الأحد 28 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

من خلال رجل الأعمال «دان جيرتلر»: إسرائيل تنهب ثروات إفريقيا وعلى رأسها الألماس

فى جمهورية الكونغو الديمقراطية يرتبط اسم رجل الأعمال دان جيرتلر فى سياق التعدين ارتباطا تكامليا مع التوغل الإسرائيلى فى الشأن الإفريقى، ويبرز جيرتلر الذى يبلغ من العمر 50 عاما كشخصية محورية فى قضية استغلال موارد الكونغو الديمقراطية والسيطرة عليها، كما تقول تقارير مشتركة من صحيفة هآرتس الإسرائيلية وأفريكا-ريبورت وبلومبيرج الأمريكية. ودان جيرتلر هو حفيد موشيه شنيتزر الشخصية البارزة التى كانت من المؤسسين لبورصة الألماس الإسرائيلية فى 1947، والحاصل على جائزة إسرائيل فى عام 2004، نشأ دان جيرتلر فى عائلة كانت لها تقاليد راسخة فى مجال تلميع الألماس وتسويقه، واكتسب خبرة فى هذا المجال من والده وجده.



انطلاقا من موروث عائلى متجذر فى استغلال معدن الألماس فى القارة الأفريقية أثناء الحقبة الاستعمارية، أخذ دان يرتلر يرسم مساره متتبعا خطى أسلافه.

بعد خدمته الإلزامية لمدة 3 سنوات فى الجيش الإسرائيلى أسس جيرتلر متجره الخاص لتجارة الألماس، واتجه وعمره 23 عاما إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية التى كانت تعيش حينها دوامة من الاضطرابات والنزاعات الدموية.

فى تلك الفترة المضطربة، كان لوران ديزريه كابيلا قائد المتمردين فى أمس الحاجة إلى المال والسلاح لشن هجومه على العاصمة كينشاسا، فتمكن جيرتلر بدهاء من توفير دعم بمبلغ 20 مليون دولار للتمرد.

 

ومع صعود كابيلا إلى السلطة، استثمر جيرتلر علاقته الوثيقة معه لتعزيز نفوذه، مما منحه إمكانية الحصول على حقوق استخراج المعادن بأسعار رخيصة، بعيدا عن معايير السوق العالمية. وفى المقابل، تعهد جيرتلر بضمان الدعم الدولى لنظام كابيلا من الدول الغربية. لكن على إثر إغتيال لوران كابيلا فى يناير2001، تسلم السلطة ابنه جوزيف كابيلا. وأستغل جيرتلر هذا التحول لصالحه، مستفيدا من نقص خبرة الرئيس الشاب فى المجال السياسى وعمل على ترسيخ مصالحه.

 

فى أثناء الشكوك والجدل المحيط بمقتل لوران وتولى نجله جوزيف السلطة، وقام الأخير بتفويض جيرتلر للتفاوض مع الولايات المتحدة بهدف كسب دعمها ودعم المجتمع الدولى ضد خصومه.

 

ويعد قطاع التعدين ركنا أساسيا فى اقتصاد الكونغو الديمقراطية، حيث أسهم بحوالى 55 % من إجمالى الإيرادات فى عام 2017، ومثل 99 % من إجمالى الصادرات الوطنية عام 2023. وأستطاع جيرتلر خلال الفترة الطويلة التى حكم فيها جوزيف كابيلا الفوز بعقود ضخمة ومشبوهة لتصدير الألماس والذهب والنفط والكوبالت ومعادن نفيسة أخرى. ونتيجة ما سبق، نجح جيرتلر فى ترسيخ مكانته كرجل أعمال بارز وملياردير فى الميدان الأوسع للتعدين حول العالم، مؤسسا مجموعة دان جيرتلر العالمية (DGI). ولم يشتهر فى مجال التعدين بنشاطه المكثف فى قطاعات الألماس والنحاس فقط؛ بل توسع فى استثماراته لتغطى مجالات أخرى كخام الحديد والذهب والكوبالت والنفط، بالإضافة إلى القطاع الزراعى والمصرفى. وبذلك، أنشأ جيرتلر ثروته التى تقدرها فوربس بحوالى 2 مليار دولار 2023 مستفيدا من علاقاته مع أطراف متورطة أحيانا فى جرائم حرب.

