النسوية الإسلامية .. التفسير من وجهة نظر نسائية: القرآن.. بين التدبر والتأويل والترتيل! "92"
![](/UserFiles/News/2024/05/04/61083.jpg?240505100000)
محمد نوار
يرى البعضُ أن تعاليم الإسلام تنظر للأنثى نظرة دونية مقارنة بالذكر، وهى رؤية تأسَّست على فهم غير صحيح لآيات قرآنية، مثل قوله تعالى: (وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ) الزخـرف 19، (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) الطور 39، (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى) النجم 21.
تفسير الرجال وحدهم للقرآن أدى إلى الحرمان من وجهة النظر النسائية فى التفسير، كما أن التفسير الذكورى للقرآن يؤدى إلى الاعتقاد بأن الدين يتضمن مفاهيم غير صحيحة عن المرأة مثل عدم أهمية دورها فى التعليم والعمل.
تاريخيًا لا توجد امرأة قامت بتفسير القرآن الكريم كاملًا، وقد تكون الأحق بلقب المفسرة هى أم المؤمنين السيدة عائشة زوجة النبى، التى كثرت مواقف لجوء الصحابة إليها بعد وفاة النبى، لإيضاح بعض المعانى من آيات القرآن.
ومن بعدها جاءت نفيسة بنت الحسن بن زيد، التى عاشت فى مصر 145هـ - 208هـ، وكانت معروفة بتفسيرها للقرآن، حتى لقبت بـ«نفيسة العلوم».
كما عرف الإيرانيون الواعظة ياسمينة السيراوندية، التى اشتهرت بتفسير القرآن، وتوفيت عام 502 هـ، وبالرغم من هذه المحاولات، لم تضع امرأة تفسيرًا كاملًا للقرآن، ولم تكتمل رؤية نسوية شاملة لآيات القرآن حتى اليوم.
التفسير:
فسّر تعنى حلل وخرج بنتيجة مطابقة للواقع، مثل فسر الحليب يعنى نظر فى طعمه ورائحته فخرج بنتيجة أنه سليم أو فاسد، وفسر تعنى مطابقة لواقع موجود، ولذلك الله تعالى هو المفسر للقرآن: (وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاَّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) الفرقان 33.
تفسير القرآن لله فقط وتدبر القرآن للبشر: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) ص 29، فالتفسير لله يعنى أن يأتى بآية مطابقة للواقع: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) إبراهيم 28، يعنى بدلوا نعمة الله وحل عليهم الخراب فى بلادهم، وهذا ما حدث فى الواقع للبعض وفسره الله لنا.
كتب التفسير تهتم بالنظر إلى القرآن من سورة الفاتحة إلى سورة الناس، والقرآن يعالج مواضيع وليس تسلسل السور، كما أن التفاسير تهتم بالنحو والبلاغة بدلًا من فهم الموضوعات.
التدبر:
التدبر هو التمعن فى المراد بعد ترتيل الآيات بدقة فهو السقف المعرفى الذى جاء عبر حصيلة ترتيل القرآن: (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ) ص 29.
الذين جعلوا على قلوبهم أقفالًا من الجهل والتعصب لن يدركوا مفهوم التدبر: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) محمد 24.
التدبر يتعلق بالسقف المعرفى نتيجة لتراكم معرفى ويعتمد على مصداقية الفرد، لأن التدبر ينظر إلى مطابقة القرآن للواقع والوجود.
التأويل:
التأويل بمعنى الرجوع إلى أوله أى إلى أصله فى المعنى، بحيث يصبح النص قابلًا للإدراك: (بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) يونس 39، أى كذبوا بدون الإحاطة به وليس عن علم.
وحين يأتى تأويله وهو إرجاع الآيات القرآنية إلى أصلها بدون تحريف المعانى سوف يدركون أنهم نسوا مراد الله: (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِى تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) الأعراف 53.
تأويل النبأ هو إيضاحه وإدراكه، فالتأويل هو الكشف عن حقيقة تخفى على السامع بالإرجاع إلى مصدر أو مرجعية الخبر أو النبأ أو المعلومة.
الترتيل:
الترتيل من الرتل وهو النسق الموضح لكشف حقيقة: (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) الفرقان 32.
الرتل هو النسق والترتيب حسب الأهمية فى تسلسل منطقى فى اتجاه معرفى لكتاب آياته مفرّقة أى أن كل موضوع أو مفهوم له آيات فى سور عديدة وترتيبها لغرض فهمها هو الترتيل.
الترتيل هو وضع آيات الله فى نسق منطقى لغرض دراسة موضوع، وهذا النسق للآيات يهدف للوصول إلى المراد من المفهوم القرآنى، (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا) يعنى جعلنا مفاتح معرفته بالترتيل.
ولفهم أى كلمة واستخداماتها فى القرآن نحتاج إلى الترتيل لاستخراج المعنى الحقيقى من الآيات.
التلاوة:
التلاوة من تلو ومن يتلو شيئًا يسعى إلى إظهاره كما هو بدون نقص أو زيادة، فالتلاوة هى إظهار آيات الله لغاية محددة، فالأمر هو التذكّر ما يأتى من كلام الله بالتلاوة: (أوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِى ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)العنكبوت 51.
