الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

«ما ضاع حق وراءه مُطالب» 35 عاما على استرداد «طابا».. ملحمة الإرادة والدبلوماسية المصرية التى قهرت الأكاذيب الإسرائيلية

«ما ضاع حق وراءه مُطالب».. من هذا المنطلق استردت مصر أرض طابا فى 19 مارس 1989 ليصبح تاريخًا يسجل وحدة شعب مصر الذى التفّ حول قيادته وجيشه الوطنى وليؤكد للعالم أن المصريين لا يتركون شبرًا واحدًا من أراضيهم وقادرون على حماية تراب وطنهم بكل الطرق، بالحرب أو بالسلام. ويعتبر الاحتفال بهذه الذكرى الوطنية الغالية هو تكريم لـ الإرادة المصرية الصلبة والصمود البطولى، الأمر الذى أجبر إسرائيل لأول مرة فى تاريخها على الانسحاب من كل شبر على أرض سيناء، وقد تم لأول مرة تسوية نزاع حدودى بين إسرائيل ودولة عربية عن طريق المحاكم الدولية فى قضية طابا، رغم أن منطقة طابا لا تتجاوز كيلومترا مربعا، إلا أنها تمثل أهمية استراتيجية كبيرة بالنسبة لإسرائيل.



طمع العدو فى طابا

وتبعد طابا عن مدينة شرم الشيخ حوالى 240 كم جنوبًا، وتمثل مثلثا قاعدته فى الشرق على خليج العقبة بطول 800 متر، وضلعا شماليا بطول ألف متر، وآخر جنوبيا بطول1090 مترًا، ويتلاقى الضلعان عند النقطة التى تحمل علامة 91.

تكمن أهمية طابا بالنسبة للعدو الإسرائيلى فى أنها تقع على بعد 7 كيلومترات من ميناء إيلات الإسرائيلى شرقا، ما يجعلها الباب على سيناء، وتعتبر إيلات أضيق جبهة إسرائيلية فى المنطقة تطل على العقبة، فتمتد 5 أميال محصورة بين ميناء العقبة الأردنى ووادى طابا.

وحاولت إسرائيل الاستيلاء على طابا من أجل توسيع إيلات التى تعتبر المنفذ البحرى الوحيد لها على البحر الأحمر، ما يؤهلها للإشراف على طريق البحر الأحمر من سيناء إلى باب المندب، بالإضافة إلى أنها المدخل الأساسى لشرم الشيخ وبالتالى مضيق تيران، وتمثل نقطة تحكم لإسرائيل تقوم من خلالها بالاطلاع على ما يجرى فى المنطقة، ووسيلة ضغط مستمرة على مصر تقوم من خلالها بعزل سيناء شمالها عن جنوبها.

خليج العقبة

وتقع طابا فى مواجهة الحدود السعودية فى اتجاه مباشر لقاعدة تبوك، لذلك فمن يسيطر على طابا يسيطر على رأس خليج العقبة فيستطيع رصد ما يجرى فى كل من خليج السويس وشرم الشيخ ونويبع، ولهذه الأسباب حاول العدو الإسرائيلى تحريك بعض هذه العلامات داخل الأرض المصرية للاستيلاء على طابا.

استمرت المفاوضات لأكثر من 4 سنوات ولصعوبة الوصول إلى حل للنزاع وبتدخل الولايات المتحدة الأمريكية تم الاتفاق فى 11 سبتمبر 1986 على اللجوء لهيئة تحكيم دولية تعقد فى جنيف بسويسرا، وقبل صدور الحكم رسخ لدى الهيئة انطباع حقيقى عن أوضاع نقاط الحدود بقوة الدفاع ووجهة النظر المصرية، وضعف حجة وجهة النظر الإسرائيلية.

