الجمعة 29 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«ادفنوا موتاكم، وانهضوا».. هكذا لخص زياد حكاية شعب.. توفيق زياد «شاعر المقاومة» الذى اغتالته إسرائيل

وعلينا كان أن نشربهُ..



حتى الزجاجْ

كأسنا المرّ المُحنى

وعلينا كان أن نُذبحَ

.. ذبحًا كالنعاجْ

ساعةَ التاريخ جُنّا

وعلينا كان أن نهربَ

.. سربًا من دجاجْ

ونحسّ العار حتى العظم منا

إنما لا بأسَ! هذا لحمُنا جسدٌ..

.. على البحر الأجاج

لضفافٍ لم تخنا أو نخنها

يا ترابًا كلُّه تبرٌ

وياقوتٌ وعاجْ

حبُنا أقوى من الحب وأغنى

فادفنوا أمواتكم وانتصبوا

فغد - لو طار - لن يفلتَ منا

نحن ما ضعنا.. ولكن

مَنْ..

جديد..

قد..

سُبكْنا

هكذا سجَّل توفيق زياد قصة شعب، هكذا لخص «شاعر المقاومة»  حياة  شعبه ومأساته التى ما زال يعيشها حتى الآن، وكأنما رأى زياد ما سيحدث لوطنه فى المستقبل فحثهم على البقاء والمقاومة رغم كل المكائد التى تحاك لإبادته وتهجيره ولذلك كان يسعى الإسرائيليون دومًا لاغتياله حتى نجحوا فى عام 1994. ولكن من هو «توفيق زياد» والذى لقب بشاعر المقاومة وكتب العديد من دواوين الشعر، من أبرزها «أناديكم واشد على أياديكم».

هو توفيق أمين زيّاد الشاعر والكاتب الفلسطيني والذى ولد فى مدينة الناصرة عام 1929.

درس أولًا فى الناصرة ثم ذهب إلى موسكو ليدرس الأدب السوفيتى وشارك طيلة السنوات التى عاشها فى حياة الفلسطينيين السياسية داخل الأرض المحتلة، وناضل من أجل حقوق شعبه.

 كان عضوًا فى الحزب الشيوعى الإسرائيلى، راكاح، وأصبح عضوًا فى الكنيست الإسرائيلى لأكثر من دورة انتخابية، كما كان لفترة طويلة وإلى يوم وفاته رئيسًا لبلدية الناصرة.

إضافة إلى ترجماته من الأدب الروسى وأعمال الشاعر التركى ناظم حكمت، أصدر توفيق زياد عددًا من المجموعات الشعرية من بينها: «أشد على أياديكم» (1966)؛ التى تعد علامة بارزة فى تاريخ النضال الفلسطينى ضد إسرائيل وتتضمن عددًا من القصائد التى تدور حول البسالة والمقاومة، وبعض هذه القصائد تحوّلت إلى أغان وأصبحت جزءًا من التراث الحى لأغانى المقاومة الفلسطينية.

لعب توفيق زياد دورًا مهما فى إضراب أحداث يوم الأرض الفلسطينى فى 30 مارس 1976، حيث تظاهر الآلاف من العرب من فلسطينى الـ 48 ضد مصادرة الأراضى وتهويد الجليل.

تزوج من نائلة يوسف صباغ وأنجب ولدين أمين وفارس وبنتين وهيبة وعبور.

ولكنه اغتيل فى 5 يوليو 1994 بحادث طريق مروع وهو فى طريقه لاستقبال ياسر عرفات عائدًا إلى أريحا بعد اتفاقيات أوسلو.

ظل توفيق مستهدفًا من السلطة الإسرائيلية طيلة حياته، حيث وجدوا فيه واحدًا من الرموز الأساسية لصمود الشعب الفلسطينى وتصديه لسياسة الحكومة وممارساتها.

تعرض للكثير من الاعتداءات التى تعرض لها بيته، حتى وهو رئيس بلدية. 

