الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
أهمية أن نحترف يا ناس

أهمية أن نحترف يا ناس

أستعير هنا عنوان كتاب المبدع الراحل الدكتور يوسف إدريس «أهمية أن نتثقف يا ناس»، مع بعض التحريف البسيط، وهو الكتاب الذى أشار فيه إدريس إلى ضرورة الاهتمام بالثقافة لمجتمعنا، ولكنى أتكلم هنا عن ضرورة الاحتراف فى كل مناحى حياتنا، وأن تكون منهجًا بديلاً للعشوائية التى كانت وراء كوارث كثيرة، وسأضرب هنا مثالاً بالرياضة، فى الأسبوع الماضى تفوقنا بجدارة فى كرة اليد وفشلنا فشلاً ذريعًا فى كرة القدم، فى اليد فزنا ببطولة إفريقيا وحققنا انتصارات مريحة ودون معاناة على المنافسين، ومن المؤكد أن أحد أسباب هذا التفوق الذى أهلنا للعب فى دورة الألعاب الاوليمبية القادمة التى ستقام فى باريس منتصف هذا العام، وجود عدد كبير من اللاعبين المحترفين فى الأندية الأوروبية ضمن منتخبنا القومى، ومثَّل هؤلاء اللاعبون القوام الرئيسى للفريق إذ كان لدينا فى البطولة 11 لاعبًا محترفًا، ولا شك أن الاحتراف ساعد فى تطور اللاعبين ومكنهم من الوصول إلى مستويات كان من الصعب الوصول إليها إذا استمروا فى اللعب المحلى، فالاحتكاك بمدارس تدريبية مختلفة ومع لاعبين من دول متعددة منحهم خبرات كبيرة وزاد من مهاراتهم وثقتهم فى أنفسهم ومن قدرتهم على التعامل مع الظروف المختلفة، ولولا المنظومة التى وضعها اتحاد كرة اليد وتسهيله احتراف اللاعبين لما وجدنا هذا العدد الكبير من لاعبينا المحترفين الذى أتمنى أن يزيد عددهم مرات ومرات، أتحدث هنا فقط عن منظومة الاحتراف وهو ما نفتقده فى كرة القدم فى اللاعبين والإدارة، نعم لدينا عدد من اللاعبين المحترفين وهم الذين قدموا أداء مميزا بالبطولة مقارنة بزملائهم المحليين، ولكن عددهم قليل مقارنة بباقى الدول الإفريقية، ولعل الجميع لاحظ فى بطولة الأمم الإفريقية الأخيرة والتى خرجنا منها بعد أداء باهت وسيئ من دور الـ16 بضربات الترجيح أمام الكونغو.. التطور الكبير فى اللعبة لدى عدد من الدول لم تكن ضمن القوى الكروية الكبرى فى إفريقيا مثل أنجولا وكاب فيردى وجامبيا وناميبيا وغينيا وموريتانيا، والتى أصبحت تناطح كبار القارة وتهزمهم وتخرجهم من البطولة، والسبب الرئيسى فى هذا التطور هو وجود مجموعة من اللاعبين المحترفين ضمن منتخب كل دولة، فمثلا كاب فيردى كل قوام منتخبها من اللاعبين المحترفين- ما عدا لاعب واحد فقط- ويلعبون فى فرق أوروبية مختلفة ما بين الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، وكذلك ناميبيا التى يحترف لاعبوها فى أوروبا وفى دول إفريقيا المتقدمة كرويا عنها، ونفس الأمر ينطبق على أنجولا وجامبيا وأيضا موريتانيا، والدول الأخرى قادمة فى الطريق ما يشير إلى تغير الخريطة الكروية فى إفريقيا، هذه الدول اعتمدت على تسهيل احتراف لاعبيها فى سن صغيرة، فى حين أن أنديتنا تصعب جدا من احتراف لاعبينا وتطلب أرقاما مالية كبيرة ومبالَغًا فيها مقابل السماح بانتقالهم ما يعوق إتمام الصفقات ويوقف عمليات الاحتراف، ولذا مطلوب تسهيل احتراف لاعبينا وهو ما يجعل أمام مدرب المنتخب خيارات كثيرة واختيارات متعددة من اللاعبين المحترفين، ولعل البعض يقول إننا فزنا ببطولة إفريقيا من قبل ثلاث مرات متتالية بالاعتماد على لاعبين محليين كانوا يمثلون القوام الأساسى للمنتخب وقتها، وهذا صحيح لكن تطور اللعبة فى إفريقيا والعالم يقودنا إلى عالم الاحتراف، كما أن الصدفة التى جمعت عددا كبيرا من اللاعبين الموهوبين فى وقت واحد ساعد فى هذه الانتصارات بجانب أن الحظ خدمنا فى الثلاث بطولات عندما فزنا على بعض الفرق بضربات الترجيح ولو فشل أحد اللاعبين فى إحراز ضربته لكنا خسرنا مثلما تخلى الحظ عنا فى هذه البطولة وفى بطولات سابقة، أيضا الدعم الكبير الذى حظى به حسن شحاتة مدرب المنتخب وقتها ساعده على تطبيق أفكاره دون تدخل أو ضغوط، ولا ننسى أن الانتصارات هى التى أبقت شحاتة فى موقعه وكان هناك من يتربص للإطاحة به وهو ما حدث بالفعل عند أول هزيمة، ولهذا لا يمكننا الاعتماد على هذه الصدف التى لا تتكرر كثيرا، على أن الاحتراف لا يقتصر على اللاعبين فقط بل مطلوب لكل عناصر اللعبة، فألاهم أن تدير الكرة منظومة محترفة بدلا من العشوائية التى تحكم من فترة طويلة ما يؤدى إلى قرارات متخبطة واختيارات تشوبها المجاملات، الاحتراف فى الإدارة سيجعل لدينا عدالة كروية بين جميع الأندية وسيكون اتحاد الكرة أقوى من الأندية مهما كانت جماهيريتها، وسيؤدى إلى اتخاذ القرارات بعد دراسة وافية وستكون الاختيارات سواء فى التدريب أو فى الأجهزة الفنية والإدارية بناء على أسباب موضوعية، نحتاج أيضا لجنة تحكيم محترفة غير منحازة، ومطلوب بقوة تواجد الجمهور فى المدرجات بكامل استيعابها، وحلا للأندية الجماهيرية التى تعانى مشاكل مادية وإدارية كبيرة أدت إلى تقلص عددها مقابل زيادة أندية الشركات التى ليس لها جماهير تشجعها ما يفقد اللعبة أحد أهم أركانها.



المنظومة المحترفة هى الحل، وإذا لم نلجأ إليها سريعا فسنظل نخرج من تخبط إلى تخبط ومن هزيمة إلى أخرى، وعموما فإن الاحتراف يجب أن يسود حياتنا السياسية والاقتصادية والإدارية وليس فى الرياضة فقط، لقد حذر يوسف إدريس منذ 39 عاما من أننا «ننحدر ثقافيا وبالتالى سلوكيا بدرجة خطيرة وبالتالى تسود الغوغائية نتيجة لانعدام الثقافة إلى درجة تهدد فيها باكتساح وجودنا كله»، وصرخ قائلا «أهمية أن نتثقف يا ناس» وأنا هنا أصرخ «أهمية أن نحترف يا ناس».