الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

صندوق النقد الدولى مرساة تائهة فى اقتصاد عالمى متغير

على مدى العقد الماضى نشط موظفو صندوق النقد الدولى فى مراجعة الافتراضات القائمة منذ فترة طويلة حول التقشف المالى والحرية المطلقة لتدفقات رأس المال وعملوا على التخفيف من الشروط المفروضة على القروض الكبيرة والحساسة سياسيًا. وتحت عنوان: «صندوق النقد الدولى مرساة تائهة فى اقتصاد عالمى متغير» كتب آدم تووز فى صحيفة فايننشال تايمز مقالا تناول فيه التمثيل المضخم للدول الغربية فى صندوق النقد الدولى كإرث ثقيل من مؤتمر بريتون وودز.



 

ويصادف هذا الصيف الذكرى الثمانين لانعقاد مؤتمر بريتون وودز الذى وضعت خلاله قوات الحلفاء فى الحرب العالمية الثانية تصورًا لنظام العملات بعد الحرب وهيكلية المؤسسات المالية الدولية صندوق النقد الدولى والبنك الدولى التى ستشرف عليها. وتزامنا مع ذلك، وضعت هذه القوى الهيكلية الأمنية لمنظمة الأمم المتحدة. واستمرت هذه الهيكلية العالمية على مدى العقود الماضية وذلك من خلال إعادة اجترار نفسها مرة بعد مرة. ومؤخرًا احتفلت كريستالينا جورجييڤا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولى بسجل الصندوق الحافل بعمليات توسيع دوره وتطويره فى إطار تفويض مستمر. لكن وعلى الرغم من مرونة صندوق النقد الدولى مثل باقى مؤسسات الهيكلية العالمية، فقد اتخذت عملية تطوره مسار القوى الغربية. أما ما يرسم معالم الاقتصاد العالمى فى الوقت الحالى فهو الإدراك بأن هذا المسار لم يعد يشمل المستقبل. وفى حالة الصندوق يَظهر هذا التناقض بوضوح بشكل خاص.

فى عقوده الأولى، شكل صندوق النقد الدولى المصرف الرئيس لأعضاء الاقتصادات المتقدمة فى نظام «بريتون وودز»، ولم يمنح الدول النامية اليسير من القروض. وخلال فترة السبعينيات والثمانينيات، ومع انهيار نظام «بريتون وودز» وارتفاع تدفقات رأس المال العالمية، تحول الصندوق إلى منظمة لحل المشكلات تعالج أزمات الديون فى أمريكا اللاتينية والعالم النامى. وتدفقت الأموال من الشمال إلى الجنوب، لكن لم يكن سرًا أن ما كان على المحك هو ثروات المصارف ذات الأهمية فى الشمال. وإذا كانت فترة الثمانينيات هى التى أنتجت إجماع واشنطن، فإن صندوق النقد الدولى قد كرسه. وما ندعوه اليوم بالعقود الذهبية للعولمة بعد عام 1989 كانت بعيدة كل البعد عن التحقق بسهولة. فقد اندلعت الأزمات فى المكسيك، وشرق وجنوب شرق آسيا، وروسيا، ومرة ​​أخرى فى الأرجنتين والبرازيل. وواجهت الشروط القاسية التى فرضها الصندوق ردود فعل عنيفة، بما فى ذلك من جانب خبراء اقتصاديين بارزين فى الغرب.

وعلى الرغم من تقدم العولمة، فإنه وبحلول مطلع الألفية، شهد صندوق النقد الدولى حالة متردية؛ ووحدها الدول الأكثر يأسًا من كانت لتسلم رقبتها طواعية لبرنامج صندوق النقد الدولى. ومع نضوب قائمة العملاء تقلصت ميزانية الصندوق وتم تسريح الموظفين. فكانت الأزمة المالية العالمية فى عام 2008 وتداعياتها وهى صدمة عالمية مصدرها النظام المصرفى فى شمال الأطلسى خشية خلاصه. ولم يكن صندوق النقد الدولى محاصرًا من قبل المقترضين الجشعين فقط بل إن جهوده فى مكافحة الأزمات حظيت بالدعم السياسى من مجموعة العشرين، التى تمت ترقيتها إلى اجتماع رؤساء الحكومات فى خضم الأزمة المالية فى نوفمبر 2008. ومرة جديدة تم تحقيق التوافق بين السلطة والمال؛ لكن مثل هذا الدعم السياسى رفيع المستوى جاء مقيدًا؛ وبسبب اقتصادها الآخذ فى التوسع، 