الفارق بين الذكر والقراءة والتلاوة هو أن الذكر من التذكر لشىء مقابل النسيان والقراءة من الفهم ومحاولة الإدراك بينما التلاوة هو إظهار آيات الله أمام السامع لغرض الدعوة إلى كتاب الله.
تفسير النبى للقرآن:
إذا النبى قام بتأويل القرآن وألزم الناس بتفسير مرتبط بعصره فقط، وفسر آية تكوير الليل على النهار على أنه الليل يذهب ويأتى النهار مكانه، هذا التفسير فيه معلومات بديهية بسيطة، ويكون النبى جمد القرآن وعطل خاصية التشابه مما يفقد القرآن إعجازه وقدرته على الإقناع.
وإذا النبى كتب كل التأويلات المحتملة للآيات على مر كل العصور، وفى قول الله تعالى: (يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ) الزمر 5، قد يتم تفسيره لمعاصرى زمن النبى على أن الليل يغطى النهار، ويفسرها النبى لزماننا بأن حدوث الليل والنهار ظاهرة تتعلق بكروية ودوران الأرض، ويفسرها لزمان آخر بربطها بظاهرة جديدة تكتشف فى المستقبل، وهكذا لقيام الساعة، ومن عاصروا النبى سيفهمون التأويل المناسب لعصرهم.
أما التأويل بأن الليل والنهار ظاهرة ترتبط بكروية الأرض سيخلق فجوة بين الواقع وبين المعرفة وقتها، ويسبب ذلك صدمة فكرية من علاقة الليل والنهار بشكل الأرض، ومثله التأويلات المستقبلية للآيات لكل زمن والتى لن يكون لها أى معنى فى زمن النبى.
كما أن كتابة كل التأويلات لكل آيات القرآن الكريم ستملأ عددًا كبيرا من المجلدات الضخمة حتى تستوعب هذا الكم من المعلومات.
وفى قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا) آل عمران 7، الآية وردت بدون فصل بين الله والراسخين فى العلم، لكن علم الله بالآيات مطلق وحقيقى، وعلم الراسخين فى العلم تدريجى ومتراكم.
وفى قوله تعالى: (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ) الرحمن 5، الله يعلم تأويل الآية على امتداد الزمن ماضى وحاضر ومستقبل، أما الراسخون فى العلم يعرفون التأويل الماضى والحاضر فقط ولا يعرفوا التأويل المستقبلى للآية، وعلم الله مطلق لا يحتمل الظن، وعلم الراسخون فى العلم ظن يحتمل الصواب والخطأ. كما أن الله يعلم تأويل كل آيات القرآن الكريم، أما الراسخون فى العلم فعلمهم جزئى، ولذلك يفسر عالم الفيزياء ما يتعلق بالفيزياء ولا يفسر آيات تتعلق بالفلك والعكس صحيح، وعالم الأحياء يفسر آيات لا يستطيع تفسيرها باقى العلماء والعكس صحيح.
وتنقسم آيات القرآن الكريم لثلاثة أقسام: (هُوَ الَّذِى أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) آل عمران 7، ولأن كلمة الأخر معرفة فهى تعنى نوع ثالث هو غير محكم وغير متشابه والمسمى بتفصيل الكتاب: (وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللَّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) يونس 37.
بالنسبة للآيات المحكمات فهى الآيات التى فيها أحكام من عبادات ومحرمات وأوامر ونواهى، والآيات المتشابهات تحمل طابع الأنباء من علوم الطبيعة وخلق الإنسان ومواضيع القصص.
القسم الثالث لا محكم ولا متشابه وهو التفصيل، وتتميز آيات التفصيل بأنها تتناول موضوعات تتعلق بالكتاب وكيفية انزاله وتنزيله وتقسيم الآيات وآليات فهم الكتاب.
اﻵيات المحكمات هى الثابتة فى النص والمحتوى وغير قابلة للاجتهاد، ومن ضمنها المحرمات، وتفصيل هذه اﻵيات المحكمات هو القابل ﻻختلاف الفهم فى الزمان والمكان، وفيه تكمن صلاحية الرسالة وفق متغيرات التطور الإنسانى مع الزمان والمكان.
الآيات المتشابهات: هى آيات القرآن مضافًا إليها السبع المثانى، وهى الآيات الشارحة للقوانين الكونية والإنسانية، التنزيل الحكيم كتاب مفاتيح فهمه موجودة داخله لا خارجه.
وآيات القرآن الكريم هى آيات محكمات، آيات متشابهات، آيات تفصيل الكتاب ككل، آيات تفصيل المحكم، آيات تفصيل المتشابه: (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) هود 1.
آيات تفصيل الكتاب هى الآيات التى تحوى مفاتيح فهم القرآن: (وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) يونس 37، ومن آيات التفصيل، نفهم قوله تعالى: (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا) الإسراء 12.
ومثال للآية المحكمة: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الأعراف 33، أما (وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)، نفهمه من آية التفصيل التالية: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) المائدة 38، فكل حاﻻت السرقة وأخذ مال الغير بغير حق من خلال الغش، والاحتيال، وأى عمل يدخل تحت مسمى البغى بغير الحق، بما فيها السرقات اﻻلكترونية وما يظهر من أنواع السرقات الأخرى فى المستقبل.