 

وفى يونيو 2022 أجرى الصحفى مارتن بلوت المتخصص فى شئون القرن الإفريقى وجنوب إفريقيا تحقيقا استقصائيا دقيقا كشف عن شخصيات نافذة كانت تعمل ضمن نطاق الحكومة الإسرائيلية تحت قيادة بنيامين نتنياهو، وقدمت العون لجيرتلر، ومن بين هؤلاء، يبرز اسم يوسى كوهين الذى شغل سابقا منصب مدير الموساد. لقد قام كوهين بـ3 زيارات إلى الكونغو الديمقراطية عام 2019 بهدف التوسط لصالح جيرتلر لدى الرئيس جوزيف كابيلا وضمان استمرار امتيازاته مع خلفه الرئيس فيليكس تشيسيكيدى ووفقا لبلوت، يؤكد المقربون من جيرتلر وكذلك من كوهين أن جميع تحركاتهم كانت تصب فى مصلحة الدولة الإسرائيلية. لكن زيارات كوهين الـ3 إلى واحدة من أكثر الدول فسادا فى القارة الأفريقية قد أثارت تساؤلات عديدة عن مدى تورط الحكومة الإسرائيلية مع جيرتلر فى نشاطاته المشبوهة، خاصة فى مجالات التحكم بالمعادن الثمينة. يتكشف الغموض حين النظر انطلاقا من المكانة المتميزة التى تتبوئها إسرائيل فى المجال الصناعى العالمى، ومع إدراك الأهمية المحورية لمعادن مثل الكوبالت والليثيوم والكولتان فى رسم معالم التفوق التقنى، كانت الحاجة الماسة للحكومة الإسرائيلية لضمان استمرارية وأمان استثمارات دان جيرتلر فى جمهورية الكونغو الديمقراطية. وتشكل هذه المعادن العمود الفقرى لصناعات حيوية متعددة كتلك المتعلقة ببطاريات السيارات الكهربائية، والموصلات، وتكنولوجيا الشرائح الإلكترونية المتطورة، وكذلك فى صناعة الهواتف الذكية والكمبيوتر، بالإضافة إلى دورها الجوهرى فى القطاع العسكرى الإسرائيلى.

 

وفى 2018، وفقا لبيانات مؤسسة حلول التجارة العالمية المتكاملة (World Integrated Trade Solution)، أستوردت إسرائيل منتجات كوبالت متنوعة من الكونغو الديمقراطية تضمنت: الكوبالت، الخردة، والبودرة. وتعتبر الكونغو الديمقراطية الدولة الأساسية لهذه المعادن، حيث تسهم بنحو 70 % من الإنتاج العالمى للكوبالت و80 % من الكولتان، مما يجعلها ساحة ذات أهمية إستراتيجية لا يستهان بها.

 

وتحرص إسرائيل بجانب سعيها لاستغلال هذه الموارد فى قطاعاتها الصناعية، على تعزيز وجودها الاقتصادى والسياسى فى هذا الجزء الحيوى من القارة الأفريقية. وفى سياق متصل، تتعدى إسرائيل مجرد الانخراط فى الأنشطة الاستثمارية التقليدية بجانب رجال أعمالها، إذ تظهر تورطها العسكرى فى حماية هذه المصالح بالكونغو من خلال تقديم الدعم للفصائل المسلحة التى تضمن الحفاظ على مصالحها. وفى أكتوبر 2023، ألمحت تقارير صحفية أفريقية إلى أن إسرائيل قد أعادت انتشار جنودها العاملين سرا فى الكونغو للمشاركة فى العمليات العسكرية البرية فى غزة، مما يسلط الضوء على التداخل العميق بين الأهداف الاقتصادية والعسكرية والاستخباراتية لإسرائيل فى القارة الإفريقية.

 

وعلى مدار السنين، ارتبط اسم جيرتلر بادعاءات الفساد المتكررة. وفى مايو 2013، كشف تقرير أصدره كوفى عنان الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، عن الخسائر الفادحة التى تكبدتها الكونغو الديمقراطية بسبب تعاملاتها مع شركات جيرتلر الخارجية، مما ألقى الضوء لأول مرة على حجم هذه الخسائر الهائلة.

 

وأوضح التقرير أن صفقات جيرتلر لـ5 امتيازات مهمة فى مجال النحاس والكوبالت أدت إلى خسارة تقدر بحوالى 1.36 مليار دولار للخزينة العامة. وفى عام 2017، اتخذت وزارة الخزانة الأمريكية قرارا بتطبيق عقوبات ضد جيرتلر استنادا إلى قانون ماجنيتسكى الذى يمنحها السلطة لتجميد الأصول الخاصة بالأفراد المتورطين فى انتهاكات حقوق الإنسان أو فى أنشطة فساد. وصرحت الوزارة أن جيرتلر تمكن من جمع ثروة هائلة من خلال عقود ملتبسة فى قطاعى التعدين والنفط تقدر بمئات الملايين من الدولارات فى الكونغو، مستغلا علاقته القوية مع الرئيس الكونغولى حينها جوزيف كابيلا. وفى العام اللاحق، توسع نطاق العقوبات المفروضة عليه على خلفية حصوله على تراخيص تعدين بأسعار منخفضة من الحكومة الكونغولية ومن الشركات الحكومية، ومن ثم إعادة بيعها لشركاء دوليين بأرباح طائلة. كما شملت الدعوى اتهامات جيرتلر وشركاته بتمويل ميليشيات متمردة والاستيلاء على مدفوعات كانت من المفترض أن تعود للدولة ومؤسساتها الرسمية.

وفى بداية عام 2021، وخلال الأيام الأخيرة من إدارة دونالد ترامب حصل جيرتلر على ترخيص سرى يمتد لمدة عام يعفيه من العقوبات، بعد جهود مكثفة من اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة. ومع ذلك، واجه هذا القرار اعتراضا شديدا من جانب النشطاء المعنيين بمكافحة الفساد وأعضاء فى الكونجرس الأمريكى، مما أدى إلى إلغائه من قبل إدارة الرئيس جو بايدن فى مارس 2021. وبالنظر إلى الموقع الرئيسى الذى يشغله جيرتلر فى تعزيز النفوذ الإسرائيلى فى القارة الإفريقية خاصة فى مجال السيطرة على المعادن الثمينة والاستراتيجية، كان لزاما أن يتلقى الدعم من شخصية إسرائيلية أخرى مؤثرة، وهو رون ديرمر السفير السابق لإسرائيل فى الولايات المتحدة. وقد أكد ديرمر على أهمية العلاقات الإقليمية ذات الصلة بالمصالح الإسرائيلية كسبب رئيسى وراء محاولاته لإزالة جيرتلر من قائمة العقوبات الأمريكية. ويعتبر ديرمر وكوهين من بين أقرب المساعدين وأكثرهم ثقة لدى نتنياهو حيث كانا ينفذان مهمات سرية بأمر من حكومته وقد وصفهما نتنياهو فى مناسبات عديدة كخلفاء محتملين له. وبعيدا عن تهم الفساد، وفى مسعى لنيل رضا حكومة الرئيس تشيسيكيدى أطلق جيرتلر فى نوفمبر 2020، مبادرة مالية تحت مسمى «يابيسو» وادعى أنه سيقوم بتقاسم جزء من عوائده من مشروع «ميتالكول» للكوبالت مع الشعب الكونغولى. وتعرض هذا المخطط لانتقادات لاذعة لعرضه منح ما كان يجب أن يكون أصولا للدولة. ومع ذلك، ظل جيرتلر يرفض بشدة الاتهامات الموجهة ضده نافيا ممارسته أعمالا غير قانونية، ومصرا على مساهمته فى إحداث نقلة استثمارية كبرى فى جمهورية الكونغو الديمقراطية.