وفى إضراب يوم الأرض والذى قامت به الجماهير العربية هاجموا بيته بالذات ونشروا فيه الخراب واعتدوا على من فيه. 

قصته فى يوم الأرض معروفة فعندما حاولت الحكومة إفشال إضراب يوم الأرض 30 مارس 1976 الذى قررته لجنة الدفاع عن الأراضي. لكنه أثبت لهم أن القرار قرار الشعب والشعب أعلن الإضراب ونجح وكان شاملًا، فنظمت السلطة اعتداءاتها وقتلت الشباب الستة وجرحت المئات وهاجمت بيت توفيق زياد، وتقول زوجته «سمعت الضابط بأذنى وهو يامر رجاله طوقوا البيت واحرقوه».

والمشهد لم ينته هنا؛ بل يتكرر الاعتداء فى إضراب صبرا وشاتيلا 1982، وفى إضراب سنة 1990، وفى إضراب مجزرة الحرم الإبراهيمى 1994 وفى مرات كثيرة أصيب أفراد عائلته وضيوفه بالجراح جراء الاعتداءات.

 وكانوا ينفذون الاعتداء وهم يبحثون عن توفيق زياد شخصيًّا.

 حتى فى الإضراب 1994 وتوفيق زياد يقود كتلة الجبهة البرلمانية فى الجسم المانع الذى بدونه ما كانت لتقوم حكومة رابين، أطلقت الشرطة قنبلة غاز عليه وهو فى ساحة الدار. غير أنَّ أبشع الاعتداءات كان فى مايو1977  قبيل انتخابات الكنيست إذ جرت محاولة اغتياله، ونجا منها بأعجوبة وحتى اليوم لم تكشف الشرطة عن الفاعلين لكن توفيق زياد عرفهم واجتمع بهم وأخبروه عن الخطة وتفاصيلها وكيف نفذوها.

ولتوفيق زيّاد العديد من الأعمال الأدبية من أشهرها «أشد على أياديكم» المنشورة عام 1966، كما قام بترجمة عدد من الأعمال من الأدب الروسى ومن أعمال الشاعر التركى ناظم حكمت.

ادفنوا موتاكم وانهضوا 1969، أغنيات الثورة والغضب فى نفس العام. المنجل والسيف والنغم، شيوعيون، كلمات مقاتلة فى 1970، عمان فى أيلول فى 1971. تَهليلة الموت والشهادة فى 1972. سجناء الحرية وقصائد أخرى ممنوعة، 1973.السّكر المُر، بأسنانى، سمر فى السجن، وقصيدة «أى شيء يقتل الإصرار»، والتى غناها جورج قرمز هى وقصيدة «صبرًا».

لم يكتب فقط «أبوأمين» قصائد للمقاومة فقط بل كانت له أعمال شعرية ومسرحية مغناة مثل «سرحان والماسورة» والتى تروى قصة الثائر الفلسطينى سرحان حسين العلي وتحولت إلى أوبرالى غنته فرقة أغانى العاشقين. 

تم تكريم توفيق زياد حيث أُعطى «وسام القدس للثقافة والفنون والآداب» من منظمة التحرير الفلسطينية وأُقيمت «مؤسسة توفيق زيّاد للثقافة الوطنية والإبداع» لتُعنى بإنتاجه الأدبي. كما أُنشئت جائزة «توفيق زياد الأدبية» تكريمًا له

ويظل اسم توفيق زيّاد (أبو أمين) مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بـ«يوم الأرض» فهو الشاعر الفلسطينى الذى عاش حياته مناضلًا ومدافعًا عن الحقوق الفلسطينية فى الداخل المحتل، ويعتبر من أبرز الشخصيات المؤثرة التى أدت دورًا محوريًا، ليس فقط فى «يوم الأرض»، بل فى مختلف محطات نضال الشعب الفلسطينى حتى يوم اغتياله.

حقا إن فلسطين وشعبها لا يعرفون معنى الهزيمة ولكنهم يدركون معنى «المقاومة» ويعيشونها بكل تفاصيلها وصورها وأعمقها هى مقاومة «القلم».