الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري
رئيس مجلس الإدارة
هبة الله صادق
رئيس التحرير
أحمد الطاهري

تأملات فنية فى المشهد الفلسطينى

فى ظل الانتهاكات المتكررة من جيش الاحتلال الإسرائيلى، والعدوان المستمر على غزة والتى تخطت حاجز الـ 110 أيام متواصلة، نستكمل الحديث عن الأعمال الغنائية التى كان من المفترض أن تقوم بدور التوثيق للأحداث، أو تعبر عن ألم وحزن الشعب العربى بمختلف انتماءاته، ولكن ما صدر من أغنيات للأسف الشديد لم يتناسب مع حجم الحدث.



تحدثنا فى هذا الباب عن بعض الأغانى الجيدة فى هذا الشأن وأهمها (تلك قضية) التى غناها «محمد محسن» ببعض من أجزاء قصيدة «مصطفى إبراهيم»، ثم قام فريق «كايروكى» بغناء القصيدة كاملة بعد ذلك لتحقق انتشارًا جماهيريًا أكبر، خاصة بعد أن قام الكاتب والشاعر «ولاء كمال» بترجمتها لتنتشر فى بعض الدول الأجنبية، كى توضح للمجتمع الخارجى حجم التناقض الكبير الذى يتعامل به المجتمع الدولى مع القضية الفلسطينية، وتحدثنا أيضًا عن أغنية (يوسف وريم) لـ«ودود»، وتقريبًا هذه الأعمال الثلاثة هى الأفضل من بين كل ما صدر عن الأحداث التى وقعت بعد عملية 7 أكتوبر.

ومع بداية العام الجديد 2024، صدر حديثًا عن دار الهلال كتاب جديد للأستاذ «أشرف غريب» بعنوان (تأملات فنية فى المشهد الفلسطينى)، وسنجد أن كاتبنا الكبير خصص بابًا كاملًا بعنوان «طوفان الأقصى والتخاذل الغنائى العربى» ليؤكد على ما كتبناه هنا فى هذه المجلة بأن عدد الأغانى الصادرة بعد 7 أكتوبر، لا يعبر فعلًا عن مستوى الأحداث، بل بشاعتها أيضًا، كما أنه اختتم كتابه بباب فى غاية الأهمية كان عنوانه «المشهد الثقافى المرتبك»، ليضع يده على الأزمة الحقيقية التى يعانى منها الوسط الثقافى بأكمله، وليس الوسط الغنائى فقط.

ولكن أهم ما كان فى الكتاب من وجهة نظرى هو إعادة اكتشاف العمل الغنائى البديع للفنان الراحل «محمد فوزى» وهو (سترجع مرة أخرى) والتى كتبها الشاعر والسياسى الفلسطينى «هارون هاشم رشيد» فى عام النكبة 1948، وكانت تقول: «أخى مهما ادلهم الليل سوف نطالع الفجر، ومهما هدنا الفقر، غدًا سنحطم الفقر، أخى والخيمة السوداء قد أمست لنا قبرًا، غدًا سنحيلها روضًا ونبنى فوقها قصرًا».

 

والحقيقة أن هذه القصيدة التى غناها «فوزى» تصلح أن يعاد استخدامها مرة أخرى وكأنها عمل فنى جديد، وبكل تأكيد لا أعلم هل كون هذا العمل معبرًا عن هذه الأحداث التى تدور حاليًا بعد كل هذه السنوات يصب فى مصلحة المبدعين الذين استطاعوا أن يصنعوا عملًا فنيًا معبرًا عن جوهر القضية، أم أن صلاحية هذا العمل فى وقتنا هذا تؤكد حالة من الفشل، لأن ما كان يغنى له «فوزى» منذ عام النكبة 1984 لا يزال حاضرًا نعيش فيه فى 2024، فلا يزال الفلسطينيون يعانون من الفقر وظلام الليالى وقلة الموارد، ورغم تطور العالم، إلا أن الظروف لا تزال تجبرهم على العيش فى الخيم حتى وسط هذا البرد القارس!

الكتاب أيضًا يحسم الجدل المثار حول المؤلف الحقيقى لقصيدة (سنرجع يومًا إلى حينا) التى غنتها «فيروز» عام 1956، ولن أفصح عن اسمه حتى لا نقوم «بحرق» محتويات الكتاب، ولكن المدهش فى رحلة الأستاذ «أشرف غريب» لتدقيق المعلومات بشأن هذا اللغط، اكتشف أن الأغنية فى الأساس غير مدرجة فى سجلات جمعية المؤلفين والملحنين فى مصر ولا فى فرعها بفرنسا «ساسيم»، والأغرب عندما سأل عن كيف يتم توزيع ربح حق الأداء العلنى فى حين استخدام هذا العمل، فكان الرد بأن توزيع الحقوق بشكل نسبى وليس عن كل أغنية بمفردها، ما يعنى أن الفنانين يحصلون على مبلغ قطعى عن مجمل الأعمال التى قدموها! 

فى النهاية أرشح لكل القراء هذا الكتاب الممتع والجميل لما يتضمنه من معلومات وتحليلات مهمة تؤكد بما لا يدع أى مجال للشك، أننا لن ننجح فى مشاكل حاضرنا، إلا إذا قمنا بمعرفة تاريخنا بشكل جيد، وقمنا بدراسته، وتعلمنا من أخطائه.