أصدرت هيئة التحكيم التى عُقدت فى جنيف فى 29 سبتمبر عام 1988، بالإجماع حكمها التاريخى لصالح مصر، وقضت أن طابا مصرية، وبعد صدور الحكم اختلقت إسرائيل أزمة جديدة فى التنفيذ، وأعلنت أن مصر حصلت على حكم لمصلحتها، ولكن التنفيذ لن يتم إلا برضا إسرائيل، وبناءً على شروطها، ولكن الدولة المصرية بشعبها وجيشها، رفضت كل العروض والمناورات الإسرائيلية.

التدخل الأمريكى

وتم حسم الموقف عن طريق اتفاق روما التنفيذى فى 29 نوفمبر 1988 بحضور الولايات المتحدة، حيث انتهى بحل المسائل المعلقة والاتفاق على حلها نهائيا، وانتهت قضية طابا برفع العلم فوق أراضيها عام 1989 بعد معركة سياسية ودبلوماسية استمرت لأكثر من 7 سنوات، وتم رفع العلم المصرى عليها فى 19 مارس من نفس العام .

قوة الإرادة المصرية

ويعتبر استرداد طابا بهذا الشكل من التحكيم والقضاء الدولى أول قضية يتم فيها تسوية النزاع الحدودى بين إسرائيل ودولة عربية، وقد أجمع خبراء على أنه عقب 35 عامًا من عودة طابا إلى حضن مصر، لا نزال نفتخر ونعتز جيلًا تلو الآخر بقدرة الدولة على فرض إرادتها واسترداد أرض سيناء كاملة، محذرين بكل قوة من المساس بتلك البقعة الطاهرة المقدسة التى اختارها الله ليتجلى فيها.

اللواء فؤاد فيود، أحد رجال حرب أكتوبر المجيدة، يؤكد أن استعادة طابا أعطت درسًا مهمًا لشعب مصر، وهو ضرورة أن يكون يدًا واحدة مع قيادته السياسية وقواته المسلحة، إذ إن المصريين أدركوا أن الوقوف على قلب رجل واحد والالتفاف حول القيادة والجيش هو أقوى سلاح لمواجهة العدو وأبرز أسباب الانتصار.

وذكر أن الإسرائيليين كانوا ينتظرون أن تستسلم مصر، ولكن شعب مصر أبى وأذهل العالم، فبعد النصر العسكرى العظيم الذى حققه جيشنا فى السادس من أكتوبر عام 1973 استكملنا حربنا بالمفاوضات.

أرض الفيروز

وتابع: «وعقب توقيع اتفاقية كامب ديفيد عادت العريش إلى السيادة المصرية فى 26 مايو 1979، وتبقت طابا بعد أن ادعت تل أبيب بأنها داخل حدودها، غير أن مجموعة القانونيين والدبلوماسيين المصريين استطاعوا أمام محكمة العدل الدولية استرداد طابا تلك الأرض الغالية».

من جانبه، يقول الخبير الاستراتيجى اللواء نصر سالم، أحد أبطال حرب أكتوبر، إن الحلم مهما كان بعيدًا فالمصريون قادرون على تحقيقه بالإصرار وحبهم الشديد الذى لا مثيل له لتراب وطنهم.

وأضاف: «عندما خسرنا أرضنا فى 5 يونيو 1967 تخيلنا أنه أسوأ يوم فى تاريخنا، إلا أننا لم نكن نعلم أن النصر العظيم قادم فى السادس من أكتوبر 1973»، موضحًا أن إرادة شعب مصر كانت فوق كل شيء، حيث التف الشعب خلف قيادته ورفض الهزيمة وساند جيشه وحشد كل طاقته حتى استطعنا أن نجعل العدو يقر بنفسه فى حقنا وسيادتنا على كامل أراضينا.

التحكيم الدولى

وأشار إلى أن الحرب لم تنتهِ فى الميدان فقط، حيث استكملنا المعركة أمام التحكيم الدولى، بعد أن سعت إسرائيل إلى إظهار أن مدينة طابا ليست مصرية علاوة على محاولاتها توفيق الأوضاع أى تقسيمها، إلا أن صاحب الحق لا يمكن أن يقبل إلا بإعادة كل شبر من أرضه.