وعلى الرغم من أن أجندة الصندوق قد تكون محدثة، لم يعد بالإمكان تجنب السؤال التالى: من تمثل مؤسسات «بريتون وودز»؟ ووفقًا لمارتن وولف، فإن الأمر الوحيد الذى نعرفه على وجه اليقين بشأن الاقتصاد العالمى، هو أن التوازن يتحول من الغرب باتجاه الشرق. ومع ذلك، عندما اجتمعت مجموعة العشرين فى نيودلهى فى سبتمبر 2023، كانت 59.1 % من حصص التصويت فى صندوق النقد الدولى مملوكة لدول تمثل 13.7 % من سكان العالم. وفى الوقت نفسه، بلغت حصة التصويت الخاصة بالهند والصين مجتمعة حوالى

9 %. وهكذا، لم يعد يخفى على أحد أن هذا لا يتماشى نهائيًا مع الاتجاهات المستقبلية للاقتصاد العالمى. كما أنه من الواضح أن مجلس الشيوخ الأمريكى فى غياب الثورة السياسية لن يقبل أبدًا بأى تعديل يعمل على معالجة هذا الاختلال فى التوازن بشكل كبير؛ وكذلك لن يقبل الأوروبيون الذين يحظون بالتمثيل الزائد فى صندوق النقد الدولى. وبناء على ما تقدم، يبدو أننا محكومون بالعيش فى عالم تواجه فيه المؤسسات المالية الدولية، التى نعتمد عليها لترسيخ شبكة الأمان المالى العالمية، أسئلة لا يمكن الإجابة عنها بسبب شرعيتها. وعلى الرغم من كل محاولات الابتكار والقدرة على التكيف التى أظهرها موظفو الصندوق الخبراء مؤخرًا إلا أنهم يواجهون معركة شاقة.

ويبقى سؤال مهم وهو: ما هى اتفاقية بريتون وودز التى من الممكن أن لم يسمع عنها أحد من قبل؟ هى اتفاقية تهدف إلى توفير رأس المال طويل الأجل للدول التى تحتاج إلى المساعدات؛ ولم تدم اتفاقية بريتون وودز فترة طويلة قبل انهيارها؛ فإن الزمن ما بين إبرامها وانهيارها لم يتجاوز 30 عامًا فقط، وأدى انهيارها إلى الكثير من الآثار السلبية التى شهدتها الدول النامية والدول المتقدمة حول العالم على حد سواء، ونشأت بعض المؤسسات بموجب هذه الاتفاقية ومنها: البنك الدولى للإنشاء والتعمير. ويمكن تعريف اتفاقية بريتون وودز بأنها اتفاقية تهدف إلى توفير رأس المال طويل الأجل للدول التى تحتاج إلى المساعدات الخارجية، إلى جانب تمويل الاختلالات قصيرة الأجل فى الموازين الدولية وفقا لانفيستوبيديا.

كان تاريخ اتفاقية بريتون وودز قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية؛ فإن هذه الاتفاقية كانت عند انتهاء المؤتمر الذى يحمل الاسم نفسه، وهو مؤتمر بدأ يوم 4 يوليو من عام 1944 واستمر حتى يوم 22 يوليو من العام نفسه. كان لهذه الاتفاقية آثار كبيرة على النظام المالى فى السابق، ولا تزال آثارها مستمرة إلى الوقت الراهن. وخلال الوقت الذى أبرمت فيه اتفاقية بريتون وودز كانت هناك العديد من الظروف السائدة التى أدت إلى هذه الاتفاقية وهى الظروف الآتية: استمرار الاستعمار مع وجود حركات التحرر: كانت هيمنة الاستعمار الأوروبى لا تزال مستمرة على الكثير من الدول حول العالم وقت إبرام الاتفاقية، وذلك مع ظهور العديد من الحركات التى تريد التحرر من الاستعمار؛ وضعف دول أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية عانت الدول الأوروبية من الدمار الذى حل فى أراضيها نظرًا للحرب، أما الولايات المتحدة الأمريكية فإنها كانت متفوقة على دول أوروبا.

