الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
معركة عزيزة وطه حسين.. ما زال الجدل مستمرًا

معركة عزيزة وطه حسين.. ما زال الجدل مستمرًا

وكأننا ندور فى حلقة مفرغة، نفس القضايا نناقشها دون أن نصل إلى نتيجة محددة، تتقدم الأمم حولنا وتسبقنا ونحن نمشى بطريقة محلك سر، وليس أدل على ذلك من هذه المعركة التى دارت منذ 88 عاما وما زلنا نطرحها حتى الآن، وهى المعركة التى كشف عنها الكاتب والباحث الموهوب روبير الفارس فى كتابه «غزوة عزيزة.. أوراق معركة مجهولة لطه حسين»، والذى صدر مؤخرا عن دار روافد، وكتب مقدمته الكاتب والمفكر الكبير حلمى النمنم وزير الثقافة الأسبق.



فى عام 1936 نشرت جريدة الأهرام مقالا لطالبة مجهولة بكلية الحقوق اسمها عزيزة عصفور تطالب فيها بعدم اختلاط الطالبات والطلبة فى الجامعة، فقد فوجئت الفتاة القادمة من بورسعيد أن البنات والبنين يجمعهما قاعة درس واحدة، وتقول فى مقالها: «لقد تربيت تربية شرقية تبعدنى عن الاختلاط ومحادثة جنس يمنعنى الشرع والحياء من التكلم معه والاختلاط به»، وتطالب عزيزة بإنشاء قسم جامعى خاص بالفتيات «صيانة للأخلاق من الزلل»، واحدث المقال صدى واسعا بين مؤيد ومعارض وساند ذوى الاتجاهات المحافظة الطالبة فى دعواها، ومنهم محب الدين الخطيب وهو أحد مؤسسى جمعية الشبان المسلمين، حيث كتب فى مجلة النهضة النسائية: «إن الاختلاط فى مقاعد الجامعة ودور السينما وعلى مقاعد السيارات العامة جرأ بنات ونساء من بيوت كريمة ومن طبقات مختلفة على الاختلاط فى حمام السباحة وعلى التجرد من الملابس للاستحمام أمام الرجال وعلى أن يغشين حمامات البحر المختلطة فى الثغور المصرية مثل الإسكندرية»، ثم قدم بعض طلاب الجامعة مذكرة إلى مديرها يطالبون فيها بإدخال التعليم الدينى إلى الجامعة وناصرهم فى ذلك عدد من رجال الأزهر وبعض الشخصيات العامة من ذوى التفكير المحافظ، ورد على عزيزة طالب اسمه فضل الشابورى كان يدرس بمدرسة الحقوق الفرنسية فكتب فى الأهرام: «إن الاختلاط فى كليتى الحقوق والآداب صورى أكثر منه حقيقى إذ إنه عندما تبدأ المحاضرات تجلس الطالبات فى مقاعد معدة لهن بالصفوف الأولى أو الجانبية، وعند انتهاء المحاضرة يذهبن إلى حجرات خاصة بهن ومن هنا يتبين أنه ليس هناك اختلاط يجعل الآنسة عزيزة تبدى مخاوفها من نتائجه» وتساءل: «إذا كانت الآنسة ترى فى الاختلاط مفاسد فما الذى دفعها إلى دخول الجامعة، كما أنها التحقت بالحقوق لأنها تريد أن تكون محامية، أفلا تخشى اختلاطها بالرجال وهى محامية؟»، وردت عزيزة فى نفس الجريدة: «إن الاختلاط سواء كان صوريا أم حقيقيا فهو معيب ولا يقره الإسلام ولا ترضاه الأخلاق وسأستمر فى الكتابة عن خطر الاختلاط حتى يحقق ولاة الأمور وعلى رأسهم جلالة الملك المحبوب هذه الأمنية»، وتضيف: «أما عن دخولى كلية الحقوق فإن نظام التدريس فى المدارس الابتدائية والثانوية لا يشفى الغلة ولا يكسب الثقافة المطلوبة لعهد برزت فيه النهضة النسائية، أما القول إن كنت أخشى الاختلاط بالرجال فكيف أعمل بالمحاماة؟ فقد ثبت أن العقل ينمو بنمو الجسم وينضج مع تقدم السن والمفروض أن للشباب نزقا وطيشا ورعونة وأن للعلم أثره الفعال فى العقول فيجعلها كاملة تقدر العواقب»، وكتب مصطفى صادق الرافعى مؤيدا منع الاختلاط ومعه الدكتور منصور فهمى عميد كلية الآداب السابق ومدير دار الكتب والأمير عمر طوسون، وأجرت الأهرام حوارا مع شيخ الأزهر الشيخ مصطفى المراغى قال فيه إنه يطالب بتعميم التعليم الدينى وفصل البنين عن البنات فى الجامعة، ونشرت جريدة المصرى تحقيقا قال فيه الدكتور عبدالحميد العبادى أستاذ التاريخ الإسلامى بكلية الآداب: «إن الجامعة ليست مكان اختصاص لدراسة الدين وإن مكانه هو الأزهر الشريف، وأن كل طالب تحصل فى دراسته قبل الجامعة على قدر كافٍ من التعليم الدينى، وعن فصل الطالبات عن الطلبة فلم يحدث ما يدعو إلى ذلك فسلوك الطلبة والطالبات محمود بفضل روح العلم الذى يسود»، أما الدكتور طه حسين عميد كلية الآداب فقال: «لا اعرف فى كتاب الله عز وجل ولا فى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم نصا يحرم اجتماع الفتيان والفتيات حول أستاذ يعلمهم العلم والأدب والفن ولا اعرف شيئا حدث فى الجامعة يخيف من الفتنة ويدعو إلى الاحتياط بالتفرقة بين الجنسين فى قاعة الدرس»، ويضيف: «إن الذين يطالبون بالفصل لا يقدرون نتائجه فإن طبيعة الحياة المصرية الحديثة تقتضى أن يشتد الاتصال بين الرجال والنساء ولا سبيل إلى مقاومة هذه الطبيعة ولا مقاومة كل ما يقتضيه التحول الحديث فى حياتنا»، وانصب غضب الأزهريين على طه حسين واتهموه بالجهل بالدين، ورد هو متحديا أن يأتوا بنص يحرم الاختلاط عند تلقى العلم، ودخل توفيق الحكيم فى المعركة مناصرا له وكتب فى جريدة المصرى ملخصا القضية: «كل هذا حدث لأن المرأة فى مصر ذبل عقلها من طول السجن ولم تعتد مواجهة المجتمع منذ الصغر، إن إقصاء المرأة عن مجتمعنا كما يقصى الحيوان الحقير جريمة فظيعة وهو القتل المعنوى بعينه وإن الذين يريدون قتلها باسم الدين والدين منهم برىء لا يدركون أنهم بذلك يقتلون أنفسهم بأيديهم وأن عقل المرأة إذا ذبل ومات فقد ذبل عقل الأمة كلها ومات»، وكما ظهرت هذه القضية فجاءة اختفت واختفت معها عزيزة عصفور، ولكن أفكارها ما زالت تعيش حتى إن دار الإفتاء أصدرت فتوى العام الماضى ردا على سؤال من أحد الطلاب قالت فيها: «الاختلاط بين الرجال والنساء فى الجامعات وغيرها لا مانع منه شرعا ما دام فى حدود الآداب والتعاليم الإسلامية»، وكان ذلك أيضا ردا على فتاوى السلفيين المنتشرة والمنشورة على مواقعهم بتحريم الاختلاط، اختفت عزيزة ولكنها تعود كل حين فتظهر دعاوى عودة المرأة إلى البيت وأن خروجها للعمل أدى إلى انهيار الأخلاق وأن ملابسها سبب الانفلات الجنسى وأنها وراء كل المشاكل الاجتماعية والأخلاقية.