وأثنى على ذكاء المفاوض المصرى الذى فوت الفرصة على العدو، ونجح صاحب الحق أمام المحكمة الدولية فى الحصول على جميع الأصوات باستثناء صوت القاضى الإسرائيلى الذى اعترف فيما بعد بانه كان يأمل فى أن يخطأ المفاوض المصرى أمام القضاة، لتعود أرضنا كاملة لا تنقصها حبة رمل واحدة.

بدوره، أبرز رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية، السفير محمد العرابى، أن الدبلوماسية المصرية خاضت واحدة من أعظم الملاحم على مر تاريخها حتى نجحت فى صدور الحكم من هيئة التحكيم الدولى بأحقية مصر فى طابا.

وذكر بأن معركة استرداد طابا استمرت سنوات عدة، وانتهت بانتصار عظيم، عقب انسحاب آخر جندى إسرائيلى من آخر نقاط سيناء، لتكتب مصر فى سجلات التاريخ أنها حققت نصرين لاستعادة كل أرض سيناء: نصر عسكرى فى السادس من أكتوبر 1973، ونصر سياسى ودبلوماسى فى 19 مارس 1989 حينما رفع العلم المصرى على مدينة طابا معلنًا السيادة على كل شبر فى سيناء وإثبات حق مصر فى أرضها.

عدم التفريط فى الأرض

ولفت إلى أن مصر رفضت التفريط فى شبر واحد من أراضيها، وأصرت على طرد آخر جندى إسرائيلى، مشيدًا بأنه تم الإعداد لتلك الملحمة الدبلوماسية إعدادًا مثاليًّا من المسؤولين المصريين، حين تم تكوين فريق علمى كبير على مستوى عالٍ، وإمداده بكل الوثائق اللازمة والحقائق والوقائع والتى جرى عرضها على المحكمة الدولية، حتى تمكنا من النتيجة العظيمة التى حققناها.

وشدد وزير الخارجية الأسبق على أن احتفال هذا العام بذكرى استرداد طابا يتزامن مع عبور جديد يقوده الرئيس عبد الفتاح السيسى نحو الجمهورية الجديدة التى أرسى دعائمها منذ نحو 10 سنوات، ولتحقيق التنمية المستدامة التى طالما حلمنا بها ويستحقها هذا الشعب العظيم.

المديرة التنفيذية لمؤسسة «كيميت بطرس غالى للسلام والمعرفة»، السفيرة ليلى بهاء الدين، تروى أن مصر تعاملت مع قضية استرداد طابا بأسلوب علمى وعملى متميز، حيث تم تشكيل منظومة عمل، ضمت ممثلين وخبراء من جميع مؤسسات الدولة المعنية، سواء من وزارة الخارجية أو القوات المسلحة أو المؤسسات القانونية والعلمية والأمنية، وتحركت هذه المنظومة لتستطيع إثبات أحقية مصر فى طابا، وهو ما تحقق بالفعل.

وقالت إن رفع العلم المصرى على أرض طابا فى التاسع عشر من مارس عام 1989 أثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الدولة المصرية- التى تحترم التزاماتها الدولية- لم ولن تفرط فى حقوقها مهما كان الثمن، وأنها قادرة على انتهاج جميع الأساليب القانونية والسياسية للحفاظ على الأمن القومى المصرى وكل شبر من أرضها.

وشددت مساعد وزير الخارجية الأسبق على أن ذكرى استرداد طابا تظهر للجميع أن مصر قادرة على تجاوز جميع العقبات للحفاظ على الحق المصرى وعدم التفريط فيه والدفاع عن أمنها القومى.

وأوضحت أن الإرادة السياسية تمثل طريقًا رئيسيًا لحل أية مشكلات يمكن أن تتعرض لها الدولة، خاصة بعد أن تعلمنا من دروسنا السابقة ومن معركة استرداد سيناء، منوهة فى هذا الصدد بأهمية وعى المصريين تجاه المخاطر التى تحدق بوطنهم، وضرورة مواجهتها متحدين قيادة وشعبا.