشروع الذى تبنته مكتبتا ديوان والمحروسة للنشر فى تعاون مشترك بينهما لنشر أعمال الكاتب الكبير نجيب محفوظ، وتقديمها بشكل جديد ومختلف من خلال الكوميكس.

وتعد رواية (اللص والكلاب) الإصدار الأول من أعمال ستوديو (Ya Comics) لإنتاج وتنفيذ القصص المصورة الذى أسّسه رسام القصص المصورة الفنان ميجو مع الكاتب والسيناريست محمد إسماعيل أمين الذى يلعب دورًا مهمًا كمحرر عام لجميع الأعمال التى ينتجها الاستوديو وذلك بالتعاون مع دارى نشر المحروسة وديوان.. فالمحروسة لديها الخبرة فى مجال القصص المصورة وترجمتها وتسويقها، بالإضافة إلى التعاون مع مجموعة من أهم فنانى الكوميكس، ودار نشر ديوان تمتلك حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ، ولهذا احتاج المشروع إلى أكثر من مؤسسة لإنتاجه ودعمه.

وعن بداية الفكرة وكواليس تنفيذها، يقول الفنان ميجو: « عام 2014 جذبتنى رواية أولاد حارتنا بصريًا وتأثرت بها.. وتساءلت: ليه ما أقدمهاش فى شكل مصور من خلال الكوميكس وفعلا نفذتها». مضيفًا: «بعد 10 سنين فكرت أكمل واخترت نجيب محفوظ تحديدًا لأنه من وجهة نظرى كرسام كوميكس أعماله ورواياته ملهمة بصريًا إلى حد كبير ليس مجرد أنه حاصل على جائزة نوبل».

بالنسبة لـ«ميجو» ليست أعمال محفوظ الرواية مجرد كلمات مطبوعة فى سطور، يقول: «فى كتاباته دايما تشوف الصورة وتستحضر الشخصيات بملامحها وملابسها واكسسواراتها أكثر من أى كاتب آخر من وجهة نظرى الشخصية، ونجيب محفوظ له عالم بصرى مختلف تمامًا وهذا ظهر بوضوح فى الأغلفة القديمة للفنان جمال قطب وأيضًا فى الأغلفة الجديدة بعد انتقال حقوق النشر لدار ديوان». 

أما عن كواليس تنفيذ مشروع تحويل روايات نجيب محفوظ إلى كوميكس يوضح ميجو: «بعد ما تبلورت فكرة تنفيذ أعمال نجيب محفوظ إلى قصص مصورة فكرت فى إنشاء ستوديو كوميكس بفريق عمل كامل لتنفيذ الكوميكس بمراحله المختلفة من القصة والسيناريو وحتى الطباعة عن طريق فريق عمل وليس مجهودًا فرديًا وهو الفريق الذى استعنت به من كتَّاب ورسامين فى تنفيذ هذا المشروع القائم من سنوات، ثم عرضها على دارى نشر ديوان والمحروسة التى أحدثت انتعاشة فى سوق الكوميكس من خلال الأعمال التى نشرتها وترجمتها المكتبتان».

لكن المهمة ليست سهلة والاقتراب من اسم أديب نويل أمر محفوف بالمخاطر والانتقادات كما يقول ميجو: «كنت خايف من اسم نجيب محفوظ فى البداية وخفت من النقد والهجوم اللى ممكن نتعرض له بسبب تحويل روايات الكاتب الكبير لكوميكس خصوصا أن الجمهور المصرى والعربى اعتاد قراءة أعماله مطبوعة وأن يشاهدها من خلال الشريط السينمائي». 

لم يمنعه هذا الخوف من إكمال المشروع: «اشتغلنا بأسلوب احترافى وعالمى من خلال وجود فريق عمل الاستديو ككتابة سيناريو وتصميم شخصيات وتحبير وخطوط وتحرير وهو ما جعل المهمة أسهل كثيرًا، فالكواليس كانت احترافية للغاية لوجود عدد كبير فى إدارة المشروع»، مضيفًا: «أنا كرسام والكاتب محمد إسماعيل أمين عندنا رؤية قريبة جدًا من بعض ووجهات نظر متقاربة إلى حد كبير وفى اللص والكلاب عملنا جلسات عمل وتحضير لعمل خطوط عريضة منها فكرة الالتزام بالعمل الأصلى للكاتب الكبير ولكن مع إعادة صياغة ومونتاج وتم عمل تجارب كثيرة فى الحوار المكتوب باللغة العربية».

 المفارقة أن الكاتب محمد إسماعيل أمين كتب سكريبت الروايات المصورة أثناء حادثة سفاح الجيزة وهو ما ألهم ميجو بصريًا لتقديم صورة معاصرة لعالم «اللص والكلاب».

وحتى لا تخل الرسوم بالهوية البصرية لعالم نجيب محفوظ؛ يوضح ميجو: «تمت إعادة رسم أجزاء من الرواية أكثر من مرة لتقريب الهوية البصرية من خلال إعداد أرشيف بصرى كامل لتلك الحقبة مثل الملابس والاكسسوارات والديكورات وموديلات العربيات وحتى الڤازات داخل المنازل، وعلى سبيل المثال عملت تصميم شخصية سعيد مهران فى الأول بملامح إنسانية وتعبيرات وجه ودودة وذلك قبل تحول الشخصية فى الرواية، ثم فى مرحلة أخرى تم تغيير ملامحه لتتحول لشخص فقد إنسانيته بملامح أكثر حدة وشر». 

يبدو أن صلاح جاهين كان حاضرا هو الآخر فى «كوميكس نجيب محفوظ» إذ يقول ميجو: «أيضًا فى تصميم شخصيات عالم القهوة استعنت بأسلوب الفنان صلاح جاهين وعوالمه الكاريكاتيرية تحية له من خلال الكوميكس.. ولقد زار سعيد مهران القهوة 3 أو 4 مرات خلال أحداث الرواية وفى كل مرة استخدمت شخصيات مختلفة وتم تنفيذها بشكل كاريكاتيرى تحية لصلاح جاهين، فالمعلم طرزان له ملامح كاريكاتيرية وفيها من روح الفنان صلاح جاهين والتزم الكاتب محمد إسماعيل أمين بالرواية فى كتابة شخصية المعلم طرزان والتزمت أنا كرسام فى إبراز هذا من خلال الملابس والتصميم مثل الجلباب الصعيدى والسديري».

أما فى مراحل (الفلاش باك) الموجودة فى الرواية يكشف ميجو: «تمت الاستعانة بفنان آخر وهو الفنان جمال قبطان حتى يظهر الاختلاف وتكون هناك روح جديدة ولهذا فكرنا فى وجود أكثر من رسام والفنان جمال قبطان أحد أعضاء فريق استديو Ya Comics الذى أنتج الرواية واشترك أيضا فى مرحلة تحبير العمل والديكوباچ دون أن يشعر القارئ بفصل، وداخل عالم القهوة هناك كادر ظهر فيه الفنان جمال قبطان الذى قمت برسمه».  

بعد كل هذا المجهود ماذا عن ردود الفعل.. يوضح لنا ميجو: «كان هناك ترتيب خاص من جانب دار ديوان مع مهرجان أبوظبى للكتاب، حيث كان نجيب محفوظ هو شخصية العام وحضرت السيدة هدى نجيب محفوظ التى أبدت إعجابها الشديد بالكتاب المصور لرواية والدها الكاتب الكبير وكان انطلاق المشروع من هناك فى أبوظبى وكانت أغلب ردود الأفعال إيجابية للغاية على الرغم من اهتمامنا الشديد بالنقد والآراء السلبية كصناع كوميكس حتى نعمل على تطوير المنتج وتفادى الأخطاء فى المشروع التالى». 

بالطبع يتفهم «ميجو» كل الانتقادات التى وجهت للمشروع: «فالقارئ يريد أن يرى منتجًا خاليًا من العيوب ومكتملًا بعناصر جذابة سواء فى الكتابة أو الرسوم أو الإخراج الفنى لأنه يحب أن يقتنى الكتاب فلا بد من الاهتمام بالشكل الفنى والجودة لتحسين الصناعة وتطورها».