ومع ظهور قوة الاتحاد السوفييتى بشكل أكبر فى الحرب العالمية الثانية وصحب ذلك زيادة عدد الدول التى تنتمى إلى المنظومة الاشتراكية السوفيتية مما أثر على نظام النقد. وقد مر نظام بريتون وودز بعدة مراحل فعلا وفقًا لإحدى الدراسات وهى المراحل الآتية: 

المرحلة الأولى: امتدت المرحلة الأولى منذ إبرام الاتفاقية وحتى عام 1958، وشهدت هذه المرحلة كثيرًا من التحديات أمام النظام الرأسمالى الدولى وكان الطلب على الدولار شديدًا فى هذه المرحلة مقارنة بما يتوفر منه.

المرحلة الثانية: شهدت المرحلة الثانية من تاريخ اتفاقية بريتون وودز انخفاض الطلب على منتجات الدول المتخلفة؛ نظرًا لاكتمال عمليات البناء فى أوروبا إلى جانب الثورة التكنولوجية، وشهدت هذه الفترة ضعفًا فى السيولة واستمرت حتى عام 1965.

المرحلة الثالثة: فى المرحلة الثالثة شهدت المراكز الرأسمالية العالمية قمة تناقضاتها وصراعاتها مما تسبب بانهيار اتفاقية بريتون وودز فيما بعد، وهى الفترة التى امتدت منذ عام 1965 وحتى عام 1971.

أما أسباب فشل نظام بريتون وودز فكانت عديدة، وانتهت بانهيار النظام خلال سبعينيات القرن العشرين، وفيما يأتى بعضًا من أبرز الأسباب التى أدت إلى فشل نظام بريتون وودز وفقًا لأحد الأبحاث وهى مشكلة السيولة الدولية حيث تنص اتفاقية بريتون وودز على أن الذهب يمثل الاحتياطى الرئيسى الدولى وكانت معدلات نمو الذهب منخفضة مقارنة بمعدلات النمو الذى شهدته التجارة الدولية ما أدى إلى مشاكل فى مواجهة العجز. وهناك مشاكل الثقة؛ كان الدولار الأمريكى العملة الاحتياطية العالمية فى اتفاقية بريتون وودز، لم تحرص الولايات المتحدة على الاحتفاظ بكميات الدولارات المطلوبة، وإنما احتفظت بكميات دولارات تفوق حجم كمية الذهب مما تسبب بوجود اضطراب عالمى. والمشكلة الثالثة هى مشكلة التسوية حيث تميزت بعض الدول بفائض فى ميزان مدفوعاتها مثل ألمانيا، ولكنها ترددت فى رفع قيمة العملة لأن ذلك يقلل من قدرتها على المنافسة، وذلك لعدم وجود طريقة تسوية فعالة، وهى من المشاكل التى تسببت بفشل الاتفاقية.

أما عن أبرز نقاط الاتفاق التى ظهرت فى مؤتمر بريتون وودز؛ قبل إبرام بنود اتفاقية بريتون وودز فقد ظهر العديد من نقاط الاتفاق بين الدول التى اجتمعت فى المؤتمر الذى حمل الاسم ذاته، وفيما يأتى قائمة بهذه النقاط؛ مشكلة أسعار الصرف العائمة؛ رأت الدول المجتمعة بأن أسعار الصرف العائمة فى ثلاثينيات القرن العشرين كانت عائقًا أمام التجارة والاستثمار، إلى جانب كونها سببًا فى زعزعة الاستقرار النقدى والتأثير عليه بشكل مدمر. والمشكلة الثانية هى جمود معيار الذهب؛ حيث لم يكن نظام معيار الذهب السائد فى ذلك الوقت مرنًا بالشكل المطلوب، وإنما كان جامدًا بشكل كبير، وهو نظام يتم تثبيت أسعار العملات فيه دائمًا مقابل الذهب، أما المشكلة الثالثة فهى وجود مؤسسة لتنظيم التعاون الدولى المالى؛ حيث كان هناك اتفاق فى مؤتمر بريتون وودز على وجود مؤسسة تمثيلية تعتنى بتنظيم الشؤون المالية والنقدية.

والمشكلة الرابعة هى إنشاء صندوق سيولة لضمان توفير احتياطات الذهب؛ حيث اتفقت الدول على أهمية إنشاء صندوق سيولة؛ لضمان حصول كل واحدة منها على احتياطات الذهب أو الدولار الكافية للمحافظة على عملتها. والمشكلة الخامسة عدم العودة إلى التفضيل الاقتصادى؛ حيث كانت الدول المجتمعة فى مؤتمر بريتون وودز متفقة على ضرورة عدم العودة إلى التفضيل الاقتصادى والصراع الذى ظهر فى اتفاقيات التجارة الثنائية لألمانيا وغيرها.

ولكن كيف حافظت بنود اتفاقية بريتون وودز على موارد صندوق النقد؟ فقد تم ذلك بعدة من الأحكام وتتضمن القائمة الآتية تفاصيل هذه الأحكام:

وضع حد أعلى للسحب: بموجب اتفاقية بريتون وودز استطاعت الدول الأعضاء سحب عملات أجنبية لا تتجاوز 25 % من حصتها فى صندوق العملات، وذلك مع وضع الدولة جزءًا يساوى ما تسحبه من عملتها تحت التصرف الصندوق.

ثانيا؛ فقدان الحق فى شراء العملات الأجنبية فقدت الدول الأعضاء فى هذه الاتفاقية حقها الذى يتعلق بشراء العملات الأجنبية؛ إذا بلغ رصيد عملة هذه الدولة فى صندوق النقد 200 % من حصتها.

ثالثا: تسوية القروض: كان على الدول الأعضاء فى صندوق النقد تسوية القروض خلال مدة تتراوح بين 3-5 سنوات، من خلال إعادة شراء عملتها الوطنية المحجوزة فى الصندوق مقابل الذهب أو العملات الحرة.

رابعًا الفائدة على القروض: نصت الاتفاقية على وجود فائدة يتم فرضها عند حصول الأعضاء على القروض، وتتزايد هذه العمولة عند تزايد أجل السداد وقيمة المسحوبات.

ولكن هل أثر انهيار اتفاقية بريتون وودز على الدول النامية؟ لا شك بأن انهيار اتفاقية بريتون وودز أثر على الدول النامية، وكان له الكثير من الآثار السلبية على هذه الدول، بما فى ذلك الآثار السلبية الآتية: تدهور حصيلة الصادرات: أدى انهيار اتفاقية بريتون وودز إلى تدهور قيمة الدولار الأمريكى على الصعيد العالمى وهو ما تسبب بانهيار حصيلة صادرات الكثير من الدول النامية وكان هذا التدهور مساويًا لنسبة تدهور الدولار على الأقل.

تدهور أسعار صرف العملات: على الصعيد المحلى فى الدول النامية تسبب انهيار الاتفاقية بتدهور أسعار صرف العملات وعدم استقرار أسعار الصرف، وهو ما ألجأ بعض الدول إلى تعديل أنظمة الصرف الأجنبية. الوقوع فى المديونية: تحولت مسألة تضاعف المديونية الخارجية إلى ظاهرة عالمية فى الدول النامية مع انهيار اتفاقية بريتون وودز وفشلها، وتحولت هذه الأزمة إلى أزمة تديرها الرأسمالية العالمية خلال ثمانينيات القرن